<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل هل ينتظر الصدريون نفس مصير الإخوان في مصر؟

 

 

 

هل ينتظر الصدريون نفس مصير الإخوان في مصر؟

 

 

 

صائب خليل

13 آذار 2016

 

تصوراتي الأساسية لما يجري في العراق والوطن العربي، هو أن أميركا تنفذ إرادة إسرائيلية – أمريكية تهدف إلى تحطيم البلاد والاستيلاء على ثرواتها وإخضاع شعبها لإسرائيل. ومثلما اهدرت السعودية أموالها الهائلة لتنفيذ الأوامر الأمريكية لنصف قرن من الزمان كهراوات لتحطيم هذا أو ذاك دون ان تبني بلدا أو إنساناً، أهدر النظام الذي اسسه الأمريكان في العراق ثروات هائلة أيضا، ليسقط في الفقر الحالي، دون أن يدري أين ذهبت أمواله، في حكومات متتالية اختتمت بالعبادي.

 

العبادي رجل اميركا الذي جاء يحمل مشروع الحرس الوطني وتسهيل تصدير كردستان للنفط ولإعادة ملف النفط العراقي إلى ما قبل ثورة تموز، وهو الذي يبقي العراق اليوم اسيراً بيد الأمريكان الذين يقدمون الدعم لداعش أمام اعين الشعب. وإن كان هناك فرق بين تصرفات العبادي وتصرفات حكام الخليج في بعض الأحيان، فإنه لا يعود إلى انه اقل عمالة منهم، بل إلى إنه يعيش في وسط يختلف عن الوسط الذي يعيش فيه أولئك العملاء، وسط سياسي يجبره على ان يصرخ بين الحين والآخر بأنه ليس تابع لأميركا، وأن يتعامل بتمهل وحذر مع المهمات التي كلفوه بها في بلاده، في انتظار الوقت المناسب.

وفي العادة يقدر الأمريكان ظروف عملائهم لكنهم يواصلون الضغط عليهم. ويمكننا ان نرى انعكاس نفس الحالة على وزراء العبادي أيضا، فعبد المهدي قام بعدة مبادرات لتنفيذ المهمات المكلف بها من مشاريع لتحطيم النفط، فينادي بتغيير العقود، ويلمح لعقود مشاركة الإنتاج ويتحدث عن الأثر التدميري لسياسة عبد الكريم قاسم النفطية التي ينوي اعادتها إلى الخلف، ليعود ويتراجع في كل مرة ويدعي أنه "أسيء فهمه"!

 

كل هذا يؤشر إلى ان الخطط الأمريكية لا تسير بالسرعة المطلوبة، رغم الحال البائسة التي يجد العراق نفسه فيها. لقد نفذ المالكي الأجندة الأمريكية بشكل كبير وتدميري احيانا، لكنه كان يتوقف عند بعض النقاط، وكان الضغط واضحا عليه، حتى إنه كتب مقالة في صحيفة أمريكية عند زيارته الأخيرة لأميركا، بعنوان: "أصبروا علينا"، لكنهم لم يصبروا عليه! وكان تغييره بأيد كردستانية ومجلسية ودعم صدري ومن الكتل السياسية السنية، وكلهم توابع أمريكية معروفة.

 

ما هو السيناريو المتوقع للعراق؟ لا أحد يعلم على وجه التحديد بالطبع، لكن يمكننا ان ننظر في الأمثلة السابقة، فلطالما كرر الأمريكان سيناريوهاتهم في الماضي، وما اشبه انقلابات 63 في العراق و65 في اندونيسيا و72 في إيران و 73 في شيلي، وفي نيكاراغوا وغيرها، حتى في أدوات تنفيذها وأسمائها مثل "الحرس القومي"، و "حكومة الشراكة" الخ.

 

الصعود المفاجئ للصدر على مسرح الأحداث يثير التساؤل. فالصدر، ومنذ سنوات عديدة، لم يزعج الأمريكان أبداً، رغم وجود الكثير من المناسبات التي كان ينتظر منه ان يفعل ذلك، واكتفى عادة بالشعارات الرنانة والإجراءات التي تحد من مشاركة تياره الشديد الحماس للنضال ضد الاحتلال. وإذا كان هذا الأمر صعب القياس والتفسير فأن هناك قرارات لا مجال للشك فيها، مثل ترشيح رجل اميركا الثاني بعد علاوي، (عادل عبد المهدي) لمنصب رئاسة الوزراء، مفاجئاً جمهوره من الصدريين الذين لم تجف دماؤهم عن يد المجلس بعد!!

http://gdb.alhurra.eu/6BCDAAF0-F82E-4674-9983-6E9B61B002FD_cx0_cy45_cw0_mw1024_s_n_r1.jpg

كذلك لدى الصدر علاقات ممتازة مع جميع عملاء اميركا الأكثر وضوحا، مثل كردستان وساسة السنة، إضافة إلى المجلس الأعلى. ونلاحظ ان تصريحات الصدر ضد اميركا التي يطلقها بين الحين والآخر لا تتضمن أي تهديد حقيقي، بل تأجيل وتمديد، ولم يكن له دور في معارضة إعادة العبادي للقوات الأمريكية. كما ان دعمه لهذه الحكومة الصريحة التبعية للأجندة الأمريكية، في مشاريع تحطيم العراق إلى أجزاء وتحطيم اقتصاده وحتى في سياستها في الحرب على داعش، واضح لا يقبل التأويل. فحتى في اقصى انفجارات الصدر الشعاراتية فهو "يدعم" حكومة العبادي في مشاريعها الإصلاحية، التي لا يفهمها هو ولا يفهمها أحد على الإطلاق، من اقصى اليمين المجلسي، إلى أقصى اليسار الشيوعي، رغم ان الكل يطالب بها "بشدة" ويعطي الإنذارات والخطوط الحمر وساعات الصفر، في مسرحية كوميدية يتسابق فيها بهلوانات السياسة للتعبير عن ولائهم التام ودعمهم المطلق لـ... شيء لا يعرفون ما هو بالضبط، ويعلمون أن القضية كلها ضحك على ذقون الشعب!

 

كل الأمور، من شهادة الدكتوراه المفاجئة إلى التركيز الإعلامي الغريب تشير إلى ان هناك من يعد لمقتدى الصدر دور كبير وخطير في المخطط القادم، الذي ليس من الواضح ما سيكون دور العبادي فيه. هل سيبقى يقود الجوقة نظريا، ام سيستخدم ضحية في مشهد عنيف يعد له، ويساعد على خلق فوضى ضرورية لتوجيه ضربة ما؟

من الصعب تقدير الدور الذي سيعطى للعبادي، فهو عميل لا يقول لأميركا أف، لكنه أيضا رخيص وغير موهوب في التمثيل. كما انه خارج من وسط يحد من حرية وسرعة حركته في تنفيذ الأجندات الأمريكية الإسرائيلية، وهو السبب الرئيسي الذي قضى على المالكي قبله.

 

لكن ما يهمني هنا هو دور ومصير التيار الصدري في السيناريو الذي أتوقع ان اميركا تعده، وأنا أخشى أنه سيكون عنيفاً، وربما عنيفا جداً. فرغم ان التيار قد تغير كثيراً وحتى لو اخترقت أميركا قياداته، فهي لا تضمن ولا تحب قاعدته الكبيرة ولا قدرتها على التنظيم الهائل لملايين الناس، المعادين بشكل كبير لها والمقسمين على كراهية سياستها، إضافة إلى شجاعة مقاتليهم واستعدادهم للموت في سبيل مبادئ تيارهم وإطاعة قادتهم. كل هذا يجعل منهم هدفا يجب التخلص منه.

 

هذه الصفات تشبه كثيرا صفات الإخوان المسلمين في مصر! فرغم الفوارق الكثيرة، فالفريقان يتشابهان في نقاط أساسية أيضا تتمثل بقيادة مخترقة، قدرات تنظيم جماهيري عالية جداً، وجمهور يتحرك بدوافع دينية أو مذهبية قوية وشديد الكره لأميركا، وله قدرة كبيرة على التضحية والصمود.

كيف تصرف الأمريكان في مصر؟ مكنوا الاخوان من الحكم اولاً (لنقل أنهم لم يعترضوا على ذلك، ولم يسعوا لعرقلة وصولهم للحكم، لا بشكل مباشر ولا من خلال عملائهم المسيطرين على الجيش) بل قام الجيش المصري المخترق حتى اصغر ضابط فيه، لعقود عديدة من السنوات، بحماية التظاهرات واوصل الأمور إلى ما وصلت اليه.

لكن الإخوان المسلمين، رغم تملق قادتهم لأميركا ولإسرائيل ذاتها، كانوا يعدون عدوا للأمريكان والإسرائيليين ومعرقلين لخططهم المستقبلية، لذلك اعدوا لهم خطة لتحطيمهم تستفيد من خصلة تطرفهم في تنفيذ التعليمات الدينية، فتركوهم يحكمون فترة من الزمن، وربما دفعوا عملائهم في داخلهم إلى الضغط من اجل التطرف، بدرجة كانت كفيلة بتأليب المصريين عليهم لكثرة تدخلهم في شؤون الناس ومحاولتهم فرض إرادتهم عليهم في الملبس والمأكل والمشرب وكل شيء، وبالتالي تهيئة الجو لرجل إسرائيل المنقذ، وزير الدفاع في حكومة مبارك، أي السيسي، ليقود الجيش فيعتقل الرئيس مرسي ورفاقه ويقوم بحملة مذابح شرسة للغاية لحزبه وجماهيره وسط تعتيم إعلامي مصري ودولي هائل، قياسا بالمجازر التي ارتكبت.

 

ثم تم إعادة ذات القطط السمان التي كانت تحكم أيام مبارك والتي كانت الثورة كلها من اجل إزاحتها، كما حصل مبارك على "براءة" وبقي مرسي في السجن وحوكم لتخابره مع "العدو" (الفلسطينيون، عدو إسرائيل – ببساطة) ولم يشفع له "صديقه" السفير الإسرائيلي، كما لقبه في إحدى رسائله المتملقة. والمدهش أيضا أننا نجد حتى رموز اليسار المصري الصامد، قد فقدت راسها وفرحت بعودة عملاء إسرائيل رغم أن تحرر مصر من الخنق الإسرائيلي المهين كان من اهم النقاط التي أطلقت من اجلها التظاهرات!

 

فماذا كانت النتيجة النهائية لذلك الربيع المصري الذي ملأ الدنيا ضجيجاً؟ ابدال مبارك بوزير دفاعه، وإقامة مذبحة للأخوان المسلمين ولحلم الديمقراطية وتحول اليسار المصري إلى بهلوان يصفق لحاكم إسرائيل على بلاده، وعودة رجال الأعمال الفاسدين الذين تميز بهم نظام مبارك إلى الحكم، مع نشر إرهاب حكومي ربما فاق إرهاب حكومة مبارك، اسكت الصحافة والناس بكل عنف، ولم يعد أحد يسمع لمصر همسة! كانت المؤامرة تتكون من مرحلتين: تأمين وصول الأخوان إلى السلطة لكي يروا الناس "الموت"، ثم تقديم عميلهم ليمثل "الصخونة" فيقبل به المصريون بلا تردد!

 

يبدو لي أن السيناريو قد يكون مشابها مع الصدريين، ودون أن يعلموا. فقيادتهم مخترقة بلا شك، وبرلمانيوهم لم يعودوا أولئك الذين قاوموا الاحتلال والمعاهدة، وأطلنا يومها في امتداحهم والإعجاب بهم، بل صاروا يركزون على الخصخصة والتحالفات مع المشبوهين من الساسة الأقرب إلى الأمريكان. ويمتلك الأمريكان، من خلال تجسسهم على وسائل الاتصال العامة ومن خلال العدد الهائل الذي تم اعتقاله في الماضي من الصدريين في السجون الأمريكية، معلومات كثيرة ربما لا تقل عن المعلومات التي كانت لديهم عن الإخوان المسلمين ومكنتهم من تسليم الأمن المصري الأسماء والخطط لكل القادرين على تنظيم أي تحرك. ولولا ذلك ما تمكن هؤلاء من تحطيم هذا الحزب الهائل بهذا الشكل. لذلك يجب ألا يغتر الصدريون بحجمهم وقوتهم واستعدادهم للتضحية والقتال. فسيجدون أنفسهم بلا قيادة توجه هذا الحماس وتلك الشجاعة. إنهم أعداء الأمريكان في جيناتهم، والأمريكان يعرفون ذلك جيداً، ولا يهدفون إلا إلى تحطيمهم بالعنف أو بغيره، ومهما تم اختراق قادتهم وأبدى هؤلاء الولاء لهم.

قد لا يكون هذا هو السيناريو المخطط أمريكيا بالفعل، لكني لا أرى طريقة أخرى يتم لهم فيها التخلص من هذه الجموع الكبيرة المنظمة المستعدة للقتال، والتي تحرج كل عملائهم وتزعج تقدمهم في تنفيذ اجندتهم، سوى مثل هذا السيناريو. كذلك فأن النتيجة الباهرة التي حققها الأمريكان والإسرائيليون في مصر بإعادة رجالهم إلى الحكم وطبقة الفاسدين كلها، وتخلص عميلهم على رأس الحكم من الضغط الشعبي والكره الشعبي، وتأديب كتل الشعب المنظم، سواء اليساري أو من اخوان المسلمين، ودفع الشارع المصري إلى اليأس بعد كل ما حدث، إنجاز هائل لا يمكن تجاهل إغراء تكراره في بلدان أخرى. لذلك توجب الاستعداد للقادم، فالعبادي لم يتمكن من تنفيذ كل خطط اسياده بعد، ومازال قانون النفط لم يقر ولم تلغ جولات التراخيص او يقر قانون "شركة النفط الوطنية" الجديد (رغم ان العمل جار اليوم على قدم وساق وراء الكواليس لإعداده وجعله نواة خصخصة النفط).

 

لا شك ان الأمريكان ليسوا سعداء بكل ذلك التأخير. وهم يدركون ان الشعب وبشكل خاص جماهير الصدريين هم من أكثر من يزعج عملاءهم ويقلقهم، وقد يعرقل افتراسهم لثروات البلاد، لذلك فعلى هؤلاء ان يستعدوا للأسوأ. فمن قرر أن ينازع الذئب على فريسته، فعليه ان يستعد لنهش انيابه. الأحمق هو من لا يتعلم الدروس من غيره، وأمامنا في إخوان مصر مثال لا يخطئ الفهم!

 

 

 

تاريخ النشر

16.03.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.03.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org