<%@ Language=JavaScript %> صائب خليل الإرهاب يضرب مرتين دائماً!

 

 

الإرهاب يضرب مرتين دائماً!

 

 

 

صائب خليل

 

 

1 آذار 2016

 

في سياق متابعة جرائم موجة الإرهاب الأخيرة المفجعة، قرأت اليوم تعليقا قصيرا لزميل في الكتابة، يعلن فيه مذبحة مدينة الصدر بالشكل التالي: "مقتل واصابة 93 شخصا.. الحصيلة النهائية لتفجيري مدينة الصدر" ليختتم ساخراً: "عاشت الأخوة الشيعية السنيّة"!

ثم أضاف في تأبين لشهيد من اقاربه كلمات أشد قسوة في طائفيتها. وسوف لن نؤاخذه عليها لهذا الظرف، ولكن لا مفر من التذكير، بأنه بالذات في الظروف الأقسى، تكون الحاجة للعقل أكبر، خاصة وأن الإرهاب يستهدف العقل بالذات، لذا اقتضت الضرورة أن نحلل ونفكر، حتى في أشد الظروف قسوة، وهذه محاولة من الكثير، لتحليل الإرهاب الذي يضرب العراق منذ أكثر من عقد من الزمن.

 

https://fbcdn-sphotos-a-a.akamaihd.net/hphotos-ak-xlt1/v/t1.0-9/12799373_1245548242128988_5241872040220842711_n.jpg?oh=e4424fad8b7e7b2727a2352f0885d13d&oe=576B8584&__gda__=1466197920_73670bfef49c795895c355eb9f0b2bac

 

الإرهاب قتل، ولكنه ليس قتل فقط.. إنه قتل موجه بغرض تحقيق "تأثير معين"، فالقتل ليس سوى الخطوة الأولى في سلسلة الإرهاب. ورغم أنه الجزء الأكثر بشاعة وإثارة للغضب والخوف، وهو الذي يجذب الاهتمام والتركيز والاعلام، إلا انه في الحقيقة الجزء الأقل أهمية بالنسبة للإرهابي! القتل يخلق الغضب والخوف والكراهية، لكن الخطوة التي تحقق الهدف هي الضربة الثانية: توجيه الغضب أو توجيه الخوف ليصيب الهدف، ويحقق الهدف النهائي: "الفعل المطلوب". وهذا "الفعل المطلوب" قد يكون "الحرب الأهلية" أو "هجرة طائفة معينة" أو "الاستسلام لشروط معينة".. الخ. فالإرهاب يبدأ بـ "القتل الإرهابي" وهدفه تحقيق "الخبر الإرهابي" الذي يهدف بدوره إلى إحداث "الفعل المطلوب".

 

والإرهابي حين ينفذ ضربته الأولى، فهو يحسب الحساب مقدما للضربة الثانية القادمة. لننظر إلى بعض أحداث الإرهاب، ولنبدأ بواحد من أقدمها، وهو ذلك الذي حدث في فترة حكم الجعفري القصيرة، حين امسك مجندان بريطانيان متلبسان بجريمة محاولة تفجير حسينية في البصرة، وتم اعتقالهما ونشرت صورهما ثم قامت القوات البريطانية باختراق السجن بالدبابات وإطلاق سراحهما.

أول شيء نلاحظه في تلك الجريمة هي أن المستهدف كان حسينية! ولو كان المجرمان سنيان، لأخذنا بنظر الاعتبار احتمال ان تكون الطائفية وراء الهدف، لكنهما كانا بريطانيان أصليان، وافترض انهما اما مسيحيان، او ربما يهوديان، فلماذا كانا يريدان تفجير رمز مذهبي؟ لأنهم سيستطيعون بسهولة بعد ذلك توجيه الحقد والخوف والكراهية الناتج من التفجير، إلى السنة، ثم لتحقيق الفعل المطلوب مثل "شيوع الطائفية" و "الحرب الأهلية". ولذلك نرى أن نسبة عالية جدا من اعمال الإرهاب تمت في الجوامع السنية والحسينيات والكنائس إيضاً.

 

الجناح المكلف بالضربة الثانية من الإرهاب، هو دائما الإعلام، حيث يستلم الذخيرة التي انتجها القتل ويقوم بتوجيهها بشكل اقوى وأكثر دقة، من خلال كتابة مقالات الرأي المناسبة وصياغة الأخبار بطريقة مناسبة. فإذا كانت الضربة الأولى هي تفجير مسجد سني، فسيتولى الإعلام الضربة الثانية بأن ينقل الخبر وفي اسفله عبارة تبدو "بريئة" وعديمة الأهمية، مثل: "... ويذكر أن ميليشيات المهدي تسيطر على تلك المنطقة"، أو "... وكانت المنطقة قد شهدت اضطرابات واعمال عنف طائفية في الأشهر الأخيرة"، أو "... ومن المعلوم ان السيد كذا قد أفاد ان ميليشيات تدعمها إيران ....". هذه العبارات "البريئة" والتي تبدو ملحقة ولا أهمية لها، هي في الحقيقة الغرض من كل الخبر، والهدف من كتابته والصرف على وسيلة الإعلام التي تنتجه. إنها هي التي تقوم بالعمل الإرهابي الثاني الذي يوجه نتيجة العمل الأول نحو "الهدف"، والتي لا يكون الإرهاب بدونها إرهابا، بل مجرد عمليات قتل!

 

فرق أساسي بين القتل والإرهاب، ان الهدف في الأول هو الضحية المقتولة، أما في الثاني فالهدف هم الأحياء الذين سيسمعون "الخبر الإرهابي"، ويتصرفون بتأثيره. أما القتلى فليسوا سوى “وسيلة”، لذلك لا يهتم الإرهاب بشخصية القتلى بل بما يمثلونه بالنسبة للباقين من الأحياء، هدف الإرهاب الحقيقي.

في عملية كنيسة سيدة النجاة كان هناك اتصال حي بين الإرهابيين وفضائية البغدادية، لنشر الخبر بأوسع ما يمكن بين الأحياء المطلوب التأثير عليهم. فقد كان الهدف هو تهجير المسيحيين من العراق، لذلك حرصوا أن تكون "الضربة الثانية" مدوية!

الإرهابيون كانوا حريصين جدا على أن لا يقتلوا كل الموجودين، وكان ذلك باستطاعتهم في اقل من دقيقة، لكن القتل لم يكن هدفهم، بل تعمدوا ترك أكبر عدد ممكن من الناجين المرعوبين، لينقلوا صورا مريعة حيثما ذهبوا! كانت مهمة هؤلاء القيام بـ "الضربة الثانية" للعملية الإرهابية، إضافة إلى الصحفيين وقناة البغدادية، كما أوضحت في مقالتي السابقة حول الموضوع.(5)

 

إضافة إلى النشر، كثيرا ما يقوم الإعلام بتضخيم بشاعة القتل الإرهابي قدر الإمكان. ويبدو أن  فراس الغضبان الحمداني  قد كلف من جهة ما، بإضافة دراما إضافية لمجزرة كنيسة سيدة النجاة، فكتب: "تم قطع رأس القس ثائر عبدال والقس رائد عبدال والشماس نبيل وفصل رؤوس عائلة جان وزوجته وطفلهم الرضيع وكذلك فصل رأس طفلة تبلغ من العمر عشرة سنوات وجميع حالات الذبح وفصل الرؤوس جرت أمام الحاضرين والمحاصرين داخل الكنيسة".(1)

لكني كنت قد سمعت شهادات شاهدتين من الناجيات من المجزرة، تختلف تماما عن قصة الغضبان. كتبت لفراس الغضبان الحمداني أسأله عن مصادره فلم يجب، فكررت وطاردته ولم يجب وأخيرا كتبت مقالة عنوانها: " يا فراس الغضبان الحمداني، نريد أن نعرف من اين لك القصة الملفقة عن قطع الرؤوس؟"(2) وحين لم يجد مفراً، أجاب الغضبان بمقالة عنيفة (3) عنوانها " صائب خليل يدافع عن جرائم الإرهابيين في كنيسة النجاة"!

 

لماذا خاطر الإرهاب بفضح اعوانه بهذه الكذبة؟ من مميزات عمليات الإرهاب عن غيرها، العنف المبالغ به. فأنت تريد رعبا أو غضباً ينتج فعلا، وهذا قد يحتاج إلى أكثر من القتل الاعتيادي. وفي سينما الرعب هناك مبدأ معروف يقول: اللحم والدم يبيع التذاكر، وكلما كان اللحم والدم أكثر كلما بيعت تذاكر أكثر (Flesh and blood sells; more flesh and blood sells better).(4) وهذا ينطبق على عمليات الإرهاب، لأنها في حقيقتها ليست سوى مسرحية دموية، تهدف إلى التأثير على جمهور معين بطريقة معينة! ولهول الجريمة فضيلة أخرى هي أنها تردع التفكير، وتسهل بالتالي مرور القصة. فالمطلوب هو نشر الرعب بأكبر سعة ممكنة وأكبر تأثير ممكن.

 

ومن المميزات الأخرى لجريمة الإرهاب هي أنها توجه غالباً إلى الناس العاديين، وليس ممن لهم أهمية سياسية أو قيادية. وسبب هذا الأمر الغريب، بسيط. فالمستهدف للتخويف هو المواطن العادي. ولكي يشعر هذا بالخوف، فيجب ألا يستنتج أن الإرهاب يتجه إلى القياديين دون غيرهم، وأنه ليس مشمول بالخطر، ولذا فإننا نرى التفجيرات في الأسواق العامة بكثرة. وينطبق هذا الأمر على المدن أيضاً، حتى لو لم تشارك في أي من الخنادق المتحاربة، ولم يكن لها أية أهمية. فيجب ان تفهم كل المدن أنها مستهدفة.

 

ما حدث في مجزرة دير ياسين الفلسطينية مثال ممتاز. لنأخذ جزء من رسالة آينشتاين عن الموضوع لمجلة نيويورك تايمز 1948 :

"ان ما حدث في قرية دير ياسين العربية مثال على سلوكهم المثير للاشمئزاز. تقع هذه القرية على إحدى الطرق الرئيسية، ومحاطة بأراض يهودية، ولم يكن لها أي دور خلال الحرب، لا بل انها رفضت المحاولات التي قامت بها المجموعات العربية المسلحة لاستخدامها كقاعدة لها ((قرية لا أهمية لها = كل القرى مستهدفة)). في التاسع من نيسان (حسب نيويورك تايمز) قامت العصابات الإرهابية بمهاجمة هذه القرية المسالمة، والتي لم تكن تشكل أي هدف عسكري في القتال، وقتلت الغالبية من السكان، رجال ونساء وأطفال، بلغ عددهم 240 شخص. وقد أبقوا على بعض الأحياء ليتم استعراضهم فيما بعد في شوارع القدس. ((الناتج الأساسي للارهاب)) ... الإرهابيون كانوا أبعد من ان يشعروا بالخجل من فعلتهم، بل على العكس انهم يتفاخرون بمجزرتهم، إذ سعوا الى نشر الخبر على نطاق واسع، وقاموا بتنظيم رحلة للمراسلين الأجانب الى دير ياسين ليقفوا بأنفسهم على حجم الدمار. ((الضربة الثانية بأكبر حجم ممكن، لأكبر تأثير ممكن))"

كذلك يروي الفلسطينيون الذين عايشوا المجزرة أن الإسرائيليين لم يسعوا إلى إخفاء الجريمة أو التقليل منها بل على العكس، أضافوا قصصاً لتزيد من الرعب الناتج عنها.

فالرعب هو الناتج النهائي الذي كانت تبغيه العملية كلها وليس القتل بحد ذاته. وبالفعل، نجحت الخطة، فسارت الجيوش الإسرائيلية في مناطق القرى العربية بعد ذلك "كما تسير السكين في الزبدة" حسب وصف أحد الإرهابيين ((الفعل المطلوب)). إن مشاهد العنف الأكبر ونشرها، هو ما خلق ذلك النجاح، وليس القتل نفسه.

 

ماذا يحدث عندما لا تساعد طبيعة العملية الإرهابية، على توجيه نتاجها من الخوف والغضب إلى جهة معينة؟ في العادة يتجنبون مثل هذه العمليات، لكن ذلك ليس ممكن دائما.

في بداية عام 2007 حيث كانت موجة الإرهاب مازالت عالية، كتبت مقالا بعنوان "إرهاب بريء من الطائفية" حاولت ان أنبه فيه الى علامات تؤكد أن الإرهاب قد تكون له أسباب أخرى غير الطائفية. وكان الإعلام شديد التركيز على أن الطائفية وراء الإرهاب، املا بإشعال الحرب الأهلية. وفي مقالي أشرت إلى مقال كتبه الصحفي (السيء) المعروف توماس فريدمان في النيويورك تايمز تحت عنوان: "مارتن لوثر كنك؟" يقول فيه: " لا أستطيع ان افهم كيف ان الذبح الجماعي لـ 70 من طلبة جامعة بغداد في الأسبوع الماضي من قبل الانتحاريين السنة."

 

وكان فريدمان يشير إلى جريمة تفجير جامعة بغداد في تلك الفترة حيث مزق انفجار انتحاري مجموعة من الطلبة جلهم من البنات، يقفون امام باب الجامعة في انتظار الباصات التي كانت ستنقلهم الى بيوتهم. هذه المجموعة، لم تكن لها اية صفة طائفية مميزة معروفة او يمكن رؤيتها او فحصها او حتى تقديرها بشكل عام. فمن يستطيع أن يعرف طائفة الطالبات الذين يقفن امام باب جامعة كبيرة مفتوحة للجميع بلا استثناء في مدينة يبلغ سكانها الملايين وتختلط فيها الطوائف أكثر من اي مكان اخر في العراق؟ أين الطائفية في هذا؟

طبعا فريدمان ليس لديه جواب لهذا، ولا يهمه، فهو كبوق أمريكي معروف، مهمته أن يوجه الإرهاب الذي تقوم به الفرق الأمريكية وحلفاؤها، بالاتجاه المناسب لإشعال الحرب الأهلية، فيفترض أن الدوافع "طائفية" ويتظاهر بالحزن. أما ان يكون من غير المعقول أن تكون هذه هي الدوافع، فهو أمر لا يعنيه.

 

بنفس الطريقة كنا نقرأ في تلك الفترة ان من فجر حزامه في باص وسط بغداد كان مدفوعاً بمشاعره الطائفية ليقتل 20 مواطناً لا يعلم شيئاً عن طائفيتهم او دينهم ويجرح 20 اخرين مثلهم. وكذلك يفترض أن يثار التساؤل عن الصفة الطائفية لجريمة قصف ملعب الزوراء حيث كان يتدرب لاعبون من مختلف الطوائف والأديان! إننا لم نعلم حتى ما هي طائفة من قصفهم، ولم يكن هناك أي مؤشر عليها لأن اللاعبين كانوا مختلطين تماماً، ولنفس السبب لم يكن هناك أي مؤشر على طائفة من فجر نفسه في مسافري كراج النهضة قبل ذلك بفترة وجيزة.

 

ويمكننا ان نفهم دوافع فريدمان والاعلام الأمريكي في العراق، لحشر الطائفية عنوة كدافع للجريمة، لكن المؤسف هو أن يكرر البعض من كتّابنا ما يقوله هؤلاء بمقالات و “تحليلات” و “دراسات” تاريخية، دون أن يسألوا الأسئلة البسيطة أولا، فيقعوا ضحية ساذجة وبسيطة في المخطط، ويسهمون بأنفسهم تطوعاً، بإنجاز الجزء الثاني والخطير من مسلسل العمل الإرهابي الذي يستهدف شعبهم ويستهدفهم، ، والذي لا يكون الإرهاب بدونه إرهابا!  

 

 

 

(1) تفاصيل مثيرة عن مذبحة كنسية النجاة في بغداد / فراس الغضبان الحمداني

http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=20381

(2) يا فراس الغضبان الحمداني، نريد أن نعرف من اين لك القصة الملفقة عن قطع الرؤوس؟

http://almothaqaf.com/index.php/aqlam2009/20899.html

(3)  صائب خليل يدافع عن جرائم الإرهابيين في كنيسة النجاة

http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=20988

(4) Flesh and blood sells; more flesh and blood sells better

 http://www.imdb.com/title/tt0199528/usercomments

(5) مجزرة "سيدة النجاة": نقاط مريبة http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=20785

 

 

 

 

تاريخ النشر

02.03.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

02.03.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org