<%@ Language=JavaScript %> نوري جاسم المياحي ذكرياتي عن أمانة أيام زمان ولصوصية اليوم

 

 

 

ذكرياتي عن أمانة أيام زمان ولصوصية اليوم

 

 

 

نوري جاسم المياحي

 

 

انا لا ادري لماذا يسيطر علي ( واهس الكتابة)  عن ذكرياتي عن أيام زمان والمقارنة بما يجري في هذه الأيام ....ويوما بعد يوم ازداد قناعة بأننا نعاني من أزمة قيم واخلاق ...

وساقص عليكم نماذج من الأمانة أيام زمان واللصوصية وفساد الاخلاق وقباحة اللسان والحجة المنتشرة هذه الأيام ..وكما تعلمون انني رجل مسن وبالتاكيد مررت بتجارب ومواقف حياتية عديدة وشاهدت أناس كثيرين منهم الطيب الأصيل ومنهم النذل الحقير ...واتألم مما يحدث هذه الأيام ..

اليوم شعوري بالحزن والالم .. ليس على نفسي ...وانما على اولادي واحفادي وعلى مستقبل شباب وأطفال العراق ..فانا مؤمن ولست خائفا من رحلة حياتي لانها قاربت على نهايتها ...ومجنون من لايؤمن بان الموت حق وقريب منه واقرب من حبل الوريد ...ولكني وبحكم ما تربيت عليه فانني أتمنى لكل الناس ما اتمناه لعائلتي واهلي ..

ومن منا لم يقرأ نصيحة الامام علي ابن طالب (ع ) احب لاخيك ما تحب لنفسك ...وشرح الامام ما يقصد به بكلمة الأخ ...اما اخيك في الخلق او اخيك في الدين ...

وسأقص لكم هذه الحادثة التي وقعت قبل 70سنة كمثل لأنها كانت ظاهرة اعتيادية في كل المجتمع العراقي ...

كنت مع امي في زيارة مرقد الامام في النجف الاشرف ...وبعد اكمال الزيارة وعند باب الخروج وجدنا سوار تبين انه من الذهب الخالص والوزن الثقيل ...وحتى هذه اللحظة أتذكر كيف وقفت امي تنتظر أحدا يسال عن فقدان السوار ولكن لم يسأل أحد وعند العودة للبيت .. سمعتهم يقولون لأخي رحمه الله ...اذهب ودق اعلان على باب الصحن ...معلنا على من فقد الصيغة الذهبية ان يراجع لاستلامه ...وفعلا وبعد يومين حضر رجل وامرأة واعطوا مواصفات السوار واخذوه شاكرين ...وحتى يومنا هذا أتذكر علائم الفرحة الغامرة والسعادة التي احست بها صاحبة السوار وكم كانت ممنونة وفرحانة ..

وهنا لابد لي من إيضاح بعض المعلومات التاريخية ...كان سعر مثقال الذهب في ذلك الزمن لم يكن يتجاوز الدينار وبعض الدراهم ولكن السوار كان من النوع الثقيل لأنه مصاغ من عدد من الليرات العثمانية (أي سبائك نقدية) وهذا يعني كانت قيمة السوار تعني ثروة في ذلك الزمان ... ومع هذا الاخلاق كانت ترفض أي طمع بمال الغير وحتى لو كان مال قارن ...وهذه صفة الغالبية العظمى من العراقيين...وكم من فقير كان يوصف بزكي النفس وابي وبعزة النفس ويستنكف من اكل المال الحرام ..مهما بلغت قيمته ...

وتحضرني حادثة ثانية وقعت معي قبل حوالي 40 سنة ...ففي السبعينات أيام كان اهل العراق بخير ومتمسكين بالقيم والأخلاق السائدة عندهم آنذاك ...كان عندي حساب في مصرف الرافدين وحسبما اذكر فرع الوثبة وقرب حافظ القاضي ...

وفي احد الأيام ذهبت للمصرف لكي اودع مبلغ خمسة الاف دينار ( لأنني كنت قد بعت داري في زيونة بمبلغ 30 الف دينار)  ...وكان الروتين آنذاك ان تملي استمارة البنك الخاصة بالإيداع  وتكتب فيه المبلغ الذي تريد ايداعه وتأخذ الاستمارة لأمين الصندوق وتسلمه المبلغ ..وهو يوقع إيصال باستلام المبلغ وتنتهي العملية ... ولكنني أخطأت فأعطيته 6 الاف بدلا من ال5 الاف ... وكان باستطاعة امين الصندوق ان ( يدغلص ) ويبتلع الالف دينار الزائدة  وحتى انا لاعتقدت انني ضيعت المبلغ ولا اتهمه ...

 وللمعلومات كان مبلغ الالف دينار في ذلك الوقت يعتبر مبلغ ضخم لان راتبي الشهري حينذاك وكنت ضابط في الجيش العراقي كان بحدود 50 دينار ...

وعندما تركت امين الصندوق وقبل وصولي الى باب الخروج من المصرف ...احسست احدهم يطبطب على كتفي وعندما التفت اليه ...قال لي ان امين الصندوق يريدك ... فاستغربت وعدت اليه مستفسرا .. فبادر بأعطائي حزمة الالف دينار... قائلا بلهجة مؤدبة رائعة ... أخي ..انت اعطيتني هذه الالف زيادة عن المبلغ المكتوب ... فشكرته شكرا ليس بسبب المبلغ وانما اعتزازا واحتراما لأمانته وشرفه المهني ...ولاسيما ان راتبه الشهري لم يكن يتجاوز الثلاثين دينار أي الالف كان يعادل راتبه لثلاث سنوات ومع ابت نفسه الطمع بالمبلغ ... هذه الحادثة وعلى بساطتها بقيت منقوشة في ذاكرتي لنبلها ..

وبمناسبة الحديث عن النقود العراقية وكلمحة تاريخية سريعة جدا  ففي الاربعينات والخمسينات كانت لها قيمة وكانت الناس يستخدمون العملة المعدنية كالفلس والفلسين والاربعة فلوس والعشرة فلوس والقران (عشرين فلس )  والريال 200 فلس  فقد كانت حزمة الالف دينار التي اعادها لي ( الحزمة كانت تتألف من مئة ورقة ذات عشرة دنانير ) وهي تعتبر آنذاك أي في السبعينات وقبل الحرب الإيرانية المشؤومة اعلى قيمة نقدية ورقية للعملة العراقية  وكم احس اليوم بالحزن والاذلال كعراقي عندما اشاهد عملتنا بالحضيض ولاسيما بعد توزيع ورقة نقدية من الزرق ورق الملونة بقيمة 500000 دينار وكل ذلك ببركات النظام الفيدرالي المحاصصاتي الطائفي ...

وكما يقول العراقيون ...الحجي بالتفاطين ...والشيء بالشيء يذكر ...اذكر هتافات المتظاهرين الذين يحبون الزعيم عبد الكريم قاسم لأنه الغى العانة (أربع فلوس) واستبدلها بالخمسة فلوس (لأنها اسهل في التعامل بالنظام العشري) ...فكانوا يرددون فرحين (عاش الزعيم اللي زيد العانة فلس)  ..على أساس انه انجاز نقدي .. وما لأهمية النقد في حياة المواطن

ولكن عندما زيد سعر غالون البنزين (يعادل 5 لترات) عشرة فلوس من 60 فلس الى 70 فلس قامت الدنيا ولم تقعد لأنه زيد سعر اللتر فلسين ...فاضطر واستجابة لطلب المتظاهرين الى الغاء الزيادة ...رحمك الله يا عبد الكريم فكم كنت رحوما ومحترما لحقوق شعبك ...

اما اليوم فاقل زيادة في سعر لتر البنزين هي 250 دينار ..بحجة محسن وغير محسن والله وكيلكم ... كلها كلاوات وضحك على المواطن ...وما يثير استغرابي وعجبي ...رؤيتي للمواطن وهو يأكل الكفخات والدمغات يومية وهو ساكت ...واسألكم بالله ..احقا هذا الشعب هو نفس الشعب العراقي في الخمسينات والستينات ؟؟؟ اترك الجواب لكم ..

والان سأعود بكم الى رباط الحجي واللي دفعني للكتابة للتنفيس عن همومي وغضبي لأنني اعلم ان الفساد واصل للنخاع وما يفيد وياهم الحجي ...ومع هذا لازم افضفض عن همي فنحن أصبحنا في زمن فيه الأمانة خيانة واللصوصية وطنية !!!!!!!!! ما اعجبك يأزمن

بالأمس ذهبت لاستلام راتبي التقاعدي بعد خدمة 35 سنة كضابط في الجيش العراقي وعندما تقاعدت قبل 25 سنة و برتبة القادة مال أيام زمان أي باستحقاق حقيقي وليس خدمة جهادية او منحت رتبة دمج ......

وكل شهرين اذهب لاستلام الراتب من مصرف الرافدين فرع أبو غريب ...اي نفس المصرف الذي حدثتكم أعلاه ولكن بفارق زمني قدره 40 سنة بين الحدثين ... ومن أمناء صتدوق مختلفين ...رجل وامرأة يحملان الجنسية العراقية ..

ومن سوء حظي العاثر في هذا اليوم ان تكون امينة الصندوق امرأة وواضح عليها الخير الوفير من اللحم والذهب ...فوزنها أقدره بالمئة كيلو والعراقي وزيادة وعندما يريد وصفها العراقي بطريقته الشعبية يصفها (بيب عنبة) البيب باللهجة البغدادية أي برميل خشبي ومنفوخ من الوسط وتستورد فيه العنبة الهندية للعراق وكعادة العراقيين بالتشبيه فاستخدموه بالأمثال الشعبية البغدادية وربما البصراوية... للشخص السمين فوق العادة ...ويمكن إطلاق هذا الوصف عليها. والخير باين وليس مقصورا على اللحم وانما كانت مدشدشة بالذهب سوارات ومحابس اشكال والوان واثار الحمرة على الشفتين ...واكيد ما خفي خيرات أعظم ...وكل هذا اكيد من فضل ربي الذي جعل من البعض بيب عنبة والاغلبية العظمى من أبناء الشعب عود مال شخاط بسبب الجوع والفقر.

وأيضا من سوء حظي العاثر هذا اليوم ...اول ما وضعت إصبعي وبصمت على جهاز الكي كارد خرجت ورقة الحساب تركض وليس كعادتها كل مرة حيث تتأخر وبالفرك والدعج والدعاء وبعد قطع النفس تطلع القائمة والسبب هو بصمات اصابعي ممسوحة بحكم التقدم بالعمر ...وبما اني محتاج لاستلام الراتب في هذا اليوم فلم انتبه لعدد المنتظرين الكبير بالسرة ...

وهنا لابد لي ان الإشارة وذكر طيبة العراقيين واحترامهم للكبير بالسن ولاسيما في منطقتنا في أبو غريب الحبيبة فهم عرب ولازالوا يعرفون الأصول ... فتسارع بعضهم بالقيام لي من مكانه الجالس عليه فوق الصبة امام امينة الصندوق وهو يطلب مني ( عمي اتفضل اقعد ) ...نعم هذه الاصالة العراقية والأخلاق الراقية هي من بقايا اخلاقنا الاصيلة وكما يقول المثل الشعبي العراقي ( لو خليت لقلبت ولازال بعض الخير موجود ) ...

وبعد فترة انتظار أكثر من نصف ساعة والحر اللاهف والذي لا يطاق والصحة معلعلة ...كلمت امينة الصندوق...ابنتي بلكت تمشيني ما بي حيل انتظر هواية .... واذا بي افاجأ بسيل من المحاضرات في التربية الوطنية ...وكأنها تخوض معركة انتخابية فكانت تخاطب الواقفين من المسحوقين رجالا ونساءا ...شوفوا الحجي يريد يضرب السرة ... فسكت على مضض

وبما انني متورط وهوية الكي كارد عندها وسحبت قائمة الراتب لكنت انسحبت بهدوء واحترمت نفسي فتحملت خطابها الوطني بصبر غير معهود مني في شبابي ...وكنت مجبر على الانتظار لعدة ساعات ...استجابة لليقظة الوطنية وثرم البصل المستورد براس الحجي المسكين والذي هو انا ..وانا ساكت والعن بصمت وطنية اخر زمان  وكل العملية السياسية المشؤومة ..

وهنا كفرت وعلى الطريقة العراقية سألتها عن أحد موظفي البنك العرف كما يقال (أبو فلانة التميمي موجود ؟؟) فلم تجبني ...وسألتها عن أحد أصدقاء ولدي وهو أيضا موظف في البنك ...وإذا بها تزمجر بغضب وتسألني بلهجة تفتقد الى الحس النسوي الرقيق (شتريدني اكوم واروح ادور الك عليهم ؟؟؟) تفتح قريحتها بالوطنية من جديد ...وكل هذا الخطاب موجه للحشد المتجمع امام القفص الذهبي للست .. وانا الوم نفسي وأقول شجابني اليوم ؟؟ ساعة السودة على الراتب وعلى المشاركين بالعملية السياسية ...اهذه خاتمة تعبنا ؟؟

وللخروج من هذا المأزق الحرج اضطررت الى كتم غضبي وجرجرت نفسي و باللجوء الى صديق ولدي كي يساعدني وفعلا قام الشاب من مكتبه وذهب يتوسل بها ...الى درجة جعلتني انا اتوسل اليه ليتركها بسبب صلافتها (ولا ينزل نفسه لها) حتى وصل به ان يطلب منها فقط ان تعيد له هويتي وهي مصرة وبكل صلافة على الرفض...ويؤسفني ان أقول مثل هذه صلافة لم اشهدها من امرأة ألا هذه الأيام  وكانت تكرر وتردد ان الحجي لازم ينتظر وكأنني قاتل ابوها ...

المهم وبالأخير وبعد توسط موظف اخر أخرجت الهوية من بين الهويات ...وسلمته الراتب ...فحاول عده ولكني منعته و شكرته على جهده وموقفه الأخلاقي ولم يراودني الشك بان كل هذا الخطاب الحماسي الوطني وراءه حرامياية ...

لأنه وبعد عودتي الى البيت اتدرون ما اكتشفت ؟؟؟ اكتشفت انها سرقت مبلغ 3000 دينار الرقم الأخير في الراتب لأنها لا تتعامل بمفردات الالاف وتصرف فقط العشرات.... وتبتلع الفرادى ...

عندها تأكدت من مصدر الدشدشة بالذهب والانتفاخ باللحم وسلاطة اللسان والخبرة في استخدام المصطلحات الوطنية ...ثبت بالوجه الشرعي ان كل التمثلية وراءها سرقة المساكين من امثالي ..ذلك بسرقة مبالغ صغيرة  ولاتسوة شيء في يومنا هذا ولكنها تتجمع بمرور الزمن وتكون ثروة ..

وهنا تذكرت قصة الكاشير الروسي الذي كان يضيف ( كيبك واحد أي ما يعادل الفلس بالعملة الروسية ) على كل حاجة يستلم ثمنها ...وبمرور الزمن اصبح مليونيرا ...ولكنه لم يفلت بجريمته لانه ارتكبها في الاتحاد السوفيتي العظيم وقبل انهياره ...

وكم كان أهلنا اذكياء عندما قالوا (فلس فوك فلس تنجمع )..او( حبة فوك حبة تصير كبة) ...ومهما تعددت الأمثلة فتبقى ...العملية عملية لصوصية ...

واكتشفت حقيقة ان الصلافة والمزايدة بالوطنيات من مستلزمات مهنة اللصوصية ومن صفات الحرامية ...

والحقيقة المرة الثانية هي منصب واحد يشغله شخصان مصرف حكومي واحد أحدهما امين والأخر حرامي والفارق بينهما 40 سنة ...

العراق خسر قيمه واخلاقه ...فهل بالإمكان إعادة احياءها ..؟؟؟ في غياب قانون يضرب بيد من حديد على رقبة كل سارق ..لا اعتقد ذلك لان حاميها حراميها ..والعياذ بالله ..

اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا ...

 

 

تاريخ النشر

27.07.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

27.07.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org