<%@ Language=JavaScript %> نوري جاسم المياحي ذكرياتي عن ما حدث قبل ستين سنة في مثل هذا اليوم

 

 

 

ذكرياتي عن ما حدث قبل ستين سنة في مثل هذا اليوم

 

 

نوري جاسم المياحي

 

استيقظ أهالي بغداد في الصباح الباكر ليوم 14 تموز 1958 على صوت يذيع البيان رقم واحد معلنا ثورة الشعب ضد النظام الملكي ...ويطالب جماهير الشعب للخروج الى الشوارع لتاييد ولحماية الثورة وفعلا استجابت الجماهير لهذا النداء ...

كان دارنا يقع في العطيفية الثانية وكنت شابا في التاسعة عشرة من عمري وخرجت مع من خرج من الشباب لان كبار السن لم يخرجوا ولاحظت غياب تام للنساء ومع تجمعات صغيرة في مناطقهم وقرب دورهم ..والقلق بادي على وجوههم واحاديثهم ...وهناك من هو فرح ومستبشر وهناك من يعتقد ويتوقع ان الإنكليز سيتدخلون ويقضون على الثورة ...كما فعلو مع ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941

وكعادة العراقيين كانت السوق رائجة لانتشار الشائعات فهم فنانين في اختلاق الاشاعات وحسب اتجاهاتهم السياسية...ولاسيما فيما يتعلق بمصير العائلة المالكة وفي مقدمتهم الوصي وخال الملك الأمير عبد الاله لأنه كان غير محبوب شعبيا والشخص الثاني والمكروه شعبيا هو رئيس الوزراء نوري السعيد وعلى أساس انهم عملاء الإنكليز في العراق ..

ولكي أوضح الصورة لمن لم يشهد تلك الحقبة الدموية والصفحة السوداء في تاريخ العراق والامة العربية وللأسف فهي تتكرر وتشابه في نتائجها بما سماه الغرب اليوم بثورات الربيع العربي ...

في عام 1948 شاركت 7 جيوش عربية (المتخلفة تسليحيا وتدريبيا) في حرب مع عصابات اليهود (المتدربة جيدا في الحرب العالمية الثانية) فلحقت الهزيمة بجيوش العرب ...وعندما رجعت الجيوش الى بلدانها مكسورة نفسيا جراء الهزيمة والتي تركت اثارها وغضبها وحقدها في نفوس الضباط الاحرارالشباب المشاركين في تلك الحرب .. مما دفعهم لتحميل حكام الأنظمة الحاكمة آنذاك ومعظمها أنظمة ملكية وزر الهزيمة واتهموهم بالخيانة والمتواطئ مع الإسرائيليين والبريطانيين .... وكان اول من دفع ثمن الهزيمة هو الملك عبد الله ملك الأردن حيث اغتاله أحد الفلسطينيين في 20 تموز 1951

وفي 23 تموز 1952 حدث الانفجار المدوي الثاني في مصر وكانت الضحية هي العائلة الملكية المصرية وظهر على المسرح الرئيس جمال عبد الناصر ونادى بشعارات القومية العربية وتحرير فلسطين .... ولعبت اذاعة صوت العرب ..ومذيعها المشهور احمد سعيد ...الذي اقام الدنيا ولم يقعدها ...

وبعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر ...وطفو الصراع السوفيتي الأمريكي على السطح ...انسحب هذا الصراع على النظامين السياسيان الحاكمين في بغداد والقاهرة ...

انظم نوري السعيد الى حلف بغداد المكون من العراق وتركيا وايران وباكستان وبريطانيا وكانت أمريكا مشاركة بالحلف كمراقب ...اما المعسكر الثاني فكانت مصر ومن والاها بالتحالف مع الاتحاد السوفيتي ..

ومن سوء حظ الامة العربية ..ان نشأ صراع اعلامي بين الالة الإعلامية الجبارة في مصر وبين الة اعلام بغداد الرصينة زمن نوري السعيد ...والذي اخطأ في حساباته حيث سبح عكس التيار وناصب الشيوعيين وكرهه الشديد لهم وللمعسكر الشرقي ...مما أدى الى سحل جثته في شوارع بغداد ..ومن مفارقات الزمن انني اليوم اعتقد ان نوري رحمه الله كان عراقيا اصيلا اخلص في حب العراق والعراقيين وعمل جادا من اجل بناءه وتطويره..ولكنه اخطأ في مراهناته على بريطانيا والغرب وبالذات الامريكان ..واليوم انا اعتقد انه كان ضحية الصراع الأمريكي البريطاني على المصالح والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط ...وما حدث في العقود التالية وحتى يومنا هذا ان الولايات المتحدة الامريكية ازاحت بريطانيا من مناطق نفوذها التاريخية واستولت عليها ...وهذا ليس موضوع حديثنا اليوم ...

وكما تشاهدون اليوم فان الشعب العراقي اثبت انه يرقص مع كل من يصفق له ...وللأسف كان هذا حاله قبل ستين سنة وربما منذ ان وجد عبر التاريخ ...وكانت نتيجة الصراع الإعلامي لصالح النظام السياسي في مصر ...فسيطروا على الشارع العراقي لصالح دعايتهم ...ولاسيما وان الحزب الشيوعي الثوري والمنظم تنظيما جيدا وبما انه حزب الفقراء والكادحين متزامنا مع جهل وفقر وظلم اجتماعي لغالبية أبناء الشعب العراقي آنذاك...فقد كان النظام الاجتماعي السائد هو النظام الاقطاعي العشائري وسيطرة الاقطاعيين على الاراضي...لهذا نجد ان الشعب العراقي كان مهيأ للثورة على النظام الملكي ...

واليوم أتساءل مع نفسي وبحيرة وشك ...هل كل الأشخاص والأحزاب التي شاركت في ثورة تموز كانوا وطنين واحرار في قراراتهم وانتماءاتهم ...فبعد التجارب المؤلمة والدموية التي مر بها شعبنا طيلة الستين سنة الماضية اشك في ذلك ...وهذا راي شخصي بحت ولا املك أي دليل يؤكد شكوكي هذه ..

ومما اذكره عن يوم الثورة هي انتشار إشاعة تقول ان البريطانيين احرقوا محطة وقود الكيلاني او اخبار القاء القبض على نوري السعيد والرموز البارزة في نظامه ...اما انا شخصيا فركبت رجلي ماشيا وتوجهت الى ساحة الجسر العتيق من جهة الكرخ والتي تسمى حاليا ساحة الشهداء وكان الناس بالمئات يتجمهرون امام مطعم يسمى آنذاك مطعم الشمس وفوقه بالكون ومدلى من البلكون جثة مقطوعة احدى ساقيها لحد الركبة واحد الشباب معلق نفسه وبالخنجر يطعن الجثة ومن الملاحظات التي لا انساها ان الطعن بالجثة لم يكن يخترق اللحم كما نشاهده في الأفلام الغربية ...

المهم وخلال هذه انتشرت إشاعة تقول ان السفارة البريطانية في الصالحية سيهاجمها الشعب وحالي حال الاخرين توجهت على طريق الشواكة باتجاه السفارة وكان سياجها عاليا وبابها الحديدي مغلق وبعض الشباب يحاولون اسقاط تمثال القائد البريطاني بالحبال وحسبما اذكر عجزوا عن اسقاطه بتلك الطريقة ..

وخلال وقوفي امام السفارة لم الاحظ أحدا يحاول التهجم على السفارة او يتحرش بها...اما لماذا ؟؟فلا ادري ..وكل غضبهم سلطوه على تمثال مود ..

وفي هذه الاثناء مرت بالشارع سيارة ومربوط بدعاميتها الخلفية جثة رجل مربوطة من الراس بحبل والجزء السفلي لم يبقى منه سوى الجلد من جراء الاحتكاك بالأرض وفي حينها قالوا انها جثة نوري السعيد والله اعلم لمن كانت الجثة فالسحل وكما عرفنا فيما بعد شمل أناس اردنين ...

وان انسى فلن انسى مشهد مؤلم اخرعندما كنت واقفا امام باب وزارة الدفاع القديمة في باب المعظم حالي حال المئات من الناس ...فقد وصل لوري عسكري يحمل بعض المدنيين محروسين بجنود عراقيين .. وعند توقف اللوري في باب الوزارة ...صاح احد الخبثاء الواقفين بصوت عالي ...جابوا نوري السعيد واذا بالناس تصعد الى اللوري برمشة عين واذا بالمساكين المدنيين يرمون الى الناس المتجمهرة حول اللوري .. والمنظر كان مأساويا فلا يدري المسكين من اين تنهال عليه الضربات ...جنون ما بعده من جنون ..ومنظر وحشي ومرعب عندما تثور الجماهير ويقع شخصا ما بين أيديهم ...

هذه بعجالة صورة لما شاهدته في مثل هذا اليوم وربما وبسبب التقدم بالعمر وضعف الذاكرة فاتتني الكثير من التفاصيل والاحداث ..

واعتقد ان من المهم ان احدث من يقرأ كلماتي هذه ...فبالرغم من التأييد الشامل لأبناء الشعب للثورة وقادتها .. اذكر قبل الثورة تشكلت الجبهة الوطنية من أربعة أحزاب هي الحزب الشيوعي وكان منتشرا بين شريحة الفقراء من العمال والمثقفين وهم اغلبية الشعب ...وحزب البعث العربي الاشتراكي وكان يمثل شريحة الشباب الثوري العربي ...والحزب الوطني الديمقراطي بزعامة كامل الجادرجي وهو من أحزاب المعارضة الكلاسيكية ويميل لليسار وحزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبة والذي يعتبر من أحزاب المعارضة الكلاسيكية ذو التوجه القومي العربي ...وكلهم تحالفوا واتفقوا على اسقاط النظام الملكي قبل الثورة ولكنهم انقسموا الى معسكرين متحاربين بعد اسقاطه ..

المعسكر الأول وسمي باليسار وحليف للاتحاد السوفيتي وتالف من الشيوعيين والوطني الديمقراطي والاكراد وبما ان الثورة برز فيها قائدان هما الزعيم عبد الكريم قاسم وتميز بحبه للعراق وكل ما هو عراقي ولاسيما الفقراء والقائد الثاني هو العقيد عبد السلام عارف وتميز بحبه المفرط للرئيس جمال عبد الناصر والى درجة العبادة فالتف حول دعاة الفكر القومي والعروبي ومنهم حزب البعث العربي وانصار حزب الاستقلال وكل القوميين العرب ...

والان أتذكر بداية نكبة العراقيين ومن الأيام الأولى للثورة ..فقد بدأت مظاهرات التأييد للثورة بقيادة الأحزاب المذكورة أعلاه ...وان انسى فلن انسى حماس المتظاهرين والتنافس الحاد بينهما ... رفع القوميين شعار (وحدة وحدة عربية لا شرقية ولا غربية ) وكان للأسف الشيوعيين لهم بالمرصاد فرفعوا في مظاهراتهم شعار ( اتحاد فدرالي وصداقة سوفيتية ) ومن هنا بدأ الاختلاف وتحارب المعسكران على شيء سخيف فلا الوحدة العربية تحققت ولا الاتحاد الفيدرالي العربي تحقق !!!..وكلنا نشاهد اليوم عواقب ونتائج هذا الاحتراب السخيف والايادي الخفية من وراءه والذي بدأ بالشعارات وانتهى بالسجون والقتل والسحل بالشوارع ...وكلهم عراقيين وطنيين ...

انا لا اوجه الاتهام لاحد ...ولكن الذنب ذنب الجماهير العراقية ...فهي تصنع الاصنام وتبدأ بعبادتها ..الى درجة الاقتتال ...فهل يدرك قادة الكتل الحاكمة حاليا خطورة اللعب بالنار كما يفعلون اليوم بالشعب ..وهل يدركون مصيرهم عند فقدان السيطرة على ثورة الجماهير ؟؟؟ ...لا اعرف

ومن وجهة نظري الشخصية فان العهد الملكي ورموزه وفي مقدمتهم نوري السعيد وبمساعدة البريطانيين بنوا عراقا حضاريا يشار له بالبنان ..وجاء بعدهم الزعيم عبد الكريم وكان محبا للفقراء الى درجة الجنون ومؤمنا ببناء عراقي زاهر ...فلم تتركه الأحزاب آنذاك ليحقق ما حلم به بسبب خلافهم على السلطة وكما يحدث اليوم...وكذلك كان عبد السلام عارف فبالتأكيد كان يحلم بأمة عربية واحدة بقيادة عبد الناصر زاهرة...وهكذا دواليك ...الكل كانوا يعتقدون انهم يخدمون العراق وشعبه ..ولكن التاريخ لا يرحم ..فقد ثبت ان كل من حكم العراق لم يكن نبيا وانما بشرا وصنما ,وارتكب أخطاء قاتلة وساهم بشكل او اخر في تدمير العراق وتمزيق شعبه ...

اكيد هناك ايادي شيطانية كانت تحرك الرموز التي حكمت العراق طيلة الحقبة الماضية فليس من الصدفة ان يشكل مجلس الرئاسة بعد الثورة من نجيب الربيعي (سني) ومحمد مهدي كبه (شيعي) والنقشبندي (كردي) ..ويؤلمني ويقلقني احساسي بان ما ينتظر أطفال العراق مخيب للآمال ...حتى لو قسموه الى عشرين دولة

اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا 

 

 

 

 

تاريخ النشر

16.07.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

16.07.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org