%@ Language=JavaScript %>
الاسكان الريفي في العراق بين دوقسيادس وحسن فتحي
موفق الطائي معمار أكاديمي
كان العراق في الخمسينات من القرن العشرين مختبر الافكار العالمية والعربية والمحلية في مجال الأسكان الريفي ، فقد عزم العراق على تطوير الأسكان بعد مجيء واردات النفط الكبير في حينها أعد ما سمي بمخطط الأسكان العام في العراق وبنائآ على توصية من الأمم المتحدة تم ترشيح دوقسيادس لقيادة المشروع وطبق ولأول مره أفكاره الطليعية في مجال الأسكان في العراق وخصوصآ الأسكان الريفي .
كونستانت دوقسيادس مخطط ومعمار شامل شغل منصب كبير مخططي أثنا الكبرى خلال الحرب العالمية الثانية وكان قد التحق بالمقاومة اليونانية (هيبايستوس ) أيام الحرب ورغم الظروف الصعبة ، أصدر مجله بعنوان التخطيط الإقليمي وتخطيط المدن والعمران عرضت لمعظم أرائه اللاحقة التي تعد اسس التخطيط الإقليمي في حينها ، بعد الحرب أصبح مساعد لوزير الأسكان والأعمار والمنسق الأعلى للبرنامج اليوناني لأعاده البناء من 1948 الى 1951 وهذا وفر له المعرفة الواقعية العالية في مجال المستقرات البشرية وتأهل حينها لكي يرأس الوفد اليوناني في المؤتمر العالمي للإسكان والتخطيط وإعادة الأعمار في عام 1947، النقطة الدالة في تاريخ علم الأسكان والتخطيط وكانت طروحات دوقسيادس هي الأساسية والتي وضعت الأسكان كنظريه علميه عالميه في أطارها التاريخي المناسب.
أسس دوقسيادس عام1951 مؤسسة دوقسيادس عهد لها بمشاريع عالميه لأعاده الأعمار كان اهمها مخطط الإسكان في العراق وعلى مدى أثنا عشرة سنه نمت المؤسسة لتصمم مشاريع لأربعون دولة واصبح أسمها لاحقآ دي أيه العالمية _ استشاريو التنمية والعمران DA International Co Ltd. Consultant on Development and Ekistics.
كان دوقسيادس يعني بمفهوم (العمران) Ekistics علم المستقرات البشرية المشروط بالتفاعل الإنساني والمتأثر بالعلوم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية والتقنية وقواعد الفن والجمال(وهذا ما نصت عليه جميع طروحات حسن فتحي لاحقآ ) ، جاءت كلمة Ekistics مشتقه من الكلمة اليونانية Oikistikos التي تعني استقرار أو مستقرة لذلك فدوقسيادس يرى أن العمران يختلف عن العمارة في كونه يذهب أبعد من الاهتمام المحدد لمبنى واحد ليدمج كل جوانب الظروف الإنسانية الذاتية والموضوعية ،وقد جاء هذا الاعتقاد من خلال ممارسته للإعادة القرى التقليدية بعد الحرب وأقتنع كشأن حسن فتحي بأن أنشاء المستقرات البشرية يجب أن يشارك فيها كل المجتمع وهذا قطعآ يقودهم لأيمان مشترك كما يقول (لو أن المنازل يمكن بنائها بالناس فيجب أن يتم بنائها بالناس ، العمارة لا يجب أن تكون الفن الخاص لجماعة المعمارين بل يجب أن تكون فن الناس وتعبيرهم الخاص عن نمطهم الخاص في الحياة ،هناك شيء واحد يمكن للحكومة القيام به وهو أن تضع خطة وبرنامج عام للتنمية للجميع) .
كان المعلم الأول في هذه المؤسسة هو حسن فتحي المعمار المصري رائد العمارة الشعبية في العالم وعمارة الفقراء .
ولد المعماري حسن فتحي في 23 نيسان عام 1900 بمحافظة الإسكندرية، مصر، لأسرة مصرية ثرية. . عاش طول حياته في منزل بدرب اللبانة بحي القلعة بمدينة القاهرة. تأثر فتحي بالريف وبحالة الفلاحين أثناء زيارته له وهو في سن الثامنة عشر، وكان يود أن يكون مهندس زراعي، لكنه لم يستطع الإجابة في امتحان القبول. حصل فتحي على دبلوم العمارة من( المهندس خانة (كلية الهندسة حالياً)بجامعة الملك فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) في عام 1926 )
عمل بعد تخرجه مهندسًا بالإدارة العامة للمدارس بالمجالس البلدية)المجالس المحلية حالياً)، وكان أول أعماله مدرسة طلخا الابتدائية بريف مصر ومنها أتى اهتمامه بالعمارة الريفية أو كما كان يسميها عمارة الفقراء. ثم كُلّف بتصميم دار للمسنين بمحافظة المنيا بجنوب مصر، وأمره رئيسه بأن يكون التصميم كلاسيكيًا، فلم يقبل فتحي تدخله واستقال من العمل في عام 1930. عاد إلى القاهرة وقابل ناظر مدرسة الفنون الجميلة -كان فرنسي الجنسية- فقبله كأول عضو مصري في هيئة التدريس، ولم يقم بتدريس العمارة الريفية طوال فترة تدريسة نظرًا لانتشار العمارة الكلاسيكية في هذا الوقت حتى عام 1946، ثم كُلّف بوضع تصميم لمشروع قرية القرنة بالأقصر، عام 1946. عُيّن رئيس إدارة المباني المدرسية بوزارة المعارف)وزارةالتربية والتعليم حاليًا) من عام 1949 حتى 1952، في أثناء هذه الفترة عمل كخبير لدى منظمة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين. ثم عاد للعمل بمدرسة الفنون الجميلة من عام 1935 إلى غاية عام 1957
ترك حسن فتحي مصر بناءً على احباطات العمل فيها فألتحق بمؤسسة دوقسيادس وبالذات في برنامج الأسكان العراقي ، فوجد في العراق ضالته ، لقد بلور حسن فتحي و دوقسيادس ومؤسسته مفهوم الجهد الذاتي في العراق وكذلك الأشكال المناسبة للقرى والعناصر الإنشائية كالقوس والقبه والمواد المحلية كالطابوق الغير مفخور والمخفور والتكييف البيئي للمبنى .
عمل فتحي في مشروع المدن والقرى الجديدة الذي بدأ في عام1956 وأستمر حتى عام 1958،كان برنامج الأسكان العراقي أهم مشروع لدى مؤسسة دوقسيادس وكانت فرصة لاختبار الآراء والنظريات على مقياس كبير و فترة مخاض الآراء وتفاعلها بين فتحي ودوقسيادس أحدهم أثر على الأخر ومن صلب هذا الحوار ولد فكر التصميم الإقليمي الحديث وبالذات من قرى مشروع المسيب الكبير، وكما توضحه المذكرات البحثية الطويلة عن التصاميم الأولية التي أعدت ليستخدمها الفريق العامل بهذا المشروع للقيام بعدة تصاميم لواحدة من القرى الزراعية للمشروع ، كان موضوع احد هذه الملاحظات هو التنوع الضروري في مخطط القرية الجديدة وذلك لزيادة قابليتها للحياة والتجديد والتطور وطول العمر للقرية ، فقد لوحظ أن القرى الزراعية في الشرق الأوسط تعاني من الهجرة الحضرية وتفقد كثير من شبابها الى المدن القريبة وبذلك تختفي المجاميع الزراعية البشرية وتتحول الى مجاميع هجينيه في المدن ، وقد أستخدم فتحي الإحصائيات من مختلف أنحاء أوربا وأمريكا وغزه والأردن والعراق ليثبت أن المجتمعات التي يتوقع لها الاستمراري تحوي على نسبه متوقعة مقبولة من الحرف المختلفة وأن أي مستقرة تتوقع الاستمرار وعدم الزوال يجب أن تفعل ذلك ، وكان قد لاحظ في تقريره (تصنيف المهن في غزه ) وكان هذا جزء من عملية تصميم مستقرات اللاجئين في فلسطين الذي شارك بها كجزء من فريق الأمم المتحدة وتم تنفيذه خلال فترة عمله مع دوقسيادس .
كانت قرى مشروع المسيب الكبير التي أعدها فتحي و دوقسيادس تجسيد لما عبر عنه فتحي بالتقارير السابقة بالرغبة بالتنوع والتدرج المكاني والفضائي (الفراغي) في القرية والتي سبق وأن مارسها في قرية القرنة الجديدة في مصر قبل عشرة سنوات فقد كتب فتحي ( المساحات المخصصة للاستخدامات المشتركة تبدء من المساحة العامة المركزية التي تحوي على الجامع والحمام العام وتقل في الحجم حتى تصل الى منازل الفلاحين الواقعة في محيط القرية والمجاورة للحقول ) .
كانت هناك ظاهره غير معهودة في عمل فتحي ذلك هو الوحدة النمطية المكررة (الموديول )والتنظيم الشبكي (الحديدي ). أما تنظيم المنازل المزارعين بحيث يكون لها مدخل على الحقل والمزارع المفتوحة وأخر على الشارع العام يشبه وتصميمه مركز رمسيس (قرية النساجين) في الحرانيه في مصر التي بنيت في نفس الوقت قرية المسيب ، فقد قام فتحي في كلا القريتين اعتماد التنظيم الخطي للوحدات السكنية ونظمها أزواجآ على الشارع الخاص بالمشاة وجعل الوحدات تواجه الحقول مباشرتآ وعلى كلا الجانبين ،أستخدم فتحي في مشروع المسيب الكبير نفس فكرته السابقة التي أستعملها في لؤلؤة الصحراء وفيما بعد في القرنة الجديدة والتي تم فيها مراعات التقاليد الريفية بحماية الحيوانات داخل المنزل فوضع مدخل الحيوانات مواجه للحقول وتم وضع قاعة الاستقبال تطل على شارع المشاة ، الفارق بين الحرانيه والمسيب هو أن البيوت في صفوف منتظمة فالوقت الذي كانت فيه الحرانيه على ممرات المشاة غير المنتظمة وتعطي تنوع بصري وزوايا مثيره تشكل ظلال يمكن الجلوس فيها ،نلاحظ في المقارنة التشابه في المفهوم وليس الشكل بين مخططات الحرانيه والمسيب اضافة الى التزامن التاريخي فقد كان فتحي قد عاد الى مصر لإنجاز الحرانيه وهو يعمل في نفس الوقت على قرية المسيب .
ثمة مذكرة من دوقسيادس الى فتحي بتاريخ 21حزيران1958 بخصوص مخططات المسيب والتي كانت ذات تأثير كبير على فتحي وهي نص ما يلي (1 - خلال العشرة أيام الماضية قمت بدراسة مخططات القرية والمنازل والمباني التي أعدها البرفسور فتحي وهي بالتأكيد مساهمة هامة جدآ لأعمال البحث والتصميم التي نقوم بها ، وفي كلمات قليله أود أن أقول أنه بينما يبدأ عملنا من التخطيط العام نزول الى التفاصيل فأن البرفسور فتحي يعمل من أصغر التفاصيل متصاعد الى بناء القرية 2- من واجبنا حاليآ أن ندمج الأسلوبين معآ لنصل الى التخطيط الوطني العام في ضوء روح علم العمران (spirit of Ekistics ) الأسباب هي أن التعميم والنظم العامة للأفكار ..الخ تمكننا بسهولة من أن نطل على التفاصيل التي لا غنى عنها بينما من الناحية الأخرى فأن العمل من التفاصيل تصاعدي يقود الى خطر عدم أمتلاك أمكان رؤية الحلول المطبقة على مقياس كبير والهدف الذي نسعي أليه 3- ملاحظاتي على العمل الذي ت أنجازه بالفعل يمكن تصنيفه ثلاث فئات أساسيه :الفئة الأولى تتعلق بوحدات القياس النمطية (الموديول)حيث يوجد حاجة ضرورية لتغير نظام وحدة القياس الذي نعمل به حتى الأن الأسباب معروفه جيدآ ،أستطيع رؤية أن بعض تصاميم المباني لا يمكن حلها باستخدام النظام الشبكي (grid system ) أو الوحدة 3 متر وأقترح أستخدم وحدة 3.60 متر التي استخدمت في أحد مخططات البرفسور فتحي وأثبتت عمليتها 4- الملاحظات الأساسية الثانية هي أننا لا يجب أن نصمم قريه أو قريتين أو ثلاث قرى بمبانيها ومنازلها وخدماتها ولكن أنماط من لقرى التي تكراراها عدة مرات وهذا لا يجب أن يقودنا الى فكرة أن يكون لنا نفس النمط من للقري يتم بنائه تمامآ بطريقة متشابهة في كل مكان حيث أن ذلك سيكون خطآ ، الوحدة Unit يجب أن تكون المنزل والمبنى لذا نحن نحتاج الى أن نجري تظم البناء التي صممها البرفسور فتحي الى أنماط من المباني واحد للفصول(الدراسية) وأخر للأسواق وأخر للحمامات واخر للمساجد ...ألخ، ويكن تجميعهم بطرق عديده مختلفة واذا احتفظنا بالشبكة التي وافقنا عليها في البداية فأنه يمكننا عمل عدة تكوينات بشكل سهل . 5- لذا فأني ألتمس من البرفسور فتحي أن ينظر الى أنماط المباني من هذه الزاوية، لن يكون لنا بالتأكيد نمط واحد من المساجد سوف يكون لدينا العديد وفي بعض الأحيان لا نستطيع تصميم مباني ملحقة بالمسجد والتي يجب أن تكون عناصر أتصال بين المباني المختلفة والمسجد ، ولكن يجب أن يكون لدينا الجزء الاساسي من المسجد مصمم كنمط لمسجد ،أني ألتمس من البرفسور فتحي أن ينظر الى عمل معاير قياسيه standardization الى المباني التي نفذناها مؤخرآ مع o-GAB بالعراق 6- النوع الثالث من الملاحظات هي ما أسميه ملاحظات تخطيطيه جانبيه بما انها تتعلق بحركة المشاة التي يجب أن تكون معزولة عن حركة السيارات والنباتات المزروعة التي يجب أن تكون طبيعية مع إعطاء ثلاث حلول للممرات المشاة المسقفه والميادين الخضراء ..ألخ من الان سنعمل بطريقه تنفيذ هذه الأفكار ونعطي المساعدة للبرفسور فتحي خصوصآ حيثما يسافر للخارج وذلك لنصل للحلول التي تكون مستقيمه لأن العناصر الأساسية تمت دراستها وهي سليمه .
قطعآ كان هذا العصف الفكري للجبابرة ، مساهمة رائدة في الفكر العالمي في البحث والتصميم للقرى ،قد أوجد ما يسمى الأطروحة وعكسها لاستخلاص الناتج النهائي فنجد ما أنتجه فتحي خارج أسلوبه وما أقره دوقسيادس مبادئ أساسيه من فكر فتحي كان هذا المخاض في العراق وبالذات في قرى مشروع المسيب الكبير، أسس الى مبادي التصميم للقرى العراقية وبالتالي للقرى العربية كما في السودان ولبنان وعالميآ كما في الباكستان ودول أفريقيا حيث كان يعمل دوقسيادس.
يرى البعض أن مشروع المسيب الكبير انحراف في مسيرة فتحي المهنية ، كما أننا نجد محاولة فتحي للتوأمة بين التقاليد والأفكار الإبداعية مع مراعاة الخصوصية التي واجهها كان حدث ثقافي أوجدته ظروف العمل بين الثلاثي المكون للعملية المعمارية 1. الزبون2. الحرفي3. المعمار ،ألا أن هذا الثلاثي قد تغير دون ادراك فتحي فالزبون لم يد شخص والحرفة تحولت الى مهنة والعمارة اصبحت (عماره متكاملة ) وليس بيد معمار واجد وإنما مؤسسات يقودها المتخصصون ،ولكن مع هذا فأن ارتباط فتحي بدوقسيادس كان تعاون ملائم وكان تعزيز للمفاهيم الأساسية للعمران الهادفة الى الرجوع الى القيم التقليدية بالموازاة مع حتمية التغير ،وهذا التغير يجب أن يأتي من داخل الإطار الإقليمي ، أضحت هذه المقولة قاعدة معماريه أرتكز عليها جميع المعمارين العراقيين الرواد لاحقآ مثل محمد مكيه ورفعة الجادرجي وقحطان عوني وقحطان المدفعي
استنهاض الماضي واستحضار الحديث جعل العراق مؤهل للشروع بالتنمية المستدامة وكان في مقدمتها تطوير الريف العراقي ، لقد حدد العراق المسار العالمي العام لتصميم وتخطيط القرى والريف وعلى نمطه أسس علم تصميم قرى المستقبل ونفذت قرى في أفريقيا وأسيا والعالم أجمع والعراق ذلك كان الفكري الذي كان وتمخض في عراق 14 تموز العظيم لقد كانت ثورة المعرفة والفكر في كل شيء
اجتماع فريق عمل دوقسيادس الذي عمل على مشروع المسيب الكبير ولاحقآ ما سمي ( مدن المستقبل ) يظهر دوقسيادس في أقصى يمين الصورة وفتحي في أقصى اليسار وعلى يساره تتحدث جاكلين ترويت رافعة يدها
تاريخ النشر
14.08.2016
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
الصفحة الرئيسية | [2] [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي
الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا |
14.08.2016 |
---|
|
لا للتقسيم لا للأقاليم |
لا للأحتلال لا لأقتصاد السوق لا لتقسيم العراق |
صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين
|
|
---|---|---|---|---|
|
||||
للمراسلة webmaster@saotaliassar.org |