<%@ Language=JavaScript %> لولوا أبو رمضان جيجيك للعرب حوار مع أ.د. جميل خضر

 

 

 

جيجيك للعرب

 

حوار مع أ.د. جميل خضر

 

 

لولوا أبو رمضان

 

حوار مع أ.د. جميل خضر، بروفسور اللغة الإنجليزية وعميد البحث االعلمي في جامعة بيت لحم، تجريه معه لولوا أبو رمضان عن مجموعته الأخيرة "جيجيك الآن: منظورات معاصرة في دراسات جيجيك"، التي شاركته في تحريره د. مولّي روثنبرج، ونشرته دار نشر بوليتي (2013).

 

كيف نستطيع أن نقدم الفيلسوف سلافوي جيجيك للقاريء العربي؟

 

قبل كل شيء، اسمحي لي أن أشكرك على هذا الحوار، وعلى إتاحة الفرصة لأقدم لقرائك كتابي الثاني "جيجيك الآن: منظورات معاصرة في دراسات جيجيك".

يمكن أن نقول إن الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك هو أكثر الفلاسفة غزارة ومقروئية في عصرنا؛ نشر جيجيك أكثر من خمسين كتابا، بلغات متعددة، وقام بتحرير العديد من المجموعات، ونشر العديد من المقالات. يشار إليه في الإعلام الجماهيري على أنه "إلفيس بريسلي االنظرية الثقافية" و"نجم الروك الثقافي". ولكن جيجيك فيلسوف ومُنَظِّر سياسي أكثر جدية مما تدل عليه تلك التسميات المستهينة. ما يميز جيجيك هو منهجه الفريد الذي يجمع النقد الأيدولوجي الماركسي للرأسمالية العالمية بالتحليل النفسي المتعلق بالرغبة والفانتازيا عن طريق المقاربة المادية الديالكتيكية الهيجيلية.

استطاع جيجيك الذي استخدم هذا الإطار النظري الفريد، أن يقوم بمداخلات لها تاثير كبير في العديد من العلوم الإنسانية والطبيعية. وبالتالي كتب بكثافة (وبعدة لغات) عن سلسلة مذهلة من الموضوعات التي تضمنت الرأسمالية العالمية، التحليل النفسي، الأوبرا، الشمولية، العلوم المعرفية، العنصرية، حقوق الإنسان، الدين، السياسة، ومؤخرا كتب في الدَيْن اليوناني، وسياسات التقشف، والمادية الجدلية. هو يكتب أيضا في صحف ومواقع متعددة مما يجعل كتاباته شائعة بين جمهور القراء الواسع.

 

وما مدى نجاح هذا الفيلسوف في العالم والعالم العربي أيضا؟

 

جيجيك فيلسوف ومُنَظِّر سياسي معروف دوليا. في العالم المتحدث بالإنجليزية ظهر جيجيك في المشهد الثقافي عام 1989 مع نشر كتابه الأول بالإنجليزية " اغراض الايديولوجية المتسامية"، في سلسلة كان يحررها الفيلسوف الأرجنتيني إرنستو لاكلاو وشانتال موف. كان تأثير النص الانتقائي المذهل غير مسبوق، وحقيقة أن جيجيك في هذا الوقت كان كاتبا غير معروف تقريبا، على الأقل وسط الجمهور المتحدث بالإنجليزية، مما أضاف جاذبية مثيرة للكتاب وسط الجمهور العام.

تباع كتب جيجيك بالآلاف، وتُرجِمَت إلى أكثر من عشرين لغة. كما وان محاضراته تؤمها احشاد كبيرة تملؤ القاعات بسرعة بالغة ، والعديد من محاضراته يمكن قراءتها بسهولة على الإنترنت والمواقع الاجتماعية. كما  ويسهل هو أيضا اتاحة كتاباته على الإنترنت بدون مقابل. وما يجعله شهيرا جدا هو معرفته الموسوعية بالثقافة الجماهيرية التي يستخدمها لشرح مفاهيم فلسفية الصعبة. ولا ننسى أسلوبه المعادي للنخبوية يجعله محببا للعديد من القراء، ومن ضمنهم طلبة الدراسات العليا والجمهور العام. بالإضافة إلى ذلك، فهو مشهور بحسه المرح المميز إلى جانب سلوكه الخاص الذي يجده الناس مثيرا.

بالرغم من ان جيجيك متتبع للعالم العربي كما نرى في كتاباته ومحاضراته  الا انه لا يزال غير معروف كثيرا هناك. فقد ترجم كتابين فقط من كتبه إلى العربية: (سنة الأحلام الخطيرة) الذي ترجمه أمير زكي ونشرته (دار التنوير) عام 2013، و(مرحبا في صحراء الواقع) الذي ترجمه أحمد حسان وصدر عن دار العين عام 2011.

ليس هناك أيضا تحاليل أكاديمية مفصّلة عن أعماله وأهميتها لفهم الواقع القائم في العالم العربي. يقام حاليا على ترجمة "جيجيك الآن" إلى الألمانية والكورية، وأتمنى أن يرى كتابي هذا الضوء في اللغة العربية قريبا، ليساعد القراء العرب على فهم اعمق لأفكاره ووضعها في سياقها المناسب.

 

ولماذا أردت كأكاديمي الكتابة حول هذا الفيلسوف بالذات؟

 

بدأت قراءة جيجيك عندما كنت أبحث في مشكلة الذاتية الثورية من منظور فلسفي وانتهيت بالانغماس في مداخلات جيجك عن فلسفه لينين للذات الثورية. ولكن بدا لي أن جيجيك يقلل من دور الشعوب المستعمَره في تصور لينين عن البروليتاريا ومهمتها التاريخية العالمية.

الا انه لا يمكننا ان نتجاهل نقد جيجيك للدراسات ما بعد الكولونيالية– دراسات الأدب التي كتبها كُتّاب من البلاد المُستَعمَرة سابقا ، وخاصة فيما ىيتعلق بنقد جيجيك لليبرالية الجديدة وارتباطها بالرأسمالية العالمية. ففي بحثي عن النقلة الكوزموبوليتانية في الدراسات ما بعد الكولونيالية التي وَظَّفَت بشكل متزايد صورا فنية مجازية تقدم الهويات المتميزة بالتنقل والترحال في عالم يدعى بانه بلا حدود. الا ان هذه الفكرة تتناقض بشكل حاد مع الوقائع الجيو-سياسية للنظام الرأسمالي العالمي اليوم، حيث تُبنَي جدران الفصل العنصري والمجتمعات المَسَيَجة إلى جانب تهميش حياة اللاجئين والمهاجرين والعاملين إلى لا شيء تحت رقابة وقمع دول الامن والاستخبارات.

وبالرغم من ان تحليل جيجيك فلسفي سياسي يستند على الحقائق الامبيريقيه لبرهنة منطقه الميتافيزيقي الا ان تحليله مقنع جدا، وكلما قرأت اعماله ، كلما أدركت أن أفكاره متشابكة ووموحدة. فبحثه في سياسات الهوية في المجتمعات الغربية (الأورو- أمريكية) متعددة الثقافات وتنظيره عن إمكانية الحدث الثوري كانت مقنعة كثيرا بالنسبة لي لدرجة انني استوظفت افكاره هذه كإطار نظري في كتابي عن الادب النسائي ما بعد الكولونيالي. وأفكار جيجيك بقيت أيضا أساسا نظريا مركزيا لأطروحاتي في مشروعيّ الكتابين الذين أعمل عليهما الآن – واحد عن الأدب الفانتازي والآخر عن المشهد الفلسطينية.

 

 

وما هي آراء الفيلسوف في قضايانا العربية؟

 

في بعض كتبه، يهتم جيجيك كثيرا بالواقع السياسي في العالم العربي، والسياق الجيوسياسي الذي يتكشف فيه بالعلاقة بين هذا الواقع وبين النظام الراسمالي العالمي. وفي الوقت نفسه، يرفض جيجيك النظريات الليبرالية السهلة عن "صراع الحضارات" (هنتنجتون) و"نهاية التاريخ" (فوكوياما). في الحقيقة، هو يرفض كل التفكير الاستشراقي المتعلق بالعرب والإسلام، وبدلا من ذلك يفضل ربط الأحداث المضطربة في العالم العربي والإسلامي والإفراطات الاجتماعية-السياسية بالإمبريالية الأورو- أمريكية وبالديناميات المتضمنة في الرأسمالية العالمية.

لنكن واضحين، هو لا يتغافل عن العنف الذي زلزل كيان العالم العربي، ولكنه يبحث بعمق عن أسبابه اللتي يربطها دائما بالنظام الراسمالي العالمي لإظهار كيفية تمويهها لحقيقة الصراع الرئيس (الصراع الطبقي) ضمن الرأسمالية العالمية. على سبيل المثال، هو يلوم تبديات معاداة السامية في العالم العربي، ولكنه يدين أيضا الأبعاد المعادية للسامية في الصهيونية والصهيونية المسيحية. هو يقرأ أيضا الأصولية الدينية، سواء كانت مسيحية أو إسلامية أو يهودية، ليس كعَرَض للثقافة أو العقل المرضي الموروث، بل كنتاج مصاحب للرأسمالية العالمية. بالتالي هو يدين بن لادن وبرايفيك الارهابي الدنماركي في الوقت نفسه. كما وقدم جيجيك مداخلة مهمة عن أحداث 11 سبتمبر في "مرحبا في صحراء الواقع" انتقد فيها الطبيعة الهستيرية لرد الفعل الأمريكي على الهجوم.

واحد من الموضوعات الأخرى التي يناقشها في عمله يتعلق بأفول اليسار العربي. وأظهر أن السياسات الغربية في الحرب الباردة شجعت النظم الشمولية ودمرت الحركات اليسارية. وكنتيجة لذلك، امتلأت الفجوة التي كان يشغلها اليسار بالحركات الأصولية المتنامية – هذه الفاشيات الإسلامية ربطت نفسها بغضب الشباب وشوهت القضايا الحقيقية باسم الدين.

مؤخرا، تحدث عن أحلام وإخفاقات الربيع العربي في كتابه "سنة الأحلام الخطيرة"، في سياق الحركات الراديكالية، إن لم تكن الثورية، التي سيطرت على المشهد السياسي عام 2011. ومثل هذه الحركات الأخرى، فشل الربيع العربي لعدم وجود رؤية راديكالية أو ثورية تستهدف تغيير طبيعة العلاقات الاجتماعية تحت سيطرة الرأسمالية العالمية. في اللحظة التي تحققت فيها مطالب محددة براغماتية بعينها، توقفت الثورة. بشكل مثير للاهتمام، أصرّ جيجيك على أن هناك قيمة راديكالية حقيقية للإسلام لم تستخدم بشكل ملائم في الربيع العربي. ولكنه يوضح دوما أن الإسلام السياسي لا يعني الفاشية الإسلامية التي لا يتعاطف معها.

 

وكيف يرى القضية الفلسطينية من وجهة نظر فلسفية؟

جيجيك فيلسوف جدلي، محرض، وبعض كتاباته عن فلسطين يمكن أن تُرى على أنها مثيرة للخلاف. ولكن تصريحاته الأكثر جدلا عن فلسطين تتضمن حججا منزوعة من سياق حججه الكلية، أو فلسفته العامة (رؤيته عن العالم). في الماضي وخاصة بالعلاقة بكتابه "مرحبا في صحراء الواقع"، ركز على معاداة السامية في العالم العربي. تم انتقاده بسبب هذا ولتجاهله سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية والمشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني في فلسطين.

ومع ذلك فبالنسبة لجيجيك، فمعاداة السامية على المستوى الفلسفي ليست منفصلة عن الظاهرة الاجتماعية-السياسية. بالأحرى، فالمشكلة المتعلقة بمعاداة السامية هي أنها تصنع من اليهودي رمزا محل العدو الحقيقي الذي هو الرأسمالية العالمية. الصراع ليس مع اليهود كمجتمع ديني أو عرقي وإنما مع الحركة السياسية (الصهيونية) التي تعمل كذراع لزحف الرأسمالية العالمية حول العالم. النقاد الذين فاتتهم هذه النقطة فسروا التجاهل التكتيكي للصهيونية في الكتاب باعتباره إشارة على صمته عن انتهاكات حقوق الإنسان االفلسطيني تحت الاحتلال إسرائيلي. وكنقطة جانبية، فتحليل جيجيك لمعاداة السامية يمكن توظيفه نقديا لتفسير الظاهرة الاخيرة  واللتي تتعلق  بالدمج المتزايد والتمثيلات الإيجابية لليهود العرب في المسلسلات الرمضانية مثل "باب الحارة" و"حارة اليهود".

ولكن مؤخرا، صب جيجيك جل اهتمامه بأيدولوجيا الإبادة الصهيونية وتبدياتها في السياسة والثقافة الإسرائيليلة. فكتب بشكل مكثف عن التطهير العرقي الصهيوني وإرهاب المستوطنين، وكيف يسيطر هذا على التمثيلات الإسرائيلية للاحتلال الاستعماري (همتساف). وكتب حتى عن الروابط الصهيونية بألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، مما عرضه لاتهامات بانه "معاد السامية". ولكن جيجيك لم يقع بسهولة فريسة أمام التكتيكات الصهيونية التي تستخدم التهديد والابتزاز.

ومع ذلك، اتخذ أيضا موقفا جدليا تجاه حركة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وتطبيق العقوبات عليها" (BDS) – على سبيل المثال، هو يمارس مقاطعة انتقائية يقوم من خلالها بالتعامل مع مؤسسات إسرائيلية تقوم بادانة  الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين علنا. وفي مناسبة أخرى، زعم أيضا أن العديد من المستوطنين الصهيونيين في الضفة الغربية هم مهاجرون فقراء، الا انه من خلال ذلك يحاول جيجيك إظهار أن سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية تشوه واقع الرأسمالية العالمية باسم الدين أوالمواطنة أو الهوية العرقية.  كما وأدان أيضا حقيقة أن المعدمين والمهمشين في النظام الراسمالي العالمي لا يستطيعون الاتحاد كنتيجة لتلك الخطابات التي تشوش على الطبيعة الحقيقية لنضالهم.

هناك بعد فلسفي آخر في الكفاح الفلسطيني للتحرير في فكر جيجيك، ولكن هذا شيء أكثر تعقيدا. أنا أعمل حاليا على ورقة بحثية تحوال إضفاء أساس فلسفي على مركزية الكفاح الفلسطيني في تنظير جيجيك عن المشروع الثوري العالمي للتحرير اليوم. ولكننا سنترك الحديث عن هذا إلى مناسبة أخرى.

 

وهل الكتابة حوله أنعشت قضيتنا وخلقت ردود فعل أضافت شيئا هاما لم يكن موجودا؟

 

في العديد من الدوائر، خاصة المهتمة بالفلسفة والنظرية النقدية، كانت كتابات جيجيك عن النضال الفلسطيني مؤثرة جدا. أسهمت جدالاته مع العديد من المؤيدين لإسرائيل والأيدولوجيين الصهيونيين كثيرا في إضفاء فهما مؤثرا على شرعية النضال الفلسطيني. جيجيك أيضا لا يتردد في المساهمة بمقالات رأي وتعليقات في الصحف الرائجة لإدانة سياسات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي والدفاع الواضح عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير.

هؤلاء المتأثرين بفكر جيجيك يرددون الأصداء أيضا. في كتاباتي بالصحف، طبقت العديد من أفكاره عن العديد من الأبعاد المتعلقة بالنضال الفلسطيني للتحرير. ولقد طوّرت بعض هذه الأفكار في نقدي للفاشية الصهيونية، والعلاقة بين عنف المستوطنين وإرهاب الدولة، والسينيكية الأيدولوجية تجاه النضال الفلسطيني في مسلسلات التلفزيون، والصهاينة المسلمين كذات جديدة نفترض أنها تؤمن بالصهيونية. يعرض كتابي الأعمال الفلسطينية من خلال هذه الأفكار من أجل إظهار أهمية فلسطين لمشروع التحرر العالمي على المستوى الفلسفي. جيجيك واحد من أهم الفلاسفة الأحياء اليوم، وأفكاره الأصيلة، رغم كونها جدلية، إلى أنها متبصرة وثورية، وعلى الرغم من أن جيجيك ربما لا يقدم إجابات مقنعة لكل مشكلات العالم، فأعماله بالتأكيد تقيدم لنا الأدوات النقدية التي نحتاجها لتطوير تحليلاتنا عن العالم. من أجل هذا أدعوكم بأن تحصلوا على كتاب "جيجك الآن".

 

 

 

 

تاريخ النشر

22.02.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

22.02.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org