<%@ Language=JavaScript %>  فادي قدري أبو بكر عباس محمود العقاد: المسار الفكري وموقفه من المذاهب السياسية التي عاصرها

 

 

                      عباس محمود العقاد:

 

 المسار الفكري وموقفه من المذاهب السياسية التي عاصرها

 

 

فادي قدري أبو بكر

 

                                

تحاول هذه الورقة البحثية تتبع مسار عباس محمود العقاد الفكري والسياسي، وجذور مواقفه إزاء المذاهب السياسية الرئيسة التي عاصرها. حيث ستتناول الورقة ثلاثة مراحل رئيسية في حياة العقاد يمكن منها رسم صورة عامة لفكر العقاد وبلورته لمواقفه السياسية المختلفة، وهذه المراحل هي : المرحلة الأولى (1907-1919م) مرحلة عدم تحزب العقاد، المرحلة الثانية (1919-1935) مرحلة التحزب، والمرحلة الثالثة (ما بعد 1935) مرحلة الخروج.

مرحلة عدم تحزب العقاد

وصل عباس محمود العقاد الذي نشأ وترعرع في أسوان إلى القاهرة في بداية القرن العشرين، وتتميز القاهرة تلك الفترة بأنها كانت مليئة بالتيارات المتنوعة والتي برزت بعد فشل الثورة العرابية. ولأن هذه هي المرحلة التي نشأ فيها عباس العقاد، سيتم التركيز على المناخ الفكري السائد في تلك المرحلة لتتبع مسار فكر العقاد والتيارات الفكرية التي استمد منها العقاد فكره. حيث سيتم نقاش موقف العقاد في هذه المرحلة، وماذا فعل مع هذه التيارات المتعددة وكيف أثرت به؟

ظهر في بداية القرن العشرين أربع تيارات رئيسية في مصر :-

·        التيار الأول يدعو إلى تجديد التراث العربي الإسلامي حتى يتلاءم مع روح العصر وكان يتزعم هذا التيار الإمام محمد عبده.

·        التيار الثاني  هو التيار الوطني الإسلامي كان يمثله مصطفى كامل وهو تيار سياسي بالدرجة الأولى يعتبر الرابطة الإسلامية رابطة سياسية تشد مصر إلى تركيا.

·        التيار الثالث يمثله أبناء الأعيان من أصحاب الثروات وكانوا في معظمهم قد تعلموا من في أوروبا وعادوا إلى مصر ويحملون أفكار عصرية عن القومية والوطنية وكان شعارهم "مصر للمصريين" لتأكيد ولاءهم لمصر وحدها دون تركيا، ويعتبر هذا التيار تيار علمي وكان يقوده أحمد لطفي السيد.

·        التيار الرابع هو تيار المهاجرين من الشام إلى مصر ويتميز هذا التيار عن غيره بأنه لم ينشأ نتيجة فشل الثورة العرابية، وإنما نتيجة للقمع السياسي الذي كانوا يتعرضون له في بلادهم ولأنهم وجدوا في مصر ملجأ آمن والظروف السياسية فيها كانت مهيأة لاستقبالهم واستقبال أفكارهم. وروج أتباع هذا التيار إلى الكثير من الأفكار والاتجاهات العملية الغربية مثل: نظرية التطور عند داروين والأفكار التحررية عند جاك روسو، فولتير وغيرهم. ومن أبرز قادة هذا التيار  فرح أنطون، شبلي شميل، يعقوب صروف وغيرهم.[1]

لم يرتبط العقاد بتيار محدد لأن كل تيار له جوانبه السلبية والإيجابية، وعليه فإن العقاد حاول أن يرتبط بالجوانب الإيجابية من وجهة نظره دون أن يرتبط بتيار معين ارتباط مطلق. وفيما يخص أوجه التفاعل ما بين العقاد والتيارات الفكرية المختلفة فإنها كانت على النحو الآتي:

·        التيار الأول والذي يمثله محمد عبده، أخذ العقاد منه نظرته العميقة والتجديدية للتراث العربي الإسلامي، فقد رأى العقاد أنه لا بد من إعادة النظر في هذا التراث بالاستناد إلى أدوات علمية حديثة بحيث يتلاءم مع الحضارة العصرية. على الرغم من إيجابية هذا المنهج، إلا أنه لم يكن كاملاً من ناحية الموقف العملي فمحمد عبده هادن الاحتلال ورأى أن الإصلاح أجدى من الثورة، الأمر الذي رفضه العقاد، فقد رفض العقاد هذه الفلسفة ورفض فكرة المهادنة وهذا يُستدل عليه من رفضه العمل في أي جريدة خاضعة لنفوذ الإنجليز سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

·        التيار الثاني الذي كان يمثله مصطفى كامل كان مرفوض من قبل العقاد جملةً وتفصيلاً لما فيه من تعصب وطني وديني وفكري، فتيار مصطفى كامل أراد ربط مصر بتركيا والتي تمتلك بالنسبة للعقاد مستقبلاً مظلماً. إلى جانب ذلك كان العقاد يرى في دعوة كامل إلى الوطنية دعوة ذات طابع رومانسي لا تستند إلى العقلانية. كان العقاد أيضاً لا يتفق مع مصطفى كامل في قضايا عديدة أخرى مثل تعصبه في الدعوة للإسلام، وكان يتصور أن في هذا تأجيج للصراعات والفتن الطائفية.

·        التيار الثالث تيار لطفي السيد وحزب الأمة كان أقرب ما يكون إلى العقاد لأنه تيار يقوده العلماء والمثقفون، إلا أن العقاد كان بعيداً عن هذا التيار بسبب بنيته الاجتماعية فأعضاءه كانوا من أبناء الأعيان وأصحاب الثروات. وبما أن العقاد يعد من أبناء الطبقة الوسطى فكان الالتقاء مع هذا التيار صعباً.

·        التيار الرابع تيار المهاجرين جذب العقاد لما قدمه من مساهمات مهمة في نقل الثقافة الغربية، إلا أنه على الرغم من ذلك لم يتوافق العقاد مع رواد هذا التيار بالكامل لأنهم كانوا مهادنين مع الإنجليز إلى أقصى حد، وكان النظام العثماني هو العدو بالنسبة لهم لما مارسه من قمع سياسي بحقهم وعداء للعلم والعقل. [2]

مما سبق يمكن إجمال توجهات العقاد الفكرية في الفترة الواقعة ما بين (1907م – 1919م) ما بين الاهتمام الكبير بالثقافة الغربية  وبين الاهتمام بالثقافة العربية القديمة والإرث الإسلامي. إلى جانب ذلك كانت مواقفه واضحة إزاء الاستعمار الإنجليزي حيث كان يرفض التعامل بأي شكل من الأشكال مع الأجهزة الانجليزية أو مع النظام العثماني أو الارستقراطية المصرية.

مرحلة التحزب

مع اندلاع ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول كان للعقاد مساهمة مهمة فيها فقد اشترك في العمل الثوري وكان أبرز كتاب حزب الوفد الذي قاد الثورة وكان ينشر مقالاته في الأهرام عام 1920 ثم في البلاغ عند صدوره عام 1922، وكانت مقالاته تعبر عن وجهة نظر القيادة الثورية وتدافع عنها. كان حزب الوفد يتمسك بمبادئ الديمقراطية الليبرالية ويطالب بحكومة دستورية، وبرلمان منتخب ووزارات مسئولة، واحترام للحقوق المدنية. وكان العقاد شديد التأثر بزغلول حيث وجد فيه علماً للنهضة الشرقية بأسرها لا للنهضة المصرية وحدها ورمز لدعوة الوحدة في كل بلد ممزق بين العصبيات الداخلية والمطامع الأجنبية.[3]

مبادئ حزب الوفد تشير بأن الحزب هو امتداد لحزب الأمة الذي كان يمثل تيار لطفي السيد، وهو تيار كان يلتقي معه العقاد كما ذكرنا سابقاً، إلا أنه دخل حزب الوفد نظراً للبنية الاجتماعية المتغيرة فيه والتي جذبت العقاد ابن الطبقة الوسطى.

ترأس مصطفى النحاس باشا حزب الوفد عقب وفاة سعد زغلول، وفي العام 1930م عندما تولى مصطفى النحاس الحكم بعد فوز حزب الوفد بأغلبية ساحقة في الانتخابات، كان العقاد أحد الذين نجحوا في هذه الانتخابات ودخل مجلس النواب، وكانت هذه النتيجة بمثابة صدمة للملك فؤاد في ذلك الوقت، فما كان من الملك إلا أن قام بتعطيل مشروعات القوانين التي كانت الوزارة تقدمها إلى الملك لتوقيعها، لذا قدم النحاس استقالته بمجلس النواب، أما العقاد فقال "إن المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في سبيل صيانة الدستور وحمايته". بعد بضعة أشهر من هذه الواقعة تم تقديم العقاد للمحاكمة في 12 من أكتوبر العام 1930، وكان السبب في ذلك أنه كتب عدداً من المقالات في جريدة «المؤيد» يهاجم فيها الحكومة ونظام الحكم والرجعية ويدافع عن الدستور وحكم على العقاد بالسجن 9 أشهر، وخرج في 8 يوليو عام 1931م.[4]

استمر العقاد بعد خروجه من السجن على نهج محاربة نظام الحكم والرجعية، حتى تصادم مع النحاس رئيس حزب الوفد عام 1935، ويكمن جوهر الخلاف في أن العقاد كان ضد تأييد ''الوفد'' والنحاس لوزارة محمد توفيق نسيم، وهاجم تلك الوزارة بضراوة ، في حين  أصر النحاس على ضرورة أن يلتزم العقاد بخط الحزب، فكان الصدام و وخرج العقاد من الوفد[5].

 

مرحلة الخروج

بعد خروج العقاد من الوفد عام 1935م، انطوى تحت لواء حزب السعديين ومن هناك شن العقاد حملة على النحاس وحزب الوفد استمرت حتى قيام ثورة 1952م، وتراجع العقاد عن كل آرائه السابقة التي كانت في مرحلة التحزب والانتماء للوفد.

لقد كانت المذاهب الرئيسية المعروفة في عصر العقاد هي: النازية، الماركسية، الأخوان المسلمون، والصهيونية (كمذهب وحركة سياسية معاً) إضافة إلى الديمقراطية الغربية.

 تحول العقاد من عدو للإنجليز إلى مؤيد لقضيتهم على المستوى العالمي، فبعد اشتعال الحرب العالمية سنة 1939 بين "الديمقراطية الغربية" و النازية والفاشية كتب العقاد كتاباً عن "هتلر" عام 1940م يهاجم فيه هتلر من جانب ويدافع عن الديمقراطية الغربية وقيمها من جانب آخر.[6]

يتهم العقاد الماركسية بأنها فلسفة مادية بمعنى خاص من معنى المادية، حيث يقول ".. إن الماركسيين لا يستطيعون أن يمقتوا تلك العيوب (أي عيوب الرأسمالية) كما أمقتها، لأنهم يؤمنون بالمادة ولا يؤمنون بغيرها.." كما يضيف العقاد في حديثه عن الماركسية "..إن رأس المال محنة للأخلاق، ولكن الشيوعية محو للأخلاق لا تقوم لها فيه قائمة".[7]

في عام 1947م بدأ العقاد في تناول الصهيونية وألف عدد من الكتب بالخصوص من ناحية تتبع المسار التاريخي للحركة الصهيونية والكشف عن أكاذيبها وإدعاءاتها، كأكذوبة تفوُّق الشعب اليهودي على سائر الأمم، ودعوى اضطهاد اليهود التي كانت الصهيونية نفسها سببًا فيه بالكثير من أفعالها وأفكارها العنصرية، وأيضاً بالعزلة الإجبارية التي فرضتها على اليهود عن باقي المجتمعات. كما أظهر كذلك أساليب ومكائد الصهيونية ضد المجتمعات التي جاورت أو احتوت اليهود. [8]

ثبتت جماعة الأخوان المسلمين نفسها على الساحة السياسية المصرية في الفترة الممتدة من 1936 وحتى 1948م، ولم يتعرض العقاد للجماعة في كتاباته ومواقفه طوال تلك الفترة، لأن نشاط الأخوان كان متوافقاً ومرتبطاً مع مخطط السعديين المتمثل في القضاء على حزب الوفد. أما في أواخر عام 1948م وبعد أن أصبح للإخوان قوة ذاتية كبيرة على الساحة المصرية، أصدر محمود فهمي النقراشي رئيس الحزب السعدي ورئيس الوزراء آنذاك قرار بحل الإخوان المسلمين في 9/12/1948م، ومن هنا بدأ العقاد بالهجوم على الإخوان وفكره وتبرير هذا القرار السعدي.

 

خاتمة

بصورة عامة يمكن القول أن العقاد كان يرفض المذاهب الشمولية، أي أنه يرفض كل مذهب يحدد موقفاً شاملاً متكاملاً من كل نواحي النشاط الإنساني. إلا أنه يُلاحظ وجود تناقض في فكر عباس العقاد، فهو في كتابه بيتي على سبيل المثال والذي نشر عام 1945 يهاجم الماركسية والرأسمالية بعد أن دافع بقوة عن الديمقراطية الغربية (رائدة الفكر الرأسمالي) في كتابه عن هتلر عام 1940م. ويمكن أن نعزو هذا التقلب الفكري إلى اللحظة الفاصلة ما بين مرحلة التحزب والخروج. من جانب آخر فإن هجومه على الإخوان بعد أن كان متوافقاً معهم يدفع باتجاه استنتاجي إلى أن العقاد ذو شخصية حزبية ومواقفه نابعة من المنظور الحزبي ومن منظور الأنا. إلا أنه على الرغم من هذا كله فإن هذا لا يلغي حقيقة أن العقاد له نتاج فكري وأدبي غني ترك أثراً على العديد من التيارات الفكرية.

 

 

فادي قدري أبو بكر

fadiabubaker@hotmail.com

 

المراجع:

·        النقاش، رجاء. عباس العقاد بين اليمين واليسار. القاهرة: دار المريخ للنشر، 1998.

·        العقاد، عباس. سعد زغلول زعيم الثورة.مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012.

·        عبد الهادي، حنان." العقاد عندما عاب في الذات الملكية." جريدة الرأي، أغسطس.17،2010.

·        العقاد، عباس. في بيتي. القاهرة: المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، 1945.

 


 

[1] رجاء النقاش، عباس العقاد بين اليمين واليسار( القاهرة: دار المريخ للنشر، 1998)، 11-17.

[2] نفس المرجع السابق، ص 20-25.

[3] عباس العقاد، سعد زغلول زعيم الثورة(مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012)، 162-165.

[4] حنان عبد الهادي،" العقاد عندما عاب في الذات الملكية،" جريدة الرأي، أغسطس.17،2010.

[5] رجاء النقاش، عباس العقاد بين اليمين واليسار( القاهرة: دار المريخ للنشر، 1998)، 125-126.

[6] نفس المرجع السابق، ص160.

[7] عباس العقاد، في بيتي (القاهرة: المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، 1945)، 34.

[8] رجاء النقاش، عباس العقاد بين اليمين واليسار( القاهرة: دار المريخ للنشر، 1998)، 253-290.

 

 

تاريخ النشر

19.06.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

24.06.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org