<%@ Language=JavaScript %> د. كاظم الموسوي استجواب وزير الدفاع العراقي كشف بعض المستور

 

 

استجواب وزير الدفاع العراقي كشف بعض المستور

 

 

 

د. كاظم الموسوي

 

يُحسب لمجلس النواب العراقي منذ تأسيسه الجديد بعد انتخابات عام 2005، استجواب وزير دفاع، برغم أنه ليس المرة الأولى التي تحصل مع وزير أو رئيس وزراء، لكن الاستجوابات كانت اعتيادية من دون أن تحدث ضجة. وكذلك يسجل لحضور وزير الدفاع العراقي، خالد العبيدي، في هذه الظروف، إلى قبة البرلمان، وليس للمرة الأولى. العبيدي استُجوب علناً ونقل الاستجواب عبر شاشات الفضائيات، ما مثل تجربة جديدة لكنها صادمة، ولا سيما بما احتوت من سجالات ولما كشفت من مستور، ولما فتحت من ملفات مطوية وفجرت من غضب مكتوم. وشهدت الجلسة فضح النواب لأنفسهم وتعرية لخباياهم أولاً، وللسياسة العامة التي جاءت بهم وبحكوماتهم ثانياً، ولما سيحصل بعدها من ارتدادات أو بروز صراعات مثل الجمر تحت الرماد، ثالثاً.

حوّل وزير الدفاع خالد متعب العبيدي (الموصل 1959، وهو مهندس طيار عسكري وحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية)، استجوابه داخل البرلمان (في الأول من الشهر الجاري) إلى ساحة هجوم على مستجوبيه والضاغطين عليه في هذه الظروف العسكرية الصعبة من تاريخ العراق. ونجح العبيدي في لفت الانتباه إلى ما طرحه هو في هجومه، ما غطى على ما استدعي من أجله للاستجواب، برغم أنه أقرّ ببعض ما ووجه به. وكانت «خطة» هجومه مدوية، تركت تداعيات مباشرة، وصرحت بتأكيد الاتهامات بالفساد المستشري في الدولة العراقية منذ الاحتلال عام 2003 حتى الآن، وشملت شخصيات بارزة في البرلمان، بدءاً من رئيسه سليم الجبوري، (نائب الأمين العام للحزب الإسلامي في العراق، فرع جماعة الإخوان المسلمين العالمية وعضو قيادة تحالف القوى العراقية)، إلى نواب من كتلته وخارجها، حاليين وسابقين. وثبتت تلك الخطة تلك الاتهامات بالأسماء والأحداث والدلالات، كذلك أعلن خلالها تعرضه شخصياً لضغوط ومساومات لإمرار صفقات غير قانونية في عقود تسليح وتغذية الجنود وشراء سيارات، وكذلك التوسط لإصدار تعيينات وتنقلات خارج الضوابط واستحصال عمولات ورشى مقابلها، إضافة إلى ممارسات ابتزازية مختلفة بهدف الحصول على امتيازات ومكاسب غير مشروعة. ومع ذلك، لا يشكل كل هذا الصورة الكاملة عن الفساد والإفساد بشكل عام وفي الوزارة ذاتها بشكل خاص، إذ بينت أوراق الوزارة منذ الاحتلال أنها بؤرة فساد رهيب، «بلعت» مليارات الدولارات من المال العام للشعب العراقي، واشتركت السفارة الأميركية في تهريب الفاسدين الذين فضحتهم سابقاً وحاولت التغطية وإخفاء الكثير من تلك الأوراق. وإذا كان ما صرح به وزير الدفاع علناً في جلسة استجوابه قد أحدث هزة في بحيرة الخراب العام، فإن الاستمرار فيها من قبله ومن غيره في تعرية صفحات الفساد والمفسدين الذين شوهوا سمعة الشعب العراقي وأذلوه في تصرفاتهم هذه ونهب خيراته وتخادمهم مع أعدائه ممن يتربصون به ويعملون ليل نهار لتمزيقه وتفتيته وإلهائه الدائم بالبحث عن احتياجاته الأساسية ومستقبل أجياله، مهمة وواجب وطني وقانوني وأخلاقي.

نهب المال العام بأية صورة أو أي أسلوب هو فساد مخزٍ، وهو خرق للقانون وانتهاك لقواعده وإساءة احترام لمبادئه وللمجتمع العراقي. ويتطلب الإسراع في المحاسبة والمحاكمة من دون خضوع أو ارتهان للمحاصصة والتقسيمات والمساومات و«بوس اللحى» وإهدار الثروات، وبالتالي السماح للمجرمين بالإفلات من العقاب الواجب حسب الجرم والسلوك.

شغلت الجرأة والاتهامات الرأي العام وتناولتها وسائل الإعلام والتواصل ورددتها بيانات سياسية متسرعة تفضح بعضها ما تحت سطورها والجهات الضالعة والمتسترة على جرائم الفساد والنهب والارتكاب. ولا بد هنا من التحلي بالجرأة ذاتها أو بالأقوى منها في فتح كل الملفات في هذه القضايا، إذ إن مكافحتها تتوازى مع حرب الشعب العراقي ضد الإرهاب والتعدي على الأرض والعرض والدين.

وكما تمكنت القوى الأمنية بكل مكوناتها، من جيش وشرطة وحشد شعبي، من تحقيق انتصارات واضحة وبينة، فإن هذه الفرصة الجديدة التي أتاحها استجواب وزير الدفاع وما طرحه فيه وما أحدثه، وهو قطرة من بحر الفساد والإفساد والاستهانة بالثروات والقيم والشعب، تتطلب تأكيدها والإسراع في المحاكمة وتفعيل القضاء وضرب المتورطين. فالفساد والإرهاب، والفاسدون والإرهابيون، متشابهون ومشتركون سوية في الخراب العام والدمار المشترك وتوسيع النهب والتخلف والفقر وتشويه أو تعطيل التنمية والحقوق والمشترك الإنساني.

ما إن انتهى استجواب وزير الدفاع، حتى بدأت القوى السياسية ــ ولا سيما المشتركة في عمليات الفساد والارتكاب والمساومات والتخادع مع «داعش» والقوى الداعمة له ــ بالتحرك على جميع الجبهات، وخصوصاً الإعلامية، لتشويه القضية الحقيقية ومحاولات صرف النظر عنها أو العمل على تبهيتها والإيعاز إلى مرتزقتها من وسائل إعلام ومحللين سياسيين وغيرهم، بإنجاز المتطلب منهم في هذه القضية وغيرها، كما سجلت أحداث وقضايا أخرى سابقة.

ما يثير الانتباه هو التناقض في مواقف «اتحاد القوى العراقية»، (وهو أكبر ائتلاف للكتل السنية في مجلس النواب – هكذا يقدم نفسه وإعلامياً)، المرشِّح لوزير الدفاع، في توجهاته وإصداره بيانات عدة وتصريحات كانت تدافع عن وزير الدفاع وتستنكر وتدين استجوابه، واعتبرت الاستجواب استهدافاً لشخصه وإنجازاته وللاتحاد والمكوّن ولم تصل بعد إلى خارج العراق. بينما اختلف الخطاب بعد الاستجواب، فاعتبر رئيس البرلمان سليم الجبوري اتهامات العبيدي مسرحية ومساساً بالبرلمان. وكذلك اعتبر «اتحاد القوى العراقية» الاتهامات التي كشف عنها وزير الدفاع خالد العبيدي، «استهدافاً سياسياً لقادته».

وقال التحالف في بيان إن «ما حدث في جلسة استجواب وزير الدفاع، كان محاولة منه لسلب المجلس حقه من خلال التشهير به وتحويل الاستجواب من ممارسة مهنية إلى استهداف سياسي بهدف الالتفاف على الاستجواب والآثار التي يمكن أن تترتب عنه». وأضاف أن «سياسة كيل الاتهامات لرئيس مجلس النواب وبعض أعضاء المجلس من تحالف القوى ومن دون أي دليل سوى الأقاويل غير المسندة بشهود أو وقائع قد حولت الاستجواب إلى استهداف سياسي لأحد أبرز قياديينا وأعضائنا، بل وللعملية السياسية برمتها من خلال التشهير بسلطتها التشريعية». وأبدى التحالف دعمه «لطلب رئيس مجلس النواب من لجنة النزاهة وهيئة النزاهة بالتحقيق مع جميع من ذكرت أسماؤهم لإثبات الحقائق أمام الشعب العراقي ولخطورة ما ذُكر من اتهامات، الأمر الذي يتطلب تدخلاً فورياً وحاسماً من قبل القضاء العراقي» (!).

وسبق أن اعتبرت كتلة «اتحاد القوى العراقية»، (في 3/10/2015) جلسة استجواب سابقة لوزير الدفاع خالد العبيدي، «محاولة مكشوفة لخلط الأوراق والتقليل من جهود وإنجازات العبيدي خلال أقل من عام من تسلمه مهمات عمله». وذكرت الكتلة في بيان لها نقلته وكالات أنباء محلية، أن «أسئلة الاستجواب لم تكن بالقدر الذي يستوجب إلهاء مجلس النواب أو إشغال الوزير عن متابعة قواطع العمليات العسكرية، بل كانت في أغلبها محاولة لتحميل الوزير العبيدي أخطاء سياسات الحكومات السابقة وفشلها في بناء منظومة عسكرية وطنية متماسكة الوﻻء». وأكد البيان أن «صم الحكومات السابقة آذانها عن مطالباتنا بإصلاح المنظومة العسكرية، وإعادة بناء الجيش على أسس الوطنية والمواطنة هي التي أدت إلى ترهلها وضعف قواتنا العسكرية وانكسارها أمام ثلة من شذاذ اﻵفاق» (!!). وأشاد البيان بـ«الجهود التي يبذلها الوزير خالد العبيدي ورفاقه في وزارة الدفاع لإعادة الثقة إلى المؤسسة العسكرية والقيادات الميدانية وإثبات قدرتها وتعزيز قناعة دول التحالف الدولي والإقليمي بقدرة القوات العراقية على تحرير مدنها المغتصبة من تنظيم داعش اﻻرهابي» (!). وهنا يجدر السؤال: ما الذي تغيّر؟ (ما عدا مما بدا)!.

كيف يكون الفساد؟ ومن يتحمل مسؤوليته؟ ولماذا التأخر في القضاء عليه أو الحد من انتشاره بشكل سرطاني من قبل قيادات أو متحمسين للوقوف في واجهة المشهد السياسي؟ إن استجواباً واحداً كشف بعض المستور وفضح جزءاً من الخبايا، وبالتأكيد سيؤوَّل ويُفسّر ويوضع في مسارب ومسارات أخرى وتتدخل الحسابات والصراعات والمشاريع المستقبلية فيه، لكن الإرادة الوطنية ينبغي لها أن تحقق ما يخدمها ويوفر لها سياسات وطنية غالبة وقادرة على تجاوز مشاريع المحاصصات والمحسوبيات والتخادم مع الجهات، الإقليمية أو الدولية، التي تسعى إلى تدمير العراق والمنطقة وتفتيتهما.

 

 

تاريخ النشر

10.08.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

10.08.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org