<%@ Language=JavaScript %> حسين سرمك حسن (101) كيف أطاحت الولايات المتحدة بدكتاتور الفلبين ماركوس وهو حليفها ؟!

 

 

 

(101) كيف أطاحت الولايات المتحدة بدكتاتور الفلبين ماركوس وهو حليفها ؟!

 

 

 

ترجمة : حسين سرمك حسن

 

2015/2016

 

(وعلى الرغم من المعارضة المتنامية ضد ماركوس، اختار البنك الدولي أن يقف مساندا للدكتاتور وداعما له. وخارج إطار خططه ، عزّز البنك بشكل كبير قروضه للفلبين: 600 مليون دولار في عام 1983، أي أكثر من ضعف القروض في العام الماضي : 251 مليون دولار. مؤرخو البنك الدولي كتبوا أن موقف البنك الدولي هذا هو مسألة ولاء لصديق جيّد).

الباحث الاقتصادي

إريك توسيه

(في حين كان ماركوس لا يخلو من أخطاء، فإنه كان - وحتى الآن – آخر رئيس فلبيني قاد الدولة وهو مدرك لتحديات القيادة الحقيقية في عالم كان ينزلق نحو الفوضى. وإسقاطه من قبل عصابة جورج شولتز لم يكن له أي صلة بتلك الاتهامات التي كان يعرفها الرأي العام تماماً، ولكن كان إسقاطه بقصد وقف سياساته الوطنية للتنمية وتعاونه الدولي مع حركة لاروش وغيرها في مواجهة سياسات الإبادة الجماعية لصندوق النقد الدولي، ومحاولة تحقيق نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على التنمية والعدالة).

الباحث

مايك بلنغتون

(ومع ذلك، لم يقم الدكتاتور فرديناند ماركوس تماما بالسياسة الاقتصادية التي كان البنك الدولي يأملها ويشجعه عليها. أصيب البنك الدولي بخيبة أمل لأنه كان على علاقة جيدة جدا مع الدكتاتور ومع فريق الأكاديميين الذين أحاط نفسه بهم وتجمعوا حوله - وبعضهم أصبح في وقت لاحق من مسؤولي البنك الدولي نفسه، مثل جيراردو سيكات ، وزير التخطيط الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للبنك الوطني في الفلبين ، وهو البنك الرئيسي في البلاد).

الباحث

إريك توسيه

المحتوى

_____

(تمهيد : تذكير للسادة القرّاء  - جورج شولتز و "القتلة الاقتصاديون المحترفون" هم الذين دمّروا الفلبين - دور منظمة لاروش في فضح ومقاومة مخطط تدمير الفلبين - ما هي حركة لاروش ؟ - عصابة شولتز لم تُسقط ماركوس لطغيانه بل لأنه دعا إلى نظام اقتصادي عالمي جديد تسوده العدالة - تراث ماركوس الحقيقي: الإصلاح الزراعي الحقيقي والاكتفاء من الأرز أول جرائمه - محطة الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ثاني جرائمه؛ وتمّ تفكيكها فور إسقاطه - برامج الصناعات الثقيلة ثالث جرائمه - الاحتجاج على صندوق النقد الدولي والحاجة إلى نظام اقتصادي دولي جديد أشعل هجوم الولايات المتحدة بقيادة شولتز عليه - هنا أدخلوا “القاتل الاقتصادي" - المعارض أكينو نفسه كان يعلم مَنْ سيغتاله - عرس أبناء آوى - صندوق النقد يبدأ بتدمير الفلبين، شولتز وولفويتز يطالبان برأس ماركوس - القاتلان كيسنجر وبريجنسكي يطرحان خطة إسقاط ماركوس على الراي العام ! - ماركوس يستمر بالدعوة لنظام عالمي عادل ويرفض سياسات صندوق النقد - مجلة EIR تنشر تفاصيل المخطط الأمريكي لإسقاط ماركوس قبل تنفيذه - تحريك منظمات المجتمع المدني لتنفيذ المخطط - أُسقط ماركوس برغم فوره في الإنتخابات - مذابح صندوق النقد الدولي - لمحة أخيرة من كتاب ماركوس الذي ألّب عليه الأمريكان: لا تحاول حتى التفكير بطريقة مختلفة عن الأمريكان - مصادر هذه السلسلة من الحلقات)

 

 

تمهيد : تذكير للسادة القرّاء

_______________

قلنا في الحلقة 86 من هذه السلسلة :

"وصلت الأزمة النقدية الآسيوية إلى ذروتها في عام 1998، وكان صندوق النقد الدولي حاضرا على الفور لحزمة إنقاذ واسعة النطاق.

وكان أشد المنتقدين لصندوق النقد الدولي في ذلك الوقت هم : جورج ب. شولتز (عضو في اللجنة الثلاثية ووزير الخارجية الأمريكي سابقا)، وليام سايمون (وزير الخزانة في إدارة نيكسون وفورد) والتر ريستون (الرئيس السابق لمجموعة سيتي جروب / سيتي بنك وعضو مجلس العلاقات الخارجية). كتبوا معا مقالة : (إلغاء صندوق النقد الدولي؟) لصالح معهد هوفر، حيث شولتز هو أيضا زميل متميز فيه. (...)
واصلت المقالة هجومها اللاذع في جميع أقسامها ، ثم ختمت بالقول:

"صندوق النقد الدولي غير فعال، ولا لزوم له، وعفا عليه الزمن. نحن لسنا بحاجة لصندوق نقد دولي آخر، كما أوصي السيد جورج سوروس (طبعا سوروس هذا أسفل رأسمالي ومصمم الثورات الملونة الإجرامية). وبمجرد أن تنتهي الأزمة الآسيوية، ينبغي لنا أن نلغي صندوق النقد هذا " .

وعلّقنا على هذا الموقف بالقول :
"من المثير للاهتمام أن هؤلاء المنادين بإلغاء (ص ن د) هم أعضاء أساسيون في النخبة العالمية المتآمرة التي دعمت هذا الصندوق ، وها هم يلقون الحجارة على مؤسستهم الخاصة.

ضع قاعدة أمام عينيك سيّدي القارىء، وهي : أي مسؤول أمريكي يدعو لخطوة فيها جانب من "الخير" و"الإصلاح" ، فهو يضمر خطوة أخرى أكثر شرّاً وتخريباً يمتص بها دولارات ودماء الناس . لا يوجد أي دليل تأريخي يدحض هذه القاعدة" .

ويأتي المثال التطبيقي على استنتاجنا هذا الذي يبدو قاسيا في حالة جورج شولتز الداعي إلى إلغاء صندوق النقد الدولي لا محبة بالنمو الاقتصادي المتكافىء ومصالح الشعوب المتوازنة .. ولكن ...

دعونا نتابع السلوك الإجرامي لهذا الداعية في مؤامرة إسقاط الولايات المتحدة لحليفها المفضّل الدكتاتور الفلبين فرديناند ماركوس.  

جورج شولتز و "القتلة الاقتصاديون المحترفون" هم الذين دمّروا الفلبين

__________________________________________

 كان الانقلاب الذي أطاح بحكومة الرئيس فرديناند ماركوس في الفلبين في عام 1986 والذي صمّمته الولايات المتحدة حالة كلاسيكية من ما وصفه جون بيركنز في كتابه الأخير: "اعترافات قاتل اقتصادي Confessions of an Economic Hit Man"، (عن القاتل الاقتصادي جون بيركنز راجع الحلقة (33) مذبحة أندونيسيا وتيمور الشرقية : أمريكا قتلت مليون أندونيسي وذبحت 200,000 مواطن في تيمور الشرقية من أجل الديمقراطية ، والحلقة 20 عن البنك الدولي بأقسامها الأربعة) كطريقة مُثلى في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لفرض السيطرة الاستعمارية تحت اسم آخر. في حالة الفلبين، قام وزير الخارجية الأمريكي لاحقا وسفير الولايات المتحدة في الفلبين سابقا "جورج شولتز" بدوري كلٍّ من القاتل الاقتصادي الذي دمّر وسيطر بصورة كاملة على الاقتصاد الفلبيني، ومصمّم الانقلاب ، الذي أطاح بالرئيس الفلبيني ماركوس لصالح دمية لصندوق النقد الدولي تحت غطاء ما سُمّي بعملية "ثورة سلطة الشعب the People Power Revolution".

دور منظمة لاروش في فضح ومقاومة مخطط تدمير الفلبين

__________________________________

 وطوال هذه العملية، من أواخر السبيعنات ومرورا بانقلاب فبراير شباط 1986، وبعده، كانت منظمة حركة لاروش LaRouche movement تعمل بقوة في الكفاح من أجل فضح وإحباط هذا التخريب والتدمير لواحد من البلدان الحلفاء الأكثر أهمية لأمريكا، من قبل المؤسسات المالية العابرة للحدود الوطنية التي يمثلها جورج شولتز وأمثاله.

فما هي حركة لاروش ؟

حركة لاروش هي منظمة دولية عالمية تهتم بالاقتصاد والسياسية والثقافية والحياة الاجتماعية. أسسها الاقتصادي والسياسي الأمريكي الشهير "ليندون لاروش" في عام 1974. تضم الحركة سياسين واقتصاديين ومثقفين من جميع أنحاء العالم، ولها مكاتب في بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول العالم. وتتعرض الحركة إلى هجوم شرس تشنه عليها كثير من الحكومات والمضمات اليمينة في العالم لان أهم أهداف الحركة هو محاربة الرأسمالية الاستهلاكية العالمية ، ومعارضتها شن الحروب على الدول واحتكار الزعامة العالمية، ونشر الوعي لدى العامة للثقافة والمعرفة الابداعية وليست المعرفة التلقينية.

ومن خلال حشد الدعم من الوطنيين التقدميين في كل من الولايات المتحدة والفلبين، سلط جهد حركة لاروش الضوء على جرائم عصابة جورج شولتز، كما سيتم تبيين ذلك أدناه. وعلى الرغم من أن الجهود فشلت في وقف هذه العملية في ذلك الوقت، فإن الجرائم التي تمّ كشفها في الفلبين يمكن ويجب أن تكون اليوم بمثابة إدانة لشولتز ولعملاء المحافظين الجدد ، الذين هم اليوم في نهاية اللعبة في جهودهم الرامية إلى فرض نظام فاشي جديد على هذا الكوكب.

في 16 نوفمبر تشرين الثاني ، وفي مقابلة على محطة إذاعية في مانيلا، عرض مؤسس حركة لاروش وجهة نظره الخاصة عن الدور الخاص والمتميز للأمة الفلبينية: "إن الفلبين لديها دور محوري مهم جدا؛ على المستوى الجيوبولتيكي، في المنطقة كلها، ولأول مرّة ، يتمثل في محاولة تأسيس نظام عالمي قادر على استيعاب كل من التراث الثقافي الأوروبي والثقافات الآسيوية. هذا هو الحاجز الكبير، والحد العظيم، لمستقبل واعد لهذا الكوكب: الجمع بين ثقافات آسيا التي تختلف عموما عن بلدان أوروبا الغربية ، والثقافة الأوروبية، للحصول على ثقافة عالمية قائمة على نظام الدول القومية ذات السيادة، التي تدرك أن هذه المسألة الثقافية التي لم تُحل لابد من معالجتها، مع رؤية طويلة الأجل، وعبر عدة أجيال، لخلق مجموعة متكاملة من الدول القومية ذات السيادة كنظام أساسي صحيح لهذا الكوكب. إذن ، الفلبين هو بلد خاص جدا، ويحظى بأهمية فريدة من نوعها لشعوب آسيا، على وجه الخصوص، في لعب دور رئيسي في إحداث هذا النوع من التكامل العام للحضارات الآسيوية والأوروبية".

عصابة شولتز لم تُسقط ماركوس لطغيانه بل لأنه دعا إلى نظام اقتصادي عالمي جديد تسوده العدالة

________________________________________________

الدرس المُستفاد من تخريب تجربة الفلبين في الثمانينات وحتى اليوم صار واضحا. جورج شولتز هو مصمّم مخطط المحافظين الجدد الذين يديرون إدارة بوش، التي أوصلت العالم إلى الظروف الكارثية الحالية. والحالة في الفلبين أيضا، وعلى الرغم من أنها في الوقت الراهن تفتقر إلى أي قيادة وطنية مماثلة لتلك التي كان عليها ماركوس، فإنها تواجه تهديدات انقلاب جديد، تدبره نفس دوائر المحافظين الجدد في واشنطن التي كانت مسؤولة عن تدبير انقلاب 1986 أيضا.

الذاكرة الشعبية تحتفظ لفرديناند ماركوس اليوم، في الولايات المتحدة والفلبين بصورة شُكلت إلى حد كبير عن طريق حملة تضليل واسعة النطاق تمّ رسمها في بداية الثمانينات من قبل الدوائر المرتبطة بجورج شولتز وزير الخارجية آنذاك ، ونائبه المجرم بول وولفويتز. اتُهم ماركوس بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، والنهب، وحتى قتل معارض سياسي هو : بنينو أكينو ، وهذه الصورة كانت ومازالت تُكرر حتى اليوم إلى حدّ يثير الغثيان. في حين كان ماركوس لا يخلو من أخطاء، فإنه كان - وحتى الآن – آخر رئيس فلبيني قاد الدولة وهو مدرك لتحديات القيادة الحقيقية في عالم كان ينزلق نحو الفوضى. وإسقاطه من قبل عصابة جورج شولتز لم يكن له أي صلة بتلك الاتهامات التي كان يعرفها الرأي العام تماماً، ولكن كان إسقاطه بقصد وقف سياساته الوطنية للتنمية وتعاونه الدولي مع حركة لاروش وغيرها في مواجهة سياسات الإبادة الجماعية لصندوق النقد الدولي، ومحاولة تحقيق نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على التنمية والعدالة.

 

الصورة رقم (1)

الرئيس الفلبيني ماركوس في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي جونسون

 

تراث ماركوس الحقيقي: الإصلاح الزراعي الحقيقي والاكتفاء من الأرز أول جرائمه

______________________________________________

انتُخب ماركوس رئيسا للفلبين في عام 1965، عندما شنت الولايات المتحدة الحرب الكارثية والعقيمة في الهند الصينية. حقيقة أن الولايات المتحدة استخدمت قواعدها في الفلبين، خليج سوبيك ومطار كلارك في لوزون، كمنصات إطلاق في حرب الهند الصينية، غذّت التمرد الداخلي في الفلبين الذي قاده جيش الشعب الماوي الجديد. بعد ذلك تمت معاملة ماركوس كصديق وحليف وثيق للولايات المتحدة. وحتى عندما أعلن الأحكام العرفية في عام 1972، وكانت الحرب في الهند الصينية  ما تزال مستعرة، لم تُبدِ إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون آنذاك أي اعتراض.

لكن ماركوس لم يكن مهتما فقط بـ "مكافحة التمرد" في إعلان الأحكام العرفية. عندما انتخب رئيسا في عام 1965، كانت الفلبين لا تزال أساسا اقتصادا استعماريا، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد منحتها الاستقلال الكامل في 4 يوليو 1946، كما وعدت من قبل الرئيس فرانكلين روزفلت في عام 1934. برغم مرور سنوات طويلة على الإستقلال فإن الإنتاجية كانت منخفضة في كل من الزراعة والصناعة على حدّ سواء : تخلفت الزراعة لأن الفلبين اعتمدت على الحصول على تسهيلات خاصة من الصادرات الغذائية للولايات المتحدة، واقتصرت الصناعة على الصناعات التجميعية، بدلا من تطوير الصناعات الأساسية.

 وضع ماركوس على الفور خطة لتحقيق الفلبين للاكتفاء الذاتي من الغذاء خصوصا في الأرز والذرة. وهذا يتطلب أيضا كسر سيطرة الطبقة الارستقراطية على الأراضي التي خلفتها حقبة الامبراطورية الاسبانية. كان ماركوس أول رئيس للفلبين لم يأت من هذه الفئة الأرستقراطية النخبوية، لكنه من "العامة" وقد تدرب كمحام.

كرئيس، ركز أولاً على البنية التحتية الزراعية الأساسية، وخاصة شبكة الري، في المناطق الرئيسية المنتجة للغذاء مثل لوزون ومينداناو. توفير التسهيلات الائتمانية، والميكنة، وإدخال أصناف من الأرز ذات الإنتاجية العالية، التي تحتاج إلى الري، أسفرت عن القضاء على استيراد الأرز بحلول عام 1968.

بقي الإصلاح الزراعي، الذي هو في المقام الأول مشكلة سياسية، وهميا. ومع ذلك، عندما فرض ماركوس الأحكام العرفية في عام 1972، كان من بين أول أفعاله هو إعلان أن الأمة كلها ستعامل باعتبارها "منطقة إصلاح زراعي"، وإعلان أن جميع مستأجري الأراضي الذين يعملون في الأراضي المخصصة في المقام الأول لزراعة الأرز والذرة سيكونون أصحاب تلك الأرض، وفق حدّ معين. وعلى الرغم من المعارضة الغاضبة من الأوليغارشية الزراعية، أثبت هذا البرنامج نجاحه بشكل غير عادي. وإلى جانب تطوير البنية التحتية وتحسينات الميكنة ، أصبح أكثر من ربع مليون فلاح من أصحاب الأراضي، وزادت إنتاجية الحبوب بمقدار النصف.

محطة الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية ثاني جرائمه؛ وتمّ تفكيكها فور إسقاطه

________________________________________________

وكانت الخطوة الكبرى الأخرى بعد إعلان الأحكام العرفية هي التعاقد مع شركة وستنجهاوس Westinghouse لإنشاء محطة باتان للطاقة النووية لتكون أول (وستظل الوحيدة) محطة للطاقة النووية التجارية في جنوب شرق آسيا. وفي حين كانت الطاقة النووية وبشكل واضح هي الحل الوحيد المعقول والمنطقي لمتطلبات الطاقة في جميع أنحاء المنطقة، فإن الملحمة الحزينة لمحطة باتان النووية ترمز إلى الشر المحض للسياسات المُطبقة من قبل "القتلة الاقتصاديين" التابعين للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

كما تم التعاقد أصلا، فإن مشروع المحطة سيكلّف مليار دولار تقريبا ، وسينتج 1200 ميجاوات من الكهرباء بحلول عام 1984. ولكن ، بعد الهستيريا التي أشعلها "نادي وول ستريت النووي" المناهض للأسلحة النووية (انظر مجلة إنتلجنس ريفيو، 3 ديسمبر 2004) في أعقاب حادث عام 1979 في محطة ثري مايل ايلاند النووية في ولاية بنسلفانيا، فرضت إدارة كارتر أنظمة السلامة بأثر رجعي الأمر الذي تسبب في مضاعفة تكلفة البناء. ثم، بعد الإطاحة بماركوس في عام 1986، كان واحدا من أول أعمال الرئاسة الجديدة لكورازون أكينو هو تفكيك محطة باتان النووية التي تم إكمالها تماما ولكن لم تُشغّل أبداً. وقد اضطرت الفلبين لدفع مليارات لا تعد ولا تحصى في خدمة الدين الأجنبي ، وما زالت تدفع حتى اليوم أكثر من 000،150 دولار في اليوم الواحد، لهذه المنشأة النووية، دون أن تحصل على "واط" واحد من الكهرباء من منشأة تُعتبر للدولة. اثنتان أخريان من منشآت الطاقة النووية التي تم التخطيط لها لتوفير 1880 ميجاوات من الكهرباء بحلول عام 1991، تم إلغاؤهما أيضا.

برامج الصناعات الثقيلة ثالث جرائمه

______________________

لم يكن مشروع الطاقة النووية الابتكار الوحيد لنظام ماركوس. في عام 1979 أعلن ماركوس خطة لتنفيذ 11 مشروعا صناعيا كبيرا، بهدف تحويل التركيز في الاقتصاد الصناعي في البلاد من إنتاج السلع الاستهلاكية إلى الصناعات الثقيلة الأساسية. كانت المشروعات المدرجة في الخطة تشمل الصُلب والبتروكيماويات، ولب الورق والورق، ومصهر النحاس، وصناعات الألمنيوم، والأسمدة الفوسفاتية، ومحركات الديزل ، وصناعات الغاز والنفط، وصناعة جوز الهند، وبرنامج للطاقة النووية.

إدارة ماركوس، خلال فترة الأحكام العرفية 1972-1981، زادت شبكة الطرق في البلاد ثلاثة أضعاف، وضاعفت كهربة المنازل في البلاد مرتين، وزادت الأراضي الزراعية المروية ثمانية أضعاف، وحققت الاكتفاء الذاتي من الأرز والذرة.

زادت معدلات الأجور اليومية الدنيا ثلاث مرات، على الرغم من التضخم، ولكن بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية وانفجار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، تآكل القسم الأكبر من هذه الزيادات في الأجور.

الاحتجاج على صندوق النقد الدولي والحاجة إلى نظام اقتصادي دولي جديد أشعل هجوم الولايات المتحدة بقيادة شولتز عليه

_____________________________________________

هذا المستوى من التطور وهذه التنمية ، وخاصة القدرة على تحرير البلاد من الاعتماد على النفط وكارتلات المواد الخام الدولية - لم يكن ليتم التسامح معها من قبل المؤسسات المالية الدولية التآمرية التي تقودها الولايات المتحدة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. أزمة نقص النفط المُفتعلة في السبعينات تركت الفلبين، مثل جميع الدول غير المنتجة للنفط، مُثقلة بديون ضخمة. وأعقب تلك الأزمة رفع معدل أسعار الفائدة  بنسبة 20٪ التي فرضها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "بول فولكر" في عام 1979، والتي ضاعفت ديون معظم دول العالم الثالث ثلاث مرات في غضون بضع سنوات.

في عام 1981، رفع ماركوس الأحكام العرفية. وأيضا في ذلك العام، حضر قمة الشمال والجنوب في كانكون، بالمكسيك، التي عُقدت من قبل الرئيس المكسيكي خوسيه لوبيز بورتيو المنظمة حيث تحدث عن الحاجة لـ "نظام اقتصادي عالمي جديد"، واستنكر "الشروط" المُدمرة المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي على البلدان النامية في مقابل الحصول على مساعدات مالية في الأزمات المالية. ثم، في سبتمبر 1981، دفع ماركوس من خلال الكونغرس الفلبيني ما قيمته 4 مليارات دولار من مشاريع البنية التحتية ذات الأولوية، بما في ذلك الري والصرف الصحي وبرامج للسيطرة على الفيضانات، والطرق السريعة، والاتصالات، والمطارات.

 

هنا أدخلوا القاتل الاقتصادي"

_________________

جاء الرد على كل إنجازات ماركوس في عام 1982 (العام الذي أصبح  فيه جورج شولتز وزيرا للخارجية الأمريكية) من خلال تقرير صندوق النقد الدولي الذي هاجم مشاريع ماركوس، مطالبا بتسديد الديون بدلا من ذلك : "في ظل الوضع في الفلبين، يمكن لتقليص الإنفاق على الاستثمارات العامة أن يكون أداة فعالة لتأمين تحسن في عجز الحساب الجاري". وألقى مدير صندوق النقد الدولي جاك دلاروسيه  محاضرة قال فيها أن البلاد قد حددت "أهداف نمو غير واقعية"، في حين ندّد البنك الدولي بحكومة ماركوس لدعمها الصناعات الوطنية.

كانت حملات "التليين" و "الترقيق" هذه غير كافية للسيطرة على حكومة ماركوس. زار جورج شولتز مانيلا في صيف عام 1983، للإشراف على تخفيض قيمة العملة الفلبينية الوطنية ؛ البيزو ، بنسبة 20٪ ، الأمر الذي سيزيد من تكاليف تمويل الديون الخارجية التي هي غير شرعية أصلاً.

المعارض أكينو نفسه كان يعلم مَنْ سيغتاله

_________________________

بدأ الهجوم واسع النطاق في خريف عام 1983، مع اغتيال بنينو أكينو. أكينو، أحد زعماء المعارضة الذين سمح لهم ماركوس بمغادرة السجن من أجل الحصول على العلاج الطبي في الولايات المتحدة (على الرغم من مواجهته عقوبة الإعدام على جرائم القتل والتخريب)، واختار العودة الى الفلبين في أغسطس 1983 بعد ثلاث سنوات في الولايات المتحدة . ولقي حتفه بالرصاص لدى خروجه من طائرته في مانيلا.

على الرغم من أن المتآمرين الفعليين لم يتم الكتشف عنهم رسميا، فقد ألقى باللوم في عملية الاغتيال على ماركوس على الفور، وتمّ تناسي دور الرجال "القتلة الإقتصاديون" الذين يُسمّون "ابناء آوى jackals" (كما يسمى جون بيركنز أولئك الذين كان عليهم أن يعزلوا أو حتى يقتلوا زعماء العالم الذين يقاومون مطالب القتلة الاقتصاديين أمثاله من خبراء البنك الدولي).

وفي الفلبين، لعب جورج شولتز وبول ولفويتز الدور المزدوج وهو : القاتل الاقتصادي وابن آوى.

بالنسبة لرأي أكينو حول التهديد الوشيك لحياته، فقد قال في مقابلة مع مجلة الأم جونز Mother Jones الأمريكية في يناير كانون الثاني عام 1983، حينما كان يفكر في العوةه إلى الفلبين: "ماذا تعتقد أن ماركوس سيفعل ؟" أجاب أكينو: "سوف يبقيني على قيد الحياة، لأنه يعلم لحظة أموت، أنا شهيد، مثل مارتن لوثر كينغ، وهو لا يريد ذلك. أن الاحتمال الآخر، هو أن يبقي علي ، ويقوم الشيوعيون بقتلي . ويلومون ماركوس. سيكون لديهم شهيد ، وسيتخلصون من حجر عثرة".
وأكينو أيضا فهم السبب الحقيقي للكارثة الاقتصادية التي تضرب الفلبين: "إذا جعلتني رئيسا للفلبين اليوم، يا صديقي، فإنني سأتخلى عن الحكم بعد ستة أشهر لأنه لا يوجد شيء يمكن أن أفعله. لا يمكن أن أوفر فرص العمل . ولا أستطيع أن أخفض الأسعار".

في غضون شهرين من عملية الاغتيال، قطعت خطوط الائتمان المتبقية للفلبين بشكل كبير، وتم فرض تخفيض جديد على العملة الوطنية بنسبة 21٪. صارت الأمّة مفلسة. وأخيرا، في 15 أكتوبر 1983، سُمح لماركوس أن يعلن وقفا عن الدين غير قابل للسداد، ولكن بشرط أن يتم تفكيك المشاريع الكبيرة التي أنشأها لدعم تحديث البلاد، في حين تمّ تحويل العديد من الصناعات التي تدعمها الدولة إلى الذئاب المحليين والدوليين (وقد تم ذلك تحت ستار اتهام أصحاب هذه الصناعات بأنهم الفاسدون "المقربون" من ماركوس).

في الوقت نفسه ، قامت حركة لاروش، برعاية مؤتمرات في بانكوك، بتايلاند، واحد في أكتوبر عام 1983، وآخر في أكتوبر 1984، حول موضوع اقترحه مسؤول الحركة "ليندون لاروش" لـ "تطوير منطقة المحيط الهادئ وحوض المحيط الهندي". حضر نائب وزير الخارجية الفلبيني "باسيفيكو كاسترو" مؤتمر عام 1984، وتحدث عن "التعاون الاقتصادي والأمن الإقليمي"، بالتعاون مع القادة الحكوميين ورجال الأعمال من مختلف أنحاء المنطقة. اقترحت المؤتمرات "مشاريع كبرى" مثل قناة كرا  Kra Canal في تايلاند، والتحول المادي في آسيا، كقوة دافعة وراء النظام الاقتصادي العالمي الجديد.

عرس أبناء آوى

__________

هُرع معارضو ماركوس ليأكلوا ويشربوا في واشنطن ، على موائد كل من الجناح اليميني (جورج شولتز وبول وولفويتز) والجناح اليساري (الجمهوري ستيفن سولارز والسيناتور تيد كنيدي وريشارد فالك) من أدوات "مشروع الديمقراطية Project Democracy " ، الذي ينجز المهمات التآمرية التي تُصمّم له من قبل المؤسسات المصرفية.  سالفادور لوريل ، إبن رئيس الفلبين الخائن تحت الاحتلال الياباني ، ترأس المعارضة بعد اغتيال أكوينو ، وفي شباط فبراير 1984 ، زار واشنطن حيث استُقبل هناك من قبل نائب الرئيس المجرم "بوش الأول"، ووزير الخارجية جورج شولتز . النائب سولارز قدم مشروع قانون إلى الكونغرس لإعادة النظر في المعاهدة التي تنظم عمل القواعد الأمريكية في الفلبين ، لقطع المساعدات الأمريكية للفلبين بمقدار الثلثين والتي تمت الموافقة عليها سابقا. وفي الوقت نفسه ، تكاتفت منظمات "المجتمع المدني" المضادة للطاقة النووية في الولايات المتحدة وتبنت قضية إسقاط "دكتاتورية ماركوس" ، وبضمنها تجميع القوى المضادة للطاقة النووية في مانيلا ، وبضمنها ريشارد فالك وممثلون عن حزب الخضر الألماني الغربي آنذاك. وتمّ تعيين ستيفن بوزورث ، المتعاون الحميم مع هنري كيسنجر ، سفيرا للولايات المتحدة إلى الفلبين ، ومن هذا الموقع سوف يقوم بقيادة وإدارة الإنقلاب على ماركوس.

صندوق النقد يبدأ بتدمير الفلبين، شولتز وولفويتز يطالبان برأس ماركوس

___________________________________________

في اكتوبر تشرين الأول عام 1984، أجبرت الفلبين على الموافقة على حزمة صندوق النقد الدولي لإعادة التمويل والتي تضمنت إنهاء السيطرة على سعر الأرز وباقي الحبوب ، وتعويم البيزو ، ومضاربات مفتوحة على العملية الأجنبية ، وتقليص الواردات ، والتقشف الداخلي ، وتخفيض جديد للعملة الوطنية – لتصبح قيمة التخفيض 63،3% خلال عام واحد ، مما جعل قيمة الديون الخارجية مضاعفة . ومن المفارقات ، أن المعارضة المدعومة والممولة بشكل كامل من قبل المؤسسات والمعاهد المرتبطة بصندوق النقد ، شنّت حملة واسعة بين السكان في الفلبين "تدين خضوع ماركوس للشروط التعسفية لصندوق النقد الدولي !" . 

طوال عام 1985، دافع الرئيس رونالد ريغان عن علاقة الولايات المتحدة بالفلبين وبالرئيس ماركوس ، على الرغم من أن وزير الخارجية جورج شولتز ونائبه بول وولفويتز لم يوافقا علنا على هذا التقييم ، بل كانا يطالبان برأس ماركوس. بلغت الأزمة ذروتها في يوليو تموز 1985، عندما تبنى الكونغرس الأمريكي مقترح سولارز لنقض اتفاقية القواعد الأمريكية ، ليس لقطع الإلتزامات المالية عن الفلبين فحسب، ولكن الإصرار على أن باقي المساعدات لا توزّع من قبل الحكومة الفلبينية بل من خلال الكنيسة التي تحت قيادة الكاردينال "جيم سين" دعت علنا إلى التمرد على الحكومة .

القاتلان كيسنجر وبريجنسكي يطرحان خطة إسقاط ماركوس على الراي العام !

____________________________________________

في نوفمبر تشرين الثاني ، طُرحت خطة التمرّد على الرأي العام ، عندما قام مركز الدراسات الستراتيجية والدولية (وهو مقر هنري كيسنجر وزبنغيو بريجنسكي) "لعبة حرب" ضد الفلبين تقوم على أساس سيناريو مُفترض يتضمن اغتيال الرئيس ماركوس ، وسيطرة "جيش الشعب الجديد" الموالي للروس على الفلبين ، وانطلاق الجيش الأمريكي للعمل لـ "إنقاذ" الفلبين !!

 عمل مركز الدراسات هذا في آسيا كان يُموّل من قبل امبراطور التأمين "سي . في. ستار" وموريس هانك غرينبيرغ". غرينبيرغ وسي في ستار كانا يملكان أغلب صناعة التأمين في الفلبين، وعددا كبيرا من السياسيين الفلبينيين كذلك، وعملا على الأرض كـ "قتلة اقتصاديين" في تدبير الانقلاب على ماركوس.

ماركوس يستمر بالدعوة لنظام عالمي عادل ويرفض سياسات صندوق النقد

____________________________________________

استمر ماركوس في كفاحه من أجل نظام اقتصادي عالمي جديد. في نوفمبر 1985، دعت مجلة EIR Excutive Intelligence Review-  ومعهد شيللر، وهي الرابطة الدولية التي يديرها ليندون وهيلغا لاروش، الجنرال المتقاعد "إدواردو مركادو جارين" ، مدير معهد بيرو للدراسات السياسية والجيوستراتيجية للقيام بجولة في آسيا، والترويج للوقف الجزئي للديون الخارجية الذي اتخذته الحكومة البيروفية. وبالإضافة إلى مؤتمرات في تايلاند والهند، قام الجنرال مركادو جارين ووفد أير/معهد شيللر بمقابلة الرئيس ماركوس في مانيلا. قال ماركوس للوفد :

"العالم الثالث الآسيوي وبلدان أمريكا الجنوبية يجب أن يتوحدوا ويضغطوا من أجل إلغاء جزء من ديونهم. كيف يمكن لبلدان العالم الثالث أن تدفع قروضها التي وصلت إلى 900 مليار دولار؟". قدّر ماركوس أن قدرة هذه البلدان على الدفع لن تتجاوز الـ 300 مليار دولار.

مجلة EIR تنشر تفاصيل المخطط الأمريكي لإسقاط ماركوس قبل تنفيذه

_________________________________________

في 16 آب ، نشرت مجلة إير EIR مقالة بعنوان "تآمر لإسقاط حليف أمريكي" ذكرت فيها أن السفير الأمريكي في الفلبين بوزورث يخطط لانقلاب عسكري ضد حكومة ماركوس. وذكرت المقالة أن بوزورث يلتقي في الوقت الحاضر ولساعتين يوميا برئيس الأركان الفلبيني الجنرال "فيدل راموس" خريج كلية "ويست بوينت" الأمريكية الذي تحاول الولايات المتحدة طرحه كقائد لحكومة مدنية – عسكرية ، على الرغم من ولائه للرئيس ماركوس. كانت القصة قائمة على معلومات من مصادر موثوقة في كل من الفلبين وواشنطن حيث لم توافق بعض الطبقات الوطنية داخل الحكومة والمخابرات والجيش على أن تتحوّل الولايات المتحدة إلى قوة امبريالية لخدمة المصالح المالية الدولية الاستغلالية .

عرض مجلة أير أجبر الجنرال راموس والسفير بوزورث على الإنكار العلني. وكما أثبتت الأحداث ، فإن تحذير المجلة كان صحيحا بصورة مميتة .

أُجبر ماركوس أخيرا من قبل واشنطن على الدعوة لانتخابات جديدة في فبراير شباط 1986، على الرغم من أن الدستور ينص على إجراء الانتخابات في عام 1987 . المعارضة ، وبالتنسيق الكامل مع السفير الأمريكي بوزورث ووزارة خارجية شولتز ، اختارت ترشيح أرملة أكوينو ، كورازون أكوينو، للرئاسة ، وترشيح لوريل نائبا لها .

تحريك منظمات المجتمع المدني لتنفيذ المخطط

___________________________

كما لا يزال ينظر اليوم إلى "ثورات سلطة الشعب" التي يخطط لها المحافظون الجدد ، كما هو الحال في جورجيا وأوكرانيا، فإن وكالات المخابرات الأمريكية تموّل وتسيطر على منظمة "المواطن" لمراقبة الانتخابات، والحركة الوطنية من أجل انتخابات حرة (Namfrel)، التي تستعد لإعلان أن "التزوير" قد حصل إذا لم تجر الانتخابات وفق المخطط الأمريكي المقصود. في نوفمبر 1985 ، قال بول وولفويتز للكونغرس الأمريكي أنه سوف يكون هناك "انهيار كامل في الثقة السياسية" إذا لم تجر الانتخابات بصورة "عادلة"، أي إذا لم تتوّج بهزيمة ماركوس.  

في الواقع، في يوم الانتخابات، كانت المعارضة عائدة قدما إلى العاصمة مانيلا كما كان متوقعا. وصدرت تعليمات لكورازون أكينو لإعلان نفسها  فائزة في الإنتخابات. ومع ذلك، عندما جاءت الأصوات الريفية، حيث كان ماركوس ما يزال محبوبا بسبب التطور والتنمية التي حققها للأمة، تفوق ماركوس على أكينو، وفاز في الانتخابات.

أُسقط ماركوس برغم فوره في الإنتخابات

_______________________

لكن في اعتراف علني مثير للدهشة، قال السفير الأمريكي السابق لدى الفلبين وليام سوليفان (الذي كان أيضا سفيرا لأمريكا في إيران عندما أطيح بالشاه في 1979) لشبكة سي بي أس نيوز، يوم 9 فبراير شباط، بعد يومين من الانتخابات في الفلبين:

"الحقائق كما ظهرت أصبحت غير ذات صلة على نحوٍ متزايد، لأن التصور الذي يسود في كل من الفلبين و، كما أعتقد، على الصعيد الدولي، أن السيدة أكينو قد فازت في الانتخابات بقدر تعلق الأمر بمراكز الاقتراع المعنية، إلا أن الحكومة، في عملية التبويب ، تلاعبت بفرز الأصوات".

وكما حذّرت مجلة اير بالفعل، قام الجنرال راموس بقيادة تمرد عسكري ضد الرئيس ماركوس، داعيا الجماهير إلى تطويق القاعدة العسكرية في وسط مانيلا، لخلق صورة عن "سلطة الشعب"، في حين أن حشود الجماهير الفعلية كان يٌسلب منها الرئيس الذي انتخبته. وبحلول نهاية فبراير، تم إقناع الرئيس ريغان من قبل جورج شولتز بالتخلي عن دفاعه عن الرئيس ماركوس، وتأييد الانقلاب العسكري. تم إرسال ماركوس وعائلته إلى هاواي.

مذابح صندوق النقد الدولي

________________

نتائج هذه الفتنة لا تزال واضحة حتى اليوم في تآكل النسيج الاقتصادي والاجتماعي في الفلبين. استجابت كورازون أكينو لكل مطالب صندوق النقد الدولي، من إغلاق منشأة الطاقة النووية المكتملة إلى تحرير وخصخصة الكثير من مكوّنات الاقتصاد. كانت مفاجأة لبعضٍ من أنصار أكينو، ولكن ليس لحركة لاروش، عندما تم الإبقاء على أعضاء في حكومة ماركوس مؤيدين لصندوق النقد الدولي في مجلس وزراء الحكومة الجديدة. تولّى الجنرال راموس مباشرة الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 1992، وقام ببيع الأمة لشركة إنرون Enrons والغرب من خلال اتفاقات وعقود فاسدة، وغير متكافئة، وخاصة في قطاع الطاقة، الذي جعل البلاد في حالة الإفلاس المطلق بعد هجوم المضاربين على الاقتصادات الآسيوية في أزمة 1997-1998.

مواطن "عامّي" آخر هو "جوزيف استرادا"، انتُخب كرئيس للفلبين في عام 1998، ولكن لم يسمح له بالبقاء في منصبه أكثر من عامين فقط قبل أن يطيح به "قاتل اقتصادي" آخر من خلال انقلاب عسكري تصدى له الجنرال راموس أيضا ليسقطه في يناير 2001.

الرئيسة التالية، غلوريا ماكاباغال أرويو (كانت نائبة للرئيس استرادا، وهي ابنة رئيس سابق للفلبين هو ديوسدادو ماكاباغال، كما أنها ثاني رئيسة للفلبين بعد كورازون أكينو)، فعلت كل ما طلبه منها المحافظون الجدد الذين استولوا على السلطة في واشنطن. ومع ذلك، عندما قامت بسحب القوة العسكرية الفلبينية الرمزية من العراق المُحتل، ورفعت مستوى علاقات بلادها مع الصين، حلّ عليها غضب رعاتها الأمريكان ، وصارت تواجه الاتهامات من كل جانب حتى وصل الأمر – وهي في ذروة أزمة صحية – إلى حدّ اعتقالها في المشفى الذي تُعالج فيه بتهمة تخريب الانتخابات !!

لاروش، جنبا إلى جنب مع معاونيه في الفلبين، يعتزم استخدام هذا التاريخ من مؤامرات القتلة الاقتصاديين في الفلبين وغيرها، كجزء ضروري من الكفاح من أجل وضع حد لهذا الإجرام إلى الأبد. كما خلص لاروش في خطابه الاذاعي في 16 نوفمبر : "لقد كنت ومنذ فترة طويلة على صلة خاصة بالفلبين، وأنا قلق جدا على سلامتها وسيادتها ورفاهها اليوم. وسأكون سعيدا جدا، وسوف يجعلني الفلبينيون سعيدا جدا، من خلال كونهم أصحاب سيادة حقيقيين، ناجحين، متطوّرين، ويحيون بسلام مرة أخرى اليوم. إن تعزيز سيادة الفلبين ، ونجاح الفلبين كجمهورية رئاسية سيادية، بالنسبة لي، واحد من المكونات الضرورية لمستقبل منطقة المحيط الهادئ كاملة والعالم".

لمحة أخيرة من كتاب ماركوس الذي ألّب عليه الأمريكان: لا تحاول حتى التفكير بطريقة مختلفة عن الأمريكان

___________________________________________

قام الرئيس فرديناند ماركوس عام 1983 بتأليف كتاب عنوانه "أيديولوجية للفلبين - An Ideology for the Philippines." ، والمقتطف التالي منه يكشف لماذا كان الرئيس ماركوس هدفا للقتلة الاقتصاديين الأمريكان :

"التقليد الفلسفي الغربي يضع فرادة الإنسان في عقلانيته : إنه يعرّف الإنسان بأنه حيوان منطقي. وهي فكرة عن الإنسان لا تؤدي بالضرورة إلى فلسفة للإنسانية، لأن مفهوم العقلانية يمكن أن يُفسر ميكانيكيا : كحركة للفكر تتبع مجموعة من المبادئ غير المرنة. التصور الديكارتي للعقل هو تصوّر آلي في هذا المعنى. لأنه يعتبر التفكير شيئا لا يمكن متابعته إلا في اتجاه واحد :

بدءا من مفاهيم واضحة ومميزة، يتحرك العقل إلى الأمام، خطوة خطوة، متبعا فقط ما يمليه المنطق. ما أغفلته الديكارتية هو عنصر الإبداع الذي هو في غاية الأهمية لمفهوم عقلانية الإنسان. تقدير إبداع الإنسان، أو هذا الحافز لخلق أشكال جديدة وأساليب جديدة للتعامل مع متطلبات الواقع، له آثار هائلة ليس فقط في فلسفة الإنسان فحسب ولكن أيضا في السياسة الاجتماعية، وبالتالي للأيديولوجية.

بمعنى من المعاني، يمكننا أن نعتبر تاريخ الحضارة هو تاريخ الإبداع الإنساني. وما يسمى بالثورات العلمية يمثل فك ارتباط الإنسان بالأساليب التقليدية في التفكير. . . .

التوجه الإنساني للأيديولوجية لدينا يأخذ على وجه التحديد في الاعتبار حقيقة أنه بغض النظر عن كونه عقلانيا، بمعنى الديكارتي للمصطلح، فإن الإنسان لديه موهبة الإبداع الذي يعبّر عن نفسه ليس فقط في فنه ولكن أيضا في علمه ومؤسساته الاجتماعية.
هذا الإبداع هو ما يجعل الإنسان إنساناً حقا. في الواقع، يبدو أكثر ملاءمةً تعريف الإنسان لا كحيوان عقلاني ، ولكن بوصفه كائنا إبداعيا
.

مصادر هذه السلسلة من الحلقات

___________________

مصادر هذه السلسلة من الحلقات عن الدور التخريبي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تُذكر في الحلقة الأخيرة منها.

 

تاريخ النشر

23.06.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

23.06.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org