<%@ Language=JavaScript %> حسين سرمك حسن (92) مثلما دمّر البنك الدولي اقتصاد البرازيل والارجنتين يمكنه أن يدمّر اقتصاد العراق

 

 

(92) مثلما دمّر البنك الدولي اقتصاد البرازيل والارجنتين يمكنه أن يدمّر اقتصاد العراق

 

 

 

ترجمة وجمع وإعداد : حسين سرمك حسن

بغداد المحروسة – 2015/2016

 

(في الثمانينات، اقترضت البرازيل أموالا جديدة لسداد القروض القديمة. "العقد الضائع" من حياة البرازيل شهد نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية بين عامي 1985 و1989 ، 148 مليار دولار : 90 مليار دولار منها لفوائد القروض الأجنبية .. الكثير من هذه الأموال ذهب لاسترداد تكاليف المشروعات التي بدأها البنك الدولي والتي لم تكلل بالنجاح. في عام 1991، قدر البنك نفسه أن 55 في المئة من مشاريعه في البرازيل قد فشلت).

(لقد تفاقمت البطالة في الأرجنتين بعد هذا القرار. وقد لاحظ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نفسه ارتفاع نسبة البطالة في منطقة بوينس آيرس من 17 في المئة إلى 22 في المئة في العام الذي تلى صدور التقرير. أعمال العنف والنهب الذي هزت المدينة في ديسمبر 2001 كانت تمثل مرحلة في عملية "التقشف" وهي التي وصفها رئيس اقتصاديي البنك الدولي المفصول "جوزيف ستيغليتز" "أعمال شغب صندوق النقد الدولي"، عندما قال: "عندما تكون الأمة في حالة اضطراب ، يستغل صندوق النقد الدولي هذا الظرف ويضغط على الضحية ويعتصرها لسحب آخر قطرة دم من عروقها ... أن الصندوق يعمل على رفع الحرارة إلى أن ينفجر المرجل كله)

المحتوى

_____

(عدم المساواة في البرازيل فاقمها صندوق النقد والبنك الدولي - توزيع الأراضي مشكلة البرازيل الرئيسية وقد التقطها ذئاب البنك الدولي - شيطان البنك الدولي يقترب من الأراضي البرازيلية - خلال أربع سنوات دفعت البرازيل 90 مليار دولار فوائد فقط للديون !! - بسبب صندوق النقد هاجر 4 ملايين من الريف إلى المدينة - البنك الدولي يتدخل في الدستور البرازيلي ويشعل الصدامات في صفوف الشعب البرازيلي - تدمير جوانب الاقتصاد الأخرى : الأسئلة المحرجة - رفع أسعار الفائدة - عدم تطابق وسائل الصندوق على غاياته - شروط صندوق النقد الدولي تدخّل في سيادة الدولة - قانون المسؤولية المالية يخفض التغذية المدرسية !! - معالجة التضخم المالي بتسريح العمال وخفض أجورهم - كشف الوثائق السرية حول استراتيجية صندوق النقد والبنك الدولي لتدمير الأرجنتين - خطوات "الإصلاح" الهيكلي الأربع التي دمّرت الأرجنتين -  الصندوق يبيع مياه الشرب على الأرجنتين - انهيار الأرجنتين عليه كل بصمات أصابع صندوق النقد الدولي - مؤامرة سعر الصرف الثابت لتدمير الاقتصاد الأرجنتيني - سجل حافل من الفشل التآمري)

 

عدم المساواة في البرازيل فاقمها صندوق النقد والبنك الدولي

___________________________________

وفقا لأسس الاقتصاد الكلي التقليدية، فإن البرازيل بلد غني. ينعم بموارد طبيعية هائلة. البرازيل، أكبر دولة في أمريكا الجنوبية، لديها تاسع أكبر منتج إجمالي محلي (GDP) في العالم. ومع ذلك فإن البلد لا يزال يعانى من الفقر وعدم المساواة. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن 20 في المئة من السكان في البرازيل يسيطرون على 80 في المئة من ثروة البلاد، ووفقا لإحصاءات الحكومة أغنى واحد في المئة من السكان يمتلكون نصف الدخل القومي. ما لا يقل عن نصف القوة العاملة في البلاد في هذا البلد المكوّن من 167 مليون شخص يكسب كحد الأدنى للأجور أقل من 77 دولار شهريا. ولعل الرئيس فرناندو هنريك كاردوسو، وهو من الجناح اليساري الجذري سابقا، ومن أبطال الليبرالية الجدد الآن، وضع هذا التناقض بصورة أفضل: البرازيل ليست بلدا فقيرا، لكنه بلد غير عادل ... وكما تثبت البرازيل فإن الثروة - الثروة وحدها - الثروة بدون مساواة ليست ازدهارا".

توزيع الأراضي مشكلة البرازيل الرئيسية وقد التقطها ذئاب البنك الدولي

________________________________________

الظلم في المجتمع البرازيلي صارخ لا سيما عندما يتعلق الأمر بتوزيع الأراضي. فقد ترك إرث البلاد من الاستعمار ثلاثة في المئة من السكان يملكون ما يقرب من ثلثي الأراضي الصالحة للزراعة في البرازيل. ووفقا للحكومة البرازيلية، 30 في المئة من المزارعين البرازيليين يمتلكون فقط 20 فدانا من الأراضي أو أقل. في المقابل، تشكل أكبر المزارع في البلاد، تلك التي مساحتها من 2000 فدان أو أكثر، 1.6 في المئة فقط من جميع المزارع ولكنها تمثل 53.2 في المئة من الأراضي الصالحة للاستعمال. 4.8 مليون عائلة ريفية - ما يقرب من 25 مليون شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 167 مليونا - ليس لها أي أرض على الإطلاق، وباقية على قيد الحياة من خلال العمل كعمال مؤقتين.

ولعل الأسوأ من ذلك كله، هو إن أكثر من 1.2 مليار فدان في البرازيل هو من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستخدمة. وما لا يقل عن 40 في المئة من الأراضي الزراعية هي أراض بور أو، في أحسن الأحوال، تُستخدم فقط لرعي الماشية. من بين أكبر المزارع - تلك الموجهة لسوق التصدير أو مُعطّلة فقط لأسباب المضاربة – تمثل ما يقدر بنحو 88 في المئة من الأراضي غير المستغلة بشكل دائم. الظلم المزدوج المتمثل في تركيز الأراضي والمزارع المهملة هو المسؤول إلى حد كبير عن الفقر المزمن الذي ينهش البرازيل.

شيطان البنك الدولي يقترب من الأراضي  البرازيلية

______________________________

في عام 1997، بدأ البنك الدولي برنامجا تجريبيا لمعالجة توزيع الأراضي في البرازيل. سُمّي بـ "بنك الأراضي" ، ويهدف المشروع – في الظاهر - إلى مساعدة الأسر المعدمة على زراعة الأراضي من خلال الحصول على القروض والمساعدة التقنية.

بدا هذا جهدا حسن النية، ولكنه كان ماكرا ومغرقا في المشاكل. في طرحه لهذا المشروع، لم يتشاور البنك أبدا مع مجموعات المواطنين البرازيليين الرائدة في حركة الإصلاح الزراعي في البلاد. وبعدم إجراء هذه المشاورات، وضع البنك وزنه الهائل وراء قوة اجتماعية واحدة تتمثل في "ملّاك الأراضي" في قضية سياسية تشهد خلافاً شديدا. ثم جاءت إهانة أخرى مميتة، حيث يبدو الآن أن مشروع البنك قد جعل مشكلة عدم المساواة الريفية في البرازيل تزداد سوءاً.

تجربة بنك الأراضي هي مجرد مثال واحد على الكيفية التي يقحم البنك فيها نفسه بشكل غير لائق في السياسة الداخلية لبلد من البلدان، في عملية مربكة تسيء للنظام الديمقراطي. وكما قال محلل في صندوق الدفاع عن البيئة فإن "هذا المشروع هو ربما التقليد الأكثر سخرية لمشروع التنمية الذي رأيته في حياتي أكثر من أي وقت مضى، في حقل تنافسي للغاية".

خلال أربع سنوات دفعت البرازيل 90 مليار دولار فوائد فقط للديون !!

________________________________________

لم يكن مشروع "بنك الأراضي" المشروع الأول الذي يتدخل فيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في شؤون البرازيل. في السبعينات، أقرضت المؤسستان المليارات من الدولارات للدكتاتورية العسكرية التي كانت تسيطر على البلاد آنذاك. استُخدمت القروض لتمويل مشروعات البنية التحتية الضخمة مثل السدود التي لم يف الكثير منها حتى بالأهداف التي وضعت من قبل المؤسستان نفسيها. في الثمانينات، اقترضت البلاد أموال جديدة لسداد القروض القديمة. "العقد الضائع" من حياة البرازيل شهد نقل هائل للثروة الوطنية إلى خارج البلاد حيث دفعت الحكومة البرازيلية بين عامي 1985 و1989 ، 148 مليار دولار : 90 مليار دولار منها لفوائد القروض الأجنبية .. أرجو الإنتباه : 90 مليار دولار لفوائد القروض الأجنبية فقط. الكثير من هذه الأموال ذهب لاسترداد تكاليف المشروعات التي بدأها البنك الدولي والتي لم تكلل بالنجاح. في عام 1991، قدر البنك نفسه أن 55 في المئة من مشاريعه في البرازيل قد فشلت.

في التسعينات، وفي ظل تعاقب سلسلة من الحكومات المدنية ، أرغم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي البرازيل على تبني برامجهما في التكيف الهيكلي. تمّ رفع القيود التنظيمية عن الصناعات، وتم بيع مؤسسات الدولة ، وخفض   الإنفاق الحكومي، كما تم رفع الضرائب على المواطنين. في أواخر التسعينات، أسرع الرئيس البرازيلي كاردوسو كثيرا بتنفيذ الإصلاحات الليبرالية الجديدة التي طالب بها صندوق النقد الدولي. تم بيع شركة الهاتف الحكومية المربحة وشركة التعدين المربحة المملوكة ملكية عامة ، للشركات متعددة الجنسيات. وتم تخفيض الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية إلى حدّ بعيد.

في نوفمبر من عام 1999، وضعت إدارة كاردوسو البرازيل تحت رحمة صندوق النقد الدولي بدرجة أكبر عندما وافق على حزمة قروض جديدة من الصندوق مقدارها 5،41 مليار دولار .

في ذلك الوقت كانت الأزمة المالية تجتاح روسيا، وقد عبّر صندوق النقد الدولي عن القلق من أن "العدوى" – لاحظ الحرب النفسية الماكرة - سوف تنتشر وتصل إلى البرازيل وسوف يتزعزع الاستقرار في الهيكل المالي العالمي بأسره، وقام بممارسة الضغط على البرازيل لعدم تخفيض قيمة عملتها، وهي الريال. اجبر صندوق النقد الدولي الخزينة البرازيلية على إقرار زيادة كبيرة في معدلات الفائدة التي وصلت إلى 41 في المئة، للحفاظ على قوة "الريال" الحقيقية . في نهاية المطاف، لم تحقق هذه الإجراءات أي فائدة. تسبب رفع أسعار الفائدة بإسقاط الاقتصاد البرازيلي في حالة من الركود، ثم قام الرئيس كاردوسو في نهاية المطاف بخفض قيمة العملة. أجبر صندوق النقد الدولي البرازيل على انفاق مليارات الدولارات لتعطيل وقوع الكارثة التي ما لا مفر منها.

بسبب صندوق النقد هاجر 4 ملايين من الريف إلى المدينة

________________________________

توقّع صندوق النقد الدولي أنه إذا خفضت البرازيل قيمة عملتها "الريال" فسوف يحدث تضخم حقيقي في الإقتصاد البرازيلي. ولكن هذا لم يحدث أبدا، فانظر إيها القارىء أي سفلة كذّابين هم هؤلاء الخبراء ّ!.  لكن رفع أسعار الفائدة إلى مستويات صاروخية ألقى العبء على البرازيليين العاديين. أجبرت أسعار الفائدة على القروض الآلاف من الناس على رهن ممتلكاتهم في المناطق الريفية. ووفقا للحكومة البرازيلية، بين عامي 1995 و 1999 كان ما يُقدر بـ 4 ملايين برازيلي قد هاجروا من الريف إلى المدن. سوء إدارة كاردوسو وإصرار صندوق النقد الدولي على ضمان ثقة المستثمرين فاقم من سوء توزيع الأرض.

البنك الدولي يتدخل في الدستور البرازيلي ويشعل الصدامات في صفوف الشعب البرازيلي

__________________________________________

الدستور البرازيلي لعام 1988، اعترف بأن تركيز الأراضي المفرط يساهم ليس فقط في إشاعة الفقر، ولكن يعيق أيضا استدامة التنمية بشكل صريح، ونص على أن الأرض يجب أن تستخدم لصالح المجتمع. القوانين الأخرى التي وضعت آليات لتوزيع الأراضي التدريجي سمحت للحكومة بنزع ملكية حيازات الأراضي غير المستخدمة أو المفرطة كبيرة ، ومن ثم تعويض أصحابها من خلال إصدار السندات الحكومية. منذ منتصف الثمانينات، مجموعات من المواطنين في البرازيل بقيادة حركة العمال المعدمين ، واتحاد العمال الزراعيين، والكنيسة الكاثوليكية، قد استخدموا هذه القوانين لدفع التعويضات في عملية إعادة توزيع الأراضي.

خلال 15 عاما فقط، قامت هذه الجماعات، حركة العمال المُعدمين على وجه الخصوص، وبنجاح، في تأمين سندات ملكية الأراضي لـ 000،250 عائلة عن طريق الاحتلال غير العنيف والسلمي للأراضي غير المستغلة. ممارسات القاعدة الشعبية الخلاقة هذه انتقلت طاقتها أيضا إلى الحكومة البرازيلية التي اتخذت إجراءات أقوى. وزعت الإدارة الحكومية القائمة أكثر من 28 مليون فدان من الأراض، واعترف مسؤولو إدارة كاردوسو أن هذا لم يكن ليحدث لولا ضغط حركة العمال المعدمين وحلفائهم.

في عام 1997، أعلن البنك الدولي انه يريد الانخراط في عملية الإصلاح الزراعي في البرازيل. ولكن بدلا من اتخاذ موقف محايد يدعم الإصلاح الزراعي على النحو الذي كان يسير عليه، قام مسؤولو البنك والحكومة بمساندة أصحاب الأراضي ضد حركة العمال المعدمين ومنظمات المجتمع المدني المتحالفة معها. وبذلك، قام البنك الدولي بأفساد العملية الديمقراطية.

بعد تدخل البنك الدولي في موضوع إصلاح الأراضي صارت هذه القضية واحدة من القضايا السياسية الأكثر عاطفية في البرازيل اليوم. صار الخطاب السياسي المشحون بين حركة العمال المعدمين والحكومة أمرا شائعا. في الريف، تحول الصراع السياسي السلمي إلى صراع بدني. حكومات الولايات، المتحالفة عادة مع النخب المالكة للأراضي، بدأت بقمع حركة العمال المعدمين. صارت الشرطة تضرب نشطاء حركة العمال المعدمين بصورة غير عادية، وبعض النشطاء قُتلوا. وصارت حركة العمال المعدمين والحكومة عدوّين سياسيين. هذه العداوة خلقها البنك الدولي.

منذ بداية مشاركته في إصلاح الأراضي البرازيلية، قام البنك بدعم مصالح جانب واحد في الصراع السياسي. والكارثة أن البنك بدأ مشروعه في الإصلاح الزراعي دون استشارة أو إعلام أي من منظمات المواطنين المحلية العاملة في قضايا الأرض لسنوات طويلة. رفض البنك والحكومة البرازيلية حتى التفاوض مع العمال الريفيين عندما قدموا مقترحات إيجابية محددة.

 آلية الإصلاح الزراعي التي طرحتها حركة العمال المعدمين ووافقت عليهاعلى مضض إدارة كاردوسو تعتمد على فكرة أن الأرض يمكن أن تصادر لمصلحة المجتمع حتى ضد رغبة المالك في حالة عدم استخدامه لها . في المقابل، يعتمد نظام البنك الدولي على مبادئ السوق الحرة. وبموجب خطة البنك الدولي، تمت خصخصة الإصلاح الزراعي: حيث يُطلب من المعدمين التقدم بطلب للحصول على قروض من الحكومة البرازيلية التي يمكنهم من خلالها شراء الأراضي من ملاك الأراضي بأسعار السوق الكارثية. ومع ذلك، لا أحد من ملاك الأراضي سيُضطر للبيع، مهما كانت ممتلكاتهم متروكة غير مُستخدمة.

لقد وصلت تجربة "بنك الأراضي" إلى النقطة التي يمكن عندها تحليل نجاحها. ولكن الأدلة الأولية تشير إلى أن هذا البرنامج محكوم عليه بالفشل. أولا، غالبية المزارعين المُقترِضين لا يفهمون تماما حتى أنهم قد اخذوا قروضا، ولا يعرفون حتى شروط قروضهم. وهي شروط صعبة يصل سعر الفائدة على القروض إلى 18%. ومن المرجح أن العديد من المزارعين الفقراء سوف يفقدون الأرض مرة أخرى في غضون سنوات قليلة. أيضا، وفي إطار برنامج بنك الأراضي، ليس هناك سوى فترة سماح مدتها ثلاث سنوات (كان برنامج الحكومة في وقت سابق يشمل فترة سماح مدتها خمس سنوات)، ولا توجد طريقة للحصول على إمدادات أو بذور. ويخشى المزارعون الذين لا يملكون أرضا أيضا أن البنك الدولي، الذي يخطط لتوزيع 2 مليار دولار كقروض لأكثر من عشر سنوات، يمكن أن يساهم في التضخم في أسعار الأراضي فيصبح من الصعب شراؤها.

الأكثر إثارة لقلق المدافعين الذين لا يملكون أرضا، هو ان العديد من البرازيليين يرون أن برنامج البنك الدولي ليس مجرد بديل مكمل لإصلاح الأراضي الذي يكفله الدستور. بدلا من ذلك، يعتقد كثير من الناس أن نهج البنك القائم على اقتصاد السوق هو استبدال الإصلاح الدستوري بطريقة أخرى من توزيع الأراضي. هذا التصور الجديد الذي يقوده البنك الدولي يلتقي تماما مع البرنامج السياسي لملاك الأراضي وبعض المسؤولين الحكوميين الذين يريدون القضاء على الوسائل المتاحة لإصلاح الأراضي. أيضا، وبالطبع، يتعارض هذا مع مصالح حركة العمال المعدمين وحلفائها، الذين يرغبون في مواصلة الاصلاح الزراعي عبر الوسائل المقررة دستوريا والقاضية بنزع ملكية الأراضي غير المستغلة. في الأساس، انحاز البنك إلى جانب جدول الأعمال السياسي لجماعة معينة. وبفشله في التشاور حتى مع من هم في طليعة قضية الإصلاح الزراعي البرازيلي، أقحم البنك نفسه في واحدة من القضايا السياسية الأكثر سخونة في البلاد. أي أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يضطلعان بدور التخريب السياسي بالإضافة إلى التخريب الاقتصادي.

لا يبدو أن المسؤولين في البنك الدولي يرغبون في عقد أي مناقشة حول الموضوع. في عام 1998، طلب منتدى الإصلاح الزراعي، وهي مظلة للمنظمات غير الحكومية البرازيلية، والعدالة الريفية، وهي منظمة غير حكومية أخرى، من هيئة التفتيش التابعة للبنك الدولي التحقيق لمعرفة كيف يتطوّر برنامج بنك الأراضي. في يونيو حزيران 1999، أهمل البنك هذا الطلب على أساس أن الشكوى تستند إلى "اختلافات فلسفية" !!. استأنفت المجموعة هذا القرار من خلال طلب ثان. ولكن لم ترد هيئة التفتيش على الطلب الثاني !!.

 

تدمير جوانب الاقتصاد الأخرى : الأسئلة المحرجة

____________________________

في حالة البرازيل هناك ثلاثة أسئلة يجب طرحها :: 1. هل كان صندوق النقد الدولي محقاً في رفع أسعار الفائدة؟ 2. هل كان وجود صندوق النقد الدولي وسيلة لتحقيق الغاية، ولحل هذه الأزمة؟ 3. هل ذهب صندوق النقد الدولي بعيدا في تدخله في شؤون دولة ذات سيادة هي البرازيل؟

رفع أسعار الفائدة

___________

الجواب على مشكلة البرازيل وعلى النحو المنصوص عليه في برامج صندوق النقد الدولي يتألف مرة أخرى من زيادة سعر الفائدة. على الرغم من أنه يمكن القول، أن صندوق النقد الدولي كان له رأي مختلف في الخيار المتعلق بنظام سعر الصرف، فإن هذا لا يمكن أن يكون ذريعة لتبرير سياسة سيئة. لقد دافع الصندوق عن سعر صرف لا يؤمن به هو نفسه. وجوهر السؤال يجب أن يكون: هل كان صندوق النقد الدولي محقا في دفاعه عن نظام سعر الصرف؟ . وحسب الكثير من الباحثين فإن الحالة البرازيلية لا ينطبق عليها رأي صندوق النقد حول سعر الصرف . كانت الحالة البرازيلية مثالا آخر على أن أسعار الفائدة لا يمكن أن تدافع عن سعر الصرف ولا تمنع الأزمات النقدية . كانت الزيادة في سعر الفائدة في الحقيقة هي التي أثارت الأزمة.

لا يمكن فقط أن ندّعي بأن الأزمة نجمت عن الزيادات في أسعار الفائدة، بل أيضا، ووفقا للبروفيسور ميشيل شوسودوفسكي (1999)، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا، يمكننا القول إن صندوق النقد الدولي قام عمداً بتأخير ما لا مفر منه، وهو انهيار العملة البرازيلية (الريال). وبالفعل في يوليو 1998، أصدرت واشنطن تعليماتها بوضوح إلى السلطات البرازيلية بعدم "العبث بالقواعد التي تحكم العقود الآجلة بمليارات الدولارات والخيارات التجارية في بورصة ساو باولو. وحتى في أكتوبر عندما كان هروب رأس المال يبلغ 400 مليون دولار في اليوم الواحد، ولم يشرع البرازيليون في وضع ضوابط للسيطرة على أسعار الصرف. في النهاية، وخلال 6 - 7 أشهر من بداية زيادة هروب رؤوس الأموال الناجمة عن الأزمة الروسية و "خطة حقيقية" كما سمّأها المصرف، وهي خطة غير موثوقة، غادرت البرازيل 50 مليار دولار، تاركة البنوك البرازيلية بلا احتياطيات من العملة الأجنبية. ووفقا لشوسودوفسكي (1999)، فقد اشترت واشنطن الوقت للمستثمرين لسحب أموالهم بينما لا زالوا قادرين على ذلك. هذا المال، المصادر من خلال هروب رأس المال، أعيد من جديد كقروض للبرازيل في شكل حزمة إنقاذ تكرّم بها صندوق النقد الدولي. يقول ميشيل شوسودوفسكي أنه بدلا من استعادة الثقة في الاقتصاد البرازيلي من اجل الحفاظ على المستثمرين ومنعهم من سحب أموالهم، فإن صندوق النقد الدولي صمّم عملية الانقاذ التي ساهمت في تسارع هروب رأس المال.

ومن المفارقات، أن مقدار الأموال التي قدّمها صندوق النقد الدولي كقروض كانت متساوية تماما مع مقدار الأموال التي كانت قد غادرت البلاد في شكل هروب رأس المال، وهو 30 مليار دولار. والأدلة التي تم العثور عليها تقوّي الموقف ضد سياسة صندوق النقد الدولي في رفع أسعار الفائدة من أجل منع وقوع أزمة. فسواء بهدف شراء الوقت للمستثمرين أو بوجود أجندة خفية، فمن المؤكد أن الارتفاع في أسعار الفائدة لم يمنع الأزمة. لقد أظهرت البرازيل مرة أخرى أنه ليس قاعدة عامة أن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى استقرار سعر الصرف.

عدم تطابق وسائل الصندوق على غاياته

_________________________

طرح السؤال عما إذا كان وجود صندوق النقد الدولي أسهم في حل الأزمة - إخبار المستثمرين أن المشكلة هي مشكلة هيكلية – هو سؤال صعب الإجابة. ولكن كما مبين أعلاه، فإن من المؤكد أن رفع أسعار الفائدة، سواء مع أو بدون وجود جدول أعمال خفي،  لم يسهم في استعادة ثقة المستثمرين. وفيما يتعلق برفع أسعار الفائدة فإن الوسائل والغايات لا تتطابق. لكن ماذا عن الشق الثاني : هل كان صندوق النقد الدولي مؤسسة لاستعادة الثقة أو كان وجود صندوق النقد الدولي حافزا للمستثمرين لسحب أموالهم؟

أوضح شوسودوفسكي (1999) أن حزمة الإنقاذ البرازيلية، التي كانت في الواقع قد رُتبت  ووضعت قبل وقوع الكارثة الفعلية !! ، كانت بالتأكيد إنذارا للمستثمرين، بأن صندوق النقد الدولي يحاول منع وقوع كارثة مالية! هرب عشرون مليار دولار خارج البلاد في غضون الشهرين التاليين لموافقة صندوق النقد الدولي على الخطة الاحترازية : مبلغ من المال هو بنفس الحجم الهائل الناجم عن'' تخفيضات الميزانية الحكومية " المسبقة التي فرضها صندوق النقد الدولي مقدما (كل شيء محسوب ومتساو.. فهل هذه صدفة ؟).

وقد لعب صندوق النقد الدولي لعبة نفسية ماكرة "خدّرت" استجابة الحكومة البرازيلية وجعلتها تتباطأ في رد فعلها تجاه الأزمة المتصاعدة ، وهو تهوينه من شأن الأزمة ، وتقديمه 9 مليارات دولار خفّفت من الحاجة الملحة للاصلاحات . وفوق ذلك فقد أصدر الرئيس البرازيلي حزمة إصلاحات استفزت حكام الولايات الذين من المتوقع أن يعارضوا لاحقا أي إصلاحات في مجال الأزمة بحكم كونهم أعضاء في الكونغرس !!

وهذا يدل على أن وجود صندوق النقد الدولي والسياسات المقدمة من صندوق النقد الدولي لم تسهم فعلا في حل الوضع الذي كان يصبح أكثر خطورة كل يوم. رفع أسعار الفائدة كان مؤشرا على أن هناك شيئا خاطئا وخطيرا بالتأكيد، وأتاح للعالم أجمع الشعور بأن مجرد وجودها يدل على أن هناك شيئا خطأ وخطرا بالتأكيد، ولم يسمح للكونغرس البرازيلي بالضغط لإجراء الإصلاحات اللازمة، وهذه كلها أسباب تجعل الانتقادات للصندوق عادلة ومعقولة، وهذا يعني أن وسائل صندوق النقد الدولي لم تتطابق مع غاياته.

شروط صندوق النقد الدولي تدخّل في سيادة الدولة

_____________________________

كل تدابير التكيف الهيكلي يمكن أن ينظر إليها على أنها تدخلات في شؤون دولة ذات سيادة. وكل إصلاحات السياسة المالية والنقدية التي فرضها الصندوق يمكن للمرء أن يجادل بأنها تدابير قد تتدخل أيضا في سيادة الأمة. هناك الشروط الأساسية ، وهناك أيضاً قانون المسؤولية المالية. يقدم هذا القانون إطارا عاما لتوجيه تخطيط الميزانية وتنفيذها. وهناك أيضاً الطريقة التي تعامل بها الصندوق لمواجهة التضخم.

قانون المسؤولية المالية يخفض التغذية المدرسية !!

_______________________________

 ترتب على هذا القانون أن تبدأ الحكومة بقطع 25 مليون دولار من المبلغ المخصص للحصص الغذائية للفقراء في عام 1999، وهو يمثل تخفيض أكثر من نصف المبلغ المخصص في عام 1998. ولتلبية الشرط اقترح صندوق النقد الدولي على الحكومة أيضا إحداث تخفيضات في الدعم للتغذية المدرسية بمقدار 35٪. وقطع 43٪ من ميزانية الإصلاح الزراعي ، كما تم تخفيض برنامج المنح الدراسية إلى النصف.

معالجة التضخم المالي بتسريح العمال وخفض أجورهم

________________________________

رأى صندوق النقد الدولي إن زيادة الأجور هي السبب الرئيسي للتضخم. وبدلا من معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم (السياسات المالية والنقدية مع سعر الصرف الثابت قبل ومع تعويم سعر الصرف في ذلك الوقت) شكل برنامج صندوق النقد الدولي إطارا متماسكا للتسريح السريع للعمال وضغط الأجور.

إن حزمة التقشف قد تعمل، ولكن يمكن أيضا أن تهيىء ظروف الحرمان وتؤدي إلى مشاكل سياسية للحكومة. وصندوق النقد الدولي يمكنه فرض الشروط، والتي يمكن أن أن تتدهور إلى تدخل مفصل جدا في شؤون الدولة دون أن يهتم بالسياق السياسي.

وباختصار، فأن صندوق النقد الدولي يفرض السقوف و- بصورة غير مباشرة - الإصلاحات السياسية ولا يتحمل المسؤولية عن العواقب. انها تدخلات في شؤون دولة ذات سيادة، دون أي اهتمام بالشؤون الداخلية للأمة. (لغرض اكتمال الصورة أقترح على السادة القرّاء مراجعة الحلقة (9) البرازيل : خدعة "عملاق الجنوب" ومؤامرة "الخصخصة" ).

 

كشف الوثائق السرية حول استراتيجية صندوق النقد والبنك الدولي لتدمير الأرجنتين

__________________________________________

يقول الباحث الاقتصادي "جريج بالاست Greg Palast " : "بوليفيا وسط النيران، وتم قتل اقتصادها. ولقد وضعت يدي على سلاح الجريمة، وهو السلاح نفسه الذي قتل اقتصاد الأرجنتين : هي "استراتيجيات مساعدة البلاد" التابعة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي (IMF). وهي خطط يتم وضع علامة عليها على أنها سرية. كيف حصلت عليها - حسنا، هذا ليس مهما. ولكن ما يلي هو فضح لهذه الخطط السرية للتدمير النهائي للدولة التي من المفترض أن يسعى صندوق النقد الدولي لانقاذها.

هنا، في الواقع، واحدة من هذه الخطط التدميرية : "التقرير المرحلي لإستراتيجية مساعدة الأرجنتين" اعتبارا من يونيو 2001. هذه الوثيقة، التي تُنتج اسميا من قبل البنك الدولي، تمثل التوجيهات المتشابكة من كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك، وبشكل غير مباشر، رغبات أكبر راعي لكل من المؤسستين، وزارة الخزانة في الولايات المتحدة.

على هذه الوثائق توضع علامة "سري" أو "للاستخدام الرسمي فقط"، ونادرا ما تنشر هذه التقارير على المواطنين.

للحد من العجز المالي في الأرجنتين ، أمر مرسوم من صندوق النقد الدولي، بقطع 3 مليار دولار من الإنفاق الحكومي والهدف الرئيسي هو الاستجابة للزيادة في التزامات دفع الفائدة على القروض.

هذه الالتزامات، والتقرير لا يحتاج إلى إضافة، كانت إلى حد كبير من أجل الدائنين الأجانب، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نفسيهما.

منذ عام 1994، في الواقع، كان العجز في ميزانية الأرجنتين يُعزى كليا إلى مدفوعات الفائدة على القروض الخارجية. باستثناء هذه المدفوعات، ظل الإنفاق ثابتا عند 19 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي. وعلى الرغم من الضرر الواضح نتيجة لدفع هذه الفوائد، فإن الخطة الجديدة أمرت بدفع فوائد أكثر.

لقد وعد التقرير، أن "تحسنا كثيرا" سيحصل في الاقتصاد الأرجنتيني.

ماذا كانت النتيجة ؟

الطبقة الوسطى في بوينس آيرس ، الغير معتادة على التفتيش في القمامة في الشوارع لتناول الطعام، انضمت إلى الفقراء في مظاهرات حاشدة.

خطوات "الإصلاح" الهيكلي الأربع التي دمّرت الأرجنتين

________________________________

كيف وصلت الأرجنتين إلى مثل هذا الطريق المسدود؟

في التسعينات كانت الأرجنتين الطفل المدلل للعولمة، بعد أن قامت بلا تردد بالطاعة العمياء لكل برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

خطة "الإصلاح" للأرجنتين، ولكل دولة من دول العالم ، كانت لها أربع خطوات.

أول هذه الخطوات هي ، تحرير أسواق رأس المال، ويتحقق من خلال "خطة قابلية التحويل" لعام 1991 والتي قدرت قيمة البيزو الأرجنتيني في علاقة واحد الى واحد مع الدولار الأمريكي. وهذا الربط صمم للحفاظ على معدلات التضخم منخفضة وللسيطرة على العجز في الإنفاق ، على أمل جذب المستثمرين الأجانب وإغرائهم. تحرير الأسواق استلزم حرية رأس المال في التدفق والخروج عبر الحدود. ولكن بمجرد أن بدأ الاقتصاد الأرجنتيني بالتمايل، بدأت رؤوس الأموال بالهرب.

الخطوة الثانية في نظام صندوق النقد الدولي / البنك الدولي هو الخصخصة. بناء على طلب من المقرضين، باعت الأرجنتين طوال التسعينات ما سمّاه الارجنتينيون "مجوهرات الجدّة" : النفط والغاز، والمياه، وشركات الكهرباء والبنوك الحكومية. فازت فيفندي الفرنسية بشبكات المياه الريفية؛ وفازت انرون تكساس بأنابيب نقل النفط من بوينس آيرس. وتولى أسطول من بوسطن البنوك المحلية ....

في عام 1994، بناء على إلحاح من البنك الدولي، خصخصت الأرجنتين حتى نظام الضمان الاجتماعي، وتم تحويل الكثير من تخصيصاتها إلى حسابات خاصة. مركز البحوث الاقتصادية والسياسية ومركزه في الولايات المتحدة احتسب الخسارة في الإيرادات من هذا القرار وحده بأنها مساوية تقريبا لعجز الميزانية في البلاد خلال هذه الفترة.

الشق الثالث من هذه الخطة التي تشبه الانقلاب الاقتصادي هي العمل وفق تسعيرة السوق. في الأرجنتين، وكان الهدف الرئيسي من هذه المبادرة هي أجور العمل، أكثر السلع مرونة في السوق.

"حصل تقدم كبير في القضاء على عقود العمل التي عفا عليها الزمن" هكذا أشار تقرير البنك الدولي، مشيرا وباستحسان إلى أن "تكاليف اليد العاملة" (أي الأجور والمرتبات) قد انخفضت بسبب "مرونة سوق العمل الناجمة عن تحرير السوق".

واضطر العمال الذين فقدوا وظائفهم إلى الموافقة على العمل بشروط مجحفة، مع قدر قليل جدا من الحماية النقابية.  وهنا، يطلب التقرير من الحكومة فرض لامركزية المفاوضة الجماعية، وهي الخطوة التي من شأنها أن تقلل من قوة اتحاد العمال.

لقد تفاقمت البطالة بعد هذا القرار . وقد لاحظ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نفسه ارتفاع نسبة البطالة في منطقة بوينس آيرس من 17 في المئة إلى 22 في المئة في العام الذي تلى صدور التقرير. أعمال العنف والنهب الذي هزت المدينة في ديسمبر 2001 كانت تمثل مرحلة في عملية "التقشف" وهي التي وصفها رئيس اقتصاديي البنك الدولي المفصول "جوزيف ستيغليتز" "أعمال شغب صندوق النقد الدولي"، عندما قال: "عندما تكون الأمة في حالة اضطراب ، يستغل صندوق النقد الدولي هذا الظرف ويضغط على الضحية ويعتصرها لسحب آخر قطرة دم من عروقها ... أن الصندوق يعمل على رفع الحرارة إلى أن ينفجر المرجل كله" (راجع الحلقة (85) شهد شاهد: طرد رئيس خبراء صندوق النقد الدولي لكشفه وثائق الدور التخريبي للصندوق).

الخطوة الرابعة من برنامج صندوق النقد الدولي / البنك الدولي هي التجارة الحرة. ان شروط القرض من المؤسستين فرضت على الأرجنتين اتباع "سياسة التجارة المفتوحة". اضطر المصدرون الأرجنتينيون الذين سُعّرت منتجاتهم بأسعار عالية ومجزية إلى منافسة غير متكافئة بشكل مذهل ضد المنتجات البرازيلية، وذلك بسبب ربط تسعيرة السلع بالدولار الأمريكي في حين تباع السلع البرازيلية بالعملة البرازيلية التي خفضت قيمتها. الأرجنتين تنتج نوعا خاصا من الأرز الأرجنتيني ذي الحبة الطويلة الذي يفضله البرازيليون، حتى هذا لم يعد يشتريه البرازيليون والبرازيل تواجه أزمة جوع.

لقد قامت الدول النامية ببناء صناعة مملوكة محليا من خلال الاستثمارات الحكومية، ومحمية بجدار واق من الرسوم الجمركية وضوابط رأس المال. في تلك العصور المظلمة كما يسميها خبراء البنك الدولي ، والتي تمتد تقريبا من 1960 - 1980، نما دخل الفرد بنسبة 73 في المائة في أمريكا اللاتينية وبنسبة 34 في المائة في أفريقيا.

وعلى سبيل المقارنة، منذ عام 1980، تباطأ نمو الدخل في أمريكا اللاتينية إلى ما يقرب من التوقف الفعلي - إلى أقل من 6 في المئة لأكثر من عشرين عاما - في حين انخفضت المداخيل الأفريقية بنسبة 23 في المئة. ، في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في أبريل عام 2000، أشار صندوق النقد الدولي نفسه إلى أنه "في العقود الأخيرة، العديد من البلدان، وما يقرب من خمس سكان العالم، قد انتكسوا اقتصاديا. ويمكن القول إن هذه واحدة من أكبر الإخفاقات الاقتصادية في القرن العشرين".

وفي هذا، على الأقل، كان صندوق النقد الدولي على حق.

الصندوق يبيع مياه الشرب على الأرجنتين

_________________________

البنك الدولي هو المروج الرئيسي لخصخصة المياه، والكثير من مساعداته إلى البلدان "النامية" كانت مخصصة لمشاريع خصخصة المياه التي تستفيد منها - حتما - الشركات الكبرى، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي (IMF)، ووزارة الخزانة الأمريكية . وكان واحدا من أول مشاريع خصخصة المياه الرئيسية الممولة من قبل البنك الدولي في الأرجنتين، حين "نصح" الصندوق حكومة الأرجنتين في عام 1991 بشأن إجراء مناقصات ومزايدة والتعاقد على امتياز المياه، ووضع نموذجا لما أصبح يُروّج له في جميع أنحاء العالم بعد ذلك في مجال خصخصة المياه. الذراع الاستثمارية للبنك الدولي، هي مؤسسة التمويل الدولية (IFC)، التي أقرضت حكومة الأرجنتين مليار دولار لثلاثة مشاريع للمياه والصرف الصحي في البلاد، وحتى اشترت حصة مقدارها 5٪ من الامتياز، فأصبحت بالتالي جزءا من المالكين. وعندما افتتح الامتياز في بوينس آيرس أرسل الفرنسيون ممثلين عن شركتي فيوليا وسويس، اللتان شكلتا اتحاد (كونسورتيوم) أغواس الأرجنتين Aguas Argentinas، وبطبيعة الحال، اشتعلت تكاليف خدمات المياه وأسعار ماء الشرب. بين عام 1993، عندما تم توقيع العقد مع الشركات الفرنسية، و 1997، حين تصاعد تأثير اتحاد أغواس الأرجنتين ونفوذه مع الرئيس الارجنتيني كارلوس منعم ووزير اقتصاده دومينغو كافالو، اللذين سيعقدان لقاءات مع رئيس شركة سويس فضلا عن لقاء مع رئيس فرنسا آنذاك جاك شيراك،  وبحلول عام 2002، كانت أسعار المياه (تكلفة مياه الشرب) في بوينس آيرس قد ارتفعت بنسبة 177٪ عن بداية الامتياز.

انهيار الأرجنتين عليه كل بصمات أصابع صندوق النقد الدولي

___________________________________

قال الباحث الاقتصادي "مارك ويزبورت" :

"في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الارجنتينية تستقيل في مواجهة أعمال الشغب والاحتجاجات واسعة النطاق من كل قطاع من قطاعات المجتمع الأرجنتيني، سألني مراسل بي بي سي التلفزيونية ما إذا كان هذا الانهيار الاقتصادي والسياسي من شأنه أن يغير من الطريقة التي كان الناس ينظرون فيها إلى صندوق النقد الدولي. أردت أن أقول نعم، ولكن كان علي أن أقول له: "انها حقا تتوقف على الكيفية التي تصوّر بها تقارير وسائل الإعلام هذه الأحداث".

حتى الآن يبدو كما لو أن صندوق النقد الدولي سيفلت بسهولة مرة أخرى. الصندوق والبنك الدولي - وهما المؤسسات المالية الأكثر نفوذا في العالم - تعلمت درسا مهما من سلسلة قصيرة من الدعاية السيئة خلال الأزمة الاقتصادية الآسيوية قبل بضع سنوات. لقد أصبحوا سادة فن "نسج" الأخبار.

انهيار الأرجنتين عليه كل بصمات أصابع صندوق النقد الدولي في كل مكان. كان السبب الأول والرئيسي لأهم المشاكل الاقتصادية للبلاد هو قرار الحكومة الحفاظ على معدل ثابت من صرف العملة الوطنية : بيزو واحد مقابل دولار امريكى واحد. اعتمدت هذه السياسة في عام 1991، وعملت لمدة وجيزة. ولكن على مدى السنوات القليلة الماضية، تمت المبالغة في تقدير قيمة الدولار الأمريكي. فجعل هذا الأمر قيمة البيزو الأرجنتيني مبالغا فيها أيضا.

خلافا للاعتقاد الشائع، فإن عملة "قوية" ليست مثل جسم قوي. فمن السهل جدا أن نحصل على الكثير من شيء جيّد. المبالغة في قيمة العملة قد يجعل صادرات الدولة مكلفة للغاية وارداتها رخيصة بشكل مصطنع. فقط ألق نظرة على الولايات المتحدة، حيث جلبت لنا دولاراتنا "القوية" عجزا تجاريا بمقدار  400 مليار دولار.

مؤامرة سعر الصرف الثابت لتدمير الاقتصاد الأرجنتيني

________________________________

ولكن النتائج تكون كارثية بلانسبة لأي بلد يتزمت - كما فعلت الأرجنتين - بسعر صرف ثابت. عندما يبدأ المستثمرون بالاعتقاد بأن قيمة البيزو سوف تهبط ، يطلبون أسعار فائدة أعلى من أي وقت مضى. أسعار الفائدة الباهظة هذه تشل الاقتصاد الوطني. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الأرجنتين غير قادرة على التعافي من الركود لسنوات طويلة.

الحفاظ على قيمة عملة مبالغ فيها، يفرض على البلاد أن يكون لديها احتياطات كبيرة من الدولارات : على الحكومة أن تضمن أن كل من يريد تبديل البيزو بالدولار يمكنه  الحصول على دولار واحد مقابل بيزو واحد. هنا كان دور صندوق النقد الدولي حاسما : قام بترتيب كميات هائلة من القروض - بما في ذلك 40 مليار دولار في العام الماضي - لدعم البيزو الأرجنتيني.

وكان هذا الخطأ الفادح الثاني من صندوق النقد الدولي. ولتوضيح شدة خطورته، تخيّل الولايات المتحدة تقترض 1.4 تريليون دولار - 70 في المئة من الميزانية الاتحادية للأرجنتين - فقط لدعم موقع الدولار المبالغ فيه في الأرجنتين. فإنه لن يمر وقت طويل حتى تتراكم على للأرجنتين ديون أجنبية من المستحيل تسديدها.

كما لو أن كل ذلك لم يكن كافيا، جعل الصندوق قروضه مشروطة بسياسة "العجز صفر" للحكومة الأرجنتينية. ولكن ليس من الضروري ولا من المرغوب فيه أن تقوم الحكومة بتحقيق التوازن في ميزانيتها خلال فترة الركود، عندما تنخفض عائدات الضرائب عادة ويرتفع الإنفاق الاجتماعي.

وهدف "العجز صفر" قد يحمل من الناحية الاقتصادية معنى قليلا، لكنه يملك قيمة كبيرةفي العلاقات العامة. من خلال التركيز على الإنفاق الحكومي، تمكن صندوق النقد الدولي من إقناع معظم الصحف بأن عادات "التبذير" في الانفاق في الأرجنتين هي مصدر متاعبها. ولكن الأرجنتين شغّلت عجزا متواضعا في ميزانيتها وقت الركود.

يدعي صندوق النقد الدولي الآن أنه كان ضد سعر الصرف الثابت، والقروض الضخمة التي دعمته طوال الوقت. ويقول مسؤولو الصندوق أنهم ساروا مع هذه السياسات لإرضاء الحكومة الأرجنتينية. والآن الحكومة الأرجنتين تسأل الحكومة الامريكية ما الذي يجب القيام به! هذه قصة ليست موثوقة جدا، ولكن التحقق من من الذي اتخذ هذا  القرار يشبه إلى حد كبير تتبع التسلسل القيادي في تنظيم القاعدة. لأن اجتماعات مجلس الإدارة لصندوق النقد الدولي، ومشاوراته مع وزراء الحكومات وكل المداولات الأخرى سرّية حسب قوانين الصندوق !!.

سجل حافل من الفشل التآمري

___________________

ولكن لدى الصندوق سجل حافل في هذا المجال. في عام 1998 أيّد الصندوق المبالغة في تقدير قيمة العملات في روسيا والبرازيل، مع تقديم قروض ضخمة ورفع أسعار الفائدة عاليا إلى السماء. في كلتا الحالتين انهارت العملات في البلدين ، وكان كلا البلدين أفضل حالا بعد تخفيض قيمة العملة : كان معدل النمو في روسيا في عام 2000 في أعلى مستوياته في عقدين من الزمن.

مما لا شك فيه أن الأرجنتين تستطيع استعادة تماسكها المالي، بعد أن تقلل من قيمة عملتها وتتخلف عن سداد الديون الخارجية غير القابلة للسداد. ولكن الناس تحتاج حكومة تكون على استعداد لكسر العلاقة مع صندوق النقد الدولي ومتابعة السياسات التي تضع مصالحها الوطنية أولا.

لكن لدى واشنطن أفكار أخرى. "من المهم بالنسبة للأرجنتين أن تواصل السير على السياسات السليمة لصندوق النقد الدولي"، كما قال المتحدث باسم البيت الأبيض. فبالنسبة للإدارة الأمريكية صندوق النقد الدولي من المستحيل ان يفشل.

 

 

 

 

تاريخ النشر

29.04.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

29.04.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org