<%@ Language=JavaScript %> حسين سرمك حسن لا تثقوا بالولايات المتحدة الأمريكية (c/73) كيف ستشعل سياسات البنك الدولي الاضطراب الاجتماعي والسياسي في العراق؟ دور صندوق النقد والبنك الدولي في إشعال الحروب الأهلية والإبادات البشرية الجماعية (رواندا أنموذجا).

 

 

 

 

 كيف ستشعل سياسات البنك الدولي الاضطراب الاجتماعي والسياسي في العراق؟

 

 دور صندوق النقد والبنك الدولي في إشعال الحروب الأهلية

 

والإبادات البشرية الجماعية (رواندا أنموذجا).

 

 

 

ترجمة وجمع وإعداد : حسين سرمك حسن

بغداد المحروسة – 2015/2016

 

(في سياق الحقائق التي كُشف عنها مؤخرا بشأن الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 والدور الخفي للولايات المتحدة في التسبب في كارثة إنسانية، يجب أن يُفهم دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

في سبتمبر 1990 في بداية دعم الولايات المتحدة وبريطانيا لتمرد الجبهة الوطنية الرواندية ورعايتهما لعملية الغزو التي انطلقت من أوغندا، تم فرض برنامج مُدمّر من الإصلاحات الاقتصادية الكلية في رواندا من قبل صندوق النقد الدولي).

بروفيسور

ميشيل شوسودوفسكي

 20 أكتوبر 2014

 

في حين أن مجتمع المانحين الدولي لا يمكن أن يكون مسؤولا بشكل مباشر عن النتيجة المأساوية للحرب الأهلية في رواندا، إلّا أن تدابير التقشف جنبا إلى جنب مع تأثير تخفيض قيمة العملة التي فرضها صندوق النقد الدولي، ساهمت في إفقار الشعب الرواندي في وقت كان يعاني فيه من الأزمات السياسية والاجتماعية الحادة. إن التلاعب المتعمد بقوى السوق من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تسبّب في تدمير النشاط الاقتصادي ومعيشة الشعب الرواندي ، وأشعل مستويات البطالة وخلق حالة من المجاعة العامة واليأس الاجتماعي ...

بروفيسور

ميشيل شوسودوفسكي

 

(تمهــــــــــــــيد: يوقّت صندوق النقد والبنك الدولي تدخلهما في ذروة الازمات الاجتماعية والسياسية - منظمة اقتصادية .. لماذا تكون اجتماعاتها سرّية ؟؟ - سبقت الحرب الأهلية في رواندا أزمة اقتصادية مريرة خلقها صندوق النقد والبنك الدولي - تركة الاستعمار : وضع الأسس للصراع العرقي بين التوتسي والهوتو - توقيت لعبة الديمقراطية الغربية المميتة - "إصلاحات" صندوق النقد الدولي كانت تعرقل إي عملية ديمقراطية، لاحظ توقيت تدخّل الصندوق - الاقتصاد منذ الاستقلال - هشاشة الدولة - أول خطوة للصندوق في بلد جائع هو رفع الدعم عن الزراعة ! - الصندوق يخفض أسعار البن في دولة تعيش فقط على انتاج البن ! - في ذروة الحرب الأهلية خفض الصندوق العملة الرواندية فأشعل الأسعار - صندوق النقد خفض نفقات الصحة والتعليم ولم يعترض على التسلّح وزيادة الجيش من 5000 إلى 40000 ! - الإبادة الجماعية الاقتصادية - ما هي الدروس المستخلصة من كارثة رواندا؟)

 

تمهــــــــــــــيد: يوقّت صندوق النقد والبنك الدولي تدخلهما في ذروة الازمات الاجتماعية والسياسية

إن اقتراب أي دولة من الشيطانين الماليين الغربيين (الأمريكيين واقعاً) : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هو بمثابة فتح ابواب الخراب على شعب تلك الدولة على شتى المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما أثبتت ذلك تجارب 100 دولة خرّبها هذان الشيطانان. فهذان الشيطانان صارا يتجاوزان دائرة الأهداف التي حُدّدت لهما يوم تأسيسهما في عام 1944 وأصبحا جزءا مكملا لمخططات وكالة المخابرات الأمريكية والكارتل العسكري النفطي المالي الصناعي الأمريكي وحلف الناتو . صار دور هذه المؤسسات هو تمهيد الأرضية لعودة الاحتلال الاستعماري القديم في صيغة (اقتصادية ومالية) جديدة. وصارت مخلبا يعدّ الأرضية لهذه السيطرة بتمزيق البلدان وإشعال الحروب الأهلية فيها .

متى يأتي صندوق النقد والبنك الدولي وهما في الحقيقة كيان شيطاني واحد ؟

إنه يأتي عندما تعصف الأزمات بأي دولة – كما هو الحال في العراق - وهذا هو سياق ثابت . توقيت تدخل الصندوق والبنك هو في ذروة الأزمات العاصفة المدمرة . لقد قدم العراق طلبا لهذين المؤسستين الشيطانيتين قبل سنة . فمتى جاء وفدهما ؟

مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية الهائلة المباركة ضد الحكومة الفاسدة وتوتر الأوضاع السياسية الداخلية بشكل شديد. جاء وفد الذئاب برئاسة الذئب الأكبر الناعم "يان كي مون" الذي لم يكلف نفسه بإلقاء نظرة بسيطة على شوارع بغداد ليرى هذه الملايين الهادرة التي تحتج على فساد الحكومة. جاء بذئاب الصندوق والبنك ليوقّعوا اتفاقيات تفتح ابواب النهب والخراب وتصفية مؤسسات القطاع العام وتخريب الزراعة والصناعة والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وغيرها تحت غطاء برامج التكيف الهيكلي المدمرة. وذهب ولا أحد يعلم ماذا بحثوا ولا ماذا وقعوا ولا ماهي الاتفاقيات .. وهنا يطرح سؤال في غاية الخطورة والدلالة نفسه :

إذا كان الصندوق والبنك منظمتين اقتصاديتين "إنسانيتين" تريدان مساعدة الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية ، فلماذا تكون اجتماعاتها سرية ؟

منظمة اقتصادية .. لماذا تكون اجتماعاتها سرّية ؟؟

_____________________________

نعم ..

لماذا تكون اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي سرية واتفاقاتهما سرية لا تعلن على الشعوب والرأي العام ؟؟؟

والجواب هو لأنهم يعرفون أن ما يتم الاتفاق عليه في هذه الاجتماعات – وكما أثبتت تجارب 100 دولة عبر أكثر من ثلاثة عقود - هو مفتاح لتدمير الشعوب وامتصاص ثرواتها وأن طرحها علنا يجعل أي شعب يتمسك ببلاده وبمستقبله يرفضها . لقد قدمنا عشرات النماذج عن دول دمّرها هذان الشيطانان وجعلا شعوبها تستجدي في الشوارع والمزابل وتعاني الجهل والمرض والعوز . وإذا كانت تعاني من نقص الرواتب والأجور – مثلا – قبل مجيء البصندوق والبنك فإن رواتبهما تصبح أقل من دولار واحد في اليوم بعد مجيئهما .. وإذا كانت الخدمات الصحية تعاني من الضعف والتخلف قبل مجيء الشيطانين فإن الناس ستموت في البيوت بسبب ارتفاع الخدمات الصحية كما يحصل في بلدان أفريقيا كثيرة وكما سنقدم ذلك بالأدلة ..

المهم لأن صندوق النقد والبنك يأتي وقت الأزمات .. ولكنه يعد ولا ينفذ إلّا عندما تبدأ نذر الخراب .. وتصل الأزمات ذروتها العنيفة .. أو المنذرة بالعنف .. هنا يأتي الصندوق ليجعل الدولة تركع تحت قدمي مستشاريه .. وليفرض شروطا تصل إلى 174 شرطا تثير الغليان الاجتماعي والشجب والاحتجاجات وحتى أعمال العنف وهو ما يمهد الأ{ضية للحرب الأهلية مع توفر عوامل أخرى طبعاً . نستعرض في هذه الحلقة الكيفية التي أسهم فيها صندوق النقد والبنك الدولي – بتخطيط وإشراف الولايات المتحدة الأمريكية طبعا - في تهيئة الأرضية لإشعال الحرب الأهلية في دولة رواندا التي راح ضحيتها مليون مواطن !!  

الصورة رقم (1) امرأة رواندية محتضرة تحاول إرضاع طفلها قرب مئات الجثث

Description: C:\Users\hussein\Desktop\صندوق نشتغل عليها\صندوق النقد ومذابح رواندا\امرأة رواندية محتضرة تحاول إرضاع طفلها قرب مئات الجثث.jpg

سبقت الحرب الأهلية في رواندا أزمة اقتصادية مريرة خلقها صندوق النقد والبنك الدولي

__________________________________________

لقد قُدّمت أزمة رواندا من قبل وسائل الإعلام الغربية بأنها حكاية من المعاناة الإنسانية الهائلة، وأُهمل شرح الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الكامنة. وكما هو الحال في "الدول التي تمر بمرحلة انتقالية" إلى مرحلة أخرى، فإن الصراعات العرقية واندلاع الحرب الأهلية يوصف على نحو متزايد بأنه شيء حتمي و "لا مفر منه" تقريبا ومتأصل في البنية الفطرية لهذه المجتمعات، التي تشكل "مرحلة مؤلمة في تطورها من دولة ذات حزب واحد إلى دولة ديمقراطية وذات سوق حرّة .

لقد صدمت وحشية مجازر رواندا المجتمع الدولي، ولكن ما فشلت الصحافة الدولية في أن تشير إليه هو أن الحرب الأهلية في رواندا سبقها تصعيد للأزمة الاقتصادية عميقة الجذور. كانت إعادة هيكلة النظام الزراعي هي التي أدت إلى سقوط السكان في هاوية فقر مدقع وعوز ويأس. هذا التدهور في البيئة الاقتصادية الذي أعقب مباشرة انهيار سوق البن الدولي وفرض الإصلاحات الاقتصادية الكلية الواسعة من قبل مؤسسات بريتون وودز : صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، فاقم التوترات العرقية وسرّع عملية الانهيار السياسي.

في عام 1987، بدأ نظام الحصص المنشأ بموجب الاتفاق الدولي للبن (ICA) بالانهيار. انخفضت الأسعار العالمية، وبدأت تتراكم ديون ثقيلة على (صندوق الدولة لاستقرار أسعار القهوة) الذي يشتري القهوة من المزارعين الروانديين بسعر ثابت . ثم جاءت ضربة قاتلة لاقتصاد رواندا في يونيو حزيران عام 1989 عندما وصل الاتفاق الدولي للبن الى طريق مسدود نتيجة للضغوط السياسية من واشنطن نيابة عن تجار القهوة الكبار في الولايات المتحدة. وفي ختام لقاء تاريخي مع المنتجين عُقد في ولاية فلوريدا، انخفضت أسعار البن في غضون أشهر بنسبة تزيد عن 50٪. وبالنسبة لرواندا وبلدان أفريقية أخرى، فإن هذا الانخفاض في السعر عاث في الاقتصاد والبلاد فسادا.

تركة الاستعمار : وضع الأسس للصراع العرقي بين التوتسي والهوتو

_______________________________________

ما هي مسؤولية الغرب في هذه المأساة؟
أولا، من المهم التأكيد على أن الصراع بين الهوتو والتوتسي كان إلى حد كبير نتاج النظام الاستعماري، والذي ماتزال الكثير من مظاهره سائدة حتى اليوم. من أواخر القرن الـ 19، قام الاحتلال الاستعماري الألماني المبكر باستخدام الوامي (الملك) من عائلة نايجينيا المالكة المنصّبة في نيانزا كوسيلة لإقامة مواقعها العسكرية.

 ومع ذلك، كان الدور ، والى حد كبير ، للإصلاحات الإدارية التي بدأت في عام 1926 من قبل البلجيكيين والتي كانت حاسمة في تشكيل العلاقات الاجتماعية والعرقية. البلجيكيون استخدموا وبصراحة الصراعات بين الأسر الحاكمة لتعزيز سيطرتهم الإقليمية. استخدموا الزعماء التقليديين في كل تلة من التلال (معنى كلمة رواندا هو أرض التلال) من قبل الإدارة الاستعمارية لتفرض العمل القسري.

كان الجلد الروتيني والعقاب البدني نيابة عن السادة الاستعماريين يُنفّذ من قبل الزعماء التقليديين. وكان هؤلاء الأخيرون - تحت الإشراف المباشر للإدارة الاستعمارية البلجيكية - مسؤولين عن جزء معين من الإقليم. تم تثبيت جو من الخوف وعدم الثقة بين الناس، وكُسر التضامن الطائفي وتم تمزيقه ، وصارت العلاقات التقليدية مع المكونات تجري لخدمة مصالح المستعمر.

وكان الهدف هو إشعال التنافس بين الجماعات العرقية كوسيلة لتحقيق السيطرة السياسية وكذلك منع تطور التضامن بين الجماعات العرقية الذي قد يوجه حتما ضد النظام الاستعماري. تم جعل الأرستقراطية من سلالة التوتسي مسؤولة أيضا عن جمع الضرائب وإدارة العدالة. وقد تم تقويض الاقتصاد الزراعي، فاضطر الفلاحون إلى التحول من زراعة المحاصيل الغذائية إلى زراعة المحاصيل النقدية المخصصة للتصدير. كما تم تحويل أراضي المشاع إلى قطع فردية موجهة فقط نحو زراعة المحاصيل النقدية.

وقد عُهد للمؤرخين الاستعماريين بمهمة "الاختزال"، فضلا عن تشويه التاريخ الشفوي لرواندا. تم تزوير السجل التاريخي للبلاد : تم تعريف النظام الملكي الموامي على أنه مرتبط حصرا بأسرة التوتسي الإرستقراطية. أما الهوتو فقد عوملت باعتبارها طبقة خاضعة مسيطر عليها ....

ثم قام المستعمرون البلجيكيون بخلق طبقة اجتماعية جديدة، ما يسمى بزنوج الإيفوليوس الذين جُنّدوا من بين الطبقة الأرستقراطية للتوتسي، وُضع النظام المدرسي لتعليم أبناء الزعماء وتوفير العناصر البشرية الافريقية المطلوبة من قبل البلجيكيين. في المقابل، فإن مختلف البعثات الرسولية والسلطات القضائية للكنيسة الكاثوليكية الرومانية  قد حصلت تحت الحكم الاستعماري البلجيكي على تفويض سياسي تقريبا، حيث كان رجال الدين غالبا ما يُستخدمون لإجبار الفلاحين على الاندماج في اقتصاد المحاصيل النقدية ... هذه الانقسامات الاجتماعية والعرقية - والتي تفتّحت منذ العشرينات – تركت آثارا عميقة على المجتمع الرواندي المعاصر.

منذ الاستقلال في عام 1962، أصبحت العلاقات مع القوى الإستعمارية السابقة والجهات المانحة أكثر تعقيدا للغاية. وقد ورث عن الفترة الاستعمارية البلجيكية،                                                                                          

الصورة رقم (2) جماجم ضحايا مذابح رواندا

 

توقيت لعبة الديمقراطية الغربية المميتة

 

أصبحت قضية أزمة رواندا في جدول الأعمال المستمر على الموائد المستديرة لمؤتمر المانحين (الذي عقد في باريس)، اتفاقيات وقف إطلاق النار، محادثات السلام ... وقد تم رصد هذه المبادرات المختلفة بشكل وثيق وبتنسيق من قبل الجهات المانحة في دائرة متشابكة من "المشروطية" (وعبر - المشروطية). وجاء الإفراج عن القروض الثنائية والمتعددة الأطراف في أواخر عام 1990 بشرط تنفيذ عملية ما يسمى بـ "الدمقرطة democratisation" أي إقامة نظام ديمقراطي في رواندا تحت مراقبة مشددة من الجهات المانحة.

الآن ، لاحظ المخطط الماكر جدا :  ما علاقة القروض بالديمقراطية ؟

طبعا هناك علاقة مهمة لكنها ليست التي في ذهن السادة القرّاء . إن المانحين الذئاب وقّتوا هذا الشرط الذي لم يكن موجودا في برنامج التكيف الهيكلي لتفجير الصراع العرقي في رواندا. بدورها، صار تقديم المساعدات الغربية مشروطا بدعم الديمقراطية التعددية (في علاقة "تكافلية" رمزية تقريبا) وعلى الحكومة الرواندية تحقيقها إذا أرادت التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي (IMF)، وهلم جرا ..

كانت هذه المحاولات محاولات خادعة لأنه منذ انهيار سوق البن، أصبحت السلطة السياسية الفعلية في رواندا إلى حد كبير، في أيدي الجهات المانحة. وقد أوضح بيان من وزارة الخارجية الأمريكية صدر في أوائل عام 1993 هذا الموقف بجلاء : تقديم واستمرار المساعدات الأميركية الثنائية صار مشروطا بحسن السلوك في إصلاح السياسات، فضلا عن التقدم في السعي لتحقيق الديمقراطية ....

كان نموذج "الدمقرطة" مبني على أساس أنموذج مجرد عن التضامن بين الأعراق تصوّره اتفاق أروشا للسلام الذي وُقّع في أغسطس آب عام 1993 ، ولكنه كان مستحيلا منذ البداية والجهات المانحة كانت تعرف ذلك جيداً.

"إصلاحات" صندوق النقد الدولي كانت تعرقل إي عملية ديمقراطية، لاحظ توقيت تدخّل الصندوق

_____________________________________

الإفقار الوحشي للسكان الذي نتج عن الحرب، فضلا عن إصلاحات صندوق النقد الدولي، كان يعرقل أي عملية حقيقية لإرساء الديمقراطية. كان الهدف هو تلبية شروط "الحكم الرشيد" (وهو مصطلح جديد في "معجم" المانحين) والإشراف على تركيب حكومة ائتلافية ذات تعددية حزبية وهمية تحت وصاية الدائنين الخارجيين لرواندا. وحقيقة التعددية الحزبية في التصوّر الضيّق للجهات المانحة، ساهمت في تأجيج الفصائل السياسية المختلفة في النظام ... وليس من المستغرب، وبمجرد أن وصلت مفاوضات السلام إلى طريق مسدود، أن يعلن البنك الدولي أنه قد تم وقف صرف الأموال بموجب اتفاقية القرض.

الاقتصاد منذ الاستقلال

______________

لعب تطور النظام الاقتصادي في مرحلة ما بعد الاستعمار دورا حاسما في تطور الأزمة الرواندية. في حين تم تسجيل تقدم في الواقع منذ الاستقلال في تنويع الاقتصاد الوطني، تم الحفاظ على الاقتصاد على الطراز الاستعماري القائم على تصدير القهوة والذي أنشئ تحت الإدارة البلجيكية إلى حد كبير، والذي يوفر لرواندا أكثر من 80٪ من عائدات النقد الأجنبي. ظهرت أيضا فئة الريعية التي لها مصالح في تجارة البن وتربطها علاقات وثيقة بمقر السلطة السياسية المتقدمة. ظلت مستويات الفقر عالية، ولكن خلال السبعينات وبداية الثمانينات ، حصل قدر من التقدم الاقتصادي والاجتماعي على الرغم من ذلك : كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (GPD) ينمو في حدود 4.9٪ سنويا (1965-1989)، حصلت زيادة في الالتحاق بالمدارس بشكل ملحوظ، وكان معدل التضخم المُسجل من بين أدنى المعدلات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أقل من 4٪ سنويا.

بينما ظل الاقتصاد الريفي الرواندي هشّاً، متميّزاً بالضغوط الديموغرافية الحادة (معدل نمو سكاني 3.2٪ سنويا)، وتجزئة الأراضي وتآكل التربة، لكنه حقق ، إلى حد ما، وعلى المستوى المحلي، الاكتفاء الغذائي الذاتي جنبا إلى جنب مع تنمية الاقتصاد للتصدير . كان البن يُزرع من قبل ما يقرب من 70٪ من الأسر الريفية، إلا أنها لا تشكل سوى جزء صغير من إجمالي الدخل النقدي. وقد تم تطوير مجموعة متنوعة من الأنشطة التجارية الأخرى بما في ذلك بيع المواد الغذائية التقليدية والبيرة والموز في الأسواق الإقليمية والحضرية.

حتى أواخر الثمانينات ، كانت الواردات من الحبوب بما في ذلك المساعدات الغذائية ضئيلة بالمقارنة مع الأنماط التي لوحظت في بلدان أخرى في المنطقة. بدأ الوضع الغذائي في التدهور في بداية الثمانينات مع انخفاض ملحوظ في نصيب الفرد من الغذاء. وفي تناقض صريح مع الإصلاحات التجارية المعتادة المعتمدة تحت إشراف البنك الدولي، فقد تم ربط توفير الحماية للمنتجين المحليين بفرض قيود على استيراد السلع الغذائية. وقد تم رفعها مع اعتماد برنامج التكيف الهيكلي في عام 1990.

الصورة رقم (3) جثث الضحايا مكدّسة في العراء

Description: C:\Users\hussein\Desktop\صندوق نشتغل عليها\صندوق النقد ومذابح رواندا\جثث الضحايا مكدسة في العراء.jpg

هشاشة الدولة

________

ظلت الأسس الاقتصادية بعد الاستقلال في دولة رواندا هشة للغاية، وكانت نسبة كبيرة من إيرادات الحكومة تعتمد على القهوة، مع احتمال أن أي انهيار في أسعار هذه السلعة الأساسية من شأنه أن يعجل بحدوث أزمة في الميزانية العامة للدولة. كان الاقتصاد الريفي هو المصدر الرئيسي لتمويل الدولة. وكما كشفت أزمة الديون، فقد تم تخصيص حصة أكبر من أرباح القهوة والشاي لخدمة فوائد الديون، وهذا وضع المزيد من الضغوط على صغار المزارعين.

انخفضت عائدات الصادرات بنسبة 50٪ بين عامي 1987 و 1991. زوال مؤسسات الدولة تكشف بعد ذلك. عندما انخفضت أسعار البن، اندلعت المجاعات في جميع أنحاء الريف الرواندي. ووفقا لبيانات البنك الدولي، انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من 0.4٪ في 1981-1986 إلى - 5.5٪ في الفترة التي تلي مباشرة الركود في سوق القهوة (1987-1991).

سافرت بعثة من البنك الدولي إلى رواندا في نوفمبر تشرين الثاني عام 1988 لاستعراض برنامج الإنفاق العام للدولة... وُضعت سلسلة من التوصيات بهدف وضع رواندا مرة أخرى على مسار النمو الاقتصادي المستدام. قدّمت بعثة البنك الدولي إلى الحكومة خيارات سياسية لرواندا تتكون من اثنين من "السيناريوهات". السيناريو الأول بعنوان "لا تغيير في الاستراتيجية" ويتضمن التفكير في خيار البقاء مع النظام "القديم" للتخطيط للدولة، بينما السيناريو الثاني المُسمّى "مع تغيير في الاستراتيجية" ويتضمن الإصلاح الاقتصادي الكلي و"الانتقال إلى السوق الحرة".

أول خطوة للصندوق في بلد جائع هو رفع الدعم عن الزراعة !

__________________________________

بعد "محاكاة" اقتصادية متأنية وتأمل لنتائج سياسات محتملة، خلص البنك الدولي مع قدر بسيط من التفاؤل إلى أنه إذا اعتمدت رواندا السيناريو الثاني، فإن مستويات الاستهلاك من شأنها أن تزيد بشكل ملحوظ خلال 1989-1993 إلى جانب انتعاش الاستثمار وتحسين التوازن التجاري. وأشارت "التمثلات" أيضا إلى أداء الصادرات المضافة وإلى مستويات أقل بكثير من المديونية الخارجية. هذه النتائج اعتمدت على سرعة تنفيذ الوصفة المعتادة في تحرير التجارة وتخفيض قيمة العملة إلى جانب رفع جميع أشكال الدعم للزراعة، والإلغاء التدريجي لسياسة الدولة في دعم أسعار القهوة، وخصخصة مؤسسات الدولة وإقالة موظفي الخدمة المدنية ..

الصندوق يخفض أسعار البن في دولة تعيش فقط على انتاج البن !

____________________________________

تم اعتماد السيناريو الثاني "مع تغيير الاستراتيجية" ، ولم يكن لدى الحكومة أي خيار غير ذلك... وأجري تخفيض بنسبة 50٪ من قيمة الفرنك الرواندي في نوفمبر عام 1990، بعد ستة أسابيع فقط من التوغل من أوغندا لجيش المتمردين من الجبهة الوطنية الرواندية. كان الهدف من تخفيض قيمة العملة هو زيادة صادرات البن. وتم تقديمه إلى الرأي العام كوسيلة لإعادة تأهيل الاقتصاد الذي دمّرته الحرب. ليس من المستغرب، أن تأتي النتائج عكسية بصورة كاملة مما أدى إلى تفاقم محنة الحرب الأهلية. من حالة الاستقرار النسبي للأسعار، ساهم انخفاض الفرنك الرواندي في إثارة التضخم وانهيار الأرباح الحقيقية. بعد أيام قليلة من تخفيض قيمة العملة، تم الإعلان عن زيادات كبيرة في أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية الضرورية. لقد ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك من 1.0٪ في عام 1989 إلى٪ 19.2 في عام 1991. وتدهور ميزان المدفوعات بشكل كبير . أما الديون الخارجية غير المُسدّدة التي تضاعف بالفعل منذ عام 1985، فقد زادت بنسبة 34٪ بين عامي 1989 و 1992.

كان الجهاز الإداري للدولة في حالة من الفوضى، ودُفعت مؤسسات الدولة إلى الإفلاس وانهارت الخدمات العامة. انهارت الصحة والتعليم تحت وطأة فرض صندوق النقد الدولي لتدابير التقشف. وعلى الرغم من تأسيس هيئة "الأمان الاجتماعي" (المخصصة من قبل الجهات المانحة لبرامج معينة في القطاعات الاجتماعية)، فإن حالات سوء التغذية الحادة بين الأطفال قد زادت بشكل كبير، وزاد عدد الحالات المسجلة من الملاريا بنسبة 21٪ في السنة التالية لاعتماد برنامج صندوق النقد الدولي نتيجة لعدم وجود الأدوية المضادة للملاريا في المراكز الصحية العامة. وكان فرض الرسوم المدرسية على مستوى المدارس الابتدائية قد أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الالتحاق بالمدارس.

بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها في عام 1992 عندما اقتلع المزارعون الروانديون في نوبة يأس أكثر من 300000 من أشجار البن. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار المواد في السوق المحلية، فإن الحكومة جمدت أسعار تسليم القهوة على مستواها في عام 1989 (125 فرنك رواندي للكيلوجرام)، وفقا لأحكام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. لم يُسمح للحكومة (تحت شروط قرض البنك الدولي) بنقل موارد الدولة إلى صندوق الدولة لدعم أسعار القهوة . وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أرباحا كبيرة قد تم اقتناصها من قبل تجار القهوة المحليين والوسطاء الذين يعملون على وضع المزيد من الضغوط على الفلاحين.

الصورة رقم (4) فتاة رواندية تحدق في مقبرة جماعية تضم مئات الجثث

Description: C:\Users\hussein\Desktop\صندوق نشتغل عليها\صندوق النقد ومذابح رواندا\فتاة رواندية تحدق في مقبرة جماعية.jpg

في ذروة الحرب الأهلية خفض الصندوق العملة الرواندية فأشعل الأسعار

________________________________________

في يونيو 1992، صدر أمر بتخفيض قيمة العملة مرة ثانية حسب أوامر صندوق النقد الدولي - وفي ذروة الحرب الأهلية – فقاد إلى مزيد من التصعيد في أسعار الوقود والمواد الاستهلاكية الضرورية. تراجع إنتاج البن بنسبة 25٪ مرة أخرى في عام واحد .... وبسبب الإفراط في زراعة أشجار البن، كان هناك وعلى نحو متزايد مساحة أقل من الأراضي المتاحة لإنتاج الغذاء، ولكن الفلاحين لم يكونوا قادرين على التبديل بسهولة والعودة مرة أخرى إلى زراعة المحاصيل الغذائية.

تم مسح الدخل النقدي الهزيل المستمد من القهوة ولم يعد هناك شيء يتحمل الانخفاض مرة أخرى. ليس فقط الوارادات النقدية من القهوة لم تكن كافية لشراء المواد الغذائية، بل ارتفعت أسعار المُدخلات الزراعية وصارت الأرباح المالية من القهوة غير كافية بشكل صارخ لتأمين مستلزمات البقاء.

أزمة اقتصاد القهوة أثّرت على إنتاج المواد الغذائية التقليدية مما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج الفاصوليا والذرة ... نظام تعاونيات الادخار والقروض التي كانت تقدم القروض لصغار المزارعين تفككت أيضا. وعلاوة على ذلك، مع تحرير التجارة وإلغاء القيود على أسواق الحبوب على النحو الموصى به من قبل صندوق النقد والبنك الدولي جعل الواردات الغذائية الرخيصة والمساعدات الغذائية من الدول الغنية تدخل رواندا مما تسبّب في زعزعة استقرار الأسواق المحلية.

تحت عنوان نظام "حرية السوق" المفروض على رواندا، لا المحاصيل النقدية ولا المحاصيل الغذائية كانت قابلة للحياة اقتصاديا. تم الضغط على النظام الزراعي بأكمله وجعله في أزمة، وكان الجهاز الإداري للدولة في حالة من الفوضى ليس بسبب الحرب الأهلية فحسب ، ولكن أيضا نتيجة لتدابير التقشف وتقليص رواتب الخدمة المدنية ... والحالة هذه هي التي ساهمت حتما في تفاقم مناخ من انعدام الأمن المعمم الذي كان قد تكشف في عام 1992 ...

خطورة الوضع الزراعي تم توثيقه بإسهاب من قبل منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التي حذرت من وجود مجاعة واسعة النطاق في المحافظات الجنوبية. وأشار تقرير صدر في أوائل عام 1994 أيضا إلى الانهيار التام لإنتاج البن بسبب الحرب ولكن أيضا نتيجة لفشل نظام التسويق من قبل الدولة الذي كان يجري على مراحل بدعم من البنك الدولي. أصبح روانديكس Rwandex، وهو المشروع المختلط المسؤول عن معالجة وتصدير البن، عاجزا بشكل كبير جدا.

صندوق النقد خفض نفقات الصحة والتعليم ولم يعترض على التسلّح وزيادة الجيش من 5000 إلى 40000 !

_______________________________________________

لقد تم بالفعل التوصل إلى قرار لخفض قيمة العملة الرواندية (و "ختم صندوق النقد الدولي بالموافقة ') يوم 17 سبتمبر عام 1990 قبل اندلاع القتال في اجتماعات رفيعة المستوى عقدت في واشنطن بين صندوق النقد الدولي وبعثة حكومية رواندية برئاسة وزير المالية الرواندي السيد نتيغوريروا . تم منح "الضوء الأخضر": اعتبارا من مطلع أكتوبر، في نفس اللحظة التي بدأ فيها القتال، الملايين من الدولارات من ما يسمى بـ "مساعدات ميزان المدفوعات" (من المصادر المتعددة الأطراف والثنائية) صارت تصب في خزائن البنك المركزي الرواندي. وقد تم تخصيص هذه الأموال (من خلال الجهات المانحة) التي يديرها البنك المركزي لاستيراد السلع الأساسية، ولكن يبدو أن جزءا كبيرا من هذه "القروض سريعة السحب" قد تم تحويلها من قبل النظام (والفصائل السياسية المختلفة فيه) نحو شراء المعدات العسكرية (من جنوب أفريقيا ومصر وأوروبا الشرقية). وضمت هذه المشتريات بنادق كلاشنيكوف ومدفعية ثقيلة وقذائف هاون ، بالإضافة إلى حزمة المساعدات العسكرية الثنائية التي قدمتها فرنسا والتي شملت صواريخ ميلان وأبيلا (ناهيك عن طائرة مايستر فالكون للاستخدام الشخصي للرئيس هابياريمانا).

وعلاوة على ذلك، منذ أكتوبر تشرين الأول 1990، تضخم عديد القوات المسلحة بين عشية وضحاها من 5000 إلى 000،40 رجل وهو توسّع يتطلب حتما (في ظل ظروف التقشف في الميزانية) تدفقا كبيرا من المال الخارجي ... لقد تم جذب المجندين الجدد إلى حد كبير من العاطلين عن العمل في المناطق الحضرية الذين تضخمت أعدادهم بشكل كبير منذ بداية انهيار سوق البن في عام 1989. تم تجنيد الآلاف من الشباب الجانحين والعاطلين من السكان النازحين أيضا في ميليشيا مدنية كانت مسؤولة عن المجازر. واستُخدم جزء من مشتريات الأسلحة لتمكين القوات المسلحة لتنظيم وتجهيز الميليشيات ...

في كل شيء، منذ بداية الأعمال العدائية (التي تزامنت زمنيا مع تخفيض قيمة العملة وتدفّق الأموال الجديدة الاولي في اكتوبر تشرين الأول 1990)، كان الصندوق قد وافق على المغلف الكلي لصرف 260 مليون دولار (مع مساهمات مالية ثنائية كبيرة من فرنسا وألمانيا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة). في حين ساهمت القروض الجديدة في توفير أموال لسداد خدمة الديون، فضلا عن تجهيز القوات المسلحة، فإن الأدلة تشير إلى أن جزءا كبيرا من هذه المساعدات المقدمة من المانحين لم يُستخدم بصورة منتجة ، كما لم يوجّه إلى توفير الإغاثة في المناطق المتضررة من المجاعة .

ومن الجدير بالذكر أيضا أن البنك الدولي ومن خلال مؤسسة الإقراض التابعة له ، المؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، كان قد أمر في عام 1992 بخصخصة مؤسسة تابعة لدولة رواندا وهي شركة ألكتروجاز Electrogaz. كان مقررا توجيه عائدات الخصخصة نحو خدمة الديون أي دفع فوائد القروض. في اتفاق قرض بتمويل مشترك من البنك الأوروبي للاستثمار (EIB) والصندوق الفرنسي للتنمية (CFD)، كانت السلطات الرواندية تأمل في تلقي (بعد الإستجابة لـلـ "المشروطية") مبلغ متواضع من 39 مليون دولار يمكن أن يُصرف بحرّية على الواردات السلعية. وشملت الخصخصة أيضاً، التي نُفّذت في ذروة الحرب الأهلية، فصل الموظفين وارتفاع فوري في أسعار الكهرباء ساهم أيضا في شلّ الخدمات العامة في المناطق الحضرية. وأجريت خصخصة مماثلة على روانداتيل وهي شركة الاتصالات التابعة للدولة تحت إشراف وزارة النقل والاتصالات، وتم تنفيذها في سبتمبر 1993.

كان البنك الدولي قد استعرض بعناية البرنامج الاستثماري العام في رواندا. ولاحظ سيّدي القارىء الكارثة : أوصى البنك الدولي بالغاء أكثر من نصف المشاريع الاستثمارية العامة في البلاد. في الزراعة، طالب البنك الدولي أيضا بتخفيض مقدار كبير من الاستثمارات الداخلية بما في ذلك التخلي عن برنامج استصلاح الأراضي السبخة والمستنقعات الذي كانت الحكومة قد بدأت به استجابة لنقص حاد في الأراضي الصالحة للزراعة (والذي اعتبره البنك الدولي " غير مربح "). في القطاعات الاجتماعية، فرض البنك الدولي ما يُسمى بـ "برنامج الأولوية" (تحت "شبكة الأمان الاجتماعي") المبني على تحقيق أقصى قدر من الكفاءة و"تخفيف العبء المالي عن الحكومة" من خلال تنفيذ كارثة "رسوم المستخدم user fees "، وتسريح العمال والمعلمين والعاملين في مجال الصحة وخصخصة جزئية للصحة والتعليم.

مما لاشكّ فيه ان البنك الدولي يتعامل على أساس أن الأمور كان يمكن أن تكون أسوأ بكثير لو لم يُعتمد السيناريو الثاني. ودعا إلى ما يُطلق عليه "حجة مغايرة للواقع"... ولكن في الحقيقة، مثل هذا المنطق يبدو سخيفا لا سيما في حالة رواندا.  لم يظهر أي اهتمام أو حساسية أو قلق بشأن التداعيات السياسية والاجتماعية المحتملة لعلاج الصدمة الاقتصادية الذي تم تطبيقه على بلاد على شفا حرب أهلية... واستبعد فريق البنك الدولي بوعي وقصدية "المتغيرات غير الاقتصادية" من محاكماته "المنطقية" .

في حين أن مجتمع المانحين الدولي لا يمكن أن يكون مسؤولا بشكل مباشر عن النتيجة المأساوية للحرب الأهلية في رواندا، إلّا أن تدابير التقشف جنبا إلى جنب مع تأثير تخفيض قيمة العملة التي فرضها صندوق النقد الدولي، ساهمت في إفقار الشعب الرواندي في وقت كان يعاني فيه من الأزمات السياسية والاجتماعية الحادة. إن التلاعب المتعمد بقوى السوق من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تسبّب في تدمير النشاط الاقتصادي ومعيشة الشعب الرواندي ، وأشعل مستويات البطالة وخلق حالة من المجاعة العامة واليأس الاجتماعي ...

الصورة رقم (5) جماجم وعظام ضحايا مذابح رواندا

Description: C:\Users\hussein\Desktop\صندوق نشتغل عليها\صندوق النقد ومذابح رواندا\جماجم وعظام ضحايا مجازر رواندا.jpg

الإبادة الجماعية الاقتصادية

_______________

إلقاء اللوم فقط على الكراهية القبلية العميقة ليس فقط تبرئة للقوى العظمى والجهات المانحة فحسب ، ولكنه أيضا يشوّه عملية معقدة للغاية من التفكك الاقتصادي والاجتماعي والسياسي التي أثّرت على أمة بأكملها تتكون من أكثر من سبعة ملايين شخص. مع ذلك فإن رواندا ليست سوى واحدة من بين العديد من البلدان في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (ناهيك عن التطورات الأخيرة في بوروندي حيث تفشت المجاعة والمجازر العرقية) التي تواجه مأزقا مماثلا. وفي كثير من النواحي يبدو تخفيض قيمة العملة الرواندية عام 1990 تقريبا كـ "حالة اختبار مختبرية" فضلا عن كونه "إشارة خطر" مُنذرة بخفض قيمة الفرنك الأفريقي الذي تم تنفيذه بناء على تعليمات من صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الفرنسية في يناير كانون الثاني عام 1994 وبالنسبة نفسها وهي 50٪.

ومن الجدير بالذكر أنه في الصومال في أعقاب "عملية استعادة الأمل"، كان عدم وجود برنامج لانتعاش اقتصادي حقيقي من قبل بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في مقديشو - خارج توفير المساعدة الغذائية والإغاثة في حالات الطوارئ على المدى القصير - هو العقبة الرئيسية أمام إنهاء الحرب الأهلية وإعادة بناء البلاد. في الصومال، وبسبب الفائض من المساعدات الإغاثية التي نافست الإنتاج المحلي، ظل المزارعون في مخيمات الإغاثة بدلا من العودة إلى قراهم.

ما هي الدروس المستخلصة من كارثة رواندا؟

__________________________

فيما تستعد المنظمات الإنسانية لعودة اللاجئين، يبدو أن آفاق إعادة بناء الاقتصاد الرواندي خارج الإطار الذي يحدده الدائنون الدوليون وصندوق النقد الدولي لرواندا ستكون قاتمة للغاية. وحتى في حال تنصيب حكومة وحدة وطنية، وضمان الأمن الشخصي للمليونين من اللاجئين الروانديين الذين ضاقت بهم المخيمات في زائير وتنزانيا فإن لا شيء في رواندا يتطلعون إليه ولا شيء يعودون إليه : دُمّرت الأسواق الزراعية، وتم تحطيم إنتاج الغذاء على المستوى المحلي، وتخريب اقتصاد القهوة. أمّا  العمالة في المناطق الحضرية والبرامج الاجتماعية فقد تمّ محوها. وكل ذلك بسبب برامج صندوق النقد والبنك الدولي.

إعادة بناء رواندا يتطلب "برنامجا اقتصاديا بديلا" تنفذه حكومة ديمقراطية حقيقية (قائمة على أساس التضامن بين الأعراق وبعيدا عن تدخلات المانحين). يفترض هذا البرنامج مسبقا محو الدين الخارجي إلى جانب الضخ غير المشروط للمساعدات الدولية. كما يتطلب رفع قيود التقشف في الميزانية التي فرضها صندوق النقد الدولي، وتعبئة الموارد المحلية، وتوفير قاعدة منتجة آمنة ومستقرة لسكان الريف.

 

 

تاريخ النشر

24.04.2016

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

24.04.2016

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org