كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

               

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

الأدوات السياسية والنقابية العمالية

كامل الجباري


لقد نشأت التنظيمات السياسية والنقابية العاملة كرد فعل طبيعي اتجاه الاستغلال الرأسمالي البشع الذي تعرضت له . إن فضيلة البرولتاريا ليست نابعة من تمجيد الفقر كما يحلو لبعض التيارات اليسارية التي تتغنى بالمفاليس ترديده ولا من جهة نظريه الإحسان والعطف التي تطرحها الجهات الدينية , إنما تنبع من موقعها في الإنتاج كطبقة غير مستغلة ونافية للمجتمع الطبقي وتفاضل البشر على أساس التقسيم الطبقي . إن فضيلتها الأساسية هي أنها النقيض لعبودية الإنسان للضرورة الاقتصادية وأي ضرورة أخرى تحد من حريته, وما يترتب على ذلك من انقسام الناس. أي نقض سيطرة السياسي على الاجتماعي. لقد نظر إلى الطبقة نظرة صنمية ككائن خرافي سيضرب ضربته على حين غره بحتمية لا تبدو قريبة , وحين لا يتم ذلك , انحاز قسم من هذه القوى لتندرج في حركة البرجوازية الإصلاحية , بينما حاول اتجاه أخر إن ينوب عن الطبقة أو يستخدم طبقات بديلة حيث تنقلب الحتمية إلى ارادوية منفصلة ملقية آثام فشلها في تحقيق الأهداف على أشباح كثيرة حيث تعتبر التجربة الروسية التجربة الرائدة للحركة البرولتارية العالمية . لقد ساد هنالك تياران في الاشتراكية الديمقراطية الروسية : التيار الأول هو تيار المناشفة , وهو تيار يمثل ضيق الأفق الطبقي وانتظار غير ثوري ميكانيكي للحتمية التاريخية . انه نشاط البرولتاريا كطبقة غير متجاوزه للحدود الطبقية باتجاه المجتمع اللاطبقي . إما التيار الثاني فهو البلشفي ونظرته إلى الحزب. لقد كان لينين يريد إن يجعل من الحزب أداة ثورية قوية مؤهلة للتحرك في كافة الظروف انه حزب مؤلف من (( ثوريين محترفين )) متمرسين بكل أساليب العمل , ويحب إن يكون شديد المركزية ومنضبط متهماَ اليساريين الذين انتقدوا هذا الانضباط الصارم وهذا الدور النخبوي للحزب , بأنهم يلتقون مع ألمنشفيك لتجريد الثورة من سلاحها , وان الثوري هو رجل تجرد من أصله لان احترافه الثوري قد استولى عليه تماما . إما المنظمات النقابية فعلى الحزب إن يستخدمها أو ينظمها عند الضرورة , لقد أدى الشكل ألمنشفي للتنظيم الإصلاحي إلى طرح صيغة الحزب البلشفي ذو الطبيعة المنفصلة شبة التآمرية . لقد كان هذا الحزب نتاجا للوضع المعين في روسيا , القمع القيصري الذي لا حدود له ودور أجهزة الأمن الرهيبة في ملاحقة المعارضين , كذلك التخلف الهائل في روسيا اقتصاديا وتقنيا بالنسبة إلى مثيلاتها الأوربيات وبالتالي تخلف الطبقة العاملة وقلة عددها نسبة إلى عدد السكان وشيوع الوعي المشوه لديها . لقد كان الحزب البلشفي الرد الموضوعي على هذه الظروف . بعد نجاح ثورة أكتوبر العظمى وفي ظل الدمار الكبير الذي أصاب روسيا نتيجة للحرب العالمية الأولى والتدخلات الأجنبية والحرب الأهلية ( تعسكر ) الحزب تدريجيا حيث صار ينوب عن الطبقة ويقوم مقامها ويقرر عنها . ( شكلية دور السوفيتيات لصالح الحزب والدولة ) . كما أشيع الإرهاب الفكري والسياسي والتصفيات الجسدية داخل الحزب والمجتمع وتحول الحزب إلى جهاز بيروقراطي يمثل مصالح الطبقة البيروقراطية السائدة وهو ما عبرت عنه المرحلة الستالينية . لقد جرت انتقادات ترقيعية لهذه الظاهرة باعتبارها انحرافا عن اللينينية وأسس التنظيم البلشفي . إن مجمل الظواهر تلك والتي وصلت أوجها في سقوط ما يسمى بالمعسكر الاشتراكي تدل على عقم وقصور هذا التحليل وعدم جذريته بل وطابعه المهلك لحركة الطبقة العاملة ومستقبل الحركة الاشتراكية . إن هذا الانحراف ينبع في جزء منه من المفهوم البلشفي للحزب . لقد وقع هذا الاتجاه في المحصلة النهائية بإعطاء الحزب دورا نخبويا , نيابيا , ارادويا , كنقيض للحتمية الإلية , الانتظارية , للحزب المنشفي . إن تاريخ الحزب البلشفي لا ينفصل عن تأثير الشخصية القوية للينين والتي كانت تمثل _ في ظل الظروف الذاتية والموضوعية _ أكثر السياسات تمثيلا لمصالح جماهير العمال والمحرومين , لكن الطبيعة الاحترافية النخبوية والمركزية الصارمة قد أنتجت الطاغية ستالين , رغم تحذير لينين للحزب منه , لقد جمع في يده سلطة هائلة بصفته سكرتيرا تنظيميا للحزب وصارت المركزية الديمقراطية وسيلة قيادات الأحزاب الشيوعية لفرض خطها على الكوادر والقاعدة وقمع كل مبادرة لها . إن مسألة تحريك الناس كأنهم دمى وقيادتهم كأنهم قطيع هي في الحقيقة من أساليب الطبقات المستغلة وتياراتها الرجعية التي ترجع حركة التاريخ إلى الإفراد والإبطال والى الخطط الذكية لمجاميع من الناس والى افتراض غباء الجماهير واحتقار دورها في صناعة التاريخ . ومن خلال التجربة الثرية للأحزاب العمالية والحركة الاشتراكية فإنها اتجهت اتجاهين أديا إلى انفصالهما عن الطبقة العاملة والجماهير. اتجاه جعل الحزب ( سوبرمان ) الطبقة , غاية بدلا من كونه وسيلة وأداة ينظر إلى الأشياء من خلال منظاره , ويتنفس كل الإحداث من خلال رئتيه , والاتجاه الذي سار في ذيل الإحداث ممثلا المطالب الدنيا ( المطلبية ) للعمال واستمرأ اللعبة البرجوازية . إن كل مؤسسة سياسية هي تعبير عن نظرة معينة إلى العالم وتجسيد لحقيقتها الاجتماعية , وهذا ما ينطبق على الطبقة العاملة بالذات لاختلاف دورها عن كل الطبقات الاجتماعية السابقة لها. لقد أقامت تلك الطبقات المستغلة أنظمتها محافظة على انقسام ألإنسان واستلاب حريته , منتجة شكل أخر يحافظ على تملك طبقة معينة لوسائل الإنتاج مع حرمان الفئات الأوسع من الجماهير وبذلك كانت في جوهرها ثورات سياسية رغم الإبعاد الاجتماعية لها0 إما بالنسبة إلى ثورة الطبقة البرولتارية فإنها ثورة اجتماعية 0 إن الميل الاشتراكي باعتباره الميل الأكثر تقدما ووعيا للطبقة العاملة وليس منفصلا عنها (( يحقن إليها من الخارج بعد أن يصنع في مختبر الحزب)) أو الطليعة أو النخبة بل هو جزء من الحراك الاجتماعي لهذه الطبقة0 انه التعبير النظري الذي (يكتشف) دينامكية الصراع الاجتماعي باتجاه الارتقاء بالكفاح العمالي إلى المستوى الذي يجعل الطبقة العاملة تدرك دورها ورسالتها التحررية 0 إن ذلك يعني إعادة النظر بكثير من المفاهيم النظرية والتنظيمية والعملية التي أفرزتها المفاهيم المعروفة فبدلا من مفهوم الحزب اللينيني ونسخه المختلفة الذي يقطر الطبقة العاملة وجماهير الكادحين والتحرريين باتجاه الهدف أو الحزب الإصلاحي بنسخه المتعددة الذي يتلاشى في الصراع الاجتماعي على حساب الهدف(الحركة كل شيء والهدف النهائي لاشيء)0 فان التنظيم الاشتراكي وأسلوب قيادته للنضال تختلف عن الأساليب المنفصلة0 انه كالمشعل المغروس في عمق الظلام كلما ازداد توهجه ازداد تبديده للظلام. انه يكتسب توهجه النظري من أتون الصراع الاجتماعي الذي يبلوره بنقلة أرقى ( للوعي ) متجاوزا المستوى الراهن. انه لا يسعى إلى جر الطبقة العاملة وراء سياسته وتحديداته وإنما يسعى إلى الارتقاء بها ومن خلال صراعها إلى مستوى مهامها التاريخية. انه لا يعتبر المنظمات المتعددة للعمال والجماهير واجهات شكلية من واجهاته يقودها ويستخدمها بل على العكس انه يسعى إلى جعلها منظمات حقيقية , مستقلة , تعبر عن جزء من الحركة العامة للبرولتاريا والفئات الواسعة التي تقترب منها من نقابات واتحادات وأي منظمة أخرى من منظمات المجتمع المدني للنساء والفلاحين والشباب والطلبة وغيرها. إن أي حركة تسعى إلى نقض الرأسمالية والتفاضل الطبقي وإقامة مجتمع الحرية والمساواة لا بد إن تجسد في ممارساتها ونظريتها البديل المطلوب. إن إقامة البديل يجب إن تتحقق في النظام الداخلي للحزب الاشتراكي وفي علاقاته بالمجتمع, إن ذلك ليس ضرورة فنية فقط بل هو تدريب وخبرة ضرورية لإقامة السلطة الاشتراكية. ومن جهة أخرى فان البديل الذي تنشاه من خلال ممارساته يقرب الفئات الشعبية التي لها مصلحة في الاشتراكية إلى الاطمئنان والاندماج في مسيرة النضال التحرري بعد إن أشاعت التطبيقات المزورة الرعب في صفوف الفئات المثقفة وشرائح شعبية أخرى أدت إلى العزلة عن جماهير واسعة . إن التناقض بين الإلية الذاتية للتنظيم العمالي وطبيعته كمؤسسة وبين الحركة العامة للعمال والجماهير هو تناقض حقيقي. انه المحور الأساسي الذي يجب النظر إليه باستمرار حيث انه احد المحاور المهمة التي تكرس له البرجوازية الجهد لتخريب حركة الطبقة العاملة. أنها تحاول جعله مؤسسة منفصلة عن الحركة العامة للطبقة العاملة وبالتالي يكون تنظيم لا يمثل العمال في الثورة الاجتماعية. إن من الوسائل المهمة لمنع ذلك هو إدراك التنظيم إن الصراعات الاجتماعية هي صراعات موضوعية ناتجة عن الطبيعة الاستغلالية للاقتصاد الرأسمالي . أي إن الحركة الاحتجاجية هي حركة متنوعة تتخذ إشكال عديدة واعية وغير واعية. إن على التنظيم رصدها بدقه والاشتراك فيها بنشاط ومن خلال ذلك يحاول الميل الاشتراكي قيادة هذه الحركة ليس من خلال إلقاء التعليمات عليها بل من خلال استثمارها وما ينتج عنها من قصور مبين موقف هذا الميل واقتراحاته لمعالجته والتحاور مع العمال المحتجين حول مدى هذه النضالات وبيان المديات الأفضل مع إدراكه انه من غير الممكن إن تكون الطبقة العاملة والجماهير متطابقة مع فكره وإستراتيجيته مادامت السلطة العامة سياسيه. انه لا يطلب من كل عامل محتج إن يكون ماركسيا أو اشتراكيا بل إن كل عامل محتج بهذا الشكل أو ذاك يعتبر ضمن الحركة العامة للطبقة العاملة . إن على الميل الاشتراكي إن يتواجد في أي تجمع مهم للحركة العمالية يحقق جزأ من المصالح الآنية أو الإستراتيجية طارحا بدليه ومتحاورا مع الجماهير وبذلك يمنع من انعزاله وانفصاله عن عموم الحركة الجماهيرية . إن ذلك التماس يجعل تأثير الميل العمالي التحرري اقرب إلى الارتقاء بالحركة وبالتالي عدم ترك الساحة للميول المعادية التي تحاول عزل الميل العمالي وتصويره كشيطان لا يجوز الاقتراب منه. إن الميل العمالي الاشتراكي يناضل من اجل إن تكون التجمعات والمنظمات الجماهيرية منظمات حقيقية مستقلة فاعلة وهو ما ينسجم مع نظريته في إن الثورة الاجتماعية هي حركة اجتماعية وليست ( ثورة ) أحزاب أو نخب معينة. هذه أمور أساسية في حل إشكالية الشكل المؤسساتي للتنظيم وانفصاله عن الحركة العامة للجماهير وفي نفس الوقت يحقق له قيادة هذه الحركة بالشكل الذي يرتقي بها إلى أهدافها . انه يجسد الاختيار الحر والواعي للإنسانية ويؤسس الخبرة اللازمة للحل الاشتراكي, مما يحد من فرص البرجوازية لاحتواء وإسقاط النظام الاشتراكي كما حدث لثورة أكتوبر في الاتحاد السوفيتي . قبل موته بقليل طلب من ماركس إن يجيب عن السؤال التالي : ( ما هي القوانين التي يجب إتباعها والقوانين الواجبة الإلغاء بسرعة سواء على الصعيد السياسي أو في المجال الاقتصادي من اجل تحقيق الاشتراكية إذا توصل الاشتراكيين بوسيلة من الوسائل إلى الحكم ) ؟ أجاب ماركس ( إن السؤال يقع بين الغيوم والجواب الوحيد لا يمكن إن يكون إلا بانتقاد السؤال بالذات وأضاف إن التنسيق العقائدي والمذهل حتما لبرنامج العمل لثورة مقبلة ليس من شانه إلا الانحراف عن المعركة العامة) كما احتج أنجلس ضد ولع الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان في وضع مسائل سياسية عامة وتجريديه في المرتبة الأولى الذي هو إخفاء لمسائل محدده وهي الأكثر إلحاحا تفرض نفسها على جدول الإعمال عن حدوث أول إحداث مهمة وعند أول أزمة سياسية. إن الوسائط السياسية لا يمكن إلغائها في ضل مجتمع سياسي لذا فان الحزب العمالي سيكون ضروريا باعتبارها الميل الأكثر وعيا وتقدما ولكن عمله يختلف عن الصيغة التي كانت سائدة حيث يلقي الحزب سياسته بل بصفته ميل مناضل وليس ميلا يخضع الجماهير لرؤيته الخاصة.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا