واقع الطبقة العاملة العراقية
التحديات والمهام
كامل الجباري
في مثل هذه الأيام ، تمر علينا ذكرى
عزيزة على قلوب عمال العالم . ذكرى تحمل
في ثناياها رائحة البطولة والتحدي
والشجاعة والمطالبة بالحقوق من قبل عمال
شيكاغو . في الوقت ذاته بينت مدى وحشية
وتخادم أصحاب رؤوس الأموال والسلطات
الحاكمة في قمع المضربين . ورغم القمع
الوحشي للعمال فأن تضحياتهم لم تذهب سدى ،
فقد شقوا طريق الحرية وخلدهم إخوانهم
جاعلين الأول من أيار عيدا يلهم عمال
العالم كل عام ، ويشد من أزرهم مستلهمين
منها العبر والدروس .
ومن وحي هذا اليوم الخالد فإن طبقتنا
العاملة تستذكر هذه الذكرى في ظل ظروف
ومتغيرات معقدة ، واحتدام الصراع في
المجتمع لحسم شكل النظام الاقتصادي –
الاجتماعي والسياسي وإعادة تشكيل الطبقات
الاجتماعية والطبقة السياسية . يجري ذلك
في ظل هيمنة خارجية وعلى خلفية نظام
دكتاتوري ترك البلد مخربا ومدمرا في بناه
المختلفة ، وفريسة للاحتلال أجنبي وتدخلات
إقليمية وصراعات دموية ، وفساد مالي
وأداري مستشر ، وبكل ما تحمله الفترة
الانتقالية من ماس واضطراب ووهن استراتيجي
.
لقد دفعت الطبقة العاملة وكافة
الكادحين وما تزال الثمن الباهظ لهذه
الأوضاع من بين الشرائح الأخرى للمجتمع ،
باعتبارها الشريحة الأقل دخلا والأكثر
هشاشة اقتصاديا ، إضافة إلى البطالة
الواسعة للكثير من أبنائها . لقد أدى ذلك
إلى تهميش تمثيلها السياسي في مؤسسات
الدولة التمثيلية والتنفيذية ، مستبعدة عن
المشاركة في صناعة القرارات على الرغم من
كونها الطبقة الأكثر عددا حيث تشكل نسبة
كبيرة من السكان . إن ذلك يشكل تفريغا
للديمقراطية من محتواها إن لم ينسفها من
الأساس .
تأتي هذه الظروف مترافقة مع الأزمة
الاقتصادية التي ضربت النظام العالمي
الجديد وأقتصاداته ، ومن دون شك فإن
الاقتصادات الهشة التابعة ـ والاقتصاد
العراقي منها ـ سيكون تأثرها بالغا على
المدى القريب والبعيد . بالتأكيد سيكون
العمال هم المتأثر الأكبر من هذه الأزمة
التي يبدو إنها ستسمر وتتعمق .
إن هذه التحديات تفرض على العمال مهاما
كبيرة حيث يجب رص الصفوف والاستعداد
لمجابه هذه التحديات الداخلية والخارجية
للدفاع عن مصالحهم واقتصاد بلدهم
واستقلاله . لا يمكن لهذا الأمر أن يتم
إلا بانتظام العمال في نقابات قوية وفاعلة
ومستقلة .
أسباب
نشوء النقابات العمالية
بينت وتبين لنا التجربة التاريخية
لكفاح الطبقة العاملة ، عالميا وعراقيا ،
تعرضها المستمر إلى الاستغلال وقمع
مطالبها المشروعة بكل الوسائل ، فكانت ردة
فعلها لجوئها إلى تنظيم نفسها في نقابات
عمالية قادت نضالها محققة مطالب مهنية
ومكتسبات إستراتيجية كحق وحرية عمل
التنظيم النقابي وأساليب عمله المختلفة ،
كالإضراب والمساومة الجماعية والاعتصام
والتظاهر ، وبذلك استطاعت أن تقيم التوازن
بين الطبقة العاملة ورأس المال والدولة ،
وتشريع العديد من القوانين لمصلحتها ، على
المستوى الوطني والاممي .
لا يختلف وضع العمال في العراق عن
أوضاع بقية عمال العالم ، فقد استطاعوا
بكفاحهم الطويل والمرير وتضحياتهم تكوين
نقابات عمالية أجبرت السلطة آنذاك على
الاعتراف الرسمي بها ، وإن تعرضت علاقاتها
بالأنظمة التي حكمت العراق إلى مد وجزر ،
وتحكمت بها الظروف السياسية المختلفة ،
حيث لم تكف السلطات عن قمعها وتهميشها
واختراقها ومحاولة تطويعها سواء باستخدام
القوانين أو بفرض قيادات انتهازية ومنتفعة
تمثل هذه السلطات أكثر من تمثيلها لعمالها
.
بدءا أود الإشارة إلى مسألة جوهرية
يجري طمسها بأشكال وأساليب متنوعة إلا
وهي تباين واختلاف المصالح الطبقية بل
وتصارعها في البلد الواحد . لقد جرى ويجري
ذلك تحت عناوين مضللة ، أيدلوجية وسياسية
، سواء في العهود السابقة أو الحالية . إن
رفض ذلك يمت بصلة إلى النضرات الشمولية
التي تحاول صهر المجتمع في حمم زائفة .
إن المجتمعات الحديثة أو المجتمعات
التي تتلمس خطواتها الأولى إلى الحداثة
والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ،
تعترف أو عليها أن تعترف بذلك على جميع
المستويات قانونيا وتنظيميا وسياسيا .
ولكن لن يتم تحقيق ذلك بدون حركة نقابية
واعية ومتينة لجعل ذلك الأمر واقعا معاشا
.
كما أسلفنا ، فإن التجربة التاريخية ،
عالميا ومحليا ، قد أثبتت إن النقابات
العمالية هي التنظيم الأكثر ملائمة لزج
أوسع عدد ممكن من العمال للانتظام في جهد
موحد لانجاز المهام وإنشاء قوة حقيقية لها
وزنها الضاغط لانجاز مصالح جمهرة العمال .
يتطلب انجاز هذا الأمر بتبلور الوعي
وبتمحوره حول الموضوعة القائلة بأن
الكفاح من أجل المصالح والحقوق لا يأتي
هبة أو مكرمة من أحد بقدر تحققه كنتيجة
لموازين القوى ، وهذا تنطق به الإحداث في
كل زمان ومكان.
في ظل الأوضاع الحالية للطبقة العاملة
العراقية نرى الظرف الذاتي لحركتها
النقابية يشهد أوضاعا من التشتت والصراعات
والوهن ، ويتخلف كثيرا عن مستوى التحديات
المختلفة التي يواجهها البلد عموما
والعمال والكادحين على الأخص ، على الرغم
من الظروف المؤاتية لنشاطها وخصوصا المناخ
السياسي الحالي الذي يعترف بالديمقراطية
وحرية التنظيم ، مما يحتم علينا طرحه على
بساط البحث ومحاولة مقاربة ومعرفة سبل
تجاوز هذه المعوقات لبناء نقابات عمالية
حقيقية وليست تجمعات هلامية لا تحمل من
العمل النقابي إلا أسمه ، وتجعل منه مجرد
جباية اشتراكات وإيفادات مجزية .
نظرة
في تاريخ العمل النقابي العمالي
لقد تميز عمال العراق بوعي مبكر بأهمية
العمل النقابي . فما أن مرت سنوات قليلة
على قيام الدولة الحديثة في العراق ، حتى
شهد العراق ظهور النقابات منذ سنة 1929م
باسم (جمعية أصحاب الصنائع العراقية) وفي
عام 1936م أجازة الحكومة عددا من النقابات
العمالية ولكنها لم تترك لها حرية العمل
بل كان نشاطها يجابه بالقمع والقسوة . وقد
أستمر العمل النقابي بين مد وجزر فرضته
شروط الصراع المختلفة لينتهي به الأمر إلى
احتواءه من قبل نظام الحكم السابق بتشديد
قبضته على العمل النقابي وهيمنة الحزب
الواحد على الاتحاد العام لنقابات العمال
في العراق وتحويله إلى فرع من فروع الحزب
.
وفي كل هذه الظروف لم يعدم العمال
والنقابيون الوسيلة المناسبة للعمل
النقابي مقدمين التضحيات الكبيرة من أجل
قضيتهم ، إلا إننا نشهد في ظل الانفتاح
السياسي العكس مما هو مطلوب حيث تتغلب
الصراعات الغير منطقية على واقع الحركة
النقابية لأسباب ذاتية وموضوعية .
طبيعة
العمل النقابي
تتبلور طبيعة العمل النقابي ، وبالذات
النقابات العمالية ، كونها التعبير
التنظيمي عن طبقة أو شريحة معينة بأكملها
، بغض النظر عن انخراطها وانتسابها
تنظيميا إلى هذه النقابات ، وبالتالي تعبر
عن همومها وإشكالاتها المشتركة . وانطلاقا
من هذه الطبيعة فإنها تختلف عن الأحزاب
السياسية وأساليب تنظيمها وعملها ، ولا
يجوز الخلط بين هذا وذاك فأنه يفسد العمل
النقابي لذا فأن التعبيرات التنظيمية
والثقافية والسياسية والكفاحية لعمل هذه
المنظمات يستند إلى مصالح الطبقة العاملة
بمجملها .
وكما أسلفنا فأن هناك التباسات كثيرة
تعمل على إخفاء الطبيعة الحقيقية للعمل
النقابي نتيجة لموقف طبقي يتبناه أرباب
العمل وتعبيراتهم السياسية والإيديولوجية
والقانونية لسبب تضاد المصالح بينهم وبين
الطبقة العاملة حيث يجري باستمرار وبإشكال
مختلفة , تغييب حقيقة أن طرفي الإنتاج ,
العمال وأرباب العمل , على تضاد مستمر حيث
يحاول أرباب العمل دائما ألأكل من جرف
العمال فيما يتعلق بالأجور وتحسين شروط
العمل و المكتسبات العمالية المختلفة التي
تقع على عاتق أرباب العمل فيما يقاوم
العمال ذلك .
لقد بينا أعلاه الطبيعة المهنية للعمل
النقابي ولكن يجب التحذير أيضا من خطر
كبير, لا يقل خطورة عن الأول , إلا وهو
محاولة إعطاء النقابات طبيعة مهنية صرفة
بعزلها عن الميدان السياسي , وهو سلاح آخر
معادي لطبيعة العمل النقابي ومحاولة
لاحتوائه من الداخل , وهو أمر مجاف
للحقيقة وللواقع .
إن هناك الكثير من التضليل في هذه
الرؤية , فكما أن ألاقتصاد هو البنية
التحتية للسياسة, فإن السياسة هي التي
تقرر وتحسم وتنفذ المصالح ألاجتماعية
المختلفة , أي أن العمل النقابي والمطالب
العمالية ستصطدم حتما بالتشريعات
والقوانين النافذة , و ستكون لها بذلك
مواقف سياسية وتشريعية وقانونية بما يخص
شؤون وشجون العمل , كذلك ستكون لها مواقف
سياسية عامة فيما يخص شكل الدولة
وسياساتها المختلفة , لتشابك الأشياء
وتداخل تأثيراتها على مصالح الطبقة
العاملة . الشرط الأساس لنجاح العمل
النقابي هو وحدة الطبقة العاملة تنظيميا ,
أي إن النقابات يجب أن تشمل عمال العراق
بغض النظر عن قومياتهم وأديانهم وطوائفهم
.