Untitled Document

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

مشاهدات صحفية ولقطات مغربية

 

كاظم الموسوي

يسجل الكاتب الصحفي الذي يزور بلدا، أكثر من مرة خلال فترات متقاربة أو متباعدة قليلا، انطباعات كثيرة عنه، وهي في النهاية مشاهدات بعيون صحفية لما يجري في ذلك البلد من تغيرات أو تطورات وما تتضمنها من ارتكاسات وتراجعات في أصعدة مختلفة أو في مجالات متنوعة. وكلاهما، التطورات أو التراجعات، حال طبيعي تتباين نتائجه في أكثر من بلد عربي. ولكن هذه المرة لقطات ومشاهدات أخرى.

زرت المغرب لحضور أشغال المؤتمر الوطني الثامن لحزب التقدم والاشتراكية، وما لفتني بداية وأنا اقرأ أوراقه، استخدام مؤلفيها لكلمات ومفردات جديدة على العربي من المشرق العربي، وهي في كل الأحوال متداولة في وسائل الإعلام المغاربية، وبالتأكيد مفهومة عموما، ولكن المفاجأة العربية الدائمة تكمن في اللهجات المحلية التي لا تعرف كيف ومتى تحل اشكالياتها اللغوية وسبل البحث في إيجاد وسائل أخرى تقلص من نموها على حساب، حتى اللغة العربية المحكية، في اضعف الإيمان، منها. من المفردات التي تكررت في الأوراق مثلا، اوراش، وورش جمع ورشة، وهي نقل أو تحوير من اللغة الانجليزية، ولا اعرف إذا كانت هي أيضا في اللغة الفرنسية، الشائعة أكثر من غيرها في الحديث اليومي المغاربي.

وكذلك كلمة أرضية، وهي موضوعة لاتجاه فكري أو خلفية نظرية أو برنامج حزبي أو سياسي، ولا تعني في المشرق من هذه المعاني شيئا، وتفهم بخلاف مدلولها هذا، كما هو معلوم. ثم جمع التكسير لعدد من الكلمات المؤنثة والتي تجمع في المشرق جمع مؤنث سالم، مثل كلمة: سلطة، سلطات، بينما في الأوراق والإعلام المغاربي تجمع هكذا: سلط، ومثلها لجن، للجنة، ومساطر لمسطرة وتعني هنا الجدول أو التسلسل، وكذا في استخدام أشغال وخصاصة واكراهات، وكلها فصيحة وسليمة ولكنها غير متداولة في الوثائق المشابهة لها لدى أحزاب المشرق العربي.

عند افتتاح جلسات المؤتمر وقف أمين عام الحزب الرفيق إسماعيل العلوي وحيا الحضور ووقف دقيقة صمت من اجل شهداء الحزب والحركة الوطنية، وقرأ سورة الفاتحة ورددها من رغب بذلك، ولكن الجميع شارك فيها، صمتا وخشوعا، أو قراءة واستماعا، وهنا يتوقف المرء، انه في مؤتمر حزب التقدم والاشتراكية، ويقرا سورة الفاتحة. وهذه ميزة تتمتع بها اغلب الأحزاب اليسارية في المغرب العربي، فقد ورد في المرويات توقف اجتماعات القيادات الحزبية اليسارية عند سماع الأذان لتفسح المجال لأداء الصلاة لمن يصلي منها. وهذه قضية تبرز الآن في سجالات الفكر العربي اليساري المعاصر، وتأخذ في تفسير ضرورة تبيئ الفكر الاشتراكي وتعريبه واحترام تقاليد الشعب وعقيدته الدينية ومعرفة تراثه الحضاري.

من المشاهدات الجديدة في المؤتمر، وأنا مواصلا الحديث عنه، هو تسليم إدارته الخدمية لمؤسسة مستقلة عنه، لقاء اتفاق مشترك، تنجز متطلباته الفنية، بما فيها استقبال الضيوف وإسكانهم وتنقلاتهم، والإعلان والطباعة وغيرها من المستلزمات الضرورية لانعقاد مؤتمر حزب علني، حضره أكثر من ألفي مشترك، مؤتمرات ومؤتمرين وضيوف. وبالتأكيد لمثل هذه القضية تكاليفها المالية، وأعلن الحزب عن عجز مالي في ماليته وحث أعضاءه لتسديد اشتراكاتهم وتعويض الفوارق في خصاصته المالية. وهي فكرة قمين بغيره تقليدها لتفرغ المؤتمرات والمؤتمرين لأشغال وأعمال المؤتمر والتحضير للمناقشات والسجالات فيه والمساهمة في إنضاج وتطوير الأفكار والنظريات التي سيشملها برنامجه وقواعد عمله، إستراتيجيته وتكتيكاته في العمل السياسي والحزبي والنضال الوطني.

ولا أتحدث عن انطباعاتي الشخصية عن سير المؤتمر وأعضائه وحبهم للقضايا العربية ومشاعرهم الجياشة تجاهها، فهذه وقائع معروفة لا أنقل جديدا عنها، وما تبثه الفضائيات  يكفي لما تولده من انطباعات ومشاهدات. ولكنها تظل عالقة في الذاكرة ومثيرة لأسئلة أخرى عن الناس عموما، عن الطبقات الشعبية، ومواقفها الصادقة وعن المخططات والاتجاهات العاملة على إشغالها بما هو مضاد لها ويعزلها عن محيطها وواقعها ومستقبلها أيضا. واقصد هنا بالتأكيد على مسائل الوحدة الوطنية والقومية والمشاركة السياسية والحقوق الإنسانية. وتكاد هذه الملاحظة ان تكون تعميما واحدا عن بلدان أخرى في عالمنا العربي الكبير.

بعيدا عن حوار اللغة العربية وأهميتها لاسيما لما تتعرض له من تجن وتراجع مستمر برغبة أو بغفلة من أبنائها، واستخدام لغة أجنبية في اغلب اللقاءات والحوارات بين العرب أو الأكثرية من العرب تلفت الانتباه كلقطة شائعة في بلدان المغرب العربي وتنتشر الآن بتباه في بلدان من المشرق العربي. ومثلها في القيم الإنسانية التي عرف بها العرب، خصوصا في توقير الضيف وزيارته، وفي احترام الزائر ووفادته، وفي الاحتفاء به ومصادقته. وهي قيم ايجابية ينبغي التأكيد عليها ومراجعة غيرها والتقدم ببدائل كريمة تعزز الخصوصية العربية الإسلامية الحضارية فيها وعنها.

ما يلفت الانتباه أيضا في المغرب مثلا صدور الصحف مبكرا قبل نزول الليل، فتقرا تاريخ الغد عليها وأنت ما زلت في يوم سابق على تاريخها، وهي كثيرة، ولكن لغطا واسعا يدور حول صدورها واستقلاليتها، ودعمها وإشهارها، ومصادرها وتنوع أساليب قمعها، وصولا لإعلان مدير نشر إحداها بالإضراب عن الكتابة حتى تصدر براءته من تهم يقول هو عنها أنها ملفقة من "سلط" أمنية، لا تريد لحرية الإعلام والإعلاميين ان تتقدم وتحترم كسلطة رابعة في ميزان السلطات في البلاد.

ليس غريبا طبعا ان تتجرأ بعض هذه الصحف المكتوبة، التي طالعتها وان تنتقد مؤسسات الدولة بالقلم العريض دون خشية من حسابات رقابة أو عقاب، ولكن رغم ذلك فهناك من يشكو من تصرفات أخرى، منها ما ذكرت، ومنها ما دفع إلى الإغلاق أو التحول عن اتجاهات سابقة ودخول بيت الطاعة الإعلامي المعروف.

خارج هموم الصحف والصحفيين هناك وقائع أخرى مقلقة أثارها صديقان إعلاميان، في مدينتين، جلست معهما في المقاهي التي يصدق القول عنها، بين مقهى وأخرى مقهى، ومعهما حال الناس.. ومن بينها ما حصل لي، حيثما سمعتني سيدة وعرفت أنني لست مغربيا إلا ووقعت على يدي متوسلة ان أساعدها لأنها لا تملك عشاء لعشرة أشخاص ينتظرونها في البيت. وفي مقهى مقابل لمقر البرلمان في العاصمة تكررت الحالة نفسها وصورة أخرى، ورغم خجل الصديقين من هذه الحالة إلا أنهما مثلي في دهشة من واقع جديد وحياة غريبة وهجوم عولمي ظاهر في الشوارع العامة وفي وجوه الباحثين عن لقمة خبر بكرامة وإنسانية، وما خفي كثير ومؤلم على مختلف الأصعدة، ودائما كما يقال هو الأعظم!.

 

 

k_almousawi@hotmail.com 

www.kadhimmousawi.blogspot.com 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

webmaster@saotaliassar.org للمراسلة   

 
   

 

 

لا

للأحتلال