طريق الكراكي: مغامرة
السرد
من مقدمة دار النشر، دار الفرجاني
تأتي هذه الرواية، التي صدرت من دار
الفرجاني، من المستقبل الى الماضي
والحاضر في حياة منفي تلخص حياته
مرحلة صعبة من تاريخ العراق من خلال
سرد يتحاشى تناول قضايا مصيرية
كالاحتلال والحرب والسلطة والحرية
بصورة مباشرة أو على طريقة وسائل
الاعلام أو التحليل السياسي، لأن بنية
الحكاية جوهرية في الرواية، ولا يمكن
تجنب السياسة في عمل روائي راهن رغم
أن السياسة في عمل أدبي كطلقة مسدس
في حقل موسيقي بتعبير ستاندل.
زمن الحكي او السرد واضح وهو الهبوط
من مستقبل متخيل وزمن غير محدد ومجهول
ولكن سياق الاحداث يشير الى انه زمن
"ما بعد الاحتلال" ونهاية الفوضى وشبه
الحرب الأهلية، لكن هذا المستقبل
المتخيل مصنوع من مادة الحاضر
والتاريخ القريب وليس مستقبلا
متوهماً، وهي طريقة قد تكون مغامرة في
تناول قضايا جوهرية تشكل محنة مركبة
في العالم العربي وغيره. بتعبير
امبرتو ايكو" الكذب عما سيحدث في
المستقبل يصنع تاريخاً". الكذب هنا هو
التخيل وهو جزء جوهري من الواقع.
عراقي يعود من المنفى الى المكان
القديم لكنه على طريقة كافافي في
قصيدة " الطريق الى ايثاكا" لا يستعجل
الوصول لكي لا يحرم من شوق الرحلة
وخلال اقامته في بنسيون في جزيرة
عرفها في طفولته قريبة من البلدة مسقط
الرأس ولا يفصله عنها غير النهر،
يحاول استعادة المكان القديم وماضيه
ويقرر في النهاية العودة الى النهر
والجذور ويختفي فيه ولا تظهر هذه
الخاتمة كموت بل كولادة وخروج نهائي
من النفي الى الطين، من الاغتراب الى
التلاشي في النهر كي يصبح جزءاً من
تاريخ حقيقي غير قابل للزوال: يغوص في
النهر في حين يرن هاتفه النقال
بموسيقى عيد الميلاد.
الرواية تعتمد اسلوب السرد البسيط
المتدرج لكنها تخفي أكثر مما تقول
وتشرح، وما لا يقال يخفي أكثر من
الوصف والكلام والحوار والسرد، وفي
الفصل الرابع تقيم الرواية تناصا مع
سيرة الروائي الذاتية الروائية"
الأعزل" الصادرة عن دار بيرغمان في
النرويج( 2000) وعن مركز الانتشار
العربي في بيروت( ط2 2007). في هذا
التناص المحدد بحروف سوداء غامقة وبين
قوسين، ينتقل السرد من مستوى الحاضر،
حاضر السرد، الى الماضي، من دون توضيح
في أن تكون شخصية المنفي العائد هي
شخصية الأعزل وقد يكون هذا واضحا من
خلال التناص والتوازي والتلميح بين
الشخصيتين.
في
صفحات الحلم أو التداعي السريع
الايقاع يتلاشى دور الفوارز من اجل
المحافظة على التوتر وهذا لا يحدث الا
في الفصلين الاخيرين، وكما يقول كلود
سيمون :" إن الرواية ليست سرد مغامرة
بل هي مغامرة السرد" هناك لعب وتداخل
أحلام وحوارات تلمح أكثر مما تقول
وخروج عن السياق بما يشكل نوعا من
الصدمة والدهشة والفرادة في الحكي
واللغة ويخفف من ثقل التاريخ والسياسة
ويخوض حوار الماضي بأقصى قدر من
الشفافية الممكنة والاقتصاد اللغوي
وهندسة نظام الشخصيات.
هي
المحاولة الروائية الخامسة للروائي في
التعرض الى جذور الاحتلال والخراب
الحاصل اليوم باعادته الى تاريخ سابق
ومن منطقة تفكير مختلفة لا تندفع خلف
التبسيط وهوس الادانة والوصم بل
محاولة الغوص عميقا في جذور هذه
المحنة القاسية. المحاولات الروائية
السابقة في هذا الموضوع هي:
1
رواية: صرخة البطريق، 2006، دار أزمنة
عمان.
2
رواية: حفرة فيراب، دار الناقد
الثقافي، دمشق، 2008.
3
رواية: حقول الخاتون، دار فضاءات،
عمان، 2009.
4
حار السلالة، دار فضاءات، عمان، 2010
قبل هذه الاعمال صدرت الروايات
التالية:
1
سنوات الحريق، 2000، دار الكنوز
بيروت.
2
الأعزل، 2000 دار بيرغمان النرويج،
والطبعة الثانية عن مؤسسة الانتشار
العربي، بيروت 2007.
3
المختفي، دار الواح، اسبانيا 2000.
4
عزلة أورستا ، وعنوانها الفرعي:
سروقوا الوطن، سرقوا المنفى( قبل أن
يسرقوه فعلاً وكانت ايضا هابطة من
مستقبل متخيل صار حقيقة بعد 2003 اي
بعد الاحتلال) وصدرت سنة 2001، دار
الكنوز، بيروت.
5
وعن دار فضاءات صدرت هذا الاسبوع
رواية "حارس السلالة" التي تبدأ من
لقطة نقل جثمان الدكتاتور في سيارة
بيك آب بيضاء الى المقبرة حيث يتداعى
في هذا المشهد العبثي تاريخ كامل
مسكوت عنه هو تاريخ الظاهرة
الدكتاتورية لأن الطاغية لا يخلق من
العدم ولا يموت بل يتناسل عبر سلالة
طويلة يكون هو حارسها وليس آخرها.
ـ
من مقدمة دار النشر، دار الفرجاني.