المحاكمة القادمة:
إختراع الذات أو تحمل
المسؤولية
حمزة الحسن
منذ اعادة نشر
"قائمة العار" المتضمنة اسماء الكتاب
والادباء والمثقفين الذين وقعوا على وثيقة
دعم الحرب أو ما أطلقوا عليه" ربيع بغداد"
وكذلك رسالة الشكر الى الرئيس الأمريكي
السابق، يدور سجال خارج المنابر لسنا
بعيدين عنه ويتمحور هذا السجال العنيف حقا
حول كلمات مثل العدالة والحرية والعمالة
والخيانة والسهو والاستغفال والدكتاتورية
والمحاكمة والضمير والمسؤولية الخ وبعض
السجال يراد منه اعادة تعريف أو تكييف
لمفاهيم انسانية عرفتها البشرية منذ فجر
التاريخ وحتى اليوم.
الذين وقعوا
البيان ورسائل الشكر مازالوا أحياءً،
ومن قام بصياغة الوثيقتين وهو دكتور معروف
خاض حملات ردح شرسة دفاعا عن الاحتلال
وصلت الى مطالبة شرطة لندن( بسبب موقف
فكري من قضية الحرب والسلام) عام 2002
بالقبض على كاتب هذه السطور قبل استلام
السلطة كما لو ان مدير شرطة لندن هو مدير
شرطة مستقبلي لبغداد، وهي الدعوة التي
سيكررها خبل ودعي مصاب بهوس الكذب القهري
التسلطي الارتجالي خارج السيطرة قبل شهر
من الآن الى شرطة النرويج أيضا بتهمة نقل
السلاح الى المقاومة هذه المرة، صاحب
صياغة بيان ربيع بغداد ورسالة الشكر دفن
راسه اليوم بعد أن تبجح في سنة الاحتلال
الأولى بصياغة هذه الوثائق المخزية بل
تذمر من العقوق والنسيان على ذلك الجميل
وهو من جيل عُرف كثير من أفراده باللعب
على كل الحبال والقفز على كل الثوابت
الوطنية وتبرير كل المراحل والجرائم
والدفاع عن كل أنواع النهج القاتلة.
إن الذين وقعوا على تلك الوثائق تظاهروا
عند اعادة نشرها كما لو انها غير موجودة
وهو سلوك سيكوباتي متوقع لأن السيكوباتي
لا يعاني من صراعات الضمير ويقفز كالكلب
المسعور الى الخارج عكس العصابي الذي
ينسحب الى عالمه الداخلي لأن الضمير في
حالة الصفيق محطم، وكما انه قادر على خداع
الاخرين والكذب عليهم، فإنه قادر على خداع
الذات والكذب عليها لأنها ذات خربة مهشمة،
وهذا الصنف يستطيع في لحظات بناء ترسانة
من الاعذار المرتجلة والاكاذيب المختلقة(
في علم النفس يسمى هذا العته الاخلاقي:
جنون الاختلاق) من دون خجل لأن السيكوباتي
مفرغ من المشاعر السوية ولا يقدر انعكاس
أفعاله على الاخرين ويعيش في هوس جنوني
داخلي لاثبات ذات ممزقة ولو عن طريق صنع
الاقنعة والواجهات الخارجية.
هذه الوثائق موجودة على منابر وصحف كثيرة
ومعروفة منذ نشرها عام 2003 قبل الاحتلال
ونشر رسائل الشكر الى الرئيس الامريكي
السابق الدمية والذليل وخادم الشركات
الرأسمالية الكبرى، ولم يصدر حتى اليوم
تكذيب أو نفي لمثقف واحد من هؤلاء يعلن
تنصله منها سواء عن طريقة مراجعة وسوء
تقدير أو استغفال أو عن طريق حشر اسمه بلا
دراية كما صرنا نسمع هنا وهناك من بعض
الأصوات الخافتة.
الذين وقعوا على
الوثيقة بهدوء ودراية واصرار يقتضي
الأمر التعامل معهم اليوم وفي المستقبل(
السيكوباتي لا يعيش الماضي ولا المستقبل:
الزمن هو الحاضر، اللذة، والمنفعة) بطريقة
المحاكم الوطنية بعد التحرير وهو تقليد
عرفته كل شعوب العالم الا اذا كان هؤلاء
يريدون أن نفهم ان الوطنية والمقاومة
والمستقبل والعقاب على الخيانة الكبرى
مفاهيم لا تتلاءم مع زمن ما بعد الحداثة.
غالبية هؤلاء يمارسون حتى اللحظة الدور
نفسه في التبرير والشرعنة للاحتلال بعد
تحوير المفاهيم وتبديل النغمة. أما الذين
وجدوا
لأنفسهم باب طوارئ خلفية للتنصل من
مسؤولية التوقيع بالقول انهم حشروا بلا
علم، فنقول ان هذه الوثائق عمرها ثماني
سنوات والأطفال الذين ولدوا في ذلك
التاريخ( ومنهم ابنتي) دخلوا المدارس وهم
في صفوف منتهية في المرحلة الأولى وعاشوا
محنة الاحتلال ولوعة وطن تعرفوا عليه من
حكايات ليلية أو من قصص الاطفال دون أن
يستطيعوا الاقتراب من جغرافيته بسبب مواقف
هؤلاء وغيرهم.
نحن هنا ندعو الى التوثيق لكل ما صدر
ويصدر قبل الاحتلال وخلاله من مقالات
وبيانات ووثائق تتعلق بهذه القضية الوطنية
الكبرى والحساسة جدا وهي مهمة مراكز
الدراسات والابحاث وبعضها شرع بهذه المهمة
منذ زمن مبكر في حس استباقي يستحق التقدير
وعقل مستقبلي لا يتصرف تحت ثقل الحاضر. ان
التاريخ الانساني ليس ابتكارا ولا يمكن
اختراعه أو تأثيثه على طريقة المقاهي
والحانات والمكاتب من حفنة من الكراسي
والطاولات والستائر والأقداح ولا يمكن
أيضا حذفه أو تشويهه بالطريقة السيكوباتية
الشائعة من خلال جنون الاختلاق والنصب
والاحتيال وعروض التهريج لأن التاريخ
القريب في الأقل موجود في ذاكرات وسجلات
ووثائق ونصوص كما هو موجود في المقابر
والسجون والمنافي والهلاك العام وهي ليست
تفاصيل عادية أو غامضة تحتمل السجال
السياسي أو القانوني أو الثقافي لأن الذات
لا تخترع بالحيلة بل بالمواجهة والخلق
وتحمل المسؤولية: ليست الطريقة الصحيحة في
هذه القضية هي الهروب من المواجهة بل تحمل
الموقف بشجاعة وهو وحده اعلان براءة ذمة.
وبدل أن يتوجه هؤلاء أو بعضهم أو بتعبير
أدق ممن شعروا بثقل الموقف وضراوة الخطأ
وعذاب الضمير ـ وهؤلاء حفنة تقع خارج
المحفل السيكوباتي ـ الى من ورطهم ودخل في
الغيبة الكبرى أو من وضع الاسماء كما تزعم
هذه الحفنة بلا دراية، وسلمهم لقمة سائغة
لمحاكم المستقبل وخيانة دور المثقف في
التاريخ، صاروا يتوجهون الينا نفياً
وتكذيباً في محاولة للالتفاف على قضية
تتطلب الشجاعة والمواجهة والاعتراف
المسؤول، سلباً أو ايجاباً، خاصة وان
الفرصة قائمة وإن كانت متأخرة كثيرا عن
موعدها الحقيقي بل قد يكون القطار قد مضى،
حقا.
20/7/2010

الشاعر عزرا باوند في
القفص لتعاونه مع الاحتلال والفاشية