حمزة الحسن حرب كاذبة، انسحاب كاذب: مباهج الأيام القادمة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

               

مقالات الروائي العراقي

حمزة الحسن

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

حرب كاذبة، انسحاب كاذب:

مباهج الأيام القادمة

حمزة الحسن 

 

 

1  تصريح لم يصغ له احد صدر عن حلاق بغدادي كان يحلم هو الآخر ان يكون (رئيس) اتحاد حلاقي العراق في زمن لم يعد ينقصنا فيه سوى هذا الحلاق التقليدي بأدوات تقليدية أيضا بعد أن انتقلت فيه اصول وقواعد الحلاقة من الشَعر الى الرقبة، يقول الرجل إنه يفضل، اذا كان يجب أن يتمنى، حلاقة رأس رئيسي الوزراء الحالي والسابق ـ المالكي وعلاوي ـ ومن دون الغوص في نوايا هذا الحلاق ومن دون الاعتراض على حق أحد في الحلم حتى لو كان هذا الحلم حلاقة رأس في وطن هو الآخر تم حلق كل شيء فيه وتقليمه من الثروة الى السلطة ومن الأشجار الى الأحلام ومن الحضارة الى النفط، قد تكون نوايا الرجل صادقة في حلاقة عادية لكن من يدري قد تكون هذه الأمنية تعكس رغبة دفينة في لغة أهل العراق المرمزة.

 

2 بين حلم الحلاق، نقع على الطرف الآخر من مشاريع ما بعد الاحتلال وهي المقبرة التي يجري اعدادها من قبل التيار الصدري لمعركة قد تكون وشيكة في حال تردد الاحتلال في الخروج ـ وهو لم ولن يخرج بالكامل بل ستكون هناك قواعد عسكرية ثابتة على طريقة قواعد اليابان وغيرها ـ وهذه المقبرة ستكون لشهداء معركة متوقعة.

 

3 بين حلم الحلاق القرمزي وحلم المقبرة المشرق هناك الوعد المتكرر في حرب أهلية قادمة كما صرحت عضوة في البرلمان قبل ايام في حال تدهور الوضع الى ما هو أسوأ ونحن لا نعرف ما هي مقاييس السوء واذا كان هناك الأسوأ من السوء، ولا ندري ماذا سيحصل للأجرب اذا أكل البصل؟ أو ماذا سيحصل للغريق الميت اذا لطش في الرمل؟ أو ماذا سيجري للمبلل اذا وقف تحت المطر؟

 

4 من الحلاقة الى المقبرة الى الحرب الأهلية، ندخل في المشروع الأمريكي وهو يتناقض من حيث الهدف والنتيجة والتفكير وطريقة الادارة عن مشاريعنا السالفة: هو قواعد عسكرية ثابتة وراسخة رسوخ الجبال وهو نهج أمريكي معروف في كثير من دول العالم  ويعني من بين ما يعني ان الاحتلال سيكون طويل الأمد وهذا المشروع ينسف حلم الحلاق المسكين الذي ربما تصور ان موس حلاقة قد يصنع تاريخاً على طريقة قصور الخلفاء في الخنق بالوسائد لملوك نائمين أو السم، ومن المحتمل ان هذا الحلاق لا يعرف اننا في عصر الأوبك وصندوق النقد الدولي واقتصاد عالمي مؤسس على الكوارث والغواصات الحربية التي تحمل رؤوسا نووية.

 

5 هناك مشروع دولة كشكولية ضعيفة من تجمع مصنّع لا أحد فيه يصغي الى أحد لضمان الاستقرار النسبي وهي كلمة ملطفة عن النهب المبرمج التدريجي لحين اجراء تسويات أو جراحات أ والقيام بحرب سريعة في المنطقة تقود الى تداعي الأطراف المحلية على طريقة لعبة الدومينو وهي الطريقة الاسرائيلية المعروفة في الضرب في قلب اهداف مركزية في حشد مباغت للقوة يؤدي الى تهالك الحواشي بلا حرب على طريقة قطع الرأس.

 

6 وبين مشروع الحلاق والمقبرة والحرب الأهلية والقواعد العسكرية والدولة الضعيفة الممزقة، هناك أيضا مشروع الانقلاب العسكري الذي يظل احتمالاً مطروحاً في عراق كل الاحتمالات فيه ممكنة فيما يتعلق بالخراب رغم ان مشروع الانقلاب العسكري يعاني من مخاطر كثيرة ومنها غياب السلطة المركزية هدف الانقلاب وتوزع الهيئات القيادية على أكثر من مكان وموقع وحزب وسرداب وليس الأمر كما في أزمنة سابقة في السيطرة على القصر الرئاسي ودار الاذاعة وغلق الطرق واعلان منع التجول والغاء النشيد الوطني وتجديد الطابع والعَلَم.

 

7 وبين هذه المشاريع المؤدية كلها الى المقبرة، هناك مشروع دولة مشوهة ـ صورة أخرى للمقبرة ـ تتعايش مع أمراضها وعاهاتها على طريقة دول مهيمن عليها كثيرة في العالم الثالث تحت عناوين مختلفة كالحماية والتعاون والمصالح، ومشروع الدولة المشوهة هو الأقرب الى الاحتمال بعد ان تم عبر سنوات الاحتلال ايصال العراقي الى مرحلة البحث عن مروحة بدائية وعلبة نفط وسرير نوم وموت هادئ. كل هدف السنوات الماضية عبر وسائل الترويض الناعم والترويض القاسي كان الهدف المركزي هو تركيع العراقي ونزع أحلامه الانسانية العادلة وتخفيض هذه الاحلام بما فيها البدائية الى مستوى حيواني  ومخجل وتقليص آدميته الى الحلم في النوم السعيد والموت الطبيعي والفانوس والخ.

 

8 هناك ايضا، في الجانب الآخر، مشاريع مقاومة كثيرة، وصراعات مسلحة برزت مبكراً بين قوى عديدة لم تستطع طوال سنوات الوصول الى برنامج عمل مشترك يمكن أن يكون اطاراً جامعاً للقوى الوطنية ورغم كل التحديات والمجابهات والضغوط الهائلة سياسية وعسكرية لكن هذا لا يمنع اللقاء على برنامج توافقي مرحلي حول الثوابت الوطنية كالأرض والسيادة والثروة والحرية والكرامة والمستقبل. ظل الخطاب المقاوم في اطار الخطاب الايديولوجي الا في بعض الحالات مع شديد الاعتزاز والتفهم للذين يفضلون المواجهة على الأرض على خطابات السياسة لأن بلاغة الدم ترتفع على كل بلاغة أخرى.

 

9 بين هذه المشاريع وغيرها غير المعلنة، لا نجد مشروعا ثقافياً واحداً ولا تصورات فكرية أولية ولا صورة محتملة لعراق ما بعد الانسحاب العام الكبير وترك قوة مسلحة لهيمنة طويلة، كما لو ان المثقف ـ المفكر العراقي قد استهلك مشاريعه عبر عقود من الزمن وهي مشاريع انتهت نهايات مأساوية كما نعرف ووجد نفسه هو الآخر مقذوفا في العراء بلا مظلة سياسية حامية( البعض وجدها كحل مؤقت) أو احتمى تحت سلطة فقيه أو شيخ أو حزب يؤمن له الحد الأدنى من العمل والوجاهة والقيمة، في حين فضّلت الأغلبية الواسعة من المثقفين العمل الفردي في الانتاج الثقافي في مناخ صعب ومتوحش لحماية الباقي في الأقل من عناصر الثقافة الوطنية بالمعنى الواسع للثقافة، وسلوك( الحماية) وليس الابداع هو سلوك قنفذي وقائي أكثر من أن يكون عملاً منتجاً وهو أمر مفهوم في ظروف شاقة للغاية ولكنه نادر الحصول في ثقافات أخرى لأن مشروع الاحتلال الدائم هو سيطرة على الأرض ومشروع الابداع يتضمن الحماية وكذلك الازاحة: في حماية الثقافة الوطنية من التدهور والابتذال والتغريب المشوه، وفي ازاحة مشروع الاقتلاع من خلال تجذير كل الحساسيات الوطنية الأصيلة والتمسك الجذري بكل القيم الوطنية والتراث الثقافي والاخلاقي كرد على مشروع الاقتلاع الاحتلالي.

 

10 هناك بكل تأكيد مشاريع صغيرة في الأيام القادمة اذا ظل المشروع الوطني غائباً أو موزعاً أو مشتتاً وسيكون من حق أي عراقي أن يبني مشروعه الخاص وليس من المستبعد بعد الاصغاء الى كثير من المشاريع الفردية الثقافية والادبية أن ينفتح العالم العراقي على مشاريع غريبة وفريدة كالحالة نفسها وكالتاريخ العراقي: هناك من يفكر في مشروع دواجن، وعثرت على من يفكر في مشروع مصح عقلي ممول من مؤسسات دولية، بل صادفت من يقول انه على وشك فتح حانة( كان مشروعه الأصلي فتح رؤيا نقدية) وأبعد من ذلك لمست رغبة عارمة لدى معارف هنا وهناك في البحث عن تمويل لمشروع دفن عمودي بدل الطريقة التقليدية لأن العراقي ملَّ من الحياة، راكعاً، والأخطر من كل هذه المشاريع هناك من يقاوم مقاومة صامتة مشروع انتحار في داخله، بل هناك اليوم من أسس فعلا مشروع هلوسة صارت مقبولة وعادية وطبيعية بسبب المناخ العام: بين مشروع الحلاق والحانة والمقبرة والحرب الأهلية والقواعد العسكرية والصراع السياسي ضاعت لحانا.

 

  

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 
 

 

لا

للأحتلال