سياسة ذبح البعير بقطنة حمزة الحسن

الصفحة الرئيسية

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

لا

للأحتلال

الصفحة الرئيسية

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

لا

للأحتلال

الصفحة الرئيسية

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

لا

للأحتلال

الصفحة الرئيسية

 صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

 

لا

للأحتلال

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

سياسة ذبح البعير بقطنة

 

حمزة الحسن

الى السيد محمد الحيدري :

نحن لا ننسى، أبداً.

لا يخضع التحليل السياسي الى لغة العلوم التطبيقية لأن (الحقيقة) السياسية متغيرة ونسبية وهرمية وهي مثل كل الحقائق الاجتماعية احتمالية والدليل ان بعض( الحقائق) السياسية في بلد كحكم الاعدام مثلا تعتبر جريمة في دول أخرى مثل اسكندنافيا التي يكون قتل بطة أو ضفدعة أو جرادة فيها حدادا وطنيا، ومرة دخلت بلدة نرويجية فوجدت اضرابا عاما يشلها تماما والسبب هو "دهس قط" والاحتجاج ليس على الدهس بل هروب السائق وترك البزون يعاني ويكابد ويتألم ويتذكر ويتلوى ويحلم ويتأمل ويموت بلا طقوس ولا مراسيم ولا زهور ولا قداس جنائزي ولا تشييع رسمي وشعبي ولا وجه لائق يذهب به الى الفردوس على طريقة قتلانا في المفخخات، كما ان المشي في ثوب السباحة على الساحل يعتبر جريمة أخلاقية في حين في بلد آخر يعتبر مظهر حداثة، والدخول الى مقهى بصدر مدفوع الى الأمام في مقاهي الشوارع الخلفية يعد مرجلة، لكنه في بلدان أخرى يعد صفاقة واستهتاراً، ونظام المعايير يختلف من بلد الى بلد بل من مدينة الى أخرى ( النجف والبصرة تختلفان في مسألة الخمر، مثلا) وأحيانا داخل البلدة الواحدة حسب المناسبات فليس من المعقول الذهاب الى مأتم بشورت سباحة لكن الأمر ممكن في البلدة نفسها على الشاطئ والخ.

 لكن المشكلة في التحليل السياسي العراقي الدارج اليوم تصعيد لغة السياسة الى لغة الحقائق المطلقة، ولا يكاد الأمر أن يكون تحليلا أو رأيا بل إملاء قوانين قاطعة وجازمة وحاسمة، والقطع والجزم والحسم في لغة التحليل السياسي أمر ترفضه كل مدارس تحليل النصوص والخطابات الحديثة لطابعه اللاهوتي الجامد الذي لا يتحمل غير التفسير الواحد، وهو في نهاية الأمر ليس تفسيراً أو رأياً بل عاطفة ورغبة وأمنية مصاغة في اطار رأي.

من هذه المنطقة، نقرأ الأحداث في العراق، وهي أحداث لا تتعلق بطرف واحد أو طرفين  ـ سلطة ومعارضة ـ كما كانت في السابق، بل بعدة أطراف، ولا يتعلق الأمر كما كان بين جيش سلطة وحركة معارضة سلمية أو مسلحة، بل بين عدة جيوش تتعايش على مقربة من بعضها البعض في الثكنات والعلاقات وفي الحكم أيضا، لأن كل زعيم أو مسؤول كبير في العراق اليوم يمتلك جيشاً حديثاً ومجهزاً بأحدث الأسلحة والخبراء والأموال والامتيازات، واذا كان هذا يحد من فرصة وقوع انقلاب عسكري حيث المنقلب لا يعرف من أين ينهال عليه الرصاص والصواريخ والأحذية والكراسي وعلب البيض الفاسد والقصائد اللاعنة والمقالات الساخطة وصحون الرز الفارغة، ولأن السلطة لم تعد موجودة في المركز فحسب بل في الأطراف، لكن هذا الأمر يحد أيضا من وجود دولة حقيقية مهابة ومحترمة من مواطنيها اولا ومن العالم، ثانيا. 

هناك إحتمال في أن تستمر الأزمة الحالية حتى شهر آب القادم وهو الموعد المقرر للانسحاب الأمريكي أو بدء الانسحاب الذي قال عنه نائب الرئيس الأمريكي يوم أمس :( إنه انسحاب مؤلم) ولا نعرف مؤلم لمن ولماذا؟ واذا تذكرنا النصر العسكري السريع، يمكن أن تتوضح صورة الانسحاب المؤلم أكثر، وعبر التاريخ كان الخروج من وحل غزو العراق مؤلماً ـ قد تكون كلمة" مؤلم" تخفيفاً والتفافاً على كلمة هزيمة القاسية، وكما يفعل الاحتلال في اللعب مع القادة العراقيين بكل الأوراق، بما في ذلك التسويف والمماطلة والضغط والمتاهات وتداخل السلطات والمسؤوليات ومراكز القوى لكي يلعب لضمان مصالحه، فمن حق هؤلاء أيضا اللعب معه بالطريقة نفسها وبالفرص المتوفرة والامكانيات وباللغة المراوغة أيضا، لأن العثور على الشرف في السياسة كالعثور على خاتم ذهب في بيدر تبن.

كلما حزم الرفيق أبو كاترين جوزيف بايدن حقائبه للسفر الى العراق ووضع الملف على طاولة الطائرة لالقاء النظرة الأخيرة، قيل له في اللحظة الأخيرة ان قادة التحالف العراقي الاسلامي اليساري ( كبديل مؤقت عن النعت الطائفي الكريه وتوصيف اليساري هنا ليس توصيفا سياسيا ولكنه علامة تفريق ويمكن ان يسمى اليميني أو غير لك ) في دولة القانون والإئتلاف الوطني ومن معهما على موعد مع اجتماع نهائي وجدي في الاسبوع القادم ونرى من الضروري تأجيل الزيارة، وفي حقيقة الأمر ان هذا الاجتماع المرتقب الذي سرّب على عجل الى وسائل الاعلام الغرض منه بعد الاخراج الاعلامي المتقن  تعطيل رحلة الرفيق أبو كاترين وصاحبه حسام الدين الذي يجلس خلف النافذة ويتأمل السماء بنظرات فارغة من كل شيء وهي عادة ظهرت في الشهور الأخيرة مما يتطلب حماية هيبة الرئيس الشخصية أمام وسائل الاعلام.

لكن الاجتماع المرتقب لم يصل الى نتيجة حاسمة وهو أمر متوقع حتى بعد مرور الفترة المقررة ولذلك يجب العمل بسرعة في سباق مع الزمن العراقي المنشطر هو الآخر الى شطرين رئيسيين وأزمنة فرعية وشخصية حيث كل عراقي يعيش اليوم في زمن خاص: الزمن العراقي الأول هو زمن المالكي وتحالفاته العلنية والمترددة وهو زمن مرن لكنه يريد الوصول الى شهر آب بكل الطرق، وزمن علاوي وهو زمن ضيق ويريد تحاشي شهر آب بكل الطرق لأن الانسحاب يضعفه كثيرا ويخفف الضغوط على الطرف الآخر، زمن المالكي ومن معه زمن تسويف ومماطلة رغم كل الخلافات العلنية والحادة، في حين زمن علاوي زمن قطع وقرار لأن الحسم النهائي اليوم في موضوع نتائج الانتخابات أفضل من بعد آب.

ولكي يستمر زمن التحالف الاسلامي في المضي نحو الهدف وهو حق مشروع مادام الجميع يمارس لعبة الضحك على الذقون وحصاد مكاسب على حساب شعب أعزل ومبتلى بناء على أخلاق السياسة المعروفة، فلا المحكمة العليا تصادق على نتائج الانتخابات لأنها هي الأخرى تحتاج الى وقت( تسويف) كما احتاجت المفوضية العليا قبل بضعة اسابيع الى وقت، وحين انتهى الوقت المطلوب للمفوضية، جاء الوقت المطلوب للمحكمة العليا، وزمن المحكمة يختلف في التوقيت والتفسير ولغة القانون عن زمن الساسة والأحزاب بل ويختلف حتى عن الزمن الطبيعي البشري العادي لأنه زمن دائري حلزوني قد يتوقف، فجأة، بناء على فقرة قانونية أو معلومة جديدة أو مكالمة أو اغتيال عضو محكمة بارز أو حتى تكرار انقطاع الكهرباء في هذا الصيف المهلك، في حين يكون السيد علاوي قد التهم من جراء نفاد الصبر الباقي من الأظافر وشرع في حملة هلس لما تبقى من شعيرات على الرأس العلوي لأنه كما يقال من باب التندر في بعض المقاهي الثقافية: أصلع الرأسين. 

 ليس صبر السيد علاوي وحده قد نفد، بل صبر الرفيق أبو كاترين صاحب الحقائب الجاهزة والرحلات المؤجلة عدة مرات الذي يريد الخروج( الهروب) من ورطة العراق بأقل الخسائر واقل الآلام بعد تسوية مفروضة بالقوة والضغط والتهديد بانسحاب عاجل وسريع تاركاً الشركاء للارهابيين والحاقدين والمتربصين والصوفيين والشعراء الساخطين والعشاق المحبطين والأرامل ومصلحي السيارات الضجرين والمطلقات حديثا من المنطقة الخضراء ممن لم تعد تتوفر فيهن شروط السكن في بيوت الضيافة الحكومية بعد أن عشن مع الأزواج في المنافي وفي البيوت الرطبة، ولم تعد وجوههن تتناسب مع مقامات الأزواج ولا يمكن الخروج معهن الى مؤتمر أو مأتم أو سرير أو حتى مقبرة، ومن خلايا نائمة للمقاومة قرب القصور الرئاسية تنتظر لحظة الحسم للإنقضاض( هكذا يوحي التهديد الأمريكي) ومن قوى كثيرة متربصة، وتحوّل الانسحاب الأمريكي المرتقب الى سيف مسلط على رؤوس الجميع بعد أن كان أملاً وحلماً أو في الأقل دعاية انتخابية ـ لن يشفع للرفيق أبو كاترين صاحب مشروع تقسيم العراق تطمينه العراقيين يوم أمس: إن العراق لن يقسّم بسبب وجود النفط، مع ان العراق كان موجودا قبل النفط وقبل أمريكا وهو مهدد بالتقسيم بسبب النفط وحده. 

لا أملك على المستوى العاطفي ومن تجربة اقتراب من بعض الزعامات العراقية الاسلامية في طهران وقُمْ( 1988) ومعرفة عالمهم العميق الذي من الجهل تسطيحه ببساطة، رغم الموقف الثابت والمعلن والمكرر من كل الأحزاب السياسية في العراق أمس واليوم، وتعرضنا المستمر لها من موقع النقد السياسي وهو حق مشروع تكفله كل الدساتير العراقية وينتهي صاحب هذا الحق دائما إما على حائط رصاص أو مشنقة أو سجن أو فاراً عبر الجبال أو الصحارى، لا أملك غير السرور بموقف التسويف المذهل من قبل التحالف الاسلامي اليساري، وهذا السرور لا يعني فقدان الحرص على ما يسببه من كوارث كما يمكن أن يتخيل البعض لأن هذه الكوارث مستمرة به ومن دونه وجذورها عميقة، ولكنه السرور النابع من قذارة السياسة الممارسة وجريمة الاحتلال نفسه وطبيعة البناء السياسي القائم نفسه، ولا يعني هذا ان هذا التحالف لا يعيش فعلا خلافات كبيرة ومعقدة ولكنها لا تُحل حسب التقليد السياسي المعروف بين الاحزاب الأخرى لأن المرجعيات الدينية الموجهة غاطسة في الظل وقد تُحل خلافات صعبة من هذه السلط الداخلية المرجعية والموجهة من دون أن يظهر ذلك على السطح: عالم هذه الاحزاب أقرب ما يكون الى أزقة النجف وسراديبها ولا تُفسر خطواتها حسب الأرث السياسي العراقي الشائع لدى ما يعرف بالاحزاب الثورية ـ هذا العالم يغري الروائي أكثر مما يغري غيره لأسباب بعيدة عن السياسة.

لكن مدة الاسبوع المرتقبة انتهت، والرفيق أبو كاترين يحمل الملف العراقي بقلق والوقت ينفد والقوات تتأهب للانسحاب( المؤلم) وعملية تصنيع حكومة، على المرام، تأخرت لتحمي الانسحاب العسكري وتؤمن المصالح الاقتصادية، ولكي يجدد التحالف الاسلامي اللعبة مع الشركاء الخصوم، نقرأ الخبر التالي: لجنة الحكماء ستجتمع قريبا لتقرر ...الخ، وفي ختام هذا الاجتماع هناك لقاء حاسم قريب... وتمديد الوقت لاسبوعين...كل هذا يتداخل مع مشكلة المفوضية العليا للانتخابات وحاجتها الى الوقت والمحكمة العليا وحاجتها الى الوقت والطعون المقدمة وحاجتها الى الوقت، ودراسة مقترحات جديدة من هذا الطرف أو ذاك وحاجتها الى الوقت... والخ... والخ... تماما كما تمت لعبة تصريف الوقت مع الرئيس الأمريكي السابق: كلما  حشد الرئيس الطائرات والاساطيل في الخليج وسُرِّبت ساعة الصفر الى ايران عبر وسطاء أو عملاء مزدوجين، أعلنت ايران عن قرار شجاع ونهائي ومؤلم بحل يرضي جميع الاطراف بل يضر بالمصالح الايرانية ويعد تنازلاً غير مسبوق. ولكن متى؟ كان الرئيس السابق يسأل، ويأتيه الرد الايراني السري: (من يبيض الديك).

بهذه الصورة تم تصريف الوقت مع الرئيس الامريكي وغادر البيت الأبيض صفر اليدين ـ هناك جلسة شهيرة لمجلس الأمن في الستينيات كان من المقرر اتخاذ قرارات فيها لا ترضي الاتحاد السوفيتي، فأوعز الى المندوب السوفيتي بإفشال الجلسة عبر التسويف ونجح في خلق مشكلة تيار الهواء البارد في القاعة وتم احضار الفنيين ومر الوقت المطلوب بلا قرار.

شهر آب يقترب وهو شهر الآلام الكبرى: شهر تسخين المسامير في الأبواب ونضج التمر وحريق نهود الصبايا وسخونة التراب وشهر الغزو وشهر الصعود: ليس صعود السيد المسيح الى السماء بل صعود الجيش الأمريكي الى الطائرات، في حين يظل التحالف الاسلامي يذبح الجمل بقطنة وهو مثل عن طول النفس والبال والصبر، في حين يرهز أبو كاترين على حدود العراق ومعه السيد الرئيس حسام الدين يتأمل السماء الزرقاء الصافية في انتظار شيء لا أحد يعرفه غيره أو لا يعرفه هو نفسه وربما يرى طائرات ورقية ملونة قادمة من زمن قديم، لأن هذا العمر هو عمر التشهي، ولأن السيد الرئيس عاد وغرق في طفولته الثانية في حين يهرم أطفال العراق على الصدور الجافة ويصلون الى مرحلة الشيخوخة قبل الفطام من أجل اختصار الطريق الى الموت.

 

ـ يذبح الجمل بقطنة: مثل ايراني عن الصبر الطويل والتخطيط.

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

Rahakmedia - Germany