<%@ Language=JavaScript %> فاضل سفان مدينة للحب والدم والاحتراق

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

               

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

مدينة للحب والدم والاحتراق ترصد هموم الإنسان العربي و تتهجى تطلعات المصير في الواقع و التخيل

     فاضل سفان

 

     حين أستعرض الروايات التي تركت في النفس حضوراً لافتاً, لمبدعين من أبناء هذه المحافظة المعطاء تستوقفني عناوين ذات أثر خلاق في عالم الرواية المعاصرة كرواية «فرات » ل (مية الرحبي(, والخلوج لمحمد رشيد رويلي, والسلطان يوسف لثائر الزعزوع, واللحاف لأيمن ناصر ، ويأخذني العجب حين أتملى في كثير من التجلي, رواية (مدينة للحب والدم والاحتراق) للمبدعة الشابة «أسماء شلاش), ولا يمكن لقارئ هذا الحدث الروائي أن يقول إنه باكورة نتاج لفتاة شابة ،وهو في هذه الرواية يستحضر عالم نجيب محفوظ وبغوص في ظلال أولاد حارتنا, بل أكون أكثر تقريباً للحدث وأنا أتعاطى مع عبقرية السرد وشفافية الرؤى, وكأني أرشف مرة أخرى من معين (الطيب الصالح ) في روايته الرائدة (موسم الهجرة الى الشمال).‏‏

     وأسماء شلاش بين هذا وذاك تطوف في عالمين معاً يجسدان موسمين متكاملين, موسم الوطن وموسم الغربة ولكل طعمه ومرماه .‏‏

     وخلاصة الحدث تبعثه شخصيات من قلب الواقع ،عمادها " وائل" الشاب الطيب الذي يلتقي ب "ليلى" الفتاة التي تجسد حضوره الوطني مع شخصية أمه بالتبني "أم شهيد" ونقلة أخرى تجسد الأحداث في صراع الحياة بين الوطن والغربة, لتكون زوجته الاسبانية التي لم نعرف عن شخصيتها سوى زواج يخلف ولداً اسمه (مجد) وينتهي بالطلاق .‏‏

     وليلى تجسد الهم الأكبر في سمفونيته المقدسة النغم, والمعمدة بألق الإبداع وعطر العبقرية الفذة ,     تعرف عليها في أمسية شعرية في حوار بين الوجد والروح, ترك أثره العميق في بناء الأحداث ليعترف مؤخراً وهو يهاجسها (بعد انصرافك المباغت والمحير عرفت من بعض الأصدقاء بأنك طالبة من كلية الحقوق وصار عندي أمل كبير بأن أراك لأني أمسكت بأهم خيط يؤدي اليك ) وبين هذا وذاك تطالعك شخصيات ذات حضور لافت في بناء الرواية كالصديق عمر, والشاعر الفلسطيني هيثم وشخوص متخيلة يبعثها السياب ونزار و"لوركا" وفيروز وكل أولئك من مكونات الحدث التي تبعث الحيوية فيه دفاقة السنا .‏‏

    وربما كانت ذكرى لقاء ليلى أهم ما يجسد الصراع في هذه الرواية ،وهي تغرق في الوجد الصوفي (كنت أحد المشاركين في أمسية أدبية نظمها المكتب الطلابي وضمت مجموعة من الشعراء ،في تلك الأمسية عرفني عمر بليلى والتقينا ثم اختفت اللقاءات خلف ضباب العزلة ثم التقينا والتقينا وكأنه ميعاد سابق تظاهر بثوي المصادفة) 8 .‏‏

    والرواية على بساطة الأحداث فيها, قد زخرت بدفقات في الفن عالية المستوى جاءت تارة بشكل عفوي وتارة أخرى موظفة لغايات وجدانية تظهر قدرة القاصة المبدعة على تجاوز الهنات لتكون ولادة الرواية وجهاً مشرقاً في إدراك ما ترصده الذاكرة من رؤى وأحلام ..!‏‏

     وهنا تدرك ورسالتها التوجيهية, حكمة الشيوخ وموهبة الشباب القادرة على التجلي في مرابع العبقرية (دع قيساً لقيس وجميلاً لجميل ..عندما تعيش لإنسان فارقته فأنت تخون روحك وحقك في العسادة, وتحيا لأجل وهم ...مجنون من يعيش للأوهام, لأنه فشل في الأبدية. وهذا الهاجس التنويري في رؤيتها البنائية في السرد والوصف والحوار يبدو تكريساً لوعيها الثقافي الذي يملي عالمها الإبداعي فينطلق القلم في زوايا الرواية بشكلها المطلق : ( من فضائل المصائب أن تجعلها على استعداد دائم لمعركة قد تكون محسومة مسبقاً ،لكن الاستعداد بحد ذاته هو نصر آخر بغض النظر عن النتائج ) .‏‏

     وعليك أن تدرك رسالتها الموظفة بإحكام وشفافية, وقدرة فريدة في عالم القص والتأليف .‏‏

     لم تكن الرواية قصة حب تنتهي بالانكسار والخيبة بعد صراع مع الهواجس والأحلام, بل كانت رصيداً للمعرفة في شتى ضروب الفكر وكنزاً لا يفنى في مسارب الحياة المغامرة بزهو التنبؤ وتبريره .‏‏

     لقد كانت القاصة تدرك ما يكبل الإنسان العربي من الماء إلى الماء وهي ترصد همومه تكون ساخرة تارة وهي تلعق جراحه النازفة وتارة ترصدها في منطق الجد وسمت المرارة اليائسة, حين تنهل من هم القضية الفلسطينية, أرضاً وشعباً وتتهجى تطلعات المصير في الواقع والتخيل.‏‏

     وقد ينسرب على صفحة الذاكرة ليرسم نكوص الأمة وانهزامها المر, ويجسد هذا الواقع دمعة حرى في رصيد الحكمة الجريح مرة, وفي أبواب العطش في صحراء الغمة والهوان مرة أخرى لترشف بين هذا وذاك قدرة الكاتبة في ترميز مؤطر يؤكد عمق اطلاعها ويجسد المعرفي في سماحة واقتدار .‏‏

     وإذا كنت أثمن للكاتبة قدرتها العالية الربط بين عالمين هما قطبا الرحى في مصيبتنا الكبرى فتحسن رسم الأحداث بين أرض العروبة وعمقها دمشق الشام وبين دراسة وائل الموزعة بين دمشق الشام واسبانيا فإنها أحسنت اصطفاء الرمز, لترسم قدرتها على الجمع بين سقوط غرناطة وسقوط بغداد وبينهما القدس ثالثة الأثافي, هذا الهم الوطني والقومي والإنساني في تجلياته كان شغلها الشاغل ،رسالة وتكوينا, وهنا تدرك وقفة الإبداع انتماء مستبطناً كما تجلى في آخر فقرة أنهت فيها روايتها في هذا الترميز الموظف بإحكام وشفافية لا نظير لهما :‏‏

     خبر أخير: في هذا اليوم الجديد, المحكمة الأجنبية تحكم في قضية (مجد) وتقرر بقاءه مع أمه إلى أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره, ثم يختار الطرف الذي يعيش معه, أمه أو أباه ،وتأجل الحلم إلى إشعار آخر وظل معلقاً بين وطن وذاكرة بين شاعر وطبيب بين قصيدة ومسودة قصيدة. وهنا تدرك في شفافية أنه في زمن الانهزام العربي تبقى قضيتنا تنتظر حكم الآخرين .‏‏

     بقي أن أنبه الأديبة المبدعة بهمسة حنان أن تقلل من الاستشهاد بالشعر والأمثال والحكم المنقولة لأن مثل هذا إذا زاد عن القدر المعهود يلمع الحدث ولا يعمقه .‏‏

     وأنتهي إلى القول: إن الرواية قد صدرت عن دار »محاكاة « للدراسات والنشر في مئتين وثماني صفحات من القطع الوسط في طبعتها الأولى من عام 2010 م‏ ‏

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 

 

 

 

لا

 

للأحتلال