Untitled Document

                           

           حكايات فلاحية: الديمقراطية بلا ديمقراطية! 

 

أبو سارة

بعد ثورة 14 تموز عام 1958 تنامت منظمات حزبنا الشيوعي العراقي في الريف ونشطت بشكل واسع وسريع وبما يتناسب مع الشعارات التي رفعها الحزب حينها مثل : توزيع الأراضي على الفلاحين وقسمة المحاصيل الزراعية ( مناصفة ) بين الفلاح و( المالك - الإقطاعي ) والتخطيط لفتح المدارس والمستوصفات وتعبيد الطرق بين الأرياف والمدن ومد شبكة الكهرباء لإنارة القرى...الخ.

مقابل هذا كان هناك نقص ملحوظ في ( الكادر ألفلاحي ) لدى الحزب لإدارة الجمعيات الفلاحية لاسيما في الوعي السياسي بسبب الأمية التي كانت متفشية بين أوساط الفلاحين، كانت تقدر بنسبة ( 95% ) وانعدام وسائل الأعلام مثل القنوات التلفزيونية والجرائد اليومية وأجهزة الراديو... مما اضطر منظمات الحزب في تلك الفترة إلى البحث الجاد عن كوادر حزبية ولو بالحد الأدنى من الوعي السياسي خصوصاً في تشكيل وإدارة تلك الجمعيات.

نقل لي الراحل( حسين الحاج فاضل – أبو علي ) رحمه الله، أن أحد الفلاحين وكان إسمه ( مروّح ) وهو من الفلاحين البسطاء والذي يتصف بالسذاجة المعرفية عما يجري حوله وكان غير معني بما كانت تدور من أحداث سياسية سواء كانت داخل العراق أم خارجه في تلك الفترة.

 وفي شهر تموز 1962 كانت التحضيرات جارية سراً وعلناً حول انتخابات الجمعيات الفلاحية عموما وفي قريتنا خصوصاً، وكان رئيس الجمعية ( حسين الحاج فاضل - أبو علي ) وهو كادر شيوعي ومن الوجوه الاجتماعية المعروفة في أوساط الفلاحين يحاول حث وإقناع الفلاحين للمشاركة في الانتخابات ويردد دائماً بل ويحاول حسب وعيه السياسي والاجتماعي وقناعته الشخصية أن يضع الرجل المناسب في المكان المناسب. إلا أن مثل هذه الفرضية كان من الصعب تحقيقها حيث لا وجود لا للرجل المناسب أصلاً، ولا للمكان المناسب بالمعنى الحقيقي، مما أضطر رئيس الجمعية ( أبو علي ) وبحسن نية أن يضرب مثالا حياً على التمسك بكرسي السلطة حيث قال:

 في هذه الانتخابات نحاول أن نجسد الديمقراطية الحقيقية... فأنا ( أبو علي ) أرشح ( مروّح ) لرئاسة الجمعية...فاستغرب أغلب الحاضرين لمثل هذا القول والطرح والترشيح غير المناسب، فقالوا جميعا وباللهجة الريفية المعهودة ( أشلون بالله أقنعنا ...يا أبو علي  برأيك هذا ) !!

فقال لهم أبو علي: بما أنه يوجد اليوم فراغ " دستوري "  لرئاسة جمعيتنا...!! فلنعمل ( تراي -  تجربة )  قبل أن يأتي موعد يوم الانتخابات ونعطي رئاسة الجمعية ابتداء من هذا اليوم ولحين إجراء الانتخابات بشكلها الطبيعي بيد أخونا ( مروّح ) بصورة مؤقتة وأن تكون جميع المراجعات من خلاله وهذا ( ختم ) الجمعية أضعه أمامكم في يده، وأنا غير مسؤول من الآن أمام الله وأمامكم.

أصبح جميع الحاضرين في حيرة من أمرهم بمن فيهم رئيس الجمعية الجديد المكلف ( مروّح ) من هذا الموضوع الذي أصبح  ( شئنا أو أبينا - نريد أو ما نريد ) أمراً قائماً، لابد وأن نراجع ( مروّح ) أفرادا أو جماعات وفي هذه الحالة أيضاً كان يتطلب من الرئيس الجديد  ( مروّح ) أن يغير هندامه وعلى الأقل ( يكعد اعوج، بس يحجي عدل ) كما يقول المثل الشعبي، وعلى عكس ما كان معتاد عليه ( مروّح ) تماما في حياته السابقة، وخصوصاً بعدما أصبح يجلس في صدارة المضيف، لا ينزع حذائه كبقية زملائه، ويفتح أذنيه للمراجعين من الفلاحين ويحاول أن يجد الحلول لمشاكلهم المختلفة... وقال في نفسه لابد من معرفة ( الشاردة والواردة ) وخصوصاً ( البشـّاته – الحرامية ) لأنه كان في ذلك الوقت للـ( حرامية – البشـّاته )  قيمة معنوية في الريف كما هو الحال في أيامنا هذه في مراكز الدولة وخاصة العليا منها، وبشكل أخص المستشارين!

وفي ليلة ليست فيها (  ضوء قمر ) أصبح ( مروّح ) رئيسا للجمعية الفلاحية في قريتنا، أخذ يتحدث أمام معارفه قائلا: " شفتوا ( أش – شو ) سوينا بيهم ... لأنهم من بقايا الإقطاعية..." وهو يقصد بقوله هذا زميله الشيوعي – رئيس الجمعية السابق الذي ساعده ورشحه ( حسين الحاج فاضل – أبو علي )... والمهم فأن ( مروّح ) أخذ يمارس مهامه كرئيس للجمعية ويبرم بشواربه أمام زواره من الفلاحين وكالعادة تجمع حوله مجموعة من الانتهازيين والطفيليين كمستشارين وهم كثر وأصبح يخطط ويتساءل ويرسم كيف يحتفظ برئاسة ( الجمعية ) وبسلطتها، وجمع من حوله بعضا من ( السراكيل ) وخصوصا الانتهازيين منهم وكان يستعين أيضاً بـ( الحرامية وقطاعي الطرق ) عند الحاجة والضرورة للاستفادة منهم في تخويف معارضيه، أكثر من أصحاب المعرفة والرأي والخبرة...الخ.

وجاء الموعد المحدد للانتخابات واتضحت النتائج بالعد المباشر ( ففتي ففتي – 50% ) بين رئيس الجمعية ( مروّّح ) ورئيس الجمعية السابق ( أبو علي ) ... وأراد الحاضرون وخصوصاً أصحاب الرأي والمعرفة أن يحلوا الخلاف سلمياً خصوصا وأن رئيس الجمعية السابق ( أبو علي ) معروف ولديه إلمام خبرة في مراجعة دوائر الدولة وغيرها، إلا أن ( مروّح ) وجماعته أصروا أن تكون رئاسة الجمعية لهم وألا فإنهم سوف ( يؤسسون ) أو يسعون إلى تأسيس جمعية فلاحية جديدة خاصة بهم وبناءً على ذلك فلابد وأن تجري هنا ترتيبات تؤدي بالنتيجة إلى تقسيم الأراضي دون أن تنتهي المشكلة هنا فقط، بل أن هناك عوامل وعوائق مختلفة وكثيرة مثل: خصوبة هذه الأرض أو تلك، ونوعية هذا المجرى أو ذاك، وقرب هذه الأرض من مركز المدينة أو العكس... واختصاراً فقد صار ( الشك ) أكبر وأوسع من ( الركعة ) !

مربط الفرس : يقول المثل الشعبي المعروف ( اكعد عوج واحجي عدل )... فأن ما جرى في جمعية قريتنا ( ... ) عام 1962بقيادة ( مروّح ) يشبه تماماً ما يجري في هذه الأيام في " العراق الجديد " بقيادة حكومات الاحتلال الأمريكي، بدءً من حكومة علاوي ومروراً بالجعفري وأنتهاءً بـ( المالكي ) وتحت عباءة " الانتخابات الديمقراطية "...وما وراءها والتي لربما ستؤدي إلى تقسيم العراق وبدلا عن ( مروّح ) واحد سيصبح هناك عشرة ( مروّحين ) من أمثاله خصوصاً ونحن نعيش في زمن ( فدرالية ) النائب ( وائل عبد اللطيف ) بين ( مروّح  قادم ) و( مروّح ذاهب ) وبين هذه المشيّخة، وتلك الأمارة خصوصاً إذا أخذنا بـ( الفدراليات المطروحة ) كما نسمع من مثقفي الاحتلال الأمريكي ومن بعض المسوؤلين السياسيين من جاءوا بعد ( مروّح ) من السياسيين الذين نصبهم الاحتلال الأمريكي في السلطة...أي بمعنى ( عميل وبيده سلطة ) ... ربما سيكون لنا نظام دولي خاص لا جمهوري ولا ملكي بإسم ( الأمارات العراقية غير المتحدة )! أو( ديمقراطية بلا ديمقراطية )!...هكذا يفكر ( مروّحنا ) الجديد في التمسك بقوة بكرسي السلطة، إذ أصبح أي فرد من هؤلاء المسؤولين المرتبطين بالاحتلال الأمريكي( يكعد عدل ويحجي أعوج )!

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة