Untitled Document

أسس اللينينية


جوزيف ستالين


 4 - دكتاتورية البروليتاريا
 
 
 سآخذ من هذا الموضوع ثلاث مسائل أساسية:
 
 أ) دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي أداة الثورة البروليتارية.
 ب) دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية.
 ج) سلطة السوفيات، من حيث هي شكل لدولة ديكتاتورية البروليتاريا.
 
 أ – دكتاتورية البروليتاريا، من حيث هي أداة الثورة البروليتارية
 إن مسألة الديكتاتورية البروليتارية هي، قبل كل شيء، مسألة محتوى الثورة البروليتارية الأساسي. فالثورة البروليتارية، وحركتها، ومدى اتساعها، وانتصاراتها لا يصبح لها لحم ودم ألا بدكتاتورية البروليتاريا. أن دكتاتورية البروليتاريا هي أداة الثورة البروليتارية وجهازها وأهم نقطة ارتكاز لها، أداة مدعوة للحياة، أولاً، لكي تسحق مقاومة المستثمرين المخلوعين وتوطد انتصارات الثورة البروليتارية، وثانياً، لكي تسير بالثورة البروليتارية إلى النهاية، لكي تقود الثورة إلى انتصار الاشتراكية التام. فأن التغلب على البرجوازية وإسقاط حكمها أمر لا تستطيع أن تفعله الثورة بدون دكتاتورية البروليتاريا. أما سحق مقاومة البرجوازية والمحافظة على الانتصارات والسير قدماً نحو انتصار الاشتراكية النهائي، فأمور لن يكون في وسع الثورة أن تفعلها إذا لم تخلق، عند بلوغها درجة ما من تطورها، جهازاً خاصاً بشكل دكتاتورية البروليتاريا، بوصفها نقطة الارتكاز الأساسية للثورة.
 "إن مسألة الحكم هي المسألة الأساسية لكل ثورة" (لينين). فهل يعني ذلك أنه ينبغي الاقتصار هنا على أخذ الحكم، والاستيلاء عليه؟ كلا، طبعاً. إن الاستيلاء على الحكم ليس سوى ابتداء المهمة. فالبرجوازية التي أسقطت عن الحكم في بلد واحد تظل زمناً طويلاً، لأسباب كثيرة، أقوى من البروليتاربا التي أسقطتها. ولهذا، فالأمر كله هو الاحتفاظ بالحكم وتوطيده وجعله منيعاً لا يُغلب. فماذا يلزم لبلوغ هذا الهدف؟ من الضروري، على الأقل، انجاز ثلاث مهمات رئيسية تواجه دكتاتورية البروليتاريا "غداة" الانتصار:
 أ‌) تحطيم مقاومة الملاكين العقاريين الكبار والرأسماليين الذين أسقطتهم الثورة ونزعت منهم ملكيتهم، والقضاء التام على جميع محاولاتهم الرامية إلى إعادة حكم الرأسمال؛
 
 
 ب‌) تنظيم عمل البناء بصورة تجمع جميع الشغيلة البروليتاريا، وتوجيه هذا العمل بشكل يهئ تصفية الطبقات وإزالتها؛
 
 
 ج) تسليح الثورة، وتنظيم جيش الثورة لأجل النضال ضد الأعداء الخارجين، لأجل النضال ضد الاستعمار.
 إن دكتاتورية البروليتاريا ضرورية لتحقيق هذه المهمات وإنجازها. يقول لينين:
 
 
 "إن الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية هو مرحلة تاريخية كاملة. وما دامت هذه المرحلة لم تنته، فسيظل المستثمرون، حتماً يعللون أنفسهم بأمل إعادة الرأسمالية، وسيتحول هذا الأمل إلى محاولات لإعادة الرأسمالية.
 فالمستثمرون الذين ما كانوا يتوقعون أبداً القضاء على حكمهم، وما كانوا يصدقون شيئاً من ذلك، ولا يقبلون أن يخطر لهم ببال، سيندفعون إلى المعركة، بعد أول هزيمة جدية، ويخوضونها بعزيمة مضاعفة عشرات المرات، وباندفاع جنوني، وبحقد متعاظم مئات المرات لكي يسترجعوا "الفردوس" المفقود لعائلاتهم التي كانت تعيش تلك الحياة الناعمة الهانئة، والتي يحكم عليها "الرعاع السفلة" الآن بالخراب والبؤس (أو بالكدح "الحقير..."). ووراء الرأسماليين المستثمرين، يقف السواد الأعظم من البرجوازية الصغيرة التي تثبت التجربة التاريخية، طوال عشرات السنين، في جميع الأقطار، أنها تتردد وتتأرجح، وتسير اليوم وراء البروليتاريا، ثم تخاف غداً من صعوبات الثورة، فيستولي عليها الذعر عند أول هزيمة أو شبه هزيمة يمنى بها العمال، ويجن جنونها وتضطرب، وتتباكى، وتركض من معسكر إلى آخر". (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي المؤلفات، المجلد 23، الصفحة 355).
 ولدى البرجوازية من الأسباب ما يدفعها إلى القيام بمحاولات لاستعادة الحكم لأنها، بعد أسقاطها، تبقى زمناً طويلاً، أقوى من البروليتاريا التي أسقطتها.
 يقول لينين:
 "إذا غلب المستثمرون في بلد واحد فقط – وهذه الحالة الأنموذجية طبعاً، لأن قيام الثورة في وقت واحد في عدة أقطار، شذوذ نادر الوقوع – فأنهم يبقون مع ذلك أقوى من المستثمَرين". "المصدر نفسه، الصفحة 354".
 فأين تكمن قوة البرجوازية المخلوعة؟
 أولاً، "في قوة الرأسمال الدولي، وفي قوة ومتانة الصلات الدولية للبرجوازية" (لينين: مرض الشيوعية الطفولي ("اليسارية" – المؤلفات، المجلد 25، الصفحة 173).
 ثانياً، في كون "المستثمِرين يحتفظون حتماً، بعد الثورة بزمن طويل، بعدد من الميزات الفعلية الكبيرة الشأن: فيبقى لديهم المال (إذ لا يمكن إلغاء المال دفعة واحدة) وبعض ممتلكات منقولة عظيمة الشأن في الغالب. وتبقى لهم علاقات، وتبقى لهم عادات تنظيمية وإدارية ومعرفة بجميع "أسرار" الإدارة (عاداتها، طرقها، وسائلها، إمكانيتها). وتبقى لديهم ثقافة أبعد شأناً، وصلات وثيقة العرى بكبار رجال السلك التكنيكي (البرجوازيين بمعيشتهم وعقليتهم) وتبقى عندهم تجربة في الفن العسكري أعلى مستوى بما لا يقاس (وهو أمر هام جداً)، الخ، الخ." (لينين: الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي، المجلد 23، الصفحة 345).
 وثالثاً، "في قوة العادة، في قوة الإنتاج الصغير، إذ لا يزال في العالم، لسوء الحظ، مقدار كبير جداً جداً من الإنتاج الصغير؛ والإنتاج الصغير يولّد الرأسمالية والبرجوازية باستمرار، كل يوم، وكل ساعة) بصورة عفوية وعلى مقاييس واسعة... لأن القضاء على الطبقات ليس معناه فقط طرد الملاكين العقاريين الكبار والرأسماليينالأمر الذي كان سهلاً علينا نسبياً – بل معناه القضاء على منتجي البضائع الصغار، وهؤلاء لا يمكن طردهم ولا يمكن سحقهم، فيجب أن نكون على وفاق معهم. يمكن (ويجب) أن يتغيروا، وأن يعاد تثقيفهم – ولكن فقط بعمل تنظيمي طويل جداً، في غاية التمهل وغاية التبصر". (المرض الطفولي، المجلد الخامس والعشرون الصفحة 173، 189).
 لذلك يقول لينين:
 "إن دكتاتورية البروليتاريا هي أشد الحروب بسالة وضراوة تقوم بها الطبقة الجديدة ضد عدو أعظم قوة، ضد البرجوازية التي ازدادت مقاومتها عشرة أضعاف من جرّاء إسقاطها عن الحكم"، وأن "دكتاتورية البروليتاريا هي نضال عنيد دام وغير دام، عنيف وسلمي، عسكري واقتصادي، تربوي وأداري، ضد قوى المجتمع القديم وتقاليده". (المصدر نفسه، الصفحة 173، و190).
 ونكاد لا نكون بحاجة إلى تقديم الدليل على أنه من المستحيل، على الإطلاق، أنجاز هذه المهمات في فترة وجيزة، وتحقيق كل ذلك في بضع سنوات. لهذا ينبغي أن لا يُنظر إلى دكتاتورية البروليتاريا، أي إلى الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية، على أنها حقبة وجيزة عابرة من الأعمال والمراسيم "الثورية العليا"، بل على أنها مرحلة تاريخية كاملة مليئة بحروب أهلية ونزهات خارجية وبعمل عنيد من التنظيم والبناء الاقتصادي، وبكثير من الهجوم والتراجع، ومن الانتصارات والهزائم. وليست هذه المرحلة التاريخية ضرورية وحسب لأجل خلق البوادر الاقتصادية والثقافية لانتصار الاشتراكية الكلي، بل هي ضرورة أيضاً لأجل تمكين البروليتاريا، أولاً، من تثقيف نفسها وتقوية ساعدها حتى تصبح قوة قادرة على قيادة البلاد، ولأجل تمكينها، ثانياً، من أعادة تثقيف وتحويل الفئات البرجوازية الصغيرة في اتجاه يضمن تنظيم الإنتاج الاشتراكي.
 لقد قال ماركس للعمال:
 "سيكون عليكم أن تجتازوا خمسة عشر عاماً، أو عشرين، أو خمسين عاماً من الحروب الأهلية والحروب بين الشعوب، لا لكي تغيروا فقط العلاقات القائمة، بل لكي تغيروا أنفسكم أنتم، ولكي تصبحوا أهلاً للسلطة السياسية". (كارل ماركس: كشف الستار عن محاكمة الشيوعيين في كولوني).
 وقد تابع لينين فكرة ماركس وطوّرها إلى الأمام، فقال:
 "سيكون من الضروري، في ظل دكتاتورية البروليتاريا، اعادة تثقيف الملايين من الفلاحين، وصغار أرباب العمل، ومئات الألوف من المستخدمين والموظفين والمثقفين البرجوازيين، وجعلهم جميعاً تابعين للدولة البروليتارية والقيادة البروليتارية، والتغلب على عاداتهم وتقاليدهم البرجوازية"، كما سيكون من الضروري، "... عن طريق نضال طويل المدى، على أساس دكتاتورية البروليتارية، اعادة تثقيف. . . البروليتاريين أنفسهم، الذين هم أيضاً، لا يتخلصون من أوهامهم البرجوازية الصغيرة فوراً، بمعجزة من المعجزات تحدث إشارة من مريم العذراء، أو بفعل شعار أو قرار أو مرسوم، بل يتخلصون منها فقط بنضال جماهيري طويل، شاق، ضد التأثيرات البرجوازية الصغيرة على الجماهير". (المرض الطفولي، المجلد 25 الصفحة 247 و 248).
 
 ب دكتاتورية البروليتارية، من حيث هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية
 يتبين مما قلناه آنفاً أن دكتاتورية البروليتاريا ليست مجرد تغيير أشخاص في داخل الحكومة، أي ليست مجرد تبديل "وزارة" الخ، يترك الحالة القديمة، الاقتصادية والسياسية، كما هي دون مساس. أن المنشفيك وانتهازيي جميع البلدان، الذين يخافون من الديكتاتورية كما يخافون من النار، والذين، بسبب تسلط الخوف عليهم، يبدلون مفهوم الديكتاتورية بمفهوم "الاستيلاء على الحكم"، يجعلون "الاستيلاء على الحكم" عادة مقصوراً على تغيير "الوزارة"، على وصول وزارة جديدة إلى الحكم، مؤلفة من أناس مثل شيدمان، ونوسكه، ومكدونالد، وهندرسون. ونكاد نكون في غير حاجة إلى أن نبين أن هذه التغيرات الوزارية وما يماثلها من التغيرات الأخرى لا تمت بأية صلة إلى دكتاتورية البروليتاريا، وإلى الاستيلاء على السلطة الحقيقية من قبل البروليتاريا الحقيقية. ففي حالة وجود مكدونالد وشيدمان وإضرابهما في الحكم، مع المحافظة على النظام البرجوازي القديم، لا يمكن أن تكون حكومتهم المزعومة سوى جهاز يخدم البرجوازية، وغطاء يخفي جراح الاستعمار، وأداة في يد البرجوازية ضد الحركة الثورية للجماهير المضطهدة المستثمرة. أن هذه الحكومات ضرورية للرأسمال، بوصفها ستاراً له، حين يكون من غير السهل عليه، وغير المفيد له، ومن العسير عليه أن يضطهد الجماهير ويستثمرها بدون هذا الستار. ولا ريب أن ظهور مثل هذه الحكومات علامة على أن كل شيء "هناك" (أي في معسكر الرأسماليين)، "في ممر شيبكا(15) "، ليس هادئاً. ولكن الحكومات التي هي من هذا النوع، رغم ذلك، حكومات للرأسمال متنكرة وراء قناع. فبين حكومة من نوع حكومة مكدونالد أو شيدمان، وبين استيلاء البروليتاريا على الحكم، مثل ما بين الأرض والسماء من البعد. أن دكتاتورية البروليتاريا ليست مجرد تغيير حكومة، بل هي دولة جديدة ذات هيئات جديدة مجرد تغيير حكومة، بل هي دولة جديدة ذات هيئات جديدة للسلطة في المركز وفي الأقاليم، هي دولة البروليتاريا التي قامت على أنقاض الدولة القديمة، أنقاض دولة البرجوازية.
 ولا تقوم دكتاتورية البروليتارية على أساس النظام البرجوازي، بل خلال هدم هذا النظام بعد إسقاط البرجوازية، خلال نزع ملكية كبار الملاكين العقاريين وملكية الرأسماليين، خلال جعل أدوات ووسائل الإنتاج الرئيسية ملكية اجتماعية، خلال الثورة البروليتارية العنيفة. أن دكتاتورية البروليتاريا هي سلطة ثورية مستندة إلى استخدام العنف ضد البرجوازية.
 إن الدولة هي آلة في يد الطبقة السائدة، لسحق مقاومة خصومها الطبقيين. ومن هذه الناحية، لا تختلف دكتاتورية البروليتاريا في شيء، من حيث الجوهر، عن دكتاتورية أية طبقة أخرى، لأن الدولة البروليتارية هي آلة لسحق البرجوازية. ولكن يوجد هنا فرق أساسي أن جميع الدول الطبقية التي وجدت حتى الآن كانت دكتاتورية الأقلية المستثمرة على الأكثرية المستثمَرة، في حين أن دكتاتورية البروليتاريا هي دكتاتورية الأكثرية المستثمَرة على الأقلية المستثمِرة.
 وبالاختصار: "إن دكتاتورية البروليتاريا هي سيادة البروليتاريا على البرجوازية، سيادة لا يحدها قانون، وهي تستند إلى العنف، وتتمتع بعطف وتأييد الجماهير الكادحة والمستثمَرة". (لينين: الدولة والثورة).
 ومن هنا نستخلص استنتاجين أساسيين:
 الاستنتاج الأول: أن دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن تكون الديمقراطية "الكاملة"، الديمقراطية للجميع، للأغنياء والفقراء، على حد سواء. أن دكتاتورية البروليتاريا "يجب أن تكون دولة ديمقراطية بطريقة جديدة (لأجل(16) البروليتاريين وغير المالكين بصورة عامة)، ودكتاتورية بطريقة جديدة ضد(17) البرجوازية...") (الدولة والثورة). أن كلام كاوتسكي ومن لف لفه، عن المساواة الشاملة، وعن الديمقراطية "الخالصة" والديمقراطية "التامة"، الخ، ليس سوى تمويه برجوازي لهذا الواقع الذي لا يمكن نكرانه، وهو أن المساواة بين المستثمَرين والمستثمِرين مستحيلة. فنظرية الديمقراطية "الخالصة" هي نظرية ارستقراطية العمال، الذين دجّنهم القراصنة الاستعماريون وسمنَّوهم. وقد جيء بهذه الأرستقراطية إلى الوجود لكي تغطي جراح الرأسمالية، وتجعل الاستعمار اقل قبحاً، وتعطيه قوة معنوية في نضاله ضد الجماهير المستثمَرة. ففي النظام الرأسمالي لا توجد ولا يمكن أن توجد "حريّات" حقيقية للمستثمَرين، لسبب واحد على الأقل، هو أن القاعات، والمطابع، ومستودعات الورق الخ، الضرورية لاستخدام هذه "الحريات" هي امتياز للمستثمرين. وفي النظام الرأسمالي، لا يوجد ولا يمكن أن يوجد اشتراك حقيقي للجماهير المستثمَرة في أدارة البلاد، لسبب واحد على الأقل، هو أن الحكومات في ظروف الرأسمالية، حتى في ظل أكثر الأنظمة ديمقراطية، لا يقيمها الشعب، بل يقيمها روتشلد، وستينيس، وروكفلر، ومورغان، وإضرابهم. إن الديمقراطية في النظام الرأسمالي هي ديمقراطية رأسمالية، هي ديمقراطية الأقلية المستثمرة، ديمقراطية قائمة على الحد من حقوق الأكثرية المستثمرة وموجهة ضد هذه الأكثرية فالحريات الحقيقية للمستثمَرين، واشتراك البروليتاريين والفلاحين اشتراكاً حقيقياً في إدارة البلاد، ليست ممكنة إلا في ظل ديكتاتورية البروليتاريا. إن الديمقراطية، في ظل دكتاتورية البروليتاريا، هي ديمقراطية بروليتارية، هي ديمقراطية الأكثرية المستثمَرة، ديمقراطية قائمة على الحد من حقوق الأقلية المستثمِرة، وموجهة ضد هذه الأقلية.
 الاستنتاج الثاني: إن دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن تكون نتيجة تطور المجتمع البرجوازي والديمقراطية البرجوازية تطوراً سلمياً، - فهي لا يمكن أن تكون إلا نتيجة هدم جهاز الدولة البرجوازي، والجيش البرجوازي، وجهاز الإدارة البرجوازي، والشرطة البرجوازية.
 في مقدمة بيان الحزب الشيوعي يقول ماركس وانجلس: "لا يسع الطبقة العاملة أن تكتفي فقط بالاستيلاء على الآلة الحكومية القائمة وأن تسيرها وفق غايتها". وفي رسالة وجهها ماركس في سنة 1871، إلى كوغلمان، يقول انه لا ينبغي للثورة البروليتارية "... أن تنقل الجهاز البيروقراطي والعسكري من يد إلى أخرى، كما جرى حتى الآن، بل أن تحطمه ... هذا هو الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً في القارة".
 وقد أعطت عبارة ماركس هذه، باقتصارها على القارة، حجة للانتهازيين والمنشفيك في جميع الأقطار لكي يصيحوا بأعلى صوتهم قائلين أن ماركس كان يسلم بإمكان تطور الديمقراطية البرجوازية تطوراً سلمياً إلى ديمقراطية بروليتارية، وذلك، على الأقل، في ما يتعلق ببعض أقطار من غير القارة الأوروبية (انكلترا، أميركا). وقد كان ماركس يسلم فعلا بمثل هذه الإمكانية، وكان لديه ما يبرر التسليم بها فيما يتعلق بانكلترا وأميركا في أعوام 1870 – 1880، حين لم يكن هناك، بعد رأسمالية احتكارية، حين لم يكن هناك استعمار، حين لم تكن قد تطورت، بعد، العسكرية والبيروقراطية في هذين البلدين، بسبب ظروف تطورهما الخاصة. تلك كانت الحال قبل ظهور الاستعمار المتطور. ولكن بعد ذلك – بعد انقضاء ثلاثين أو أربعين سنة – حين تبدل الوضع في هذين البلدين تبدلاً جذرياً، وحين تطور الاستعمار وشمل جميع الأقطار الرأسمالية بلا استثناء، وحين ظهرت أيضاً العسكرية والبيروقراطية في انكلترا وأميركا، وزالت الظروف الخاصة لتطور هذين البلدين تطوراً سليماً، كان لا مندوحة من أن يزول الاستثناء المتعلق بهذين البلدين من تلقاء ذاته. يقول لينين:
 "اليوم، في سنة 1917، في زمن الحرب الاستعمارية الكبرى الأولى، لم يبق وارداً هذا الاستثناء الذي وضعه ماركس. فإن كلاً من انكلترا وأميركا، وهما أكبر وآخر من يمثل – في العالم أجمع – "الحرية" الانكلوسكسونية (من حيث عدم وجود العسكرية والبيروقراطية)، قد انزلقتا اليوم انزلاقاً كلياً إلى المستنقع الأوروبي القذر الدامي، مستنقع النظم العسكرية والبيروقراطية التي تُخضع لنفسها كل شيء، وتسحق بكلكلها جميع الأشياء. "فالشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً" في كل من انكلترا وأميركا اليوم، هو هدم وتحطيم "جهاز الدولة" "الجاهز" (الذي بلغ في هذين البلدين، بين 1914 و 1917، درجة من الإتقان "أوروبية" استعمارية). (الدولة والثورة، المؤلفات، المجلد 21، الصفحة 395).
 وبكلمة أخرى، أن قانون الثورة البروليتارية العنيفة، قانون تحطيم جهاز الدولة البرجوازي، كشرط أولي لهذه الثورة، هو القانون الحتمي للحركة الثورية في بلدان العالم الاستعمارية. ومن البديهي أنه، في المستقبل البعيد، إذا انتصرت البروليتاريا في البلدان الرأسمالية الرئيسية، وإذا تبدل التطويق الرأسمالي الحالي بالتطويق الاشتراكي، يصبح طريق التطور "السلمي" ممكناً تماماً في بعض البلدان الرأسمالية، إذ سيرى الرأسماليون، عند ذاك، أمام الوضع الدولي "غير الملائم" أنه من الأصوب أن يسلموا بملء اختيارهم". بتنازلات جدية للبروليتاريا. ولكن هذه الفرضية لا تتعلق إلا بمستقبل بعيد وممكن، أما فيما يتعلق بالمستقبل القريب المباشر، فليس لهذه الفرضية أساس على الإطلاق.
 ولذلك فلينين على حق حين يقول:
 "إن الثورة البروليتارية غير ممكنة بدون تحطيم جهاز الدولة البرجوازي بالعنف وأبداله بجهاز جديد". (الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي. المجلد 23، الصفحة 342).
 
 ج – سلطة السوفيات، من حيث هي شكل دولة دكتاتورية البروليتاريا
 إن انتصار دكتاتورية البروليتاريا معناه سحق البرجوازية، وهدم جهاز الدولة البرجوازي، وإبدال الديمقراطية البرجوازية بالديمقراطية البروليتارية. هذا شيء واضح. ولكن ما هي المنظمات التي يمكن بواسطتها انجاز هذا العمل الضخم؟ إن الأشكال القديمة لتنظيم البروليتاريا، تلك الأشكال التي تطورت على أساس البرلمانية البرجوازية، لا يمكن أن تكون كافية لهذا العمل. هذا أمر لا ريب فيه، فما هي إذن الأشكال الجديدة لتنظيم البروليتاريا، الأشكال التي لا تصلح لأن تقوم بدور حفّار قبر جهاز الدولة البرجوازي. الأشكال التي لا تصلح فقط لتحطيم هذا الجهاز وإبدال الديمقراطية البرجوازية بالديمقراطية البروليتارية، بل التي تصلح أيضاً لأن تصبح أساس سلطة الدولة البروليتارية؟
 إن مجالس السوفيات هي هذا الشكل الجديد لتنظيم البروليتاريا.
 فما هو مصدر قوة مجالس السوفيات بالمقارنة مع أشكال التنظيم القديمة؟
 ذلك أن مجالس السوفيات هي أوسع المنظمات الجماهيرية للبروليتاريا، لأنها هي، وهي وحدها، تشمل جميع العمال بلا استثناء.
 ذلك أن مجالس السوفيات هي المنظمات الجماهيرية الوحيدة التي تجمع جميع المضطهَدين والمستثمَرين، العمال والفلاحين، الجنود والبحارة، وفيها، لهذا السبب، تستطيع طليعة هذه الجماهير، أي البروليتاريا، أن تقوم بالقيادة السياسية لنضال الجماهير، على وجه أسهل، ومدى أوسع.
 ذلك أن مجالس السوفيات هي أقوى أجهزة نضال الجماهير الثوري، وعمل الجماهير السياسي، وانتفاض الجماهير المسلح، هي أجهزة قادرة على تحطيم جبروت الرأسمال المالي وذيوله السياسية.
 ذلك أن مجالس السوفيات هي المنظمات المباشرة للجماهير نفسها، أي أنها أكثر المنظمات ديمقراطية، وهي، بالتالي، أكثر المنظمات نفوذاً بين الجماهير، تسهل لهذه الجماهير الاشتراك، إلى الحد الأقصى، في تنظيم الدولة الجديدة وإدارتها، وتطلق، إلى الحد الأقصى، الطاقة الثورية والمبادرة والكفاءات الخلاّقة عند الجماهير المناضلة لتحطيم النظام القديم، المناضلة لإقامة النظام الجديد، البروليتاري.
 إن سلطة السوفيات هي اتحاد مجالس السوفيات المحلية وتكوّنها في منظمة دولة، منظمة عامة واحدة، منظمة دولة للبروليتاريا التي هي طليعة الجماهير المضطهدة والمستثمَرة، والتي هي الطبقة السائدة – إنها اتحاد هذه المجالس في جمهورية السوفيات.
 إن جوهر سلطة السوفيات كائن في أن أوسع المنظمات الجماهيرية وأكثرها ثورية - منظمات تلك الطبقات التي كانت، على الخصوص، مضطهدة من قبل الرأسماليين وكبار الملاكين العقاريين - تشكل الآن "الأساس الدائم الوحيد(18) لكل سلطة الدولة، لكل جهاز الدولة". وأن "هذه الجماهير نفسها التي كانت محرومة، بألف طريقة وألف حيلة، من الاشتراك في الحياة السياسية ومن التمتع بالحقوق والحريات الديمقراطية، حتى في أكثر الجمهوريات البرجوازية ديمقراطية"، رغم كونها متساوية حسب القانون، "مدعوة اليوم إلى الاشتراك في الإدارة الديمقراطية للدولة اشتراكاً(19) دائماً محققاً وحاسماً(20) أيضاً". (لينين: مباحث وتقرير عن الديمقراطية البرجوازية ودكتاتورية البروليتاريا – المؤتمر الأول للأممية الشيوعية، المؤلفات، المجلد 24).
 هذا هو السبب في أن سلطة السوفيات هي شكل جديد لتنظيم الدولة، مختلف من حيث المبدأ، عن الشكل القديم الديمقراطي البرجوازي والبرلماني، هي نوع جديد من الدولة غير منطبق على أهداف استثمار الجماهير الشغيلة واضطهادها، بل على أهداف تحريرها التام من كل اضطهاد واستثمار، أهداف دكتاتورية البروليتاريا.
 إن لينين على حق في قوله إن قيام سلطة السوفيات "قد سجل نهاية عصر البرلمانية الديمقراطية البرجوازية، وبداية فصل جديد في التاريخ العالمي: عصر الديكتاتورية البروليتارية".
 فما هي الميزات الخاصة التي تتصف بها سلطة السوفيات؟
 إن سلطة السوفيات، مادامت الطبقات موجودة، هي، بين جميع المنظمات الممكنة للدولة، أبرزها صفة جماهيرية، وأكثرها ديمقراطية؛ ذلك لأنه، نظراً إلى كون هذه السلطة ميداناً لتعاون وتحالف العمال والفلاحين المستثمَرين في نضالهم ضد المستثمِرين، وإلى كونها تستند في نشاطها إلى هذا التحالف والتعاون، فهي، بسبب ذلك، سلطة أكثرية الأهلين على الأقلية، ودولة هذه الأكثرية، والتعبير عن دكتاتوريتها.
 إن سلطة السوفيات هي، بين جميع منظمات الدولة في المجتمع الطبقي، أكثرها أممية، لأنها، إذ تقضي على كل اضطهاد قومي، وإذ تستند على تعاون الجماهير الشغيلة من القوميات المختلفة، تسهل بذلك، جمع هذه الجماهير في كيان دولة واحدة.
 إن سلطات السوفيات، بتركيبها نفسه، تجعل قيادة الجماهير المضطهدة والمستثمرة سهلة على طليعة هذه الجماهير، على البروليتاريا التي تمثل اصلب وأوعى نواة في مجالس السوفيات. يقول لينين:
 "إن تجربة جميع الثورات وجميع حركات الطبقات المضطهدة، إن تجربة الحركة الاشتراكية العالمية تعلمنا أن البروليتاريا فقط في وسعها أن تجمع وتقود وراءها الفئات المبعثرة والمتأخرة من السكان الكادحين والمستثمرين". (المصدر نفسه). فتركيب سلطة السوفيات يسهل تطبيق دروس هذه التجربة.
 إن سلطة السوفيات، يجمعها السلطتين التشريعية والتنفيذية في منظمة واحدة للدولة، وبإبدالها الدوائر الانتخابية القائمة على أساس الإقليم بوحدات على أساس الإنتاج – المعامل والمصانع – تصل العمال والجماهير الشغيلة، بصورة عامة صلة مباشرة بجهاز الدولة الإداري وتعلمهم أن يحكموا البلاد.
 إن سلطة السوفيات هي السلطة الوحيدة التي تستطيع أن تحرر الجيش من الخضوع للقيادة البرجوازية، وأن تحوّله من أداة لاضطهاد الشعب، كما هي حاله في ظل النظام البرجوازي، إلى أداة لتحرير الشعب من نير برجوازيته نفسها؛ ونير البرجوازية الأجنبية.
 "فقط، التنظيم السوفياتي للدولة بوسعه فعلاً أن يحطّم فوراً ويهدم نهائياً الجهاز القديم، أي الجهاز البيروقراطي والحقوقي البرجوازي". (المصدر نفسه).
 إن شكل الدولة السوفياتي وحده، بإشراكه منظمات الشغيلة المستثمَرين الجماهيرية في حكم الدولة أشراكاً دائماً ومطلقاً، يستطيع أن يمهد السبيل لتلاشي الدولة، الذي هو عنصر من العناصر الأساسية لمجتمع المستقبل الذي لا دولة فيه، المجتمع الشيوعي.
 فجمهورية السوفيات هي إذن الشكل السياسي المنشود الذي وجد أخيراً والذي، في نطاقه، ينبغي أن يتحقق تحرير البروليتاريا الاقتصادي وانتصار الاشتراكية التام.
 وقد كانت كومونة باريس جنين هذا الشكل، وسلطة السوفيات هي تطوير له وتكميل.
 لذلك يقول لينين:
 "إن جمهوريات مجالس سوفيات نواب العمال والجنود والفلاحين ليست شكلاً من أشكال النظم الديمقراطية أعلى طراز وحسب، بل هي الشكل الوحيد (21) القادر على تأمين الانتقال إلى الاشتراكية بأقل ما يكون من الألم". ("مباحث حول الجمعية التأسيسية"، المؤلفات، المجلد 22. الصفحة 131).
 
 
 
 (15) عبارة روسية يعود عهدها إلى الحرب الروسية التركية عام 1877 – 1878. فقد مني الروس بخسائر كبيرة في المعارك التي جرت في ممر شيبكا، ولكن هيئة أركان حرب الجيوش القيصرية ما كانت تذيع عن ذلك في بلاغاتها سوى عبارة: "في ممر شيبكا، كل شيء هادئ". (ملاحظة من هيئة التعريب).
 (16) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
 (17) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
 (18) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
 (19) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
 (20) إشارة التأكيد مني – ج. ستالين.
 (21) إشارة التأكيد مني. ج. ستالين.
 

التالي

- 5 - مسألة الفلاحين

أ) وضع المسألة
أ) الفلاحون في أثناء الثورة البرجوازية الديمقراطية
ج) الفلاحون في أثناء الثورة البروليتارية
د) الفلاحون بعد توطيد حكم السوفيات

مواضيع متنوعة

يا صبر أيوب

إحدى روائع
الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد

إلى جوقة المنطقة الخضراء

     تمهلوا

 قصيدة بقلم شاعرها

مجرم الحرب دونالد رمسفيلد في

زيارة الى أحد الفنادق في واشنطن

مقطع من فيلم فيديو

______

فتى عراقي يفك رموز معادلة

 برنولي الرياضية

______

حول تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئه

 لتقييم المناطق الملوثة في العراق 2005

لمصلحة من يتم تجاهل التلوث

 الاشعاعي في العراق؟؟

الجزء الأول

إعداد عزام محمد مكي

حول تقرير برنامج الامم المتحدة للبيئه

 لتقييم المناطق الملوثة في العراق 2005

لمصلحة من يتم تجاهل التلوث الاشعاعي

 في العراق؟؟

الجزء الثاني

إعداد عزام محمد مكي

________

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة