الحمامة

مجلة الأطفال والكبار

 الصفحة الأولى  |  قصص وحكايات | العاب مسلية |  علوم ومعارف | دروس تعليمية لطلاب الأبتدائية | صفحة طلاب المتوسطة | منوعات | نادي المراسلة والتعارف  | إتصل بنا

 

 

 

قصة للكبار والصغار

 

الحمار المتمرّد

 

أرادَ الحمارُ يوما أن يكون زرافة ، فقد أعجبته الفكرة وقد كانت تراوده بين حين وآخر ، بأن يرى العالم وهو مرفوع الرأس ، ويرى الأشياء من علي ويأكل الثمار من أعالي الشجر ، حيث الثمر الطازج اللذيذ.

فكر في الأمر مليا ، وتفحص عن قرب وعن بعد شكل الزرافات وأشكالها وإنتصاب رقبتها وطريقة معيشتها

..

وقرر في اليوم الأول أن يمشي رافعا رقبته وأبقاها منتصبة وهو يمشي في الغابة يغني بنهيقه :

أنا أنا الزرافة’

مرفوع الرأس أمشي

حولي يدور’ عالم أخضرْ

الهو به وأعتني بكرشيْ

أنا أنا أأأ وتعثر بمشيته وأرتطدم بغصن شجرة يابس صغير وكسره وقال بعد إن نهض مسرعا :

- هذا لا يمكن أن يكون ..يجب أن تبقى رقبتي مرفوعة .. ساربطها بهذا الجذع  .

وأخذ الغصن اليابس وربطه بأغصان إحدى شجيرات العنب على رقبته وتابع سيره منتصب القامة ويغني...

 

مرة أخرى ويدور في نفس المكان .. ولكنه لم يستطع أكل الثمار ولم ير شيئا آخر غير الذي يراه بقية الحمير.

وفي الليل بات يئن من ألم في رقبته التي كانت منتصبة طيلة النهار .

ولم يزل على هذا الحال حتى صباح اليوم الثاني حيث صبغ جسمه بخليط من الحشائش الخضراء والطين , حتى ليبدوا شكله أقرب الى الزرافة , ومشى في الغابة منتصب ومشدود الرقبة وملطخا بالطين الأخضر ويردد أغنيته :

أنا أنا الزرافة

مرفوع الرأس أمشي

..

وهو على هذه الحال إلتقاه الثعلب الماكر , وبعد إن ضحك بسرّه , خاطبه متسائلا :

- أنت ياهذا .. هي .. ياحمار الزرافات .. ما جنسك ياهذا ؟ .. أكيد إنك زرافة من طراز جديد ؟ .. ها ها ها .. ولكن يبدوا إنك من النوع المحسّن .. أو مستورد .. أم إنك زرافة من أب حمار أو حمار من أب زرررر ... آآه .. ماذا تسمون أبا الزرافة ..أكيد إسمه زراف أو زاروف  .. على كل حال أنت أكيد من هذا الصنف ....أم إنك زمار لا زرافة ولا حمار ..هاهاهااا .

وكاد لا ينقطع الثعلب عن الضحك والتهكم والتعليق حتى صاح به الحمار بقوة :

- دعني وشأني أيها الحيوان الصغير .. إن الأجدى بك أن تكون ذئبا بدلا من ثعلب خائب تطارده الكلاب .

لقد كنت في الأمس حمارا .. وها أنا برغبتي أصبحت زرافة ، لأرى الخطر قبل غيري والعالم من علي ....وأن أكون ما أريد ... هو حق لي.

ترك الحمار الثعلب واقفا مذهولا وتابع سيره مغنيا :

أنا أنا الزرافة ..

مرفوع الرأس أمشي

....

بقي الثعلب مكانه يردد متمتما :

- أنا أنا ذئببببب ذئب عوووووو ...إنها لفكرة جميلة ، ولوجبة دسمة لهذه الليلة .. وكما قالوا في الأمثال ..

خذوا الحكمة من رأس مجنون ..وأنا أقول خذوها من رأس (الزمال) !!.

والحمار سائرا في دربه حالما منتشيا ولكنه مازال جائعا يمني نفسه بطيب الثمار العالية ..حتى جاءت غيمة ممطرة ونزل المطر بكثافة وقوة غسل الغابة كلها وأزاح البقع الطينية الخضراء من جسم الحمار .. وأمضى يومه دون أن يأكل شيئا ، لا من الثمار في أعالي الشجر ولم يستطع أن ينزل رقبته لأكل الحشائش ، وأمضى ليلته جائعا .. ومن جوعه أخذ يردد موواويل حزينة وآآهات من وجع عضام رقبته وينهي مواويله بأغنية حزينة :

أنا الحمار البائس

بلعومي صار يابس

حولي يدور عالم أخضر

وأنا هنا في عالم مقفر

...

وما إن حلّ فجر اليوم الثالث حتى خرج مسرعا الى الغابة .. وإن هي إلا خطوات ..حتى ناداه الثعلب اللئيم وكان ولم يزل ريش صيده عالقا على أنفه ، ويتلمض بلسانه مستمتعا بصيده وقال له بود وسعادة :

- لقد كان صيدي دسما هذه الليلة . شكرا لنصيحتك يا أحسن زرافة ..

فنهق الحمار بعلو صوته وقطع أغصان شجيرة العنب ليحرر رقبته من الغصن اليابس ويركض متعثرا بين خطوة وأخرى حتى تحرر تماما وصاح :

- أنا لست زرافة .. ولن أكون زرافة .. أنا حمار إبن حمار .. ولا يفرحني شيئا في هذا العالم إلا لأن أكون حمارا ..

وراح يلتهم الحشائش من الأرض بنهم وأمضى نهاره كله يأكل وترك الغناء والى الأبد .. وهو من ذلك الحين و حتى يومنا هذا لا يرفع رأسه عن العشب إلا حين يقف صامتا متأملا عالمه الأخضر .

 

 

 قصة : نزار رهك

الرسوم : فنان عراقي