|
|
---|
|
صوت اليسار العراقي
تصدرها مجموعة من الكتاب العراقيين webmaster@saotaliassar.org للمراسلة |
---|
اليسار والاحتلال والمرتدون الجدد
باقر ابراهيم
دار الشهد للطباعة والنشر
الطبعة الأولى - 2009
الفهرست
اليسار عند احتلال الوطن: يقاوم أم يساوم؟
التحول في الحزب الشيوعي العراقي ردة شاملة أم زلة عابرة..؟
الاحتلال والاستقلال و المرتدون الجدد
تحية للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري تحية لفصيل النضال الثابت
تحية لصوت الشعب تحية للحزب الشيوعي السوري
الأخوان الأعزاء في تنظيم الكادر الشيوعي
اللجنة التحضيرية لوحدة الحركة الشيوعية العراقية- بغداد
الرفاق الاعزاء في اللجنة التحضيرية لوحدة الحركة الشيوعية العراقية
نظرة لواقع ومستقبل اليسار الشيوعي العراقي
المرتدون عن الشيوعية وعن الوطنية! ذيليون دائمون للأسياد الكبار
شهود الزور لأمبراطورية مليونية غير شرعية
مقدمــــــــة
مع الاستمرار ألقسري و المؤلم، لحياة الهجرة و لابتعادي عن الوطن، فأن كتاباتي صارت تصل بصورة أفضل نسبياً للمناضلين داخل الوطن، و في ذلك حافز أضافي لبذل الجهد الممكن.
و يهمني في كتاباتي، أن أوجه خطابي، بالأساس، للجمهرة الواسعة من الناس، بما يمكن أن تتفهمه وتتعاطف معه، و بالتالي، يمكن أن يحركها للفعل.
من هذه الزاوية، لم أكن أستسيغ الكتابات المعقدة و الملتبسه او الباحثة عن فخامة الإيقاع، أو بهرج اللفظ، بينما تحوي مضموناً غائباً أو مبهماً.
أهتم عادةً، بتقديم الجديد، و لا ألجاً إلى الإطالة والتكرار، إلا في حالات قليلة تتطلب المزيد من التوكيد لشرح الفكرة و تسلسلها، و غالباً ما أسعى إلى تقريب الفكرة التي أريد إيصالها إلى قارئي، بالاستشهاد بمواقف وآراء الضد المعادي، بعد توثيقها بنصها وتاريخها.
و أرى في الأستشهاد بمقولة او بيت شعر، كلمة أضافية تسهل هضم الفكرة و تحببها إلى نفس القارئ، حينما يحسن اختيار موقعها.
إن القاسم المشترك في كتاباتي، إنها كرست لتعرية ودحض حجج المحتلين و المتعاونين مع الاحتلال، و بصورة خاصة ذلك الشطر ممن كانوا في صف النضال الوطني سابقاً.
لقد أفردت في كتابي السابق (الوطنية العراقية الجديدة بين الاستبداد والخيانة) الصادر عام 2004، باباً خاصاً، لمعالجة ارتداد شطر من اليسار و ارتمائه في أحضان الغزاة، و الدخول عملياً في مشروعهم. و لغرض إيلاء هذا الجانب، أهمية أكبر، وللحديث عن دور اليسار الوطني المكافح، فقد كرست له كتابي الجديد هذا.
عبرت كتاباتي، عن مواقفي المتصلة بممارستي النضالية. فهي تخطت المعلومة و التحليل، إلى مقاومة مشروع الأعداء، و الحرص على استنهاض المقاومة الشعبية له.
لقد أعتمد المشروع المضاد، تمزيق قوى الشعب الأمامية، و السعي لدق الأسافين بينهما، و حملها على أن تعيد الحياة لخلافاتها القديمة، و لتدخل في صراعات مهلكة جديدة بينها، لذلك فأني، في جميع كتاباتي و مداخلاتي، رأيت أن السلاح الأول الذي يضع الشعب، و يضع العراق، على طريق الخلاص و النصر، هي وحدة قواه الأمامية.
أعترض البعض على مواقفي الأيجابية، تضامناً و نقداً، من هذه الجهة أو تلك، من القوى والجهات التي قاومت الأحتلال، أو عارضته بهذا القدر أو ذاك، وبهذه الوسيلة النضالية أو غيرها.
لكن الجميع يعرفون بأني أتخذت مواقف التضامن مع الجميع، و دعوت إلى أتحاد الجميع، و أنتقدت أخطاء البعض.
فالأخطاء المؤذية، التي رافقت قيام الجبهة الوطنية، أو محاولاتها، بالأمس و اليوم، بتأثير أنحرافات أنظمة الأستبداد، و العصبيات الحزبية و العقائدية، أستخدمت، و هي تستخدم اليوم لتغذية طروحات المرتدين، الذين كانت معارضتهم متواصلة و شرسة، لفكرة جبهة القوى الوطنية الموحدة.
و لم تكن عبثاً، تنظيرات من يطلعون علينا الآن بأفكار تقول أن موضوعة (الجبهة الوطنية الموحدة) قد تجاوزها الزمن.
لكني رأيت العكس، فالحاجة إليها تزداد أهمية و الحاحاً. و أرى أن الحق الثابت و المشروع للمواطن العراقي، أن يقرر نظام بلاده، و قوام حكام بلاده، عن طريق صندوق الأنتخاب الديمقراطي، الحر ستتوفر له ضمانات أكبر، حينما يسند بأوسع جبهة متحدة من القوى و الشخصيات العاملة من أجل التحرير و البناء و التقدم.
أشكر جميع من أعانوني، في كتاباتي، و في إصدار كتابي هذا، و أخص بالذكر، رفاق النضال المشترك و الجنود المجهولين من أفراد أسرتي.
? باقر إبراهيم
تساؤل موجه إلي يقول: «نلاحظ (في الخارج)، انخراط عدد كبير من المثقفين والصحافيين اليساريين خصوصاً (الشيوعيين) في العمل لمصلحة مشاريع إعلامية تابعة للاستخبارات الأميركية، أو جهات أجنبية وإقليمية، بذريعة سقوط النظام العراقي. كيف تفسر هذه الظاهرة؟».
أنه تساؤل عن موضوع معقد وشامل، يحتاج إلى كتابات.. بل كتب باختصار أنه تساؤل عن السقوط. فقد سقط السلطان، فلماذا لا يسقط وعاظ السلطان، أو حمله سياطه؟
لقد هيئ لهذا السقوط بأناة وتؤدة أحياناً، وباستعجال أحياناً أخرى.
يوجد تصور هو أن الحزب الشيوعي العراقي هو حزب شعبي حقيقي، وعميق الجذور في المجتمع العراقي. له مكانة راسخة ومبدئية وطنية معروفة. له إنجازاته الضخمة وأخطاءه وعثراته.
هذا التصور صحيحٌ طبعاً. إنه واحد من أكبر الأحزاب الطليعية في منطقة الشرق الأوسط، الهامة والغنية. وفي العراق الهام والغني. ثم لا ننسى أنه يعمل في عالمي العروبة والإسلام «الخطرين» جداً.
لذلك فإن قرطاجة يجب أن تدمر!
ثلاثة عوامل تضافرت من أجل أن تدمر قرطاجة، من أجل أن يتحقق السقوط المنشود، وهذه العوامل هي:
أ ـ دور المخابرات المعادية، أي أجهزة الإمبريالية والصهيونية والرجعية العالمية.
ب ـ دور القمع الحكومي، الذي يخشى، ليس المباراة الحرة فقط، بل حتى المشاركة في مسؤولية النضال لتطوير العراق.
ج ـ دور أخطائنا السياسية، حد التهيئة للسقوط، حد الانتحار.
وتداخلت هذه العوامل الثلاثة، وتضافرت، لدرجة صار يصعب فرزها عن بعض. ولابد من الإشارة ولو سريعاً، إلى عامل هام آخر، ساعد وسرّع في تدمير الحزب، ألا وهو تركيبة القيادة الحزبية قومياً، وتبعيتها للقيادات الكردية، والانشداد للانعزالية (الجبلية)، الذي صار في الحزب كالالتصاق الإسفنجي، عّمق إبعاده عن وسطه الجماهيري الطبيعي. وكل ذلك يحتاج لدراسة خاصة. وعن دور العامل الأول، وأقول عن دور الخيانة، يقول قس بن ساعدة: «إذا رأيت حرباً جبانها يجرؤ وشجاعها يجبن، فأذهب إلى رابية» وترقب الأحداث، ترى إن في الأمر خيانة».
وقد رأينا كل ذلك. وبالطبع ينبغي قطع دابر الخيانة أولاً. ولكن حذار من التفرد أو المبالغة في دور الخيانة على حساب دور العوامل الأخرى للسقوط.
وقد كتب وعرف القليل عن دور المخابرات المعادية في ذلك. وكتب الكثير، بل الأغلب عن دور القمع الحكومي، ولم يكتب إلا القليل عن دور أخطائنا. وخاصة ما ينحو نحو التعمق في التحليل والسعي لكشف ما وراء الستار.
كُنت أحد الذين كتبوا، ونالوا (المقسوم). وأشعر أن ما كتبتُ ما يزال قليلاً. وآمل أن يكتب الجميع، كل حسب قدرته واجتهاده ووعيه.
في مطلع عام 1972، كنت في دورة علاج في المستشفى المركزي في ضواحي موسكو. وهناك التقيت، أنا ورفيقي عدنان عباس، بأحد قادة الحزب الشيوعي في إسرائيل (راكاح)، وهو من أصل عراقي. قال لنا، أود أن يكون في علم حزبكم أن المخابرات الإسرائيلية، شجعت بعض طالبي الدراسات العليا، أن يقدّموا أطروحاتهم في تاريخ ودور الحزب الشيوعي العراقي، وأبدت الاستعداد لتقديم كل ما يلزم لمساعدتهم في ذلك!.
* * *
كثير من الناس يتصورون، أن الأحزاب المكافحة من أجل التغيير والتقدم، يتم ارضاخها بوسائل الضغط المكشوفة كالقمع، لحملها على التخلي عن مبادئها، والاستسلام، أو المسايرة.
لكن الأحزاب المجرّبة والراسخة الجذور، كالحزب الشيوعي العراقي، التي اجتازت موجات الإرهاب العاتية، تلزم وسائل أخرى إضافية لإنهاكها. فكانت تلك الوسائل التخطيط لحملها على ولوج طريق آخر للتصفية، يعقب الضغط والاغراءات والقمع.
أنه «التصفية بالمقلوب»، الركض سريعاً للأمام، التطرف نحو «اليسار». بذلك يتحقق أولاً الانعزال عن الشعب، ثم السقوط، وهذا ما كان.
مع حملات الملاحقة والتسريح من العمل، مع نماذج ما سمي بـ«الحوار» في أقبية الدوائر المختصة بالقمع، مع الجلد والتعليق بالمراوح الكهربائية والتربع فوق القناني، كانت هناك طرق أخرى مستحدثة منها:
ـ بيانات «ثورية» تندد بالنظام الحاكم وتدعو إلى إسقاطه، توزع عند أبواب مقرات الحزب.
ـ بيانات «ثورية»، تنشر في الخارج وفي الداخل، تدعو للتهيئة لـ«الكفاح المسلح».
ـ كتب ومقالات في الصحافة المحلية بدت وكأنها حوار ديمقراطي متكافئ، ومما فيها: خوف وتخويف من تطبيق نسخة عراقية للانقلاب الشيوعي الذي رعاه الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في نيسان (إبريل) 1978.
كان القمع والملاحقات يتصاعدان مع بقاء لافتات مقرات الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، والمقرات الحزبية.
هرعنا للخارج، زرافاتٍ ووحدانا، فرحون بالسلامة و«إنقاذ الحزب». فكان إخلاء الساحة تدريجياً، ثم جاء الدور المشؤوم للهجرة الشاملة في تحقيق التصفية.
كم هي غريبة، التقلبات في عالم السياسة عندنا، في العراق! فالأوهام الوردية، التي راودت البعض، أيام عز الجبهة والتحالف، انقلبت إلى أشد التطرفات، المضحكة المبكية، نحو «اليسار». وتطرفات «اليسار»، هي نفسها، انتهت مؤخراً، بذلك «البعض» إلى الانقياد لاسترضاء. أكثر الأعداء خطورة في الغرب ـ وقبول «التنسيق» معهم وتلقي «العون» منهم!.
* * *
أتمنى أن تحلل نفسياً، وليس سياسياً فقط، بعض الظاهرات الغريبة التي برزت عندنا.
فلستُ أدري، هل كانت مستغربة، أم هي طبيعية الظاهرة التي لاحظناها بعد حملة الملاحقات على الحزب، وبعد الهجرة، حيث كان البعض من عناصر الكادر القيادي، التي اتسمت مواقفها بالضعف أو التخاذل، أمام الضغوط والملاحقات، أو أولئك الذين تهربوا، فيما بعد من واجبات العمل في المواقع الصعبة، تحولوا نحو الموقف المعاكس.
ويقصد بذلك الموقف المعاكس، تحولهم، بعد الهجرة، وبعد استعادة الأنفاس في الخارج، وتسارعهم لامتطاء ظهور خيول «الثورية»، وامتشاق السيوف، واتهام من صمدوا بوعي، أمام المحن بالنزعة، «الاستسلامية»، و«اليمينية»!.
علماً أن كثيراً من هؤلاء، كانوا قد انتقدوا، أو حوسبوا أمام الهيئة القيادية المركزية، أو الهيئات الأخرى، على ضعفهم أو تخاذلهم.
* * *
تلكم كانت بعض اللقطات السريعة عن المأساة، عن المهزلة، فهل كانت مجرد مسرحية؟
أعود إلى بداية السؤال الموجّه إليّ، وأرجو أن يستذكر القارئ الوضع الحساس والخطر الذي كنا فيه، وكان الوطن فيه، في مطلع عام 1991. وهنا أقدّم له ما كتبه الناقد الفني الفلسطيني، عماد عبد الوهاب في مجلة «الهدف» في عددها الصادر في 27/كانون الثاني (يناير)/1991 حيث قال:
على خشبة المسرح:
مثقفون دواوينيون.. يساريون شفافيون. معارضون حالمون بالنظام الكوني الجديد. قياديون يطمحون بالبديل الثوري على أنقاض بلدانهم.. كتّاب يعرضون بضاعتهم أمام أرضية الصحافة الملّوثة.. باعة متجولون يحملون أفكاراً للمقايضة.. سياسيون يبررون العدوان. نعم إنها مسرحية!».
قطعة صغيرة من ثلاثة أسطر، لكنها تعبّر تعبيراً غنياً ومؤثراً عن لوحة بانورامية. تجسّد المأساة والمهزلة. تجيب على التساؤل الأول الذي بدأت الإجابة عنه.
تحية لذلك الكاتب الطيب والصديق الذي علمت أنه يكافح اليوم داخل وطنه فلسطين الباسلة.
ولكن.. هل كل ما ذكرناه، هو وحده صورة واقعنا؟ ثم.. ألا يجدر بنا أن نقف عند ذكر وتحية مساندة المئات من المثقفين والصحفيين والإعلاميين الذين صمدوا وقاوموا بنكران ذات، وبعزيمة، إلى جانب مئات أكثر من ممارسي النضال الثابت وأصحاب التضحيات المشهودة؟.
نعم، أولئك هم الجنود المجهولون الآن، والمكافحون الذين يحاربون باستماتة، وبصمتٍ أحياناً، لكنهم، سيظلون للعراق والعروبة وللإنسانية، الأمل المرجّى.
من هؤلاء، ومن الجميع، مطلوب البحث الجاد، المسؤول عن مستلزمات النهوض والتكاتف، ومواصلة المقاومة، مواصل مسيرة الكفاح.
وقيل: «إن التاريخ يكتبه المنتصرون». لكن المهزومين الذين يثقون بقدراتهم على النهوض مجدداً، على الانتصار، قد يستطيعون إعادة كتابة التاريخ بصورة أفضل.
01/08/2002اليسار عند احتلال الوطن: يقاوم أم يساوم؟
لم يقتصر الموقف من الغزو الأجنبي، على قناعات أو عقائد الأحزاب والمفكرين والأجزاء الطليعية في شعب معين، ولا على يسار أو يمين. فمقاومة هذا الغزو وكان وما يزال موقفاً عاماً، أقرته كل المبادىء التي عرفها الإنسان، وصارت حقاً معترفاً به، و واجبا كذلك.
لكننا آثرنا أن يتناول هذا العرض والتحليل، مواقف اليسار عموماً، وفي العراق تحديداً، من موضوعة مقاومة الغزو الأجنبي.
إن أدب المقاومة، هو صنف هام من الآداب، و أصوله عريقة في أدبنا العربي، من ناحية تحفيز النضال دفاعاً عن الحق العربي ضد الغزو والأجتياحات.
إذا كان أدب المقاومة معروفاً عندنا، فهل يوجد أدب الخيانة؟ أقول نعم، فهو الفكر الذي يسمح به الغزاة، إنه الفكر الذي يقبل بالغزو قبل وقوعه، ثم يسانده أو يبّرره بعد وقوعه، ثم ينتهي الى تسفيه كل قيم النضال الوطني والقومي والاممي.
من المصادر المهمة التي تناولت ادب المقاومة، كتاب بعنوان (أراغون- تأليف سامي الجندي). ومعروف أن أراغون هو شاعر فرنسا الشيوعي المقاوم.
ورد في هذا الكتاب، إن جورج بوليتزر، كتب في مجلة (الفكر الحر)، الممنوعة من الاحتلال النازي ما يلي: " لا يستطيع التعبير عن نفسه غير فكر واحد: الدعوة للأمبريالية الغازية و خدامها. الأدب الفرنسي مسموح له بالظهور، اليوم في فرنسا، الأدب الشرعي يعني أدب الخيانة. غير أن ذلك، لم يمنع الحزب الشيوعي الفرنسي من أن يضع خطة حكيمة ماهرة للمقاومة الفكرية من جهة، ويجذب المفكرين ناحية الحزب الشيوعي، من ناحية أخرى.".
ولنا أن نتساءل، قبل الاستطراد في التفاصيل، أية خطة وضعها الشبيه الشيوعي العراقي؟
في هذا العرض، أقدم للقارىء، الصورتين المتناقضّين تناقضاً صارخاً: المقاومة – والخيانة، الثبات – والردة... ويستطيع القارىء أن ينتقل، في لقطات عديدة، ومن زوايا مكانية وزمانية متنوعة، لرؤية أحداث الأمس واليوم. لكن المطلوب منه، أن ينتهي إلى تبين الغث من السمين، والصادق من الزائف.
* * *
نتناول هنا، مواقف اليسار من مقاومة الغزو الاجنبي بصورة خاصة. لكن ما يهمنا أيضاً هو أن يتصل الماضي بالحاضر، ومقاومة الأمس بمقاومة اليوم.
فالمقاومة المعاصرة، لها روّادها ومبدعوها الذين وضعوا اليد على مكامن الخطر، ثم أشاروا إلى مصادر أسلحة المقاومة، في عصر صار فيه الغازي المحتل ليس جيشاً لبلد معين، بل هو نظام الهيمنة الإمبريالية العالمية، الذي تصدرته أمريكا.
ولنأخذ على سبيل المثال، أحد رواد ثقافة المقاومة المعاصرة هذه – أدوارد سعيد، ونتوقف عند وصف الناقد الأكاديمي الأردني (محمد شاهين) بدوره في المقاومة المعاصرة حين قال عنه في جريدة (القدس العربي)، الصادرة في 19/8/2005: " ماذا تعني الثقافة أذن، أو ماذا تعني المقاومة، بصورة أدق، ماذا تعني ثقافة المقاومة؟ ربما نقول بادىء ذي بدء، ماذا يجب أن لا تعنيه ثقافة المقاومة... عند أدوارد سعيد؟
إننا لو أردنا، على سبيل المثال، أن نضع عنواناً موازياً، أونصاً موازياً لكتابه" العالم، النص، والناقد".. لقلنا: " العالم، المقاومة، والمقاوم".
إذ ان إدوارد سعيد عندما نادى بضرورة وجود علاقة حتمية بين العالم والنص والقارىء، كان يؤمن بوجود مثل هذه العلاقة بين الاطراف لثلاثة الاخرى، كي لاتبقى المقاومة مثل النص المجرد والمنفصل عن منتجه.."
في تاريخ المقاومة
عرفت كل الشعوب التي تعرضت للغزو الاجنبي، ضروبا رائعة في المقاومة الوطنية للغزو. ويسجل تاريخنا الحديث، مآثر الشعب العراقي، المعروفة في هذا الميدان، وابرزها دروس ثورة 30/حزيران/1920 ضد الاستعمار البريطاني، التي كانت احد نماذج حرب الانصارالبالغة الاهمية، في جوانبها السياسية والاجتماعية، وكذلك في الفن العسكري الذي ابدعه الثوار خلالها.
ومن العلائم الواضحة الان، ان مقاومة الشعب الفلسطيني الباسلة الصابرة، طيلة اكثر من 70 عاما، صارت تتواصل وتتلاحم مع مقاومة الشعبين اللبناني والعراقي، لمواجهة عدو واحد واطماع موحدة وتنتهج اساليب متشابهة.
والشعب الليبي، احد تلك النماذج المشهودة في التاريخ العربي، حين قاد مقاومته ضد الغزو الايطالي، الشهيد عمر المختار، كما هي مقاومة الشعب الجزائري، بقيادة منظمة التحرير واحمد بن بيلا ورفاقه، والشعب اليوغسلافي بقيادة يوسف بروس تيتو، والشعب الفيتنامي بقيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي وهوشي منه والجنرال جياب ورفاقهما.
عام 1937، غزت اليابان الصين. وكانت تدور في الصين آنذاك، حرب أهلية بين الشيوعيين وحكومة الكومنتانغ اليمينية بقيادة جان كايشك.
بدون أي انتظار، تحوّل الحزب الشيوعي الصيني إلى الدعوة للجبهة الموحدة لمواجهة الاحتلال الياباني، جبهة تشمل كل الصين، بما فيها حكومة الكومنتانغ العدوة.
لم تتحقق تلك الجبهة رسمياً، بل على أرض الواقع، ولم ينتظرها الحزب الشيوعي الذي شرع بتنظيم مقاومة الشعب للاحتلال.
قتل من الصيينين في تلك الحرب الوطنية، أكثر من سبعة ملايين شخص بينهم نسبة عالية من الشيوعيين.
يخبرنا التاريخ الحديث، ان الفرقة الدولية (الأممية)، تأسست في خريف عام 1936 للدفاع عن الجمهورية الأسبانية التي أطاح بها، بالسلاح وبالغدر العالمي، فرانكو في 18 / تموز / 1936.
ضمت الفرقة الأممية، قادة ومفكرين وأدباء وشعراء من كثير من العالم، بينهم الشاعر الألماني غوستاف ريجلر وبابلو نيرودا وكوستلرواهر نبورغ وهمنغواي ومالرو، الذي نظم وقاد سرب طيران.
ونعيد السؤال ماذا فعل الشبيه الشيوعي العراقي؟
مع المقاومة الفرنسية
كلف موريس توريز، قائد الحزب الشيوعي الفرنسي، الشاعر الشيوعي اراغون، بإصدار جريدة (سوسوار)، دفاعاً عن القضية الأسبانية. وقبل ذلك كتب اراغون، حينما دخل هتلر براغ في 16 / 3 / 1939 مايلي:
"... يكفي هذا الكذب، يكفي هذا الكذاب. إننا لا نريد أبداً ذلك الذي يقدّم لنا كل نظريات العدو على إنها معقولة".
وفي ليلة رأس السنة 1939، كتب اراغون: " أتمنى الصلح الذي يزيل ذكرى ميونيخ من أركانها. ولئن كانت أعادة السلم، تتطلب، كما في أيام نابليون حرية العالم، ان نقاوم والسلاح في أيدينا، أولئك الذين يريدون أن تركع فرنسا، وتنحني اكثر، فمن منا الذي يرهب ذلك ؟ ".
هذي الطريق أعيدها!
تابعت مسيرة الردة لبعض مناضلي اليسار في العراق، كيف بدأوا يتهاوون على مدرجات الأنحدار السياسي والأدبي والأخلاقي.
لكن ما أثار أهتمامي، هو تسارع بعض متقاعدي اليسار، للانخراط في النشاط الفكري والإعلامي والانتخابي في (عملية الاحتلال السياسية).
هم سلكوا طريقاً جديداً، مختلفاً عن ماضيهم. وقد يظنون إنهم يعيدون نفس الطريق. وهنا احتمل درجة عالية من الغباء، ومن توافر حوافز الركض وراء الانتفاع المادي أو الشهرة الزائفة، في أغلب الأحوال، عند هؤلاء.
لكن طريق النضال الصادق له من يواصلونه اويعيدونه.
" أنشد اراغون قصيدة بعنوان: " نشيد الذي مات تحت التعذيب"، واعتبرت هذه القصيدة مرثية لعامل مات في السجن تحت التعذيب إسمه (جبرييل بيري)، وغدت نشيداً شعبياً تلتف حوله الأصوات التي ترفض الأحتلال. تقول القصيدة:
إذا وجب عليه أن يعود
هل يراجع ذلك الطريق؟
الصوت الذي يصعد من الأصفاد
يقول أراجعه غداً
أموت وتبقى فرنسا
غرامي ورفضي
يا أصدقائي إذا مت
سوف تعرفون لماذا
سمعنا في السجون العراقية، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي نفس القصيدة ترجمها شاعر عربي، أتذكر منها الأبيات التالية:
صوت يرن من الحديد
يحدث الجيل الجديد
هذي الطريق أعيدها
ان كان يمكن ان اعيد
* * *
المقاومة السوفييتية
لابد أن نشير، في عرضنا هذا، إلى مأثرة المقاومة في بلاد السوفييت. فهذه المقاومة واجهت الاحتلال الألماني النازي، منذ بدايته في 22 / حزيران / 1942 حتى تحرير الأرض السوفييتية منه. فكانت تلك المقاومة، واحدة من أروع صور المقاومة الوطنية للغزاة الأجانب.
لم يستغرق الاحتلال النازي لبعض دول أوربا سوى أيام معدودات، لكن غزوه للاتحاد السوفيتي، أستغرق نحو ألف يوم، لم يواجه فيها الجيش السوفيتي الرسمي وحده، بل المقاومة الشعبية على شكل حرب العصابات وتقديم الفداء، ضد غزاة قساة يندر إن عرف التاريخ الإنساني مثيلاً لهم في الماضي.
بعد الغزو، كان من ابرز الشعارات التي صاغها الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، للمواجهة، هي: "كل شيئ للجبهة.. كل شيئ للنصر" و "العدو سيحطم والنصر حليفنا" و"لاخطوة الى الوراء"!
وتحت قيادة الحزب، تم تشكيل 6200 مجموعة من المقاتلين الانصار، تجاوز عدد افرادها مليون مقاتلا، دمرت الالوف من دبابات واليات العدو واسقاط طائراته.
وفي فترة الحرب الوطنية، شارك في مقاتلة العدو 9 ملايين شيوعي من اعضاء الحزب، استشهد منهم اكثر من 3 ملايين في حين فقد الشعب السوفيتي ما بين 27-30 مليون مواطن.
وجدير بالذكر ان قيادة الحزب، خصصت %60 من قادة وكادر الحزب للجيش ولقوات الانصار، كان بينهم 54 عضوا او مرشحا لعضوية اللجنة المركزية للحزب.
إن احد دروس تلك المقاومة، إنها تساعدنا في أدراك وتلمس الطاقة الهائلة للطبيعة الإنسانية، حين توجه نحو الطريق السليم، وحين تستند إلى قناعات الناس وحماستهم.
إنها توصلنا إلى قناعة، بأن حماس الناس في التصدي لغزاة الوطن، وقت المحن والشدائد، لا تقف أمامها أو تعيقها مثالب وأخطاء القيادات. في تلك المقاومة، قدم الملايين من سكان شعوب الاتحاد السوفييتي حياتهم، فداءً لاستقلاله، ولطرد الغزاة عنه.
عن تلك المقاومة الباسلة، صدر الكثير من الكتب والأفلام السينمائية والمسرحيات، وغنى لها الشعراء وأبدع في وصفها الفنانون، وأقيمت النصب التذكارية لأبطالها، وحصلت عشرات من مدن المقاومة وسام (المدينة البطلة).
بعد التحرير ظهر نوع متميز في الاتحاد السوفييتي من ثقافة المقاومة ومن أدبها، كان وسيظل مصدراً ثرياً، يثير فينا حماسة المقاومة ويثري تجربة جيل المقاومين العراقيين الفتي.
في تلك الحرب الوطنية استشهد الملايين من الوطنيين السوفيات، كان بينهم ملايين أيضاً من أعضاء الحزب الشيوعي، من كل القوميات والأديان ومناطق البلاد، حفزتهم عقيدتهم أن يعتبروا الدفاع عن الوطن أمام غزاته من أولى واجبات عضو الحزب الشيوعي.
فماذا كان موقف مثيلهم في الحزب الشيوعي العراقي؟
اليسار الأيطالي والمقاومة العراقية
كنت قد نشرت في 7 / 8 / 2003، مقالة بعنوان : آخر صرعات العولمة، " شيوعية الاحتلال"، تناولت فيها موقف الحزب الشيوعي العراقي تجاه الأحتلال، من وجهة نظر اليسار الأيطالي، أعيد هنا بعض فقراتها: "
كتب الصحفي الأيطالي (روبرتو سارتي) مقالة في 2 / 7 / 2003، قال فيها إن الصحيفة الإيطالية اليومية (المانيفستو) الصادرة في 22 / حزيران، كتبت تقول: على الحزب الشيوعي العراقي أن يأخذ الأمور بيده، بأن يحمل السلاح ويوقف جميع اللصوص. ولكن بدلاً من ذلك فهم يقعدون في مكاتبهم فماذا ينتظرون؟.
للأسف ليس لزعماء الحزب الشيوعي النية في إتباع هذه النصيحة. وفي الناصرية، مدينة فهد الخالد، مؤسس الحزب الشيوعي، عبر سكرتير منظمة الحزب هناك قائلاً بأن الجميع ضد الاحتلال، ولكنه أمر واقع!وعندما تصبح لنا حكومة، عندها يمكننا التفاوض سلمياً حول رحيلهم (رحيل الأمريكان)!
هذا سلوك قانوني بالكامل، عندما تصبح لنا حكومة!
يتجاهل هذا السكرتير أن أي حكومة ستسمح لها الولايات المتحدة بالوجود، ستكون مجرد بيدق بيد الأمريكان... فلن يكون بالأمكان إرساء حكومة شعبية حقيقية إلا عندما يجبر الأمريكان على مغادرة البلاد. وإن الجماهير هي الوحيدة القادرة على إنجاز هذه المهمة ".
لم يكن ذلك مجرد رأي عابر كتب خارج العراق.انه صرخة مدوية عسى ان تسهم في إعادة الوعي والصحوة للنيام أو المغفلين الذين يسيرون وراء هذا النمط من قيادات تصر على دفع العراق نحو الهاوية"
انتهى ما كتبته قبل ما يزيد عن عامين.لكن الوقائع اللاحقة أظهرت إن تلك القيادات لم تكتف بمجرد الجلوس في مكاتبها بانتظار شفقة المحتل، بل تحولت إلى عضيد يناصره وتلاشت أماني المخلصين بإعادة الوعي والصحوة لهم.
* * *
الشيوعية الإيطالية جوليانا سفرينا، تعمل صحفية في نفس الجريدة اليسارية التي تحدثنا عنها أعلاه (المانيفستو).غامرت جوليانا بحياتها دفاعاً عن الحقيقة في العراق، ولفضح جرائم الأحتلال فيه.
كتبت جوليانا مقالاً عنوانه:" لقد أصبحت الفلوجة رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال الأمريكي"
نكايةً بهذا الموقف، تعرضت لأختطاف مدبر دام شهراً، وأطلق سراحها في آذار الماضي، ثم نجت بأعجوبة من القتل العمد وهي في طريقها من الأعتقال إلى مطار بغداد.
أفتداها بنفسه يوم 4 / آذار / 2005، (كاليباري)، ضابط المخابرات الإيطالي الذي كان يرافقها!
يجدر بنا ان نذكر ان جوليانا سفرينا اصدرت كتابها عما اصاب العراق بعنوان (في جبهة العراق – يوميات حرب دائمة). ومن اجل تأليف هذا الكتاب، عرضت حياتها للخطر.
وقالت سفرينا، عند عرض الطبعة العربية من كتابها في الجزائر:
"ان الامريكان لايريدون ان يكون هناك اعلام حقيقي عن الحرب في العراق، لانهم يدركون بأنها حرب قامت على كذب ويفعلون كل شيئ لعرقلة عمل الصحافيين.".
اليسار الدنماركي و السويدي
في 15/ آذار/2005 ، نشرت جريدة (مترواكسبرس) الدنماركية، تصريح يورن اندرسون) عن (المنظمة الدنماركية للاشتراكيين الأمميين)، قال فيه:" انهم يطالبون بمساندة المقاومة العراقية ضد الأحتلال. وتعتبر المنظمة ان الجنود الدنماركيين الموجودين في العراق مع (قوات التحالف)، هم هدف مشروع للنضال التحرري للعراقيين، شأنهم في ذلك، شأن الجنود الألمان عند احتلالهم للدنمارك".
كما ذكرت الجريدة، ان وزير الدفاع الدنماركي (رون كاد)، قد أصيب بالهستيريا أثر ذلك التصريح... وكان (اندرياس نوخراسموسن)، رئيس وزراء الدنمارك، قد زار العراق يوم 17 / آذار / 2005، لتطمين قواته هناك، حيث يعارض وجودها الشعب الدنماركي، وخاصة الشيوعيون والاشتراكيون، كما ذكرنا.
* * *
في السويد حيث تعيش نخبة من مئات المناضلين الوطنيين و القوميين العراقيين و العرب، من كل الاتجاهات، كان لهؤلاء شرف الاسهام مع الرأي العام السويدي في فعالياته المأثورة لنصرة العراق.
كرست تلك الفعاليات، لفضح الحصار على العراق وتجويع شعبه، والتهديدات بالحروب، ثم لاجتياحه وتدميره.
لجأ منظموها الى تحشيد التظاهرات الجماهيرية الضخمة والى وقفات الاحتجاج في الشوارع، حتى عند تساقط الثلوج و هطول الامطار.. نظموا الندوات وكتبوا في الصحف واجهزة الاعلام الاخرى، جمعوا التبرعات و ارسلوا موفديهم للتضامن مع العراق المحاصر و المهدد.
هكذا كان صوت السويد مرتفعا في كبريات مدنها. وكانت احدى مآثرهم، انهم سعوا لمنع التجاوز على حياد السويد، او التلاعب على دورها الرسمي المسالم.
في كل تلك الفعاليات، كان اليسار السويدي، العقل الموجه واليد المحركة فيها. وخاصةً : الحزب الماركسي –اللينيني و حزب الخضروحزب اليسار (الشيوعي سابقا)، وشطر مهم من مناضلي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، وممثليي الكنائس وشخصيات ثقافية وفنية كثيرة.
اليسار العربي والمقاومة العراقية
لا تفوت أجهزة الأعلام التي تدعي تمثيل اليسار العراقي، أو تصريحات بعض قادته، أية فرصة للأدعاء بأن الأحزاب الشيوعية والعمالية، وحركات التحرر العربية والعالمية، تتضامن، كما في السابق، مع مواقفها الراهنة، التي مهدت لأحتلال العراق ثم ساندته وكانت في خدمته.
تناولنا ما يدحض تلك الادعاءات، في بلدان كثيرة. وما يهمنا هنا، تبيان مواقف الفصائل الأساسية والفعالة، في الحركة الشيوعية، في الوطن العربي.
في 21 / آب (أغسطس) / 2004، وجهت ستة فصائل شيوعية عربية وهي:
الحزب الشيوعي السوري
حزب الشغيلة الأردني
الحزب الشيوعي الفلسطيني
الماركسيون اللنينيون اللبنانيون
الحزب الشيوعي المصري
الشبيبة الشيوعية اللبنانية
مذكرة مفتوحة إلى الحزب الشيوعي العراقي قالت فيها:
".. جاء انهيار الاتحاد السوفيتي، ليكشف العفن المستشري في العديد من قيادات الأحزاب الشيوعية العربية والذي تميز بارتدادها عن مبادىء الماركسية- اللينينية، في أصعب الظروف.
إنه لمما يحزن كل وطني غيور، إن يرى الحزب الشيوعي العراقي يتربع كعضو في ما يسمى (مجلس الحكم)، الذي يجمع كل العملاء وكل من دخل العراق على ظهر دبابة.
ان هذا المجلس، ليس المكان الصحيح لورثة الشيوعيين الأبطال، وبالذات القائد الشيوعي الرفيق فهد، الذي ضحى بحياته مع الألوف من الشيوعيين الشرفاء في زنازين القهر والتعذيب...
مهما كانت الأعذار والمبررات، فان الثقة بإمكانية تحرير العراق سلمياً، وبالتفاهم مع المحتل، يتنافى مع فهمنا للأهداف الحقيقية، فهم جاءوا إلى المنطقة، وصرفوا المليارات، ليبقوا، ولن يتم إخراجهم إلا بالقوة. فواهم من يعتقد بغير ذلك.
إن الشيوعيين في جميع أنحاء العالم، مع جميع شرفاء العالم، يتوجهون إلى كل من يتواجد من شيوعيي العراق في مجلس الحكم، إن يتركوا هذا الموقع الخياني، وان يلتحقوا في صفوف المقاومة العراقية الباسلة.."
لقد أتينا على أبرز النقاط في هذا النداء العربي المسؤول، الموجه إلى الحزب الشيوعي العراقي. ونحن نعتز به ونثمنه.
ونقول أيضاً إنه يمكن ان يتوجه إلى قواعد الحزب الشيوعي العراقي وأصدقائه، وإلى الذين صوتوا له، حين جرى خداعهم والتغرير بهم.أما مخاطبة القيادات فنقول:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لاحياة لمن تنادي
اليسار والثقافة العراقية تقاومان
نعم ارتدت قيادات، وارتد بعض المثقفين العراقيين، كما في بلدان أخرى. بعضهم ركض وراء الغازي المحتل وأعوانه. لم تكن تلك، سوى الصورة السوداء العابرة، من صور الثقافة العراقية، والجزء المتعفن فيها.
في تاريخ العراق سجل عريق، في مقاومة الغزاة، مثلما في الجزائر وفلسطين، وفي كل دنيا العرب.
لقد كرست أنظمة الاستبداد العربية، وغيرها، صفة المثقف الجبان، الخانع الذليل، وتصدت لمن يرفض، بهدف قهره. والغريب ان يعلن التنديد بهذه الصفات الذميمة، حملة ثقافة الاحتلال الأجنبي، وصحافته وإعلامه، الذين هيأوا لاحتلال بلادهم وسوغوه ثم دعموا استمراره.
فهل يوجد يسار رافض؟
عبر عن جوهر سليقة اليسار العراقي، ليس حملة الثقافة والمعرفة وحدهم، بل معهم بسطاء الناس وكادحو الشعب الشغيل. وإليكم نموذجاً عنهم:
كتب المناضل صالح حسين (حكايات فلاحية:..... / أبو سارة)، بتاريخ 22/حزيران (يونيو)/2005، ما يلي:
" في 20 / حزيران) / 2005، رحل عنا الرفيق علوان عبود (أبو حسين) وهو فلاح من النعمانية – محافظة واسط قضى أربعين عاماً من النضال في صفوف الحزب الشيوعي وفي النشاط بين الفلاحين.
نذر علوان نفسه للحزب، عندما كان متمسكاً بالثوابت الوطنية، وتحمل المعاناة كشيوعي يؤمن بمبادئه وبالقيم التي انتمى إليها.
لقد دعت القيادة المرتدة لحزبنا، الأعضاء الباقين إلى التجمع في بيوت معينة اتخذتها مقرات بعد أيام قليلة فقط من الاحتلال.
في تلك المقرات، صدم الرفاق القدامى وفوجئوا بتوجيهات القيادة التي خذلتهم بضرورة المساعدة على إنجاح التجربة الجديدة تحت ظل الاحتلال الأجنبي. وعرضت هذه القيادة عليهم في وقتها الرواتب كمتضررين أو قطع أرض ومسؤوليات حزبية جديدة وما إلى ذلك من أسس شراء الذمم.
لكن علوان، وغيره من الرفاق الذين صدموا بسلوك قيادتهم التي هرولت وعملت مع المحتلين، قالوا صراحةً :
يارفاق كنا نظن إنكم ستدعونا إلى حمل السلاح ضد المحتلين، لا للتعاون معهم."
هذه السليقة الرافضة للظلم والقهر، في طبيعة الشعب الكادح، شجعت وحفزت صوت الثقافة الرافضة والمقاومة كي يعلو، محفزاً للفعل الطيب، في الصحيفة والفضائيات، في الشارع وخطب الجوامع، في الأشرطة المسجلة، السرية والعلنية.
بعض حملة الثقافة والأدب والأعلام الحر، أستقل وسعي لتكوين نفسه، رغم الحصار والتجويع والحروب النفسية والأذى... آخرون تسربوا إلى عقر دار الخصوم، ينشدون البحث عن النزر اليسير الممكن من كلمة الصواب المفيدة. ولن تنفع أية فاشية أو مكارثية في اقتلاعهم منها.
من يقاومون في مواجهة قلاع أعداء العراق، ومن يقاومون داخلها، هم جميعاً يقبضون على الأسلحة التي سوف تسهم، في دك تلك القلاع.
التحول في الحزب الشيوعي العراقي ردة شاملة أم زلة عابرة..؟
23/09/2005
كان التحول الحاد في مواقف الحزب الشيوعي العراقي، من العداء الثابت للإمبريالية العالمية، بوصفها العدو الأول لشعبنا، إلى التحالف المباشر معها، ومع مخططها في العراق، قد أذهل الكثيرين، وربما اعتبره البعض تحولا مفاجئا.
لكن المتابعين عن قرب، لمواقفه، خاصة منذ نحو اربعة عشر عاما مضت، سيجد أن ذلك التحول المعلن، عريق في زمانه، وعميق ومدروس في مضامينه واهدافه القريبة والنهائية.
أنا اتحدث عن هذا التحول بوصفي أحد المتابعين له، وحيث كنت في تلك المؤسسة التي تحولت، وكتبت عنه العديد من الدراسات والمعالجات التي عرفها كثيرون.
في 23 آذار/مارس 1991 نشرت لي جريدة "الشعب" الجزائرية مقالا بعنوان "الشيوعيون العراقيون وطنيون يرفضون طعن العراق من الخلف".
تناول ذلك المقال التعقيب على بيان الحزب الشيوعي الذي اصدره يوم اعلان الحرب الأولى على العراق في 17/1/1991، وقلت فيه "إن البيان تجنب تسمية حرب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بالعدوان. ولا توجد فيه كلمة واحدة تتحدث عن مهمة القوات المسلحة العراقية في الدفاع عن الوطن ضد العدوان الإمبريالي الصهيوني الرجعي.
إن بيان الحزب الجديد لا يمكن فصله عن تبرير "خيار الحرب" ودعمه وتعليق الآمال عليه، وعلى المشاركة مع التحالف المعادي بذريعة ما اعتبره "النضال من أجل تحقيق البديل الوطني الديمقراطي في العراق، أي التعاون بوضوح لا لبس فيه، مع الجبهة المعادية، جبهة بوش ـ تاتشر وغيرهم".
وكانت جريدة "الشعب" الجزائرية قد قدمت لمقالتي تلك بقولها "تعد هذه الرسالة من الأهمية بمكان نظرا للمكانة التي يتمتع بها باقر ابراهيم داخليا وعلى المستوى الدولي، فقد كان عنصرا بارزا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، تحمل مسؤولية التنظيم المركزي لأكثر من 30 عاما، وتكفل بإعادة تركيب الحزب بعد الضربات التي تلقاها في أواخر السبعينيات".
وجدت فائدة وضرورة، في العودة قليلا لاستذكار المواقف في السنوات الخوالي، فهناك من يصور الأمر بأن "صدفة تاريخية" هي التي جمعت الحزب الشيوعي وقادته، ليقفوا في صف الإمبريالية، ثم الخنوع لإرادتها ومخططاتها بالكامل.
اميركا من العدو الأول إلى الحليف الأكبر
إن حقيقة هذا التحول أعلنه جهارا قادة الحزبين الكرديين، والأحزاب الأخرى التي تواطأت مباشرة مع الإحتلال الأميركي، بدون تستير.
إلا أن قادة الحزب الشيوعي العراقي، يظنون بأنهم برعوا في الدهاء، لذلك فهم سعوا لأن يكونوا أمهر اللاعبين في اخفاء حقيقة تحولهم، بل أكثر من ذلك، لإظهار تواطئهم مع المحتل، بأنه استمرار واستكمال للمهمات الوطنية والأممية السابقة.
لذلك لا بد من جهد اضافي لإزاحة ستائر التعتيم على المواقف. إن الإنقلاب في موقف الحزب الشيوعي من الإمبريالية العالمية، كان الركن الأساسي في ردته.
فمن المعروف أن الشيوعية في العراق نشأت في ثلاثينيات القرن الماضي، وتأسس حزبها، كحاجة سياسية للنضال الوطني، ضد الإستعمار، وكحاجة لتغيير حياة كادحي الشعب وبهدف بعيد هو بلوغ الاشتراكية.
كانت "لجنة مكافحة الإستعمار والإستثمار" هي البداية لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934. وفي هذه التسمية يمكن ملاحظة الجمع بين جانبي النضال الوطني ضد الإستعمار، والإجتماعي من أجل التقدم والاشتراكية. كان الجمع بين هذين الجانبين هو الصفة الثابتة التي ميزت نضال الحزب في كل تاريخه، حتى حصول الإرتداد عن تلك المبادىء وبدرجة باتت واضحة تماما منذ 14 عاما مضت.
نحن إذا نعتز بمآثر مؤسسي الشيوعية والاشتراكية، وقادة التحرير، فمن المفيد أن نذكر "أن لينين قد اشار إلى أن ملك افغانسان كان أكثر ديمقراطية من اعتى الديمقراطيات الاستعمارية لكونه يدافع عن استقلال بلاده".
ونذكر أيضا أن مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، يوسف سلمان "فهد" قال عن الإستعمار في جريدة "العصبة" الصادرة في بغداد في 16 حزيران/يونيو 1946 ما يلي:
" إن الإستعمار الذي تجابهه الشعوب المكافحة في سبيل انعتاقها، عدو جبار وعنيد يمثل الرأسمالية العالمية المتشابكة مصالحها ومؤسساتها المالية، عدو مسلح من أسفله إلى قمته، عدو لا تفيد معه اساليب النضال القديمة، ولا يفيد معه الصراخ والعويل والمطالبة بالحق".لقد اندمج نضال الحزب الشيوعي، مع نضال الوطنيين الآخرين من جميع الإتجاهات السياسية والعقائدية، وحققوا بوحدتهم، منجزات هامة للعراق، وفي مقدمتها انجاز الإستقلال الوطني، وتطوير بلدهم.
في هذا النضال، قدم الشيوعيون، مع الوطنيين الآخرين، تضحيات غالية، وقوافل الشهداء. كما وقع الجميع في الأخطاء التي أضرت بتلك المسيرة، واضعفتها وقلصت منجزاتها، وعرضتها لأخطار، استثمرها المتربصون بالوطن، وفي مقدمتها التحالف الانجلو ـ اميركي ـ الصهيوني.
يمكن القول، بأن أكبر نجاح للأعداء، في استثمار الأخطاء، هو مكسبهم الذي خرجوا به في الحصول على قوى سياسية، عريقة في النضال، ترتد عنه، لتدخل في علاقة الرضوخ لهم، ومنها الحزب الشيوعي.
وقفة مع مبررات المرتدين
ومثلما كان النظام السابق، نموذجيا وصارخا في القسوة، وفي رفض الإصلاحات الديمقراطية، فقد كان الإرتداد عن القيم الوطنية والديمقراطية، في جانب الكثير من القوى والأحزاب التي عارضت ذلك النظام، ومنها الحزب الشيوعي، نموذجيا وصارخا ايضا، حيث انتهى بها إلى الهرولة للدخول في مخطط اعداء الوطن.
من المفيد أن نتمعن قليلا، في مبررات قادة الحزب الشيوعي، ومن سار في ذات الطريق بقبول الحل الخارجي للخلاص من الدكتاتورية، ثم انتهى بهم المطاف إلى التواطؤ مع غزاة وطنهم.
برر هؤلاء تحولهم من معاداة الإمبريالية إلى التواطؤ معها، بذريعة الخلاص من نظام الإستبداد الذي كان يقوده حزب البعث العربي الإشتراكي.
تاريخ العلاقة بين الحزبين، وانفتاحها على التحالف الرسمي، في القضايا الوطنية الرئيسية، يمتد إلى عام 1956، أي إلى نحو 48 عاما مضت، شهدت التحالفات الوثيقة والخصومات الدامية.
وهذه العلاقات مع الحزب الشيوعي، ومع القوى الكردية، والأحزاب القومية والإسلامية والليبرالية، مهما تقاربت بالتحالف، أو تباعدت بالخصومات، فقد ظلت علاقات داخلية تحل بالرجوع إلى الشعب وحكمه فيها.
من هنا يمكن أن نتلمس موقع الإنقلاب على الماضي، ومن المفيد أن نرجع بعض الشيء إلى الماضي.
يوم 17 تموز/يوليو 1973، وقع في حفل مهيب ميثاق "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية" بين حزبي البعث والشيوعي بحضور جمع من قادة الحزبين، وضمنهم قادة الدولة.جاء في خطاب سكرتير الحزب الشيوعي في حفل التوقيع، الفكرة التي تقول: "بأن هذا التحالف بين الحزبين يمكن أن يمتد بنا لنجد انفسنا شيئا واحدا"..! ومعروف ماذا تعني فكرة أن يجد حزبان سياسيان انفسهما (شيئا واحدا)!
قد لا يعرف الناس، أن من صاغوا تلك الموضوعة اللافتة للنظر، ومن اعلنوها، هم ممن دخلوا اليوم، تحت خيمة الولاء لأميركا وتنفيذ سياساتها عمليا ومنها "اجتثاث حزب البعث".بعد تفكك الجبهة الوطنية، وشن الحملة القمعية من جانب السلطة، على الشيوعيين، دارت الدنيا، فتحول بعض القادة الشيوعيين، المقموعين المضطهدين من قبل البعثيين إلى دعاة متحمسين لاحتلال العراق أو "تحريره"..! وإلى شتامين لمن يقاوم الإحتلال ومن يؤيد المقاومة، في حين ظل بعض القادة الشيوعيين، المقموعين والمضطهدين أيضا، على ثباتهم في التصدي للعدوان الإمبريالي وفي الدفاع عن الوطن.
ودارت الدنيا أيضا، فتحول كثرة من البعثيين القامعين بالأمس إلى مشاركين في المقاومة الوطنية.
لقد عرف عن الحزب الشيوعي، رغم اخطائه، بأنه حزب النضال الثابت ضد الإمبريالية، كما عرف حزب البعث العربي الإشتراكي، رغم منجزات نضاله، ومنها في حكمه الأخير، بأنه اشتهر ليس باللجوء إلى العنف واقامة نظام الإستبداد فقط بل كذلك بالمرونة في التعامل مع اميركا.
أمام هذه الحقائق تنشأ التساؤلات التالية: بعد أن تحولت الإمبريالية من خطر داهم إلى احتلال قائم وعدوان غاشم، لماذا يبدأ حزب البعث بالتصدي لها ومقاومتها..؟ وهل يجوز أن ينتهي الحزب الشيوعي إلى قبولها والتواطؤ معها..؟
هل يجوز أن تكون عثرات الماضي لدى الحزب الأول، مقبرة لدفن منجزات الحاضر..؟
وهل ستشفع مآثر الماضي، في سجل الحزب الثاني، لتكون جواز مرور لآثام الحاضر..؟
اخيرا: هل يصح الجمود على احكام ومسلمات الماضي، أم أنها تحتاج إلى تقييمات جديدة وبعقل جديد..؟
الهجرة المشؤومة عجلت السقوط
في آخر اجتماعات اللجنة العليا للجبهة الوطنية، في نهاية عام 1978، تحدث صدام حسين، عن زيارته لكوبا، وعن احاديث كاسترو معه.
ومما ذكره ما معناه أن كاسترو قال "نحن نريد بناء الاشتراكية في كوبا على طريقتنا، وإذ وجد مليون كوبي، لا يريدون ذلك، فبإمكانهم أن يخرجوا، والأبواب مفتوحة لهم.
وقد فهمنا أن صدام كان بهذا الحديث، يخاطب الحزب الشيوعي تحديداً، وكذلك كل القوى الأخرى التي لها رأي آخر.
في اعقاب ذلك الحديث، وحتى قبله، كانت الإجراءات تتخذ لحمل الشيوعيين وبقية المعارضين، على هجرة واسعة، وتحول الحزب الشيوعي إلى حزب مهاجر.
رغم أن هذه الهجرة شملت قوى وطنية أخرى أيضا، إلا أنها كانت مأساوية على الحزب الشيوعي تحديداً.
تضافرت عوامل القمع، ثم الهجرة، والإبتعاد عن الشعب ومعاناته، مع عوامل التطرف واستفحال تأثير "المال السياسي" لتدمير قسم كبير من ذخيرة الحزب المهمة، أي كادره المجرب.في ظروف الهجرة القاسية هذه انتهى الحزب إلى الحالة التي وضع فيها برنامجه ونظامه الداخلي على الرف، ولأن تسيطر فيه العناصر التي استحوذت على مفاتيح المال والسلاح والإعلام والعلاقات مع اجهزة المخابرات الدولية.
تسارع تدمير الحزب من الداخل ومن الخارج، فتحول في البداية، إلى حزب تابع يفقد استقلاليته، ثم إلى حزب خانع لأخطر اعداء الشعب والوطن.تغييرات في التركيب وفي الحوافز
في مواجهة الإستبداد،، قدمت جميع القوى المناضلة من أجل التغيير، وبدون استثناء، تضحيات غالية. كان نصيب الشيوعيين عاليا، من تلك التضحيات، بسبب سعة شعبيتهم، وبسبب الخشية منها.
تولدت لدى الشيوعيين مرارة قاسية من الاضطهاد الذي وجه لهم، لأنهم كانوا لحقبة من الزمن، أكثر الأحزاب السياسية ميلا لنسيان الماضي، ثم لتجرع مرارات التحالف من جديد مع حزب البعث الحاكم، بدوافع الشعور بالمسؤولية الوطنية، وتلك كانت احدى مآثرهم.
بعد أن تحول الحزب، إلى حزب مهاجر، وانفصل تماما عن تربته الشعبية، التي تمده بعناصر البقاء والنماء، بدأت تدريجيا، التحولات الخطيرة، ليس في اهدافه فحسب، بل كذلك في تركيبته وفي حوافز مناضليه.
واشرنا اعلاه إلى اهمية الإمساك بمفاتيح المال والسلاح والاعلام والعلاقات بأجهزة المخابرات الدولية، وإلى تواري أثر برنامج الحزب ونظامه الداخلي.
تحول الحقد المشروع على الخصم الطبقي والسياسي، إلى حقد أعمى للخلاص من ذلك النظام أولا، وبأية وسيلة كانت، ومع أي حليف كان. ومعروف أن "الحقد هو اسوأ مرشد للإنسان".
انسياقا وراء نزعات الحقد الأعمى، راح الحزب الشيوعي، يعتبر نفسه الوارث لمآثر الشهداء، ملأ مقراته التي فتحت اثر احتلال العراق واكتظت صحافته بصورهم وبالحديث عنهم، وعن المقابر الجماعية، وكانت كلمات حق يراد بها باطل.
إن انسانية الحزب الشيوعي، والجوقة المتواطئة مع الإحتلال، تبخرت أمام المجازر الشاملة والمقابر الجماعية الجديدة، وهدم المدن، والقتل العشوائي للناس.
انتهى الحزب إلى القبول بأسوأ الوسائل للخلاص من نظام الإستبداد، فكانت تلك الوسائل، تأييد للحصار الظالم على العراق، ثم شن الحرب العدوانية عليه واحتلاله، واسقاط نظامه بهذه الوسيلة.
كما انتهى الحزب إلى القبول بالتحالف مع اسوأ الحلفاء، وهم الإمبريالية العالمية، بقيادة اميركا والرجعية المحلية، علما أنه لم يستطع أن يحظى بمرتبة "الحليف" بل قبل بمرتبة التابع الذليل.
جرت الإشارة، في مكان سابق، إلى التأثير الكبير للمال السياسي، في تغيير حوافز الكثير من كوادر وعناصر الحزب، ثم على تركيبته بكاملها.
في مذكرتي التي وجهتها إلى الأحزاب العربية، في الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2002 قلت: "إن نقاشات كثيرة جرت، وما زالت تجري، بين الشيوعيين والوطنيين العراقيين، حول المعطيات وحول المسؤولية عن سرقة اموال الحزب الشيوعي العراقي، وهي تتعلق بمبالغ تقدر بملايين من الدولارات، إلى جانب الإستيلاء على بعض مؤسساته الثقافية والإقتصادية. ورغم أهمية هذه القضية، إلا أن ما يتقدم عليها، هو اهمية البحث في المسؤولية عن سرقة وطنية هذا الحزب المكافح، وسرقة تراثه وامجاده الوطنية".
وأود أن اضيف الآن، على هذه الفكرة الواردة اعلاه، بأنه ازدادت اليوم، وبعد احتلال العراق، المسؤولية عن كشف فضائح وسرقات أكبر للمال السياسي، ولسرقة وطنية الحزب وتراثه الوطني.
كان للمال السياسي واغرائه، دور معين في تبديل ولاءات شطر من كادر الحزب، وخاصة بين مثقفيه، والعاملين في اجهزة اعلامه.
لكن ذلك الدور المحدود، تطور بعد احتلال العراق، إلى مساومة عضو الحزب بكل ما يتعلق بالتزكية للحصول على العمل أو لرد الحقوق المسلوبة.
ليوم يطلب إلى اعضاء الحزب والمتعاطفين معه ملأ الاستمارات للحصول على التقاعد وقطع الأراضي السكنية، لمن اسهموا "بنضال الأمس" ويصيح مناديهم "يا جوعان جاي"..! وركض ليس بعض الجياع فقط، بل كذلك الطامعون بالثراء.
لكن تلك الإستمارات والتزكيات، اقتصرت على من يؤيد ويدعم "نضال اليوم" وحرم من يخالفه أو يعترض عليه.
ربما لن يكون بعيدا ذلك اليوم، الذي سيكتشف فيه الناس، الذين ملأوا تلك الاستمارات بأنهم كانوا يركضون وراء سراب، وبأن حصة الأسد من "الغنائم" كانت وستظل للبرامكة الحمر.
من الضروري أن نذكر أيضا، بأن "مناضلي الأمس" الذين حرموا من تلك "المكرمات" المزعومة، في ظل احتلال ودمار بلدهم، اعتبروه حرمانا مريحا لهم.
بعد ذلك، انتقل من الحديث عن جزرة "المال السياسي" إلى عصا القمع السياسي داخل الحزب.
لم تكن هذه التحولات في اتجاهات الحزب، بنت يومها، أو تولدت فجأة، وهي قوبلت باعتراضات واسعة، شملت اكثرية اعضاء الحزب، خاصة بين كادره القديم، المجرب.
لكن قيادة الحزب، لم تواجه تلك الخلافات الداخلية، بروح الديمقراطية والصبر والتفهم لغرض معالجتها، وهي الإجراءات المفترضة في الأحزاب الديمقراطية.. إذ لجأت إلى تأسيس اجهزة مخابرات داخل الحزب، باسم حمايته من دسائس الأعداء، إلا انها تحولت إلى ادوات افساد لكامل الحياة الحزبية فيه، وصار اللجوء إلى القمع والطرد والعزل داخل الحزب، وهذه الحالة تفاقمت بعد الإحتلال، لدرجة أن الحزب صار يتكون لا من قيادة تقبل الإحتلال وتربط مصيرها به، بل من عضوية تسايرها في ذلك، أو لا تعترض عليها.
يشعر كثرة من الأصدقاء، بوجود اتجاهات أو آراء داخل الحزب الشيوعي الآن تعترض على هذه السياسة، بهذا القدر أو ذاك، أو تريد اعادة النظر فيها باتجاه تصحيحها، وهذا ما ينبغي الترحيب به من جانب كل المخلصين، والحرص الدائم على مخاطبته، خاصة وأن فشل السياسة الراهنة وخيبة الأمل منها، سيزيد من الإعتراضات عليها.
العداء لعروبة العراق الوجه القبيح للردة
إن العداء لعروبة العراق، الذي تجري تغذيته الآن، هو نزعة غير اصيلة في الحزب الشيوعي، بل هو أحد ملامح الوجه القبيح للردة الراهنة.
فمبدأ الأممية، الذي يعتمد تكوين الجبهة العالمية المضادة للإمبريالية والحرب، والمناضلة من أجل التحرر والتقدم الاجتماعي والاشتراكية، هو مبدأ سليم، بدليل أنه ترسخ بتأثير مبادرات الشيوعيين وغيرهم، في جميع الفصائل المناضلة من أجل التغيير والتحرير.
لم تكن الأممية يوما ما، في تعارض مع الوطنية والقومية، بل يكمل بعضها الآخر، ولم يكن سليما ذاك التصور المقصود الذي يغرسه المرتدون، بأن اعتبار العراق، جزءاً من الوطن العربي ومن أمة الإسلام، يتعارض مع حقوق ومصالح التكونيات القومية والدينية الأخرى، التي تألف شعبنا العراقي منها تاريخيا.
لم تكن علمانية الشيوعيين يوما ما، عائقا امام تفهمهم واندماجهم مع دور جميع الأديان، وفي مقدمتها الإسلام من أجل تحرير وتقدم الانسان في العراق، وفي كل مكان.
بالطبع، لا يفوت الناس الواعين، أن العقل اليميني المتصهين، الذي يقود الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، والذي هيأ لاحتلال العراق وتدميره، كان حريصا على تكريس المفاهيم الجديدة، التي ارادها، ومنها فك ارتباط العراق والعراقيين، عاطفيا ونفسيا أولا، ثم سياسيا وعمليا، بوطنهم العربي الكبير، ثم بأمة الإسلام.
انهم حين يلغون الأممية النضالية السليمة، يؤسسون لأممية جديدة هي العولمة الإمبريالية، ويؤسسون لقبول "الشرق الأوسط الكبير" الذي يتسع، لا لقبول الدولة الصهيونية العدوانية فيه، بل لمشاركتها في السيادة عليه.
بدلا من أن يستمر الحزب الشيوعي في أداء دوره المؤثر المعروف، في اجتذاب الشعب الكردي وقياداته، وكذلك الأقليات القومية والدينية، نحو الوحدة الوطنية، ووحدة الأهداف الوطنية، فهو راح اليوم يكرس الحساسية تجاه انتساب العراق العربي واثره على النضال الراهن.
من النزعات الملحوظة، المرافقة اليوم للردة، هذا الإستجداء الرخيص، لعواطف الأقليات القومية والدينية، كالآشوريين والكلدان، والصابئة، والأكراد الفيلية، وربما لم يعد خافيا أيضا، استجداء العواطف المذهبية للشيعة، لدرجة القبول بتمثيلهم في هيئات سلطة الإحتلال.
واضح أن ثمن ذلك الإستجداء، ليس ضمان حقوق ومصالح هذه الأقليات، التي هي جزء عزيز من التركيبة الوطنية العراقية، بل ادخالها تحت خيمة الولاء للسيد الجديد، ولصالح تنفيذ مخططاته، لكن عمر الكذب قصير، وعمر النفاق السياسي أقصر. لذلك اتصور أن وقائع الحياة، بعد الإحتلال، لا تسمح بتسهيل مرور تلك المخططات المرسومة، وهي تعري نوايا السيد الجديد واعوانه.
وبتأثير التجربة الملموسة أيضا، ستنمو الحاجة للوحدة العراقية المناضلة من أجل تحرير الوطن وتقدمه، ومن أجل نشدان العون الضروري لهذا النضال، من أمة العرب والإسلام، ومن الجبهة العالمية المعادية للإمبريالية والحرب.
الحزب الشيوعي يدعم فاشية الإحتلال
انغمر قادة الحزب في كل عمليات التحضير لاحتلال العراق، ولتطبيق مشروعه المخطط له، لدرجة لم يكن يتصورها الكثيرون، ومع ذلك يوجد بينهم، أو بين من يتعاطف مع موقفهم، من يجادلك بنفي ذلك. لقد جادلوا الكاتب الأردني موفق محادين، (جريدة "العرب اليوم" الصادرة بتاريخ 4/11/2004) وقالوا له "نتحداكم أن تذكروا اسم شيوعي عراقي واحد، اعلن أنه يؤيد ويدعم العمليات العسكرية الأميركية ضد المقاومة..".. وذكر لهم موفق محادين اسم احدهم، لكن الوقائع والوثائق تشير إلى أن كبارهم فعلوا ذلك، ودعموا القمع الفاشي للمقاومة وتدمير المدن العراقية البطلة، بسبب رفضها للإحتلال.
حين اعلنوا ذلك، لم يغب عن بالهم تغليف موقفهم اللا انساني بالإدعاء "بأنه اجراء قد يكون مؤسفا ومؤلما.."..! من المفيد ايراد بعض الدلائل على ذلك.
في العدد 16 الصادر في 2 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، من جريدة الحزب المركزية "طريق الشعب" نشرت على صفحتها الأولى تصريحات لسكرتير الحزب قال فيها "إن الأحداث المتسارعة والصدامات تفرض اجراء عسكريا معينا، قد يكون مؤسفا ومؤلما في اكثر الأحايين، ولكنه قد يؤدي في الوقت ذاته إلى تقليص حجم وعدد الأعمال الإرهابية والتخريبية..".
لقد صدرت تلك "الفتوى الحمراء" لتتناغم مع هدير الطائرات والدبابات وقصف المدفعية، يدمر مدن الفلوجة والنجف الأشرف وسامراء والصدر والرمادي وتلعفر، وغيرها ويدفن المئات من السكان الآمنين تحت انقاض بيوتهم المدمرة، ويمنع علاج الجرحى بل يقتلون.. مع ذلك تظل هذه البشاعات كلها "اجراء عكسريا مفروضا"!
إن المرتدين الجدد يهيمون شغفا بأمور كثيرة، منها حكم القانون، ولست أدري ما إذا كان حكم القانون سيبرىء مستقبلا من يدعو لارتكاب تلك المجازر من المسؤولية..؟
في 2 تشرين الأول/اكتوبر الماضي، نشرت جريدة "القدس العربي"، خبرا عن الدور الذي مارسه ممثل الحزب الشيوعي العراقي في المؤتمر الأخير لحزب العمال البريطاني، حين تصدى لمشروع قدمه معارضون للحرب، طالبوا توني بلير بتحديد موعد لانسحاب القوات البريطانية من العراق.
عند تقديم ذلك المشروع، شرع ممثل الحزب الشيوعي العراقي، بذرف الدموع تعبيرا عن الخشية من انسحاب اميركا وبريطانيا الآن، وذكروا بأن دموعه قد أثرت على بعض النواب. وتعقيبا على موقف الحزب الشيوعي هذا فقد وصف النائب البريطاني "جورج غالاوي" الموقف بأنه "احدث خيانة للحزب الذي دعم الحرب القذرة والعقوبات ضد الشعب العراقي".
إن غزاة الوطن، كانوا يعرفون مسبقا الضرورة الماسة لدور الأحزاب والشخصيات المرتدة، التي ستبرر لهم غزوهم وتدعم بقاءه بوصفهم "أهل البلد"، لذلك ضمنوا مشاركة "أهل البلد" فيه، ومطالباتهم باستمراره..!
وجه ناصع في الشيوعية العراقية
إن الحديث عن الردة في مواقف الحزب الشيوعي، والأحزاب والقوى والشخصيات التي انتهجت نهجه، هو تناول الجانب المظلم من الحالة العراقية.
لكن في العراق، مثل أي بلد آخر، بشر يظلون يتعلقون بالحياة وبالأرض، وبكرامة تلك الحياة، والاعتزاز بالأرض التي يعيشون فيها.
لم تكن الخيانة لمصالح الناس ولحرمة الوطن، نزوة عابرة رغم انها كانت مواقف الأقلية.
كذلك الوطنية، والتشبث بالحياة الكريمة التي هي ارادة الأكثرية، ما كانت يوما رغبة عابرة، يؤسسها، أو يلغيها حزب أو نخبة أو قائد. لهذه الأسباب بالذات، فقد ظهر في العراق أيضا، ما يشرف السجل الشيوعي الناصع فيه.
يؤكد هذه الحقيقة أن المئات من شخصياته المعروفة، ومن اعضائه واصدقائه، بينهم عشرات من الكتاب والمثقفين، قد رفضوا السير في ذلك الدرب الذي وصفناه فيما تقدم، والكثير منهم واصلوا مسيرة النضال الوطني ومن أجل التقدم، وهم يكونون اليوم، فصيلا مهما فيها، وبين هؤلاء الكثير ممن اسهموا في نضال الحزب لعشرات السنين، وفي اعادة بناء منظماته وفي قيادته بمستويات مختلفة.
كانت عضوية الحزب الشيوعي، قبل آخر حملة قمعية وجهت ضده عام 1978، تتكون من نحو 30 ألف عضو و70 ألف صديق، يدفعون له التبرعات ويقرأون جريدته اليومية "طريق الشعب"، وقسم كبير منهم منظمون في حلقات للأصدقاء، وإذا استثنينا الحزب الشيوعي الكردستاني، فإن الأغلبية الساحقة من هذه "المئة الف" شيوعي، ومن سبق لهم العمل في صفوفه غيرهم، هم الآن خارجه رغم الرعاية المدللة التي اغدقها المحتلون على الحزب. لم يكن ذلك الإبتعاد بسبب تعب الشيوعيين كما يدعون، فالأسباب كانت كثيرة، وفي مقدمتها رفضهم لسياسته الجديدة المؤيدة للحرب والإحتلال.
كان حافز الشيوعيين العراقيين الذين ظلوا محتفظين بهويتهم القديمة هو الشعور بالمسؤولية الوطنية والقومية والأممية، هو حرصهم على الحفاظ على اصالة الحزب الطبقية كفصيل يمثل كادحي الشعب.
فالشعب العراقي، والعالم كله، عرفوا الحزب بهذه الهوية فقط، ونحن وهم يرفضون أن تبدّل أو تشوّه.
20/12/2004
الاحتلال والاستقلال و المرتدون الجدد
لو عدنا قليلاً الى الوراء، لتفحص بدايات طروحات المرتدين الجدد، وخاصة من مرتدي اليسار، لوجدنا انهم كانوا قد هيأوا لمنظومة من الافكار، أخذت تتكامل، هادفة لنشر اليأس من جدوى النضال الشعبي لتحرير الاوطان وتقدّمها سياسياً واقتصادياً.
فهم حين أبتذلوا النضال الجماهيري، وراحوا ينفرّون الناس حتى من مفهوم (الجماهير)، وينظرون لأنتهاء عصر ثورات الشعوب، فقد كانت تنظيراتهم تلك البدايات المشؤومة لربط حلول قضايانا الداخلية، بالصراعات الدولية وبالحل الخارجي.
تأسيساً على ذلك، نسجوا ارتباطاتهم الجديدة بالحل الخارجي، الجاهز للانقضاض والهيمنة، ليس على بلد منفرد كالعراق وحده، بل على العالم كله.
ومثلما ألغى المرتدون الجدد، دور النضال الشعبي الداخلي، لحل مشاكلنا الوطنية والقومية، فانهم يعمدون الى إلغاء إمكانية أو حتمية نهوض الشعب لرد العدوان والغزو الاجنبي، والتصدي للنهب الاستعماري المترتب عليهما.
لا بد أن نلاحظ، ان المرتدين الجدد، وفي العراق، نموذج صارخ لهم، يتميزون بقدر كبير من التفنن بالخداع والمكر السياسي، والتلاعب بعاطفة الجمهور. وذلك ما يمّيزهم عن العملاء المكشوفين، ويجعلهم أكثر خطراً على قضايانا الوطنية، ويتطلب جهداً أكبر لكشف البراقع الزائفة التي يتسترون بها.
* * *
من المفيد ان نأتي في البداية الى طروحات المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني للعراق. وخاصة المرتدين عن وطنيتهم، في تفسير الاحتلال وتبرير استمراره.
من أبرز هذه الطروحات، الادعاء بأن المقاومة الوطنية للاحتلال، تواجه قوات أجنبية متعددة الجنسيات، دخلت العراق لمساعدة شعبنا في الخلاص من الاستبداد، ولم يكن دخولها غزواً.
أو يقولون : انها لم تعط الفرصة الكافية بعد، لنتبيّن فوائد وجودها في بلادنا، من أضرارها.
أو ان المقاومة توجه سلاحها للمدنيين المسالمين، وانها تضرّ بالعراقيين أكثر مما تضر بالمحتل. وبعضهم يدعي انها ستؤخر نهاية الاحتلال !
ان كثيراً من تلك الدعاوات، فندها القادة والمؤسسات الأمريكية، نفسها، وظهر بطلانها.
ومن المعروف، ان بسطاء الناس في العراق، كأي بلد آخر، عانى لفترة طويلة من الحروب والحصار والقمع، ومن الاضطرابات السياسية، يهمهم تأمين أمنهم الشخصي أولاً، ثم أمنهم الاجتماعي.
فهذه حاجة طبيعية، تتقدم على متطلبات المعيشة الانسانية الاخرى المعروفة.
وامعاناً في ايذاء المحتلين وأعوانهم للناس البسطاء، من أعز ما يتوقون اليه، أي الأمن، نراهم يعمدون الى تدميره، والى حرمانهم منه.
لكن المتواطئين، من العراقيين، وخاصة المرتدين الجدد، يبرعون، ليس في الصخب، في طروحاتهم فقط، بل في الدجل السياسي أيضاً، خاصة حين عدلوا بعض دعاواهم القديمة، فراحوا يعلنون بانهم مع حق الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال، لكن ما يجري الآن، ليس مقاومة، بل فعاليات ارهابية، هي المسؤولة عن الانفلات الأمني،
وعن قتل المدنيين الابرياء.
استكمالاً لأخراج المسرحية بشكل متصل الحلقات، يدّبر المحتل التفجيرات المدروسة، أو العشوائية، وسط التجمعات المدنية والأسواق والمدارس أو دور العبادة.
المحتل يخطط فقط، أما المنفذون فهم الموساد وعملاء الاحتلال ومليشياتهم، وحروبهم الطائفية المعد لها سلفاً.
للدلالة على ذلك، فانهم يجترّون الاحاديث عن بعض عمليات استهدفت قطع تيار الكهرباء، وأنابيب مياه الشرب، أو خطوط النفط التي تجّهز السكان بالوقود.
لكن بات من المعروف لأكثرية الناس، ان تلك الفعاليات التي إستهدفت تفجير الاماكن المقدسة والجوامع والكنائس والمدارس والاسواق الشعبية، معروفة الغرض ومعروف من يستفيد منها.
ويكفي أن يعرف الناس، ان من يدير دفة الأمور في عراق اليوم، من الأمريكان، والأنكليز، وغيرهم، هم من خبراء القمع وممارسة الارهاب الدولي.
ويكفي أن يعرف الناس أيضاً، ما كشف بعد الاحتلال، من ان خمسة آلاف شخص قد تم تدريبهم في هنغاريا. وكانت تلك وجبة واحدة من الوجبات التي اعدت لأحتلال العراق. وقد أعدت تلك الالوف ودرّبت للقيام بحرق وتدمير ما لم تدمّره طائرات الاحتلال وقصف مدافعه اثناء الحرب. وان مهمة هذه الشبكات لم تنته بعد الحرب، بل هي مستمرة حتى اليوم وستستمر.
جدير بالملاحظة، انه ما أن تحصل عملية تدميرية كبيرة، تمسّ الناس الأمنين، أو المنشآت ذات النفع العام، حتى يسارع أبواق الاحتلال، وفي مقدمتهم المرتدون، ليوّجهوا الادانات الجاهزة والقاطعة التي تحمّل مسؤوليتها للمقاومة الوطنية، أو القوى الرافضة للاحتلال.
للرد على هؤلاء نفضّل، كالعادة، الاستعانة والاستشهاد بما يقوله الامريكان أنفسهم عن تلك العمليات. وفيما يلي أسوق للقارئ الكريم نموذجاً واحداً مماقالوه.
تذكر الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين) في مقالة لها بعنوان : (السنة الصفر ـ نهب العراق سعياً الى " يوتوبيا " للمحافظين الجدد)، نشرتها مجلة (المستقبل العربي) في عددها (308) الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) / 2004 ما يلي :
" في 2 / آذار (مارس) / 2004، مع رفض الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم التوقيع على الدستور الانتقالي، انفجرت خمس قنابل أمام مساجد في كربلاء وبغداد، فقتلت قرابة 200 من المصلين. وحذر (جون أبو زيد)، القائد العام للقوات الأمريكية في العراق من ان البلد على حافة حرب أهلية.
وخشية هذا الاحتمال، تراجع السيستاني ووقع السياسيون الشيعة على الدستور الانتقالي. كانت حكاية مألوفة : صدمة ـ هجوم عنيف ــ مهدّ الطريق لمزيد من العلاج بالصدمات "!
من المعلوم ان ذلك الدستور المؤقت، ونعني به (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) أقره مجلس الحكم يوم 8 / آذار (مارس). أي بعد ستة أيام فقط من تلك التفجيرات المروعة. ذلك ما شهدت به الكاتبة الأمريكية (نعومي كلاين). ولكن لن تنتهي تهريجات أبواق الاحتلال، وخاصة المرتدين منهم.
دور الموساد الاسرائيلي
ان أدوار الموساد الاسرائيلي، ليس في شمال العراق فقط، بل في كل مناطقه، لم تعد خفية على أحد. ويوّجه الناس في الشارع، أصابع الاتهام لعناصره ووكلائه، فور حدوث عملياتهم التخريبية. فقد تحول التسرب الصهيوني في العراق، الى تدفق منذ الساعات الأولى لعمليات الاختراق في خطة إحتلاله.
إضافة الى الاسهام الفعال في نهب وتدمير التراث العراقي الثمين، كان دور الشبكات والعناصر الصهيونية، مساندة قوات الاحتلال في إشاعة الفوضى والحرائق والتفجيرات في التجمعات السكنية والاسواق الشعبية، وحيثما يمكن نشر الرعب وكسر الارادة الشعبية الرافضة للاحتلال.
خلف كذبتين كبيرتين عن إعمار العراق، ونشر الديمقراطية فيه، تجري التغطية على حصيلة الحرب والاحتلال بعد الحصار الطويل عليه.
كانت الحصيلة، نسبة عالية لم يعرفها تأريخه من البطالة والتدهور في الوضع الصحي، وإنتشار الآوبئة وخراب وتشويه البيئة.
كما أهتم المحتلون وأعوانهم، وشبكات الموساد الاسرائيلي خصوصاً، بتنفيذ الخطط التي أعدّت لتصفية النهوض العلمي في العراق، وتدمير مؤسساته واغتيال العلماء والأساتذة.
رافق الدور السلبي لشبكات التخريب الصهيونية، جانب اقتصادي يرمي للاستغلال والنهب تحت واجهات عراقية أو عربية مزّيفة.
لا غرابة بالطبع، في ذلك التشابك الذي رأيناه بين الامبريالية الأمريكية وقلعة الصهيونية العالمية. ولا غرابة أيضاً، ان يتصدى الصهاينة لكل شعب ينشد الحرية والتقدم.
كن حقدهم على العراق، الذي يفوق المعتاد، مرّده الانتقام من مساندة شعبه لنضال شعب فلسطين الباسل من أجل استعادة وطنه المغتصب.
وحين يسعى الضالعون في ركاب الاحتلال، وفي مقدمتهم المرتدون الجدد، لفتح أبواب العراق أمام الصهاينة، وحين يسعون للتطبيع مع دولتهم، فلن يجنوا سوى رفض شعبي أوسع، سوى كراهية أكثر.
نحن رأينا، في جميع الفعاليات التدميرية والاغتيالات والسرقة وتشويش الافكار، وفي الدجل السياسي، اثناء احتلال العراق وبعده، ان المتواطئين مع الاحتلال، هم أنفسهم، دعاة التطبيع مع دولة العدوان الصهيوني، ومعهم المرتدون وأحزاب الردة.
كان التبشير بتطبيع العلاقات مع دولة الكيان الصهيوني، يغطي عليه بكثير من الدهاء والعبارات المغلفة في السابق.
لكن الذين يستقوون بالاحتلال الأمريكي لبلدهم اليوم، وخاصة في جانب القيادة الكردية واصابتهم نشوة غامرة من الشعور بالنصر ومن الميل لآستعجال الأمور.
لذلك لم تأت مفاجئة تصريحات السيد مسعود البارزاني، رئيس أقليم كردستان، لجريدة (الحياة) يوم 7 / حزيران / 2005 وأعلن فيها : " ان العلاقة بين الاكراد واسرائيل ليست جريمة. وان من الممكن فتح قنصلية اسرائيلية في أربيل عاصمة أقليم كردستان في حال فتح سفارة اسرائيلية في بغداد ".
لكن قرار بغداد، صار بيد القادة الاكراد ومن هم معهم، وقبل ذلك من هو فوقهم. ولا نظن هذا الانفلات في تحدي مشاعر الشعب العراقي، بمن فيهم أكراد العراق، سوى تراكمات جديدة لأثارة سخطه على المنحدر الذي يراد جره اليه، وربما لتحفيز وتسريع قدرته على وقف هذه المأساة وهذه المهزلة.
لعروبة العراق حصة مرموقة من العداوة
من اليسير أن نلاحظ ان كثرة من المرتدين، هم الذين يقودون حملة فك إرتباط العراق بانتمائه العربي، بعد إجتلاله.
والقليلون من الناس البسطاء، يعرفون أو يتذكرون ان أغلب هؤلاء كانوا تحت الرعاية الأخوية الفائقة للقيادات العربية، ومنها الفلسطينية والمصرية والسورية والليبية والجزائرية واليمنية وغيرها.
وهناك من كانوا تحت الرعايات الخاصة لأجهزة مخابرات تلك الدول. وكوّن بعض أولئك المرتدين، بفضل تلك الرعايات، تجارات رابحة، أو ممالك إعلامية، أو منشآت عقارية وأرصدة.
وهذا ما يشير الى الجوانب غير السياسية، وغير النزيهة، في ذلك الجحود الذي نشهده اليوم، بحق الواجب العربي، بعد حصول المرتدين على سادة جدد من الغرب، يقدمون عطاءً أكبر!
هؤلاء هم من يدينون اليوم، أي مجاهد عربي، يتطوّع لطرد المحتل من العراق، أو يرفع صوته مطالباً بتحريره، رغم ان الجميع يعرفون ان مهمة تحرير العراق، كانت بالأمس، وستظل اليوم، مهمة العراقيين بالدرجة الأولى، وأنهم الأقدر على النهوض بها أولاً وأخيراً.
انهم يخفون وقائع التاريخ القريب، حينما تطوع العراقيون، سواءً بمعرفة الدولة، أم بواسطة المؤسسات الشعبية، للقتال، دفاعاً عن شعب فلسطين ضد العدوان الصهيوني، حيث تشهد مقابر شهدائهم في أرض فلسطين على مأثرتهم الوطنية والقومية والانسانية.
ومما يجدر ذكره، انه يوجد بين العراقيين، في تلك المقابر، كثرة من الاكراد، ومن القوميات الآخرى. مما يؤكد إصالة الشعب العراقي، بعربه واكراده وأقلياته القومية، في التصدي لخطر الاستعمار والصهيونية وكيانها العدواني.
لقد تركّز قدر كبير من تهجمات المرتدين على الشعب الفلسطيني، وعلى موقف الفلسطينيين من الاحتلال.
من بين دوافع هذا الغيض التغطية على الوضع المأساوي الذي يعيشه ألوف الفلسطينيين اللاجيئين في العراق بعد إحتلاله، حيث صار الكثير منهم يكدّسون في مناطق ضيقة مزدحمة وفي ظروف معيشية صعبة للغاية. وقد أريد لهم أن يندمجوا بمأساة أخوانهم من الشعب العراقي الذي استضافهم ورعاهم بأخوة.
ومما صرنا نسمعه الآن أيضاً، ان بعض المرتدين، يخيفون شعوب البلدان العربية الغنية بمواردها الطبيعية، وبالبترول خاصةً، مما يسمونه (طمع الفقراء العرب) بثروات بلادنا ! فهم يدعون بان هؤلاء الأكثر فقراً، هم وحدهم يريدون الوحدة العربية !
انهم اذ يناصبون العداء للطموح العربي المشروع نحو الوحدة، فهم يبتغون أيضاً ان ينزعوا عن اسيادهم الاجانب، وخاصة الأمريكان، الاتهامات بالطمع بالثروات العربية ونهبها ليحّولها الى الفقراء العرب.
انهم، بتوجيه من أسيادهم الكبار، يشدّدون الضغط على الأنظمة العربية، وعلى الحكام العرب، لمنع أية معونة تقدم للنضال العراقي الشعبي المناهض للاحتلال، والهادف لتحرير وطنه.
غايتهم الأخيرة، انهم يطالبون تلك الأنظمة، ان تدخل تماماً في لعبة القبول بنتائج الاحتلال، رغم ان هذه الانظمة لم تقصّر في القمع القاسي لحركة التضامن مع شعب العراق، والتضييق عليها، حتى بأبسط أشكالها، كالتظاهر داخل الجوامع.
عن العقد النفسية للمرتدين الجدد
ربما لا يجد مرتدّون يطلقون على أنفسهم صفة كتاب صحفيين، أو محللين سياسيين، حراجة في أن يحللوّا العقد والتشوهات النفسية والعصبية والسياسية، التي أصيب بها من يسمّونهم " الارهابيين في العراق ".
وقد لا حظنا ان بعضهم قد ولجوا ميادين التحليلات النفسية هذه وراحوا يظهرون أنفسهم خبراء فيها.
بعض هؤلاء المرتدين، خاصة من حمل منهم لقب الكاتب الصحفي أو المحلل السياسي، أو أكثر من ذلك في ميادين الثقافة والأدب، كان قد أدخل في دورات للأعداد السياسي والثقافي في بلدان المتروبول، تمهيداً لاحتلال وطنهم، بعد أن أغرقوا بالامتيازات وبالمال الحرام.
بعضهم تعجلوا كثيراً فأعلنوا ترحيبهم بجنود الاحتلال وطالبوا بتمجيدهم وباقامة النصب التذكارية لقتلاهم، وآخرون تريثوا وتفننوا فلجأوا الى تغليف الخيانة برداء المعقولية الوطنية والانسانية لتبرير طروحاتهم وتغليفها.وفي ظني ان هذا النمط الأخير هو الأشد خطراً وضرراً.
قال هؤلاء المرتدون حملة " الثقافة " كل شيئ في وصف عقد " الارهابيين ". لكنهم لم يذكروا عقدة واحدة هي إن هؤلاء الارهابيين " المعقدين نفسياً "، قد رفضوا إحتلال بلادهم وقرروا التصدي له.
هم لم يذكروا ان أسيادهم في الدول العظمى، قد قالوا ذلك كما قالها كتاب وصحفيون ومحللون سياسيون كبار فيها.
تأسيساً على ذلك، فقد كان الأجدر بالمرتدين الجدد، ان يحللوّا نفسياً وعاطفياً، سياسياً وأقتصادياً، العقد التي تكونت عند من ارتدوا عن النضال، وهجروا معسكره ليصبحوا مأجورين، أومتطوعين يؤمرون فيكافؤن من أميرهم الجديد.
هنا نود القول، ان المثقف، والسياسي الذي يخون وطنه طوعاً، وبدون أجر، ذنبه أكبر من ذلك الذي يدّعي العوز والاضطرار.
سيتطلب التحليل النفسي الشامل، لهذا النمط من مرتدي الثقافة والسياسة، الاطلاع الأشمل لمسيرة من سار في دروب الردة وخيانة الوطن.
وقفة مع متقاعدي الردة
بعض متقاعدي النضال، الذين هجروه تماماً وراحوا يعتاشون على ذكريات الماضي فقط، كانت الردة كامنة في دواخلهم ومتكاملة فيها، كبيوض تحتاج الى الأجواء الملائمة للتفقيس.
عادوا للنشاط بعد ان رفسوا كراسي التقاعد، وإنخرطوا في " النضال الجديد " بعد احتلال وطنهم وبعد تدميره على يد الاحتلال.
ان بعض الذين أفنوا زهرة شبابهم في نضال إيجابي سابق، وجدت في أسوار نضالهم الثغرات الجدية التي لم تكن ظاهرة تماماً حينها. دلل على ذلك انهم تلقفوا بسرعة طروحات الردة الجديدة في أحزاب الردة، فأستهوتهم وأجتذبتهم.
بعضهم راح يعلن عن قناعات جديدة تكونت لديه بعد الاحتلال، وبعد أن أعاد قراءة الماركسية واللينينية، خاصة ما قالته عن الامبريالية !
تقول بعض تلك الطروحات والقناعات، ان أمريكا رغم مقاصدها المعروفة، لكن مصلحتها هي اقامة نظام ديمقراطي في العراق، وهي جاءت من أجل ذلك ! ولهذا السبب يلزم ان ندرس الظواهر بعين جديدة ! وهكذا كانت العين الجديدة قد رأت تلك الرؤية الجديدة. فيا لبؤس الجديد ويا لبؤس القراءة الجديدة للماركسية !
آخرون من متقاعدي النضال، كرسوا " مواهبهم "، لتبرر الحصار بالأمس، ثم الحرب، ثم الاحتلال. وأخيراً الاستماتة في إبتكار التبريرات للابقاء على الاحتلال، بأسم درء مخاطر عودة الدكتاتورية !
وبرر لهم كل ذلك، شتم المقاومة الوطنية وتشويه طبيعتها وفعالياتها والتحريض ضد مناهضي الاحتلال، بل حتى التحريض على اجتياح المدن الرافضة للاحتلال ومباركة هدمها فوق رؤوس ساكنيها.
هكذا دللوا على ان نضالاتهم السابقة، لم تكن سوى عمارات شاهقات بنيت فوق رمال متحركة. وإذ نرثي لهم، فقد كنا نتمنى لهم الاستمرار في تقاعد حميد وعزلة مجيدة، قبل أن يشطب ضلوعهم في موكب الردة نضالهم المجيد السابق، وقبل أن تمسخهم الردة.
مرتدون آخرون، أعلنوا عن قراءات جديدة للماركسية واللينينية أيضاً. لكن قراءاتهم الجديدة، لم تكن في جوهرها سوى قراءات لواقع الغطرسة الامبريالية بقيادة أمريكا وحليفتها الصهيونية، بعد إنهيار القطبية الثنائية وإضمحلال معسكر الاشتراكية. وهي لم تكن سوى الاستسلام لهيمنتها والقبول بالدخول في مشاريعها كتوابع ذليلة
وقد تمخض عن تلك القراءات الجديدة القبول بتولي مهمة تخريب وتشويه أهداف وقيم النضال الوطني والقومي والأممي.
من أبرز تلك التشوهات لأهداف النضال، تحويل العدو الى صديق وبالعكس. ومن هنا كان خراب بعض فصائل النضال من أجل التحرير والتغيير الاجتماعي.
في تجربتنا العراقية الملموسة، فقد أريد لنا ان نقبل بالتضحية باستقلال بلداننا وبمنجزاتها، وبطموحاتها القادمة، من أجل الركض وراء ديمقراطية زائفة وإنتخابات ومؤسسات للمجتمع المدني يحققها لنا غزاة الوطن من الأستعماريين والصهاينة.
ديمقراطيتهم : تعريق الاحتلال
للاحتلال مشروعه الكامل، فكرياً وسياسياً واقتصادياً. فنظام العولمة الجديد، يسعى لازالة أهم العوائق أمامه، وفي مقدمتها عقبات السيادة القومية أو الحماية للاقتصاد الوطني.
اما اللبريالية السياسية، فهي تعتمد ديمقراطية الاحتلال، ابتداءً من الترحيب به، أو الادعاء بقبوله على مضض كتحرير للوطن من الدكتاتورية إلى التعامل معه كأمر واقع.
تعتمد ديمقراطية الاحتلال، إسباغ الصفة العراقية عليه، بتعريقه عن طريق الدستور والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، على ان تتولى القوى التي تواطأت مع الاحتلال، أو قبلت بالتعامل معه، كأمر واقع، جميع تلك السلطات.
كي تبدو هذه السلطة، بانها ديمقراطية، ومفتوحة على الجميع، فانها تلجأ الى إستدراج القوى الوطنية، أو بعضها المعارضة للاحتلال، للقبول بما أسموه (المشاركة في العملية السياسية). ولكن في ظل الاحتلال، ومن أجل تكريس الاحتلال.
لكن الديمقراطية الحقة، هي التي توفر الحرية السياسية والاجتماعية، لكل شعب، دون تحديدات.
وبالطبع، لم يعد من المقبول إحياء شعارات الاستثناء من الديمقراطية كشعار (لا حرية لأعداء الشعب)، اذا كان يقصد به مواجهة الخلافات أو التناقضات داخل الشعب الواحد، سواء كانت بداوفع طبقية أم قومية أم دينية أم عقائدية.
لكننا أمام واقع ملموس آخر، هو واقع الاستنجاد بالقوى الخارجية وتدخلها لحل قضايانا الداخلية، وأكثر من ذلك، تحكمها في تلك الحلول.
وتلك القوى الخارجية، جاهزة دائماً، وفي كل بلد للتدخل السريع. وهي تستطيع ان تفرض تدخلها علينا، بالشراء والاسترضاء، أو بالقوة والقهر.
ويوجد بين القوى السياسية في العراق، أو بعض الاتجاهات الفكرية، أو الشخصيات، من يوافق على ذلك الاستنجاد بالاجنبي، ويستسيغه.
ازاء هذه الحقائق، وازاء واقع الدمار الهائل الذي ألحقه ذلك التدخل الخارجي بوطننا، صار من اللازم، اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحرير الوطن اولاً، ثم بحمايته من غزو آخر.
وقد يتطلب ذلك، ان تنص التشريعات الدستورية المرتجاه، في العراق الديمقراطي المتحرر، على منع وتحريم الاستعانة بالتدخل الاجنبي، لحل مشاكل الشأن العراقي الداخلي.
أي ان تبقى الخيانة ممنوعة وان يجرّم مرتكبها وفقاً للقانون.
اصطفاف جديد للقوى السياسية
تجري الان بشكل ملحوظ، عملية اعادة الاصطفاف بين القوى السياسية، في كل بلد عربي، وكذلك على النطاق العربي عامة.
فالموالون لطروحات اليمين الامريكي، وهيمنته العالمية، يتجمّعون في مؤسسات ومنظمات وجبهات جديدة. وتقابل هذه الاصطفافات الجديدة، بالضرورة، إعادة تنظيم وتعبئة لقوى الرفض والتغيير.
فالى جانب طروحات الهيمنة الأمريكية ومؤسسات ترعاها بأسماء متعددة مثل " معاهد تطوير الديمقراطية " ولجان حقوق الانسان، ومكافحة الارهاب، واحياء المجتمع المدني، يتجمع المرتدون الذين كانوا بالأمس في صف، أو في قيادات النضال من أجل التغيير.
والسعي واضح الان لأن يندمج المرتدون عن قيادات النضال، الوطنية والقومية، والاسلامية والشيوعية والليبرالية، مع الاتباع المكشوفين للامبريالية، ممن لم يكونوا في قوام تلك التيارات، وحتى ممن كانوا في مواقع العداء المكشوف لها. بدأت عمليات إعادة الاصطفاف السياسي والفكري والتنظيمي هذه بصورة ملحوظة، منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي وإنهيار الاتحاد السوفيتي، ثم الدول الاشتراكية الاخرى، وانتهاء القطبية العالمية الثنائية.
لكنها اتخذت شكلاً صارخاً ومغالياً بالفجاجة، والتخلي عن قيم النضال، في عشية الاعداد لغزو العراق، وبعد الغزو.
كان اجتذاب مرتدي اليسار والشيوعية، من أوربا الشرقية، للدخول تحت خيمة الامبريالية الامريكية ومشروعها، المثال الصارخ لتلك التحولات.
فهي انتهت الى دخول الكثير من تلك الدول، في قوام منظمة (الحلف الاطلسي)، وحتى المشاركة العسكرية مع قوات غزو العراق.
فيما يتعلق بالاحزاب الشيوعية في الوطن العربي، فقد أعطت قيادة الشيوعي العراقي، النموذج الأكثر فجاجة ً وكذلك، الأكثر إستغراباً، عند تحولها ودخولها في المشروع الأمريكي، ثم صارت جزءً منه.
بما انه يوجد أنصار ومحبّذون لهذا النموذج " الشيوعي العراقي "، في الكثير في البلدان العربية، لأسباب تتعلق بذات الحوافز والظروف المساعدة على الردة، فقد غدت إعادة الاصطفاف في الحركة الشيوعية العربية، كما هي العالمية، أمراً لا مناص منه.
ونظراً لصعود تأثيرات التيار الاسلامي، مقابل انخفاض تأثير التيارات الاخرى، فان اليمين الامريكي، يرى بان نجاح مشروعه، يتوقف، الى حد كبير، على إجتذاب بعض قوى هذا التيار، وخاصة من يسميهم، (الاسلاميين المعتدلين)، الذين يمكن ترغيبهم للدخول في مشروعه.
لم يعد خفياً الغزل المنافق، مع هذا الشطر من الاسلام السياسي، الذي يبدي استعداده لالقاء سلاح المقاومة، والدخول في مشروع الهيمنة الأمريكية.
جبهة عالمية جديدة
لم تكن الردة عن قيم النضال الوطني والقومي والأممي، محصورة بتيار واحد محدد، بل كانت شاملة في جميع قوى التغيير، وبدرجات متفاوتة بالطبع.
من الجانب الآخر، فان الصمود أمام الهجوم المضاد وأمام الردة والتصدي لهما، كانا شاملين لجميع مكوّنات قوى التغيير، وبدرجات متفاوتة كذلك.
يلجأ المرتدون في بلدان عربية كثيرة الى طروحات ذات تلوينات زاهية، أو يثيرون نقاشات جانبية هدفها اولاً وأخيراً، إخفاء ردتهم عن ماضيهم النضالي.
لكن طروحاتهم تتعرض الى أضواء كاشفة مباشرة فور تناولهم الموقف من القضايا الاساسية لأهداف النضال الشعبي، كالموقف من الامبريالية والعدوان الامريكي وغزوه،
ومن التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ان براقعها تتساقط، حين تعلن مثلاً ان حقبة التحرر الوطني من الاستعمار قد انتهت، وان من يعتقد بانها مازالت مستمرة، إنما يقع في الاوهام !
تظهر هذه التفسيرات للوضع الراهن، مع إنكشاف عودة الامبريالية الى الغزو والاحتلال المباشرين، وبالاقتران مع تشبث الكيان الصهيوني نهجه العدواني التوسعي.
كما تتساقط براقع المرتدين، حينما ينضمّون الى، أو يتصدرون جوقات العزف على تسخيف النضال الوطني والقومي العربي خاصة، والأممي، وتصويره بانه مجرد حقب متتالية من الهزائم والنكسات والإفقار والصراعات العبثية على السلطة !
ان جميع التلوينات الزاهية عن الديمقراطية وحقوق الانسان، وأطروحات الغنى الذي يمكن ان يحمله التدخل الخارجي (والحل الخارجي كما يسمونه)، لأ زماتنا، تبدأ بالتساقط، حين يعتبر هذا النمط من المرتدين، وخاصة بين مرتدي اليسار، النموذج العراقي حالة مقبولة، بل رائدة !
لكن النموذج العراقي، قدّم للعالم وجهاً آخر غير متوقع وفريد في نوعه. فالمقاومة العراقية للغزو فاجأت المخططين له تماماً، ومعهم فاجأت المرتدين. وصاروا يقرّون بذلك، وكثير منهم راحوا يقارنون بين الوحل الفيتنامي والوحل العراقي الذي تغوص فيه قوات الغزو.
لم تكن الغرابة في هذه المقاومة العراقية، بل الغرابة لو انها لم تحصل.
كما ان قسوة الغازي ولا إنسانيته، وشهامة المقاوم العراقي، عجّلتا باستنهاض العزم الكفاحي، و ستسهمان في تعميمه على الشعب كله، في كل أرجاء البلاد، على حد سواء.
* * *
كان الصراع العالمي يتجسد بمعسكرين متضادين سياسياً واقتصادياً، بالصراعات السلمية وبالتوازنات النووية. وقد انتهى ذلك الاستقطاب وذهل البعض وتخاذل آخرون. وكانت الردة عن قيم النضال واهدافه، مآل الشطر الأخير.
لكن االصراع والاستقطاب، يتخذ أبعاداً جديدة اليوم. فأمريكا الظافرة المتخمة بالذهب والاسلحة، تواجه مئات الملايين، يتظاهرون في مئات المدن في العالم، في يوم واحد، دفاعاً عن العراق المذل المهان، ضد حربها العدوانية عليه وضد العدوان الصهيوني المسلط على شعب فلسطين، وعلى الشعوب الأخرى.
في تلك التظاهرات وجدنا البروليتاريا وشغيلة الفكر، مع اوربا المرفهة وافريقيا وآسايا الجائعتين.. وجدنا الراهب المسيحي والمؤمن المسلم واليهودي المعادي للصهيونية.. وجدنا ماركسيين وليبراليين وقوميين.. هتافات صاخبة في الشوارع والساحات، ترافقها ندوات الفكر والتخطيط الواعيين، لانضاج البرامج النضالية العالمية، وأهداف الحاضر والمستقبل.. انها أسلحة الدمار الشامل توجه للامبريالية ودعاة الحرب والغزو واالنهابين وستدك مستقبلاً أبراجهم المنيعة.
مع الزمن، ومع الحاجات النضالية، تنضج الشروط لقيام الجبهة القومية الموحدة لشعبنا العربي، والجبهة العالمية الجديدة المناهضة للامبريالية والحرب.
فقد كانت شعوبنا بالأمس، وستظل غداً جزءً حيوياً منها.
01/07/2005
تحية للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري تحية لفصيل النضال الثابت
في التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر)/ 2005، تشهد دمشق انعقاد المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري.
يسرنا بهذه المناسبة أن نشارك الرفاق الشيوعيين السوريين، مشاعرهم في الاعتزاز بمستقبل نضالهم الذي سيصوغ برنامجه ُ، مؤتمرهم العاشر.
أننا نثق بأن هذا البرنامج، سيكون استمرارا وتطويرا لمسيرة الماضي التي امتدت أكثر من ثمانين عاما، كرست لنضال ثابت، مرير ومفعم بالتضحيات الغالية من أجل رفعة سورية وصيانة استقلالها ووحدتها، ومن أجل المستقبل الأفضل لشعبها الشغيل، ومن أجل مكانة عربية ودولية متقدمة لسورية.
لقد تعلمت شخصيا الكثير من الحزب الشيوعي السوري. ويسرني ان اذكر بأني كنت على صلة وثيقة بأكثر قادته، وتعرفت على سياسته وعلى جوانب من حياته الداخلية.
في تشرين الثاني (نوفمبر)/1971، شاركت في تمثيل الحزب الشيوعي العراقي، عند انعقاد (المجلس الوطني للحزب الشيوعي السوري) في دمشق.
في تلك الندوة التاريخية بذلنا الجهود، مع الشيوعيين العرب الآخرين، وفي مقدمتهم قائد الحزب الشيوعي الأردني المرحوم فؤاد نصار، في محاولة للحفاظ على وحدة الشيوعيين السوريين، بوصفها ضمانة لابد منها لتعزيز دورهم النضالي.
وكان من حوافزنا أيضا، العرفان بالجميل لمواقف الحزب الشيوعي السوري، والرفيق خالد بكداش تحديدا عند مسعاهم لرأب التصدعات في الحركة الشيوعية العراقية، في أواسط الخمسينات ثم في نهاية الستينات من القرن الماضي.
حين يختلف المناضلون من قوى التحرير والتغيير، أو ينقسمون، فقد تلتبس المقاييس مؤقتا على الناس، خاصة عندما تتنوع المسميات الزاهية، أو تكثر الادعاءات الطيبة والواعدة.
لكن وقائع الحياة الملموسة، والموقف من النوايا الشريرة للأعداء، ومن التحديات التي تواجه شعبنا العربي، تكون كلها من العوامل التي تكشف مصداقية قوى النضال ومدى جدية الشعارات.
فمنذ عامين ونصف مرا على العراق، صار شعبنا يلمس لمس اليد ويرى رؤية العين، أي جهنم أدخله فيها المحتلون والمتواطئون معهم من العراقيين، تحت شعارات تخليصه من الاستبداد، أو استيراد الديمقراطية والأعمار إليه.
لابد أن نلاحظ، أن التواطؤ مع غزاة الوطن، ليس صفة عراقية متميزة. فربما سيوجد في كل بلد عربي أو في بلدان العالم الثالث، أحزاب مرتدة، ومجلس حكم عميل جاهز ومنطقة خضراء يتهيأ العملاء مسبقا للتحصن فيها.
لكن خيانة الوطن، ستظل عابرة. أم ميزة الثبات في الكفاح من أجل التحرر والخير، فهي الصفة الإنسانية الدائمة والثابتة.
في العراق تحديدا، وجدنا مقابل القيادات المرتدة، التي سرقت أختام الأحزاب المناضلة ولا فتاتها، أن جيلا من المناضلين العراقيين الصادقين، من جميع التيارات الوطنية، يتصدر اليوم النضال المرير والمقاومة الباسلة من أجل تحرير العراق واستعادة عافيته.
بين هؤلاء المناضلين، الألوف من أعضاء وكادرات الحزب الشيوعي العراقي الذين رابطوا في مواقعهم الوطنية والمبدئية، والذين يظلون موضع الأمل المرجى.
فمأثرتهم، أنهم يخوضون النضال الفعال في قلب الحركة الوطنية العراقية، ويسهمون بأدوار مهمة في السعي من اجل تحقيق وحدتها، وإقامة جبهة التحرير والديمقراطية.
كما يسهم العشرات من كتابهم ومثقفيهم، في أحياء التراث النضالي، وفي عملية التجديد، في ميداني الفكر والممارسة.
نشعر بالاعتزاز حين نرى الحزب الشيوعي السوري، في مقدمة القوى العربية التي وقفت إلى جانب نضال الشعب العراقي، ضد الحصار والحروب والاحتلال، ومع مقاومته بلا تردد أو تحفظات.
نحيي صمود سورية، ونرى مثلكم، بأن تعزيز هذا الصمود، يتطلب، تلبية المطالب المعيشية لعماد هذا الصمود : الجماهير الكادحة، كما يتطلب توسيع الحريات الديمقراطية، وأخيرا الاستناد إلى وحدة وتلاحم قوى الشعب الوطنية.
نتمنى النجاحات للمؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوري، ولقادته وجريدته المركزية (صوت الشعب) المناضلة وكتابها.
شكرا لشعب سورية الشقيق ولقيادتها وأحزابها وجبهتها الوطنية ومنظماتها المدنية المناضلة، في مناصرتها للعراق الصابر المكافح.
12/10/2005
تحية لصوت الشعب تحية للحزب الشيوعي السوري
لا بخلو عدد واحد من (جريدة صوت الشعب) لسان حال الحزب الشيوعي السوري. حزب خالد بكداش، من مقال مسهب يحلل تطورات المقاومة العراقية الوطنية الباسلة ويؤكد التضامن معها.
في عددها (104) الصادر في 19 شباط الماضي كانت مقالتها على الصفحة الأولى بعنوان، , مصير ومستقبل العراق تحدده المقاومة الباسلة كتبه د. إبراهيم زغير.
وكتب نوار خليل مقالة في عددها الصادر في 19 أزار بعنوان :، , الاحتلال الأمريكي في عنق الزجاجة العراقية، ,. أما مقالة نوار خليل في العدد الصادر بتاريخ 2 نيسان فكانت بعنوان،، المقاومة العراقية تقهر أرادة الاحتلال الأمريكي،،
وكتب (كفاح عبد الجبار) في عدد الجريدة الصادر في 16 نيسان/2005 عن حقيقة المقاومة العراقية ةتحت عنوان (وهج المقاومة العراقية) ذكر ما يلي :
,, أرسل الجندي الأمريكي (ستيف) رسالة الكترونية إلى ذويه قائلا :
,, أمس هاجمنا العراقيون في أبو غريب وقتل منا (24) وجرح (47) ولكن للأسف حكومتنا تخفي الإعداد الحقيقية لإصاباتنا والتي نقدرها نحن بحوالي (13 ألف قيل) وجرح (49 ألف جريح). كم أتمنى أن أمسك بوش ورامسفليد مرة واحدة !
وتحت عنوان : عيب يا شباب
كتب في هذا العدد من (صوت الشعب)، الرفيق نضال الماغوط يقول :، ,رأس كبير في حزب شيوعي تاريخه كبير؟ أطل على الفضائيات يشرح برنامج الحزب الانتخابي لم ترد على لسانه الدبلوماسي كلمة احتلال.. أو المطالبة بخروج القوات الأمريكية من بلاده. بينما كانت رؤوس البصل،، الطالع ريحتها والتي جاءت على الدبابات المحتلة تخجل وتستحي وتطرح جملة ما تطرحه خروج القوات الأجنبية من البلاد. عندما كنت أرى هذا الأخ، , المناضل،، ظننت أنه يطرح برنامجه هذا على الشعوب الاسكندنافية وليس على الشعب العراقي الذي يعيش القتل اليومي والبطولات الفريدة للمقاومة،، لذلك أقتضى التنويه.
لقد بات خلط الأوراق والتضليل والدجل والكذب ومعاداة الصديق والاستقواء بالعدو الأكبر ضد العدو الأصغر أو ضد الأخ والحليف والقفز من موقع لموقع كعصافير الدوري لنقر حبات الوهم أو حبات القمح المسوس من يد المفوضية الاوربية أو من يد العم سام،، سمة وعلامة فارقة في معالم فرسان الديمقراطية الجدد والماركسيون سابقا.
أن هؤلاء لا يمثلون إطلاقا الخط الشيوعي. والخط الشيوعي منهم براء ولا يتحمل مواقفهم الفكرية ولا سياساتهم التحالفية مع الإمبريالية..،،02/05/2005
الأخوان الأعزاء في تنظيم الكادر الشيوعي
تحياتي القلبية
منذ سنوات، وخاصة في الفترة التي سبقت وأعقبت العدوان الإمبريالي الصهيوني على العراق، واحتلاله وتدميره فقد كان ما يجمع الوطنيين العراقيين من جميع الاتجاهات، هو النضال المشترك الذي يصب في خدمة المعاضدة والمساندة للنضال الباسل لشعبنا العراقي والقوى الرافضة و المقاومة للاحتلال, ومن أجل تحقيق أوسع جبهة شعبية ممكنة تقود تلك المواجهة الشعبية.
كان هذا المنطلق، أساس موقفي وعلاقتي بجميع القوى والشخصيات الوطنية ومنها موقفي من تنظيم (الكادر الشيوعي) وموقعه الإعلامي.
وطيلة هذه الفترة، لم أكتم عليكم ملاحظاتي أو انتقاداتي أواعتراضاتي، على الجانب السلبي في إعلامكم أو مواقفكم السياسية، وخاصة ما يتعلق باعتراضي على الموقف السلبي من أدوار بعض القوى الوطنية، أو في الأسلوب المفضي لعلاج الأخطاء، وبالتالي من نهج توحيد قوى النضال ضد الأعداء المشتركين.
تعرف قوى النضال بالطبع، أهمية الدعاية الإعلامية والفكرية لفضح خطط الأعداء وأهدافهم، والجانب غير الأخلاقي وغير لإنساني فيها وفي شخصيات قياداتها.
لذلك فأنها تهتم بأن تراعي في أسلوب الأعلام والفضح السياسي، المعايير الأخلاقية السليمة التي تأبى الهبوط في أسلوب الدعاية والإعلام، والذي هو من طبيعة الأعلام المعادي وحده.
ومن المعروف أن جميع الوطنيين لهم وجهات نظر و مواقف إنتقادية تجاه الأخطاء التي تصدر عن هذه الجهة الوطنية أو تلك، في جبهة القوى المضادة للعدوان الإمبريالي و للاحتلال.
مثال على ذلك، النقد الذي يمكن أن يوجه إلى التيار الصدري، و إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وإلى هيئة علماء المسلمين، وغيرها و خاصة فيما يتعلق بضعف حصانتها تجاه المخطط الأمريكي و الصهيوني، المرسوم بدقة، الهادف لإثارة العداوات بينها وتأجيج صرا عات الماضي وخلافاته، أو افتعال خلافات جديدة، ومنها ضعف الحساسية تجاه الصراعات الطائفية، أو عند تحديد المسؤوليات عن المجازر الطائفية التي خطط لها المحتلون وأعوانهم بدقة.
نفس الأمر يمكن أن ينسحب على المواقف الانفعالية تجاه أخطاء أو تدخلات بعض الدول العربية، أو دول الجوار التي لها تناقضاتها المعروفة مع الأمريكان و الصهاينة.
و قد رأيت أن معالجة أخطاء الجهات التي تقف في مواقف المواجهة مع أعداء شعبنا لا ينبغي أن يتحول إلى وضعها في الموقع المعادي – دع عنكم وضعها في مصاف العدو الأول.
أن متابعتي لما ينشر في موقع الكادر، والمتعلق بمواقف هذه الجهات التي تحدثنا عنها، كان للأسف الانجرار إلى الانحيازهنا والتأليب هناك، بما لا يمكن أن ينفع وحدة قوى النضال الوطني بل يلحق بها الأضرار.
ففي الوقت الذي لاحظت فيه تمجيد جهات مشبوهة لا تستحق التمجيد، بل الإدانة كمجموعة ألزرقاوي، يوجد التنديد والتشكيك بجهات وطنية وقومية لها مكانة أثيرة في نضال شعبنا العربي، كالمؤتمر القومي العربي ومركز دراسات الوحدة العربية، وحزب الله في لبنان.
كل ذلك، إذا أستمر، سينتهي إلى تحول مؤسف في طبيعة موقع الكادر الإعلامي، وفي طبيعة بياناته السياسية، وأخرها بيانه المكرس ضد التيار الصدري في 11-07 -2006.
أن التشبث بهذا النهج، كان موضع انتقادات الأكثرية الغالبة من الوطنيين العراقيين داخل الوطن و خارجه، وقد ينتهي إلى تغليب الاتجاه السلبي فيه.
و لابد من ملاحظة أن كثرة من الخصوم و المرتدتين، و في مقدمتهم سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى، المتواطئ مع غزاة الوطن، لا يتركون فرصة دون أن يعلنوا مسؤولية باقر إبراهيم عن كل ما يصدر عن (الكادر).
وصار هذا التشويش المقصود، أحد الأسباب التي دفعتني لإيضاح حقيقة موقفي.
أيها الأخوان! أن هدفي من رسالتي هذه هو مطالبتكم بتصحيح نهجكم السياسي الذي هو موضع الانتقادات كما ذكرت، متطلعاً إلى موقف ايجابي منكم وهذا أملي.
بودي في الختام، أن أؤكد لكم حرصي الدائم على استمرار مواقفي الثابتة، في مساندة كل ما يخدم وحدة الصف الوطني العراقي، ورفض كل ما يؤدي إلى إضعاف تلك الوحدة أو تشتيتها، بغض النظر عن النوايا الطيبة.
أن أتساع والتهاب المقاومة الشعبية العربية للعدوان والاحتلال الإمبريالي الصهيوني، خاصة في لبنان وفلسطين والعراق وغيره، يعزز الثقة والآمل بالنصر لشعبنا الذي عانى طويلاً.
وأن أفضل ما يمكن أن نقدمه من مساهمة لهذه المقاومة الشعبية هو الحرص على توسيع جبهتها والتقريب بين أطرافها والسعي المشترك لتسديد خطاها.
مع تقديري واعتزازي
2006-07-16
اللجنة التحضيرية لوحدة الحركة الشيوعية العراقية- بغداد
الرفاق الأعزاء
بعد سلسلة اجتماعات تداولية تم الاتفاق على أن يكون يوم 15 تموز/ يوليو 2006 هو التاريخ الرسمي لعقد اللقاء التداولي الموسع والذي سوف تعلن فيه المنظمات والجماعات والشخصيات الشيوعية عن الإطار السياسي والفكري والتنظيمي المعبًر عن وحدتها. آملين أن يكون وصول الجميع قبل الموعد المذكور بيوم واحد على الأقل. راجين منكم الرد كتابياً بقبول الدعوة أو الاعتذار عن تلبيتها مع خالص المودة والاحترام
لجنة الاجتماع التداولي 12/ 5/ 2006
الرفاق الاعزاء في اللجنة التحضيرية لوحدة الحركة الشيوعية العراقية
تحياتي القلبية
وصلتني دعوتكم المؤرخة في 12-5-2006 للمساهمة في اللقاء التداولي الموسع الذي ستعقدونه في 15 تموز 2006. وقد طلبتم مني الرد كتابيآ حول هذه الدعوة الكريمة، لذلك حررت لكم هذه الرسالة الاخوية.
ان ورقة العمل المقدمة الى هذا الاجتماع التداولي تقول : "إن من ابرز متطلبات النضال الوطني التحرري لنا نحن الشيوعيين، هو تعزيز دورنا في الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية التي انشئت في 9 ايار /مايو 2005، وشاركت فيها قوى وطنية وقومية واسلامية، واصبحت ذراعآ سياسيآ للمقاومة العراقية الباسلة". وقد ختمت اللجنة التحضيرية ورقة العمل بالقول" كما سيقر الاجتماع بيانآ سياسيآ حول قيام حزب جديد للشيوعيين وانتخاب القيادة والهيئات التابعة واصدار الجريدة المركزية الناطقة بلسان الحزب".
أود في البداية ان اوضح لكم بأني لااعرف من هي "الجبهة الوطنية والقومية الاسلامية التي اصبحت ذراعآ للمقاومة العراقية الباسلة"، ولااعرف من هي اطرافها. وقد تبادر الى ذهني، مما ذكر اعلاه ان النية لأعلان (قيام حزب شيوعي جديد للعراقيين) يرتبط بالرغبة في "تعزيز دورنا " في تلك الجبهة !
كلنا نعرف بأن تأسيس الاحزاب السياسية، بما تحمله من اهداف انية وبعيدة، وما تتتبعه من وسائل نضالية و طرائق التنظيم وتعبئة القوى الشعبية، انما يعبر عن الحاجات الماسة والضرورية لقوى النضال من اجل تحرير وتغيير المجتمع.
وكان فقدان القدرة على الجمع بين التمسك بالثوابت الوطنية، وضرورات النضال من اجل التحولات الديمقراطية والاجتماعية، ليس عيب، ومأساة الحزب الشيوعي العراقي وحده، بل اكثرية احزاب الحركة الوطنية العراقية، مما قادها الى طريق الضياع والسقوط النهائي واستبدال الهوية الوطنية بأخرى ممسوخة تمامآ.
لذلك فأن استعادة المكانة الشعبية لاحزاب النضال الوطني غدت مهمة وطنية وديمقراطية عامة، وليست مقتصرة على حزب بذاته.
ولابد من القول بأن ظروف الهجرة والانقطاع عن صلة كثير من الاحزاب بالشعب، كانت من العوامل المشجعة والمساعدة على سعة الارتداد، مما وفر لغزاة الوطن فرص التحدث زورآ بأسم (اهل البلد) المرحبين بغزوه.
تتحمل قيادة الحزب الشيوعي وكادره على جميع المستويات، مسؤولية الصفقات التي عقدت مع اعداء الوطن المحتلين. فتلك الصفقات، اسفرت عن سياسة جديدة تمامآ، فحواها تزيين الغزو الامبريالي ونشر فكره الليبرالي الجديد وتبرير الهيمنة الامريكية، واجازة التواطؤ مع الغزاة بأسم النضال ضد الاستبداد او من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان، وتسفيه منجزات الشعب طيلة الحقب الماضية، بل تخريبها عمليآ، والسعي للحط من اصالة شعبنا وانتمائه العربي والاسلامي، ومن تزيين الصورة البشعة للصهيونية وكيانها العدواني التوسعي.
ان الالوف من الشيوعيين والمئات من كادر الحزب السياسي والثقافي، ممن حافظوا على ثوابتهم الوطنية والمبدئية، كانوا قد اسهموا بأدوار معروفة في اعادة بناء منظماته وفي قيادتها وبمستويات مختلفة.
وكان شعورهم بالمسؤولية وحرصهم على الحفاظ على هوية الشيوعيين الوطنية والقومية والاممية، وعلى اصالتهم الطبقية دفاعآ عن كادحي الشعب، قد حفزهم على رفض ابدال او تشويه هوية الحزب، سواء بالموقف المعنوي أم عند ممارسة النضال الوطني الملموس، الى جانب كل القوى الوطنية الشريفة في شعبنا، في الداخل والخارج.
لقد تجنبنا بأغلبنا، تكوين تنظيم حزبي بديل في بلاد المهاجر، بعيدآ عن القاعدة الشعبية. ورأينا ان ذلك التنظيم لن يكون سوى اضافة رقم جديد للتجارب السابقة الفاشلة.
بالمقابل انخرط الالوف من الشيوعيين، الذين احتفظوا بالهوية الاصيلة ورفضوا الردة والخيانة، في نضال جماهيري واسع وفعال، وسط حركة النضال الوطني في الداخل والخارج، وفي الحركة العالمية المناهضة للحرب والعدوان، وفي عقد الندوات السياسية والفكرية، واصدار الكتب، وتأسيس التجمعات الوطنية، واصدار بيانات ومذكرات عنها، وفقآ لحاجات النضال.
ولابد من الوقوف عند دورهم المشهود في التصدي للغزو الامبريالي وتقديم شعارات الدفاع عن الوطن، قبل الغزو واثناءه وبعده، والمساهمة الفعلية في مقاومة شعبنا للاحتلال.
ان هذا النضال الصبور والواثق اشتد منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وهو يتواصل اليوم، وقد افرد لليسار العراقي الجديد وشخصياته، مكانة مؤثرة ومعترف بها، تميزت بثلاث ميزات مهمة :
التعبير عن التمسك بثوابت النضال الوطني.
القدرة على التطوير والتجديد في ميادين الفكر والسياسة والفن.
الحرص على تحقيق وحدة الصف الوطني، ومن اجل تأسيس جبهة الشعب المنشودة.
من ماثر هذا اليسار الجديد ايضآ، انه كان حريصآ على العمل الموحد الذي شمل كل مناضلي التيارات الوطنية الاخرى، بامل نضوج تكوين(الكتلة التاريخية)، التي يمكن ان توحد مستقبلآ اليسار والقوميين والاسلاميين وغيرهم من الوطنيين، في اطار واحد.
وهذا النضال الواقعي والفعال لجمهرة واسعة من الشيوعيين، لايمكن ان يطمسه الافتقار الى الاعلان عن اطار حزبي يضمهم. كما لم تستطع القيادة الشيوعية المرتدة التستر وراء استمرارها بالتنظيم الحزبي، وبالاسماء المحببة للناس، وزيادة بريق اختامها ومقراتها، من اخفاء خيانتها لمبادئ الشيوعية ولوطنية الشيوعيين، وبالتالي من تجنب انعزالها شعبيآ.
ان الاستمرار على النهج الذي اعتدناه لسنوات طويلة، وخاصة ونحن مازلنا في بلاد المهجر، هو الموقف الواقعي والممكن الذي يستجيب لمستلزمات النضال الراهنة.
وتبقى الحاجة دائمة بالطبع لتطوير وتحسين اساليب العمل والتنظيم، وسيكون من المفيد اسهام كل تجمعات المناضلين الوطنيين والشخصيات الوطنية في المسعى الجاري الان للتداول في امكانيات تطوير عملهم وتنظيمه وترشيده.
اود في الختام، التاكيد، باني رغم قناعاتي التي اوضحتها اعلاه، فاني لا ارغب ان اكون عائقآ امام خيرات اخرى يراها رفاق النضال الاخرين، متمنيآ ان يجمعنا الفكر المشترك والنضال المشترك.
27/05/2006
نظرة لواقع ومستقبل اليسار الشيوعي العراقي
منذ احتلال العراق في نيسان/ 2003 حتى اليوم، أسهم المواطنون من جميع الاتجاهات في مقاومته، وفي المجهود السياسي والفكري والاعلامي الهادف لكشف جسامة الخراب الذي تعرض له وطننا، كما تناول جهد جميع المخلصين، البحث والنضال من اجل المخرج السليم.
وكان أبرز معاناتنا، التمزيق الذي يتعرض له العراق، شعباً ووطناً، والتصميم الواضح لأن ياخذ ذلك التمزيق، كامل أبعاده المرسومه له.
أمام هذه الحقيقة، تتجسد أهمية إمتلاك السلاح المضاد بيد العراقيين، وهو وحدتهم أمام الخطر الداهم، ولخوض معركة التحرير من أجل إنجاز الاستقلال الوطني، ومن أجل الديمقراطية وإعادة بناء العراق.
ان مايجمع الوطنيين العراقيين، من جميع الاتجاهات، هو النضال المشترك الذي يصب في خدمة المعاضدة للنضال الباسل للقوى الرافضه والمقاومة للاحتلال، ومن أجل تحقيق أوسع جبهة شعبية ممكنة، تقود تلك المواجهة الشعبية.
* * *
عند الحكم على الموقف من الحزب الشيوعي العراقي، فلست مع أولئك الذين يذهب بهم الشطط، أو سوء القصد، أو الذاتية ليفرضوا أحكامهم بفقدان الحزب الشيوعي صفته الوطنية والطبقية، أو مسخ تاريخه النضالي، بسبب أخطاء الماضي وعثراته.
ويلزم التمييز بين الاخطاء والعثرات، وما تجره من انشقاقات يتعرض لها عادةً، كل حزب مناضل من أجل التحرير والتغيير الاجتماعي، وبين الردة التي تفقد ذلك الحزب، صفته الوطنية والطبقية، عند وقوعه في شباك المخطط المعادي، الامريكي الصهيوني، كما حصل.
وأرى ان الحد الفاصل لذلك الارتداد، بداً منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، حين تم تسخير عدد من الاحزاب والجهات الوطنية، ضمن المعارضة العراقية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي، كأدوات للتهيئة لاحتلال العراق وتدميره، ثم لتكريس الاحتلال وحمايته.
ازاء هذه الرده، يتعذر ايضاً تعليق الحكم بالنهاية الخائبة، على معجزة في التصحيح الجدي، يمكن ان يحققها مؤتمر الحزب الثامن القادم. علماً ان قادته يهيئوون لمندوبي المؤتمر فعلاً رواية التصحيح المنافق الكاذب.
وبخصوص الموقف من قيادة الحزب الحالية، فانا الى جانب التفريق بين القادة المخططين والقاعدة المنفذة لسياسة الحزب، دون تبرئة القواعد بالطبع، وكل الذين صوتوا له عن وعي، أو دعموا سياسته الموالية للاحتلال الاجنبي.
وأنا مع توجيه الخطاب الرشيد، لتنبيه وتحذير من خدعتهم وضللتهم السياسة المنافقة والخداعة للقيادة، عند تبريراتها لحرف الحزب عن سياسته الوطنية وعن الدفاع عن مصالح الشعب وكادحيه.
لكن الردة الشاملة في الحزب المناضل، لم تكن زلة عابرة، وهي ليست خطيئة أفراد من القاعدة يجري التركيز عليهم، رغم أدوارهم المعروفة. فلابد أن نلاحظ جميعاً، ان اهتزازاً ممائلاً حصل في اغلب الاحزاب العراقية التي كانت بالامس في صف الحركة الوطنية.
كما أن ردات هائلة ومذهلة، حصلت في احزاب اليسار، الكبرى والصغرى، أبتداءً من الحزب الشيوعي السوفيتي، حتى أحزاب عربية وغيرها كثيرة.
ولذلك تجري حالياً، عمليات واسعة النطاق لتجديد اليسار فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، محلياً وعالمياً. وهذا ما ينبغي الانتباه له.
كما علينا أن ننتبه الى، ونحذر من الموقف الذي يتصل بالنزعة الذاتية والارادوية التي تحدد مستقبل بناء المنظمة الشيوعية، الحالية او المقبلة، بقرارات مسبقة.
* * *
لابد ان نلاحظ ان جماهير الشعب، بعد الاخطاء الفادحة والصراعات المنفلتة بين الاحزاب الوطنية، وما جره ذلك من إنتكاسات أصابت الشعب والوطن، لم تعد تستهويها كثيراً تلك الجاذبية السابقة للاحزاب ولبرامجها التي تعلنها اليوم، لتخالفها غداً.
علماً ان" ربيع الحرية والديمقراطية"، الذي وعد به الغزاة الامريكان وأعوانهم، شعبنا في العراق، والعالم كله، قد أسفر عن ابتذال فريد من نوعه لحريات تأسيس الاحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية، والصحف وأجهزة الاعلام وغيرها. وكل ذلك، قد عمّق حذر الناس من الاحزاب وبرامجها وإدعاءاتها.
في ظل هذه الاجواء المعقدة، يمكن القول ان الامكانية السليمة لاعادة بناء الحزب الشيوعي العراقي، والموثوقة زماناً ومكاناً، لايمكن ان تنفصل عن ضرورة وجود الاجواء السليمة لممارسة الحياة السياسية الطبيعية التي يوفرها الخيار الديمقراطي وحرية القول والرأي والتنظيم للجميع.
* * *
بمناسبة تناول الوضع الذي آل إليه الحزب الشيوعي العراقي، أود تلخيص تجربتي الشخصية، وهي ايضاً تجربه وقناعات جمع غفير من المناضلين الذين اختلفوا مع الحزب، وصاروا خارج تنظيمه وخارج سياسته، منذ فترة طويلة.
لقد تجنبنا بأغلبنا، تكوين تنظيم حزبي بديل في بلاد المهاجر، بعيداً عن القاعدة الشعبية. ورأينا ان ذلك التنظيم لن يكون سوى اضافة رقم جديد للتجارب السابقة الفاشلة.
بالمقابل انخرط الالوف من الشيوعيين، الذين احتفظوا بالهوية الاصلية ورفضوا الردة والخيانة، في نضال جماهيري واسع وفعال، وسط حركة النضال الوطني في الداخل والخارج، وفي الحركة العالمية المناهضة للحرب والعدوان، وفي عقد الندوات السياسية والفكرية، وأصدار الكتب، وتأسيس التجمعات الوطنية، وأصدار بيانات ومذكرات عنها، وفقاً لحاجات النضال.
ولابد من الوقوف عند دورهم المشهود في التصدي للغزو الامبريالي وتقديم شعارات الدفاع عن الوطن، قبل الغزو وأثناءه وبعده، والمساهمة الفعلية في مقاومة شعبنا للاحتلال.
ان هذا النضال الصبور والواثق اشتد منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وهو يتواصل اليوم، وقد افرد لليسار العراقي الجديد وشخصياته، مكانة مؤثرة ومعترف بها، تميزت بثلاث ميزات مهمة :
التعبير عن التمسك بثوابت النضال الوطني.
القدرة على التطوير والتجديد في ميادين الفكر والسياسة والفن.
الحرص على تحقيق وحدة الصف الوطني، ومن اجل تأسيس جبهة الشعب المنشودة.
من مآثر اليسار الجديد أيضا، انه كان حريصاً على العمل الموحد الذي شمل كل مناضلي التيارات الوطنية الاخرى، بأمل نضوج تكوين(الكتلة التاريخية)، التي يمكن ان توحد مستقبلاً اليسار والقوميين والاسلاميين المقاومين وغيرهم من الوطنيين، في اطار واحد.
وهذا النضال الواقعي والفعال لجمهرة واسعة من الشيوعيين، لايمكن ان يطمسه الافتقار الى الاعلان عن اطار حزبي يضمهم. كما لم تستطع القيادة الشيوعية المرتدة التستر وراء استمرارها بالتنظيم الحزبي، وبالاسماء المحببة للناس، وزيادة بريق أختامها ومقراتها، من اخفاء خيانتها لمبادىء الشيوعية ولوطنية الشيوعيين، وبالتالي من تجنب انعزالها شعبياً.
ان الاستمرار على النهج الذي اعتدناه لسنوات طويلة، وخاصة ونحن مازلنا في بلاد المهجر، هوالموقف الواقعي والممكن الذي يستجيب لمستلزمات النضال الراهنة.
وتبقى الحاجة دائمة، بالطبع، لتطوير وتحسين اساليب العمل والتنظيم، وسيكون من المفيد اسهام كل تجمعات المناضلين الوطنيين والشخصيات الوطنية في المسعى الجاري الان للتداول في امكانيات تطوير عملهم وتنظيمه وترشيده.
23-1-2007
في تاريخهم النضالي المجيد.. ام في الردة عليه؟
تحت عنوان (الحديقة السوداء في محطات شوكت خزندار”الشيوعية"!) كتب الأخ د. عبدالحسين شعبان مقالة، يناقش فيها كتاب (سفر ومحطات) الحزب الشيوعي العراقي : (رؤية من الداخل) نشرها في المواقع الالكترونية، وتزامن ذلك مع نشر المقالة ذاتها في عدد آذار/مارس- 2007 من مجلة(المستقبل العربي) وفي حقل (كتب وقراءات).
كنت قد قرأت هذه المناقشة قبل أكثر من عام، حين كانت مجرد رسالة وجهها كاتبها الى الاخ شوكت خزندار الذي أطلعني بدوره عليها.
كان بودي التعليق عليها، وقد تريثت بذلك، طالما انها كانت رسالة بين شخصين. لكن نشرها المفاجئ وبهذا النطاق الواسع، اثار استغرابي، وحفزني في ذات الوقت على التعقيب عليها. علماً اني كنت قد أخبرت كاتبها، بخلاصة موجزة لرأيي في مقالته والذي أوضحه الآن.
* * *
تطرح مناقشة د.عبد الحسين شعبان قضايا كثيرة، ابرزها قضيتين هامتين :-
الاولى : تقع تحت عنوان الشك”بـعلاقة الحزب الشيوعي العراقي، أو بعض قياداته وكوادره بجهاز المخابرات السوفيته KGB وبالاجهزة الامنية" الاشتراكية"..
"والقضية الثانية التي تحتاج الى إيضاح، هي العلاقة الخاصة بحزب البعث والسلطة في العراق، هل كانت هناك أتفاقات سرية عشية توقيع الجبهة الوطنية عام 1973؟ وماذا عن ما أشيع من أستثناء أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي من الملاحقة، وحماية حياتهم والحفاظ عليها، خلال فترة أستمرار الجبهة".
هنا ينتقل الكاتب، الى جانب اتهامات اخرى كثيرة، من الشكوك حول القضيتين اعلاه الى الاتيان ببعض الدلائل التي تؤكدها عنده، ومنها قوله :” وبأستثناء عايدة ياسين العضو المرشح للجنة المركزية التي قتلت، تحت التعذيب حين القي الفبض عليها، في تموز (يوليو) 1980 وكانت قد عادت الى العراق لبناء التنظيم بعد تعرضه الى ضربات موجعة ومؤثرة.. لانها أخلت" بالاتفاق" علمآ انها لم تخرج من العراق حتى استشهادها.
ودليل آخر: الكاتب أختصر الواقعة المعروفة للجميع عن أعدام الشهيد محمد جواد طعمه، المرشح لعضوية اللجنة المركزية، وهو من البصرة الى القول" إنه أختفى أثره". وعاد ليفسر اعدامه بقوله” حصلت اختراقات اخرى، قيل ان لها علاقة بالحدث الاول”. ويقصد به الاخلال (بالاتفاق)!.
كما أختصر الحديث عن المرحوم محمد حسن مبارك مرشح اللجنة المركزية، وأحد أبرز مسوؤلي منظمة الفرات الاوسط، بالقول انه (لم يظهر أثره). علماً ان هذا المناضل الباسل ظل يواصل العمل في السر حتى وفاته بسبب معاناته من داء الكبد، في أيار / 2001، وكان مبارك قد قابل قادة الانتفاضة" في النجف عام 1991 وعرفهم بنفسه ونصحهم بالكف عن الامور التي تؤذي الناس وبالموقف الصحيح للتعبير عما يطالب به الشعب.
كان يجب الحديث بأعتزاز عن مصير كوادر قيادية مرموقة، ومنهم قادة هم بمصاف أعضاء اللجنة المركزية، ومارسوا معي قيادة الحزب السرية منهم د. صباح الدرة ود. صفاء الحافظ وغيرهم كثيرون، من الشهداء الذين أعدموا غدراً..، ربما لأنهم اخلوا ايضآ” بالاتفاق” السري!
* * *
لست ادري، اذا كان ضمن اسلوب البحث الاكاديمي والموضوعي، عن الحقائق، التساؤل عما اذا كانت قيادة الحزب الشيوعي تتقاضى راتباً شهرياً من حزب البعث أيام الجبهة؟.
وحول التساؤلات ايضآ عن الاتفاقات السرية مع حزب البعث والسلطة، نجد الكاتب الناقد يورد روايات عن شخص توفاه الله هو عامر عبد الله، غير مدونه بخط قائلها، اضافه الى تساؤلات اخرى الى الرفيق آرا خاجادور الذي نحتاج الى سماع شهادته عنها.
وورد ايضآ” إلا ان باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي السابق نفى علمه ويذكر استلام الحزب لشيك واحد بمبلغ مائة وخمسون الف دينار عراقي لبناء مقر الحزب الشيوعي..، وتمت اعادته كما يذكر ابراهيم”.
نعم قلت ذلك فقد تمت اعادة المبلغ الوحيد بشيك مصرفي بواسطة المرحوم عامر عبد الله عام 1978. اني في جميع ملاحظاتي وتعقيباتي المدونه في كتاب الاخ شوكت خزندار، وفي غيرها، دحضت مثل تلك الادعاءات التي اراها مخلة بحزب وبمناضلين يحترمون مكانة وكلمة النضال.
علماً ان من يرددون تلك الادعاءات يقرون بأني أحد المراجع المهمة لمعرفة الوقائع في الحزب، واحياناً يبالغون بمعرفتي بكل واردة وشاردة. ولم تكن تلك” الوقائع" التي يدور اللغط حولها (من شواردها)!.
من الوقفات الهامة التي تبدأ بها مناقشة د. عبد الحسين شعبان لكتاب (سفر ومحطات)، قوله” إن الكاتب يسقط ارادته أحياناً على الوقائع والاحداث”.
ولكن عند محاكمة موقف الناقد للكاتب وكتابه، وجدت انه قد أسقط ارادته المسبقة، ليس على وقائع واحداث معينة من تاريخ الحزب الشيوعي بل على كامل مسيرته.
ويبدو لي، ان ذلك الاسقاط يرتبط باعادة النظر الشاملة، التي تبلورت، خاصة عند نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، تجاه ثوابت النضال الوطني والقومي والاممي وهذه مسألة معروفة بالطبع.
لقد طرح الكاتب، التساؤل التالي :” بماذا ستنفع الناس مثل تلك الصور المشوشة، الملتبسة المثيرة للشكوك، والتي كما يعرضها (المؤلف)، تشكل المشهد الداخلي للحزب وبخاصة قيادته؟”.
وتتصل تساؤلاته، بطرائق التحليل النفسي، وخاصة إنه يسبقها بسؤال يقول:... أكان خزندار سيكتب هذه المسيرة بهذه المرارة والحنق، وربما الى حدود الكراهية أحياناً، لو لم يتعرض الى التنكيل والاذلال والشعور بالخيبة؟”
كما اعتبر الكتاب (سفر ومحطات)، ”محاولة لتقديم قراءة ارتجاعية للماضي، قراءة انتقادية، حادة ومتشددة، بل جارحة لتاريخ الحزب الشيوعي..". فهل قدم د. عبد الحسين شعبان في مناقشته (لسفر ومحطات)، قراءة انتقادية موضوعية ومنصفة لذلك التاريخ بالذات؟
انه يجيب بما يلي :” تبدو لي حديقة شوكت خزندار التي رغم كل شيء، يعود ليمجدها، أشبه بالمقبرة، فهي مليئة بالازهار الميتة، وفيها ينعب البوم ويعم الظلام أركانها وزواياها...الخ".
لكن الكاتب، حين يدين مسيرة تيار معين من تيارات قوى التغيير اي الحزب الشيوعي العراقي، وحين تتركز ادانته على حقب الماضي وليس عن الحاضر الواضح في الردة والخيانة، فان مقبرته" المليئة بالازهار الميتة ينعب فيها البوم ويعم الظلام اركانها وزواياها"، يمتد ليشمل جميع تيارات التحرير والتغيير دون أستثناء.
وهذا ليس افتراضاً أو تخيلاً، بل هو الواقع الذي أكده الانقلاب على جميع ثوابت النضال الوطني والقومي والاممي، التي تمثلها جميع تيارات التغيير اليسارية والقومية واللبرالية والاسلام المقاوم.
فالردة عن تلك الثوابت، شملت أحزاباً ومنظمات وشخصيات معروفة، كانت بالامس في صلب النضال الوطني والقومي والاممي، ومنها قيادة الحزب الشيوعي العراقي الحالية.
يوجه الاخ د عبد الحسين شعبان عددآ من الأستفهامات الأستنكارية، ومنها السؤال حول ارتباط اعضاء في قيادة الحزب، ثم الموقف من الارتباط، بجهاز المخابرات السوفيتية KGB (وهي اختصار لما يعني بالروسية، لجنة امن الدولة).
لابد لي ان اشير الى حقائق ربما يعرفها كثيرون، وهي ان منظمات الحزب الشيوعي العراقي الطلابية، في جميع الدول الاشتراكية السابقة، والتي ضمت بضعة الوف من الدارسين، قد اتخذت موقفآ حازمآ بطرد اي عضو يثبت ارتباطه بتلك الأجهزة. وقد انحصر هذا الموقف بحالات نادرة لا تكاد تذكر.
فهل يعقل ان يكون الموقف في الحزب، مزدوجآ حد التناقض الصارخ تجاه قضية واحدة، يرفضها بحزم ويعاقب عليها مع اعضاء القاعدة، ويقبلها او يتساهل تجاهها مع اعضاء القيادة ؟!.
أليس من حقي ان اتساءل: هل يراد للاتهامات بالارتهان لسلطة النظام السابق، حد قبض رواتب قادة الحزب منها، والارتهان لاجهزة المخابرات السوفستية KGB، وغيرها، خلط الاوراق وتشويش الوقائع عن التعاملات والارتهانات المفضوحة الراهنة؟.
من المعروف عن الحزب الشيوعي، تاريخيآ انه من أبرز الاحزاب السياسية الذي تقوم العضوية فيه على أساس الانحدار الطبقي والموقف الفكري والسياسي، بغض النظر عن القومية والدين والطائفة والمنطقة.
اذكر بعض الامثلة : عام 1955 حينما اطلق سراحي بعد ثلاث سنوات من السجن، وجدت ان منظمة الحزب في النجف والكوفة يقودها رفيق من مدينة عنة. وفي مطلع سبعينات القرن الماضي كان مسؤول منظمة الحزب في الديوانية رفيق من الاعظمية. ومسؤول محلية الرمادي انذاك، كان المرحوم علي الجبوري (ابو اثير). ولفترة كان المرحوم اسعد خضر (ابونجاح) وهو كردي من اربيل، مسؤولا عن منظمة الكوت (واسط). وكان سكرتير لجنة اقليم كردستان، لفترة الشهيد ستار خضير وهو صابئي ولايتقن اللغة الكردية.. هذا غيض من فيض.
فهل ان، افراد موضوع مستقل تحت عنوان(الطائفية في الحزب الشيوعي)، يمكن فصله عن التأثر باعلام البضاعة الامريكية الصهيونية المستوردة حالياً حول التقسيمات والتمايزات المفتعلة بين الشيعة والسنة وما الى ذلك؟
لاحظت ان د. عبد الحسين شعبان كان شديد الاهتمام بان يعيد للحياة وللاثارة البارزة، قضية تجاوزها الزمن كالتنديد بمواقف الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية، من قرار تقسيم فلسطين.
في خضم المزايدات العالمية والعربية الراهنة للمساومة على الحقوق الثابتة لشعب فلسطين، نراه يطلع علينا بتأييده لادانة القيادة المركزية (الشيوعية)، عام 1967 لذلك الموقف.
ان اللجاجة في إثارة هذا الموضوع التاريخي، تقف وراءه الان الرغبة في التعتيم على المواقف الشيوعية والاشتراكية، دولاً وأحزاباً وشخصيات، من نصرة قضية الشعب الفلسطيني، ليس بالامس فقط، بل اليوم وغداً.
وأعود لأتساءل : ألا يرى من يحرصون على استذكار تلك المواقف، ان روسيا وأوربا الشرقية الاشتراكية قد تحولت بعد ان ارتدت عن الشيوعية وعن الاشتراكية، الى حليف جديد، او الى جهة اكثر قربآ من الكيان العدواني التوسعي لاسرائيل؟
الا يرون ما حل بالشعب الفلسطيني وبالعرب والعالم كله، بعد تلك الانهيارات وبعد طغيان القطب الواحد الامريكي وتابعه اسرائيل؟
ولابد من التأكيد أيضاً، بان ما يفرّق أو يجمع بين شيوعي الامس، ممن كانوا في الحزب الشيوعي، او في القيادة المركزية، موقفان متضادان، يتخذ الاول موقف التاييد والارتهان للغزو الامبريالي- الصهيوني لبلادهم، بينما يتخذ الثاني موقف النضال ضده ومقاومته، وان ذات الاختلاف من احتلال بلادهم يفرقهم، او يجمعهم تجاه الموقف من الاغتصاب الاسرائيلي لفلسطين.
* * *
وطالما جرى الحديث عن الماضي وليس الحاضر، فان الماضي الشيوعي المشرف والمؤلم، الحافل بالمنجزات في النضال من اجل انجاز الاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وبالنكسات والاخطاء، بالوطنية الصادقة، وبخيانة البعض لوطنهم والتواطؤ مع الاجنبي ومنهم القيادة الحالية للحزب واخرون معروفون، فان هذا الماضي، لايصح اختزال وصفه ب” الحديقة السوداء والمقابر المليئة بالازهار الميتة ينعب فيها البوم”.
على اساس ذلك التراث المجيد، وعلى انقاض الاخطاء والعثرات، وكرد طبيعي عليها، برز للعيان دور اليسار الشيوعي الجديد، الذي دلل، بالاعمال على اصالته وجديته، وحقيقة انه كان وما يزال جديراً بوراثة المجد القديم والقدرة على التصحيح والتجديد.
وهذا اليسار الجديد مازال جزءً من اليسار العربي ومن الحركة العالمية الصاعدة ضد الامبريالية والحروب والاستغلال. انه أثبت بالنضال المتواصل ضد الاستبداد الداخلي، وضد الحصار والحروب واحتلال الوطن، انه مايزال في قلب الحركة الوطنية العراقية وحركة المقاومة، وان الحاجة لدوره تزداد ليس في المساهمة بمهمات التحرير الوطني والتغيير الاجتماعي، بل كذلك، من اجل تحقيق وحدة قواهما.
وهذا التيار الشيوعي، القديم الجديد، الذي يضم الالوف من المكافحين داخل الوطن وخارجه، وبشخوصه الاموات والاحياء، سواء كانوا بالامس في الحزب الشيوعي ام القيادة المركزية، ام بين الجموع الغفيرة غير المنظمة، هو الذي صار للاسف هدفاً للتشويه المتعمد واحياناً المبتذل.
من تلك التشويهات، السعي لاعطاء حالات خيانة الوطن والتواطؤ مع الاجنبي والعمالة لاجهزة المخابرات الاجنبية وافتعال الجبهات المشبوهة، مفعولاً رجعياً ووضع ارضية تاريخية لها.
لاتقتصر دوافعي في هذا النقاش على ضرورة البحث التاريخي المنصف المتعلق بتيار وطني محدد، هو التيار الشيوعي، بل يمتد ليشمل متطلبات البحث عن وحدة قوى النضال الوطني.
فالمسعى الواضح والصارخ لاخراج تجربة الجبهة الوطنية عام 1973، من مسارها الطبيعي كمحاولة نضالية، أصابت أو أخفقت، وتركت أثارها في الحياة السياسية العراقية، وتصويرها كصفقات مشبوهة ودسائس من وراء ظهر الشعب ومن وراء أعضاء الاحزاب... كل ذلك لايقتصر على ابتذال فكرة الجبهة في الماضي، بل ينسحب دون شك على حاضر ومستقبل النضال الوطني التوحيدي.
نحن جميعا بحاجة ماسة الى النقد والمراجعة الجادة، الشاملة والموضوعية، لماضينا عموما، ولتاريخ الحزب الشيوعي والحركة الوطنية، بما يساعد على تسديد خطانا في حاضرنا، ولمستقبلنا الافضل.
ادون بعض ما كتبته في مقالة سابقة بعنوان (نظرة لواقع ومستقبل اليسار الشيوعي العراقي) وجاء فيها:
”عند الحكم على الموقف من الحزب الشيوعي العراقي، فلست مع اولئك الذين يذهب بهم الشطط او سوء القصد، او الذاتية ليفرضوا احكامهم بفقدان الحزب الشيوعي صفته الوطنية والطبقية، او مسخ تاريخه النضالي، بسبب اخطاء الماضي وعثراته.
ويلزم التمييز بين الاخطاء والعثرات.. وبين الردة التي تفقد الحزب صفته الوطنية والطبقية، عند وقوعه في شباك المخطط المعادي الامريكي-الصهيوني، كما حصل.
وارى ان الحد الفاصل لذلك الارتداد، بدأ منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، حين تم تسخير عدد من الاحزاب والجهات والشخصيات الوطنية، ضمن المعارضة العراقية، ومنها الحزب الشيوعي، كأدوات للتهيئة لاحتلال العراق وتدميره، ثم لتكريس الاحتلال وحمايته.".
اني اود ان يقترب الذين يتناولون تاريخ الحزب الشيوعي القريب، من التقييم الموضوعي، وبصورة خاصة لتلك الفترة الحالكة السواد من تاريخ العراق، وكي تتضح امامنا جميعا سبل الحاضر والمستقبل.
سمعت عن كلمة مأثورة لونستن تشرشل يقول فيها :”اذ أنتصب الحاضر لمحاكمة الماضي فأننا نفقد المستقبل"
وآمل ان لايتحقق عندنا ذلك.
نعم قال بابلو نيرودا:
“الان هو الان
أمس قد كان
ليس هناك من شك"
ويلزمنا ان نضيف :
الغد الافضل آت
ليس هناك من شك.
17/03/2007 المرتدون عن الشيوعية وعن الوطنية! ذيليون دائمون للأسياد الكبار
اليسار الشيوعي البديل موجود في ساحات النضال
منذ ستينات القرن الماضي، برزت الخلافات داخل الحركة الشيوعية العالمية، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من طروحات الحزب الشيوعي الصيني، كما أشتدت لاحقاً، المطالبات بما سمي بـ" الأستقلالية" عن الأتحاد السوفيتي، في احزاب عديدة، ربما كان أبرزها الأحزاب الشيوعية في فرنسا وايطاليا ورمانيا واليابان.
كان موقفنا في الحزب الشيوعي العراقي، قد أعتمد آنذاك، مبدأ التضامن الاممي، ووحدة النضال العالمي الذي يقف على رأسه الاتحاد السوفيتي، ورفضنا تلك الطروحات.
كانت تلك قناعتي أيضاً، وعبرت عنها في كتاباتي، وفي بعض الندوات العالمية، مما اثار حفيظة من اختلفوا معنا في الراي، من رفاق الامس، أو خصوم اليوم، كما تناولت موقفي بالتنديد، أقلام خبراء مكافحة الشيوعية، في حكم حزب البعث السابق. وساوضح الروابط بين حقائق الأمس وحقائق اليوم.
لابد من الأيضاح في البداية، بأنه مثلما كان هناك تسابق ومبالغات في تقديم الطروحات الصارخة عما سمي بـ" الذيلية" للأتحاد السوفيتي، فقد وجدت أيضاً، بين الطاقم القيادي في حزبنا، وفي أحزاب شيوعية أخرى، مبالغات معاكسة، وتسابقات لأشهار " الولاء " للسوفيت، وللدول الأشتراكية الأخرى، ورغم أن هذه الظاهرة كانت ثانوية ومحدودة التأثير.
وحول هذا الموضوع كتبت في مداخلة سابقة لي مايلي: "ان هذه المعالجات لاتميّز بين طريقة خاطئة، تؤمن بها غالبية الأحزاب الشيوعية في العالم، التي تقول بعدم جواز الأختلاف في الرأي، أو في الموقف، مع القيادة السوفيتية، وبين النهج المضاد الذي يردد ذيلية تلك الاحزاب لموسكو.
ان الدعوة لاستقلالية الحزب الشيوعي، في البلد المعني، للخلاص من " الذيلية"، للأتحاد السوفيتي، لم يكن سوى شعاراً براقاً لأخفاء الهدف من وضع الأتحاد السوفيتي والدول الاستعمارية على مصاف واحد أولا، ولاخفاء التصميم على فك عرى التضامن الاممي ثانياً.
كان ذلك الشعار يهدف الى تفكيك جبهة النضال الموحد العالمية، ضد الأمبريالية والحرب، من أجل السلم والتحرر الوطني والديمقراطية والاشتراكية.
فالاحزاب والشخصيات الشيوعية، التي تجاوبت مع ذلك الشعار اللطيف ظاهرياً والمسموم واقعاً، سعت لأخفاء بداية ارتدادها الشامل، ليس عن الشيوعية فقط، بل عن النضال الانساني والاجتماعي.
كما ان اكذوبة "الاستقلالية" عن الاتحاد السوفيتي، لم يكن مطلوب اعلانها من جانب الاحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية، بل كذلك من جميع الأنظمة والأحزاب الوطنية والتقدمية.
ذيلية الأحزاب أم ذيلية الشعوب
ان أتهام الأحزاب الشيوعية والعمالية، بالتبعية للاتحاد السوفيتي، يتناقض مع نمو شعبيتها الواسعة، وهو سيتحول بالتأكيد الى الطعن بوعي الجماهير العريضة من أعضاء تلك الأحزاب ومناصريها والمصوتين لها في الأنتخابات، ومن الشعوب التي أرتضت قيادتها، ليس لمجرد الحب والأعجاب المعنوي، بل بتأثير منجزاتها الكبرى، سياسياً واقتصادياً، ولصالح الشغيلة وتقديم المعونات للشعوب الأخرى. وللتدليل على تطور شعبية تلك الأحزاب، أورد أدناه الأحصائية التي دونتها في وثائقي عن مجلة "قضايا السلم والأشتراكية":
السنة عدد البلدان التي فيها أحزاب شيوعية عدد الشيوعين بالملاين
1928 46 71,
1939 2,4 69
1946 40 78
1960 8735
1969 88 50
1985 95 أكثر من 80
انهيار الأتحاد السوفيتي
وانهيار الولاءات المهزوزة
ليس بعيداً عن الأذهان، انهيار اكبر حزب شيوعي في العالم، يحكم الدولة الأشتراكية الأولى، أي الحزب الشيوعي في الأتحاد السوفيتي، تحت تاثير التحريفين والمرتدين عن الشيوعية، حين استخدموا أخطاء الحزب والنظام الأشتراكي، لا لأصلاحه، بل للأجهاز عليه، الأمر الذي حمل الشيوعيين الروس وفي بلاد السوفيت القديمة على تجديد واعادة بناء احزابهم، انهم يستلهمون التراث المجيد لثورة اكتوبر وانجازات نظامها الأشتراكي، الذي لم يعد المرتدون يعرّفونه سوى بـ(النظام الشمولي).
لقد رافق الأنسياق وراء شعارات ماسمى بالكفاح ضد الذيلية، أو التبعية للأتحاد السوفيتي، من جانب الأحزاب والشخصيات التي تبنتة، الأرتداد عن الأسس المبدئية في الشيوعية والماركسية- اللينينية، وفي النضال ضد الأمبريالية، وأنتهى بعضها الى الأنسياق وراء" اشتراكية البرجوازية"، ومنظمتها " الأشتراكية الدولية" التي تضم احزاباً عراقية كردية ساهمت بمؤامرة احتلال العراق، باسم تحريره من الدكتاتورية بالامس، وحمايته من الأرهاب ومن عودة الدكتاتورية اليوم، وفي نفس الوقت الذي تضم حزب العمل الصهيوني وأمثاله.
ان الأحزاب التي انتهجت مواقف التضامن الاممي، رافضة الأنجرار وراء اكذوبة (الأستقلالية عن الأتحاد السوفيتي)، ماتزال راسخة في نهجها حين ترفع الآن شعار (من أجل جبهة عالمية مناهضة للامبريالية والحرب)، من أبرز هذه الأحزاب، الاحزاب الشيوعية في اليونان والبرتغال وسورية ولبنان وغيرها الكثير.
وعلى خلافهم كانت نتيجة الأحزاب الشيوعية التي تشوشت عندها الرؤية وانساقت وراء الشعارات المضللة فصارت عرضة للتمزقات الدائمة كما حل بالحزبين الشوعيين الفرنسي والأيطالي وغيرهما.
ليس بعيداً عن الأرتباط بموجة الأرتداد الجديدة، بعد انهيار معسكر الاشتراكية العالمي، يمكن فهم الظروف الخارجية والفكرية، لارتداد قادة الحزب الشيوعي العراقي، وتحولهم نحو الأسياد الجدد، الأمبريالية العالمية وقيادتها الأمريكية.
مع طروحات مرتدي اليسار
ارتباطاً بتكامل معالم هذه الردة، يمكن ملاحظة تبلور منظومة فكرية لمرتدي اليسار العراقي والعربي، والعالمي، صارت تقارب بينها وتجمع اطرافها.
فالى جانب ما اتينا إليه من شعارات، تهدف تفكيك جبهات النضال الوطنية والقومية والاممية، يطلع علينا المرتدون، بطروحات تبشربانتهاء عصر الأستعمار والامبريالية، وتستسيغ وتبرر احتلال الوطن، باسم تحريره من الاستبداد الداخلي ثم تفلسف لقاءها مع المحتلين بانه مجرد" صدفة تاريخية"!
ما يجمعها ايضاً، انها تؤكد فشل جميع تيارات النضال وليس اليسارية فحسب، بل كذلك القومية والاسلام المقاوم. انها في الواقع تدمغ كل النضال البشري من اجل التقدم، بالاخفاق، او الصراع العبثي، وترى انها هي اليوم صارت الحل المنتظر.
وما يجتمع عليه مرتدو اليسار، الادعاء بوجود ازمة في اليسار العالمي، وفي حركة التحرر الوطني العربية، او في النضال الوطني الداخلي، انهم بذلك ينقلون ازمتهم، بل مازقهم الى حركة النضال البشري عموماً.
يدعي المرتدون والتحريفيون، بان مناضلي الامس، مازالوا يعيشون في الماضي، وانهم هم المجددون، حينما يعيدون قراءة الماركسية اللينينية بعقل جديد! لكنهم في الواقع، وفي الممارسة، ينتهون، شاءوا ام أبوا، الى نسف الاسس المبدئية، ليس للماركسية- اللينينية بل لكل ثوابت النضال ضد البرجوازية الامبريالية، مروراً باللقاء معها، وأنتهاء الى الوقوع في شباكها، كخدم اذلاء في جميع ميادين الخدمة.
ومن الضروري الانتباه لظاهرة اللقاء، وعودة الحب بين المرتدين عن الشيوعية في العراق، وعلى رأسهم قادة الحزب، مع من اختصموا معهم بالامس واختلفوا حول قضايا ثانوية تخص حياة الحزب الداخلية، اوالموقف من اسلوب النضال ضد الاستبداد، ولكن صار يجمعهم الاتفاق في القضايا الرئيسية، كالموقف من الامبريالية ومن احتلال الوطن، او مقاومة المحتلين، والتي اشرنا اليها.
الاساس الطبقي للمرتدين
ان الارهاب الفاشي، المنقطع النظير، الذي نقله الغزاة الانكوامريكان والصهاينة واعوانهم، للعراق وشعبه، هو العنف الطبقي لاشد اصناف البرجوازية الامبريالية وحشية وعدوانية، وهي الامبريالية الامريكية. وهو ايضا شكل من اشكال العنف الطبقي، لاكثر فئات البرجوازية العراقية جهلاً وتخلفاً وطفيلية وبعداً عن الانتاج المادي، بل أكثرها ارتباط ببرجوازية المافيا والسرقات والمضاربات والعمالة لشركات الاحتكار والحراسة، والنهب الاجنبية، وعلى راسها الشركات الامريكية والاسرائيلية والاوربية، مع بعض الفتات من السرقات للمرتزقة العرب والعراقيين.
ان مشاركة قادة الحزب الشيوعي العراقي، الى جانب الاطراف الاخرى في حكومات الاحتلال وعمليته السياسية، يقدم اكبر الخدمات لتسهيل الغزو وتبريره ثم لادامته.
ومقابل هذه الخدمة، فان المتعاونين مع الاحتلال، تجمعهم واياه المصالح الاقتصادية المشتركة. فالقادة السياسيون للاحزاب المتعاونة مع المحتلين، ويهمنا الحديث هنا عن قادة الحزب الشيوعي، اذ ينتفعون ما دياً من الوضع الجديد، فانهم يشركون حفنات من أعضاء الحزب وكادره، ببعض المنح، في التوظيف والراتب التقاعدي وغيرها.
وبغض النظر عن ضخامة، اوضآلة حصص المتعاونيين مع الاحتلال، فهم يصبحون، حتى بدون ارادة بعض الطيبين من القواعد المغشوشة، جزءآ من الاحتلال سياسياً، وجزءآ من الطبقة الطفيلية المنتفعة اقتصادياً منه.
ان تجسيد هذه الحقيقة، رغم قساوة وقعها، ربما يفيد من يعيها لتلمس العودة لطريق الصواب.
أمام هذا الواقع الجديد، هل يحق لهذا الحزب، بسياسته ومسيرته الراهنة ان يواصل الأدعاء بأنه حزب العمال وكادحي الشعب ؟ إلا يتحمل المسؤولية المباشرة عند مساهمته في حكومات الاحتلال، وبما حل بالشعب، وخاصة كادحيه، من تدهور هائل في مستوى معيشتهم، وارتفاع نسب البطالة واعداد الملايين الذين يعيشون الان دون حد الفقر ؟.
اليسار الشيوعي الجديد
ان من تعيشوا على الذيلية للاتحاد السوفيتي، وللدول الاشتراكية الاخرى، سياسياً وعقائدياً او مادياً، هم وحدهم من بدلوا ولاء التعيش نحو الاسياد الكبار الجدد، وليس الشيوعيين الصادقين في مبادئهم ومسيرتهم العملية.
ولهذا السبب، فمنذ اكثر من عقدين من الزمن، كان جواب رعيل واسع من قادة وكوادر ومناضلي اليسار الشيوعي، هو الامساك بثوابتهم المبدئية والوطنية، والتواصل والتنسيق، بقدرما تسمح به ظروف المهاجر، وبقدر ما تسمح به اوضاع مناضلينا داخل الوطن، حين سعوا لسد الفراغ ولتكون لهم مكانتهم المرغوبة والمطلوبة، الى جانب قوى النضال والمقاومة الشعبية، من اجل التحرير والديمقراطية، وخاصة، في مبادراتهم المشهودة لتوحيد قوى النضال الوطني والقومي.
وقد أكد مآثره هذا التيار الشيوعي، وعبر عنها، واوضح معالمها المئات من المناضلين، بينهم كتاب وشعراء وفنانون مبدعون.
وحين ينكر البعض وجود هذا التيار المناضل، بدعوى عدم وجود حزب، او تنظيم مركزي يوحدهم، فاني استطيع القول، ان تجنب التسرع في التحزب، في بلاد المهاجر، وفي ظروف العراق الاستثنائية، كان جانباً من مأثرتهم الواعية، وليس عيباً فيهم. وحين تنضج الظروف لقيام كيان يوحدهم، داخل الوطن، وبين جمهورهم، فلا أحد مهما كانت مكانته، يستطيع اعاقة التعبير عن تلك الحاجة.
نعم، لقد استطاع هذا الرعيل الواعي من المناضلين، ان يأخذوا العبره من الارتداد والهزيمة على النطاق العالمي وفي النطاقين العربي والوطني، لاليتخاذلوا او تضعف هممهم، بل لدراسة مكامن الخلل والضعف، والبحث عن التجديد في المعتقد وفي السياسة والممارسة، بما يمدهم بطاقة جديدة.
28/07/2007
شهود الزور لأمبراطورية مليونية غير شرعية
في 18 كانون الثاني ( يناير) الماضي شاركتُ في التوقيع على "ميثاق شرف بين أنصار الكلمة الحرة" دفاعاً عن مجلة "الآداب" البيروتية، ورئيس تحريرها د. سماح إدريس. ومع توقيعي على ذلك الميثاق أرسلتُ إلى الأخ د. سماح إدريس الرسالة التالية:
"إني أحد المتابعين من موقع المسؤولية السابقة، ولمدة تزيد عن ربع قرن في الحزب الشيوعي العراقي، الأحداثَ والوقائعَ التي انتهت بتخريب وطنية وإنسانية ذلك الحزب المناضل، مما مهّد وشارك في احتلال وتدمير وطننا العزيز، بعد تحطيم مناعاته وحصونه. كما أني أحد ضحايا النضال دفاعاً عن مبدئية ذلك الحزب وعن وحدة حركته الوطنية والقومية. ومن هذا المنطلق أعبّر لكم عن تأييدي وتضامني مع موقفكم الذي احتوته افتتاحيةُ مجلة الآداب الغرّاء ( نقد الوعي النقدي – كردستان العراق نموذجاً ). أحيي موقفكم الجريء الذي هو في حقيقته وقفة مشرّفة على طريق النضال من أجل تحرير العراق ووحدته وتقدّمه" (باقر إبراهيم، عضو المكتب السياسي سابقاً في الحزب الشيوعي العراقي).
يهمّني أن أتوقّف عند فكرتي التي أوردتُها في رسالتي أعلاه، من أنّ موقف السيد سماح إدريس، في افتتاحية مجلة "الآداب"، كانت "وقفة مشرّفة على طريق النضال من أجل تحرير العراق ووحدته وتقدمه". فقد أثبتت ردودُ الفعل والتباينات، بين مناصري تلك "الوقفة المشرفة"، وبين معارضيها الذين حَشَدَهم المتّهمُ الاولُ في القضية، وكذلك شركاؤه، أنّ "نقد الوعي النقدي" لم يقتصر على كردستان العراق كنموذج، وإنما صار العراقُ، المحتلُّ، المهانُ والمذّلُّ، هو النموذج.
لا أريد أن أتوقف كثيراً عند الطابور غير القصير من موقّعي عريضة التضامن، الذين حشدهم المتَّهمُ الأولُ السيد فخري كريم، وشركاؤه، للشهادة لصالحه. بل لي وقفةٌ فقط عند أسماء الثلاثة من القادة السابقين في الحزب الشيوعي العراقي، الرفاق عزيز محمد وكريم أحمد وعبد الرزّاق الصافي، الذين نشروا في منتصف آذار 2008 بياناً في جريدة "المدى"، جريدة فخري كريم، بعنوان "رداً على طعون مغرضة.. وإنصافاً للحقيقة". ومما جاء فيها:
"وكان من بين الطعون الباطلة، التي حوتها مقالةُ السيد إدريس، تجاوزُ الأستاذ فخري كريم على ماليّة الحزب الشيوعي العراقي. ونظراً لما كنا نشغله من مراكز حزبية في قيادة الحزب الشيوعي، إذ كنا أعضاء في المكتب السياسي للّجنة المركزية للحزب، ولِما نعرفه من وقائع عن كثب، نجد من الضروري، ردّاً للطعون أو إنصافاً للحقيقة، أن نقول إنّ الرفيق فخري كريم ليس فقط لم يتجاوزعلى ماليّة الحزب، بل كان له دور كبير في تعزيزها من خلال توطيده لعلاقات الحزب النضالية بالمقاومة الفلسطينة، والفقيد الراحل عرفات بالذات، وبقيادة الحزب الاشتراكي اليمني أيامَ كان الرفيق علي ناصر محمد على رأسه وبمجلة قضايا السلم والاشتراكية".
من الضروري، في البداية، التساؤلُ عن أحقّية الشهادة لصالح المتهّم فخري كريم، باسم المكتب السياسي للحزب. فهذا المكتب كان يتكوّن، كما هو معروف آنذاك، من سبعة أعضاء هم: الثلاثة المذكورون أعلاه، إضافةًً إلى المرحوم زكي خيري وباقر إبراهيم وعمرعلي الشيخ وثابت حبيب العاني؛ كما كان الرفيقان يوسف سليمان (أبو عامل) والمرحوم مهدي عبد الكريم منسَّبين لعضوية المكتب السياسي آنذاك.
ولم يكن سرّاً مخفياً على قادة وكوادر الحزب من الصف الأول أنّ صراعاً مريراً كان يدور داخل القيادة، في محاولة للوقوف في وجه انحدار الحزب في الجوانب السياسية والتنظيمة، بما في ذلك ما يتعلّق بالاعتراض على كيفية التصرّف بأموال الحزب.
1- ابدأ بباقر إبراهيم : فإنّ معارضتي للمسلك الذي دافع عنه القادةُ الثلاثةُ المذكورون كانت تمتدّ إلى الفترة التي كنتُ أتولّى فيها مسؤوليةَ قيادة الحزب داخل الوطن (تشرين الأول 1978- آب 1979). كما لم تكن تلك المعارضة خافية على جميع المطّلعين والمقرَّبين من رفاق الحزب، بل وبعض الأبعدين أيضاً. وكلّ ذلك موضّح وموثّق في كتابي "صفحات من النضال على طريق التصحيح والتجديد والوحدة" (الصادر عام 1997- دار الكنوز الأدبية، بيروت). ولقد انتهى الموقفُ العدائيّ إزائي، بل والمحاربةُ التي اتخذت صوراً لاإنسانية، إلى النتائج التي يعرفها الجميع.
وفي تموز 1986، أي قبل 22 عاماً، نشرنا على الرأي العامّ الحزبي والوطني والأممي، مذكّرةً وقّعتُها أنا والمرحومان عامر عبد الله وحسين سلطان، وأيّدها عدنان عبّاس وآخرون، بصفتنا "أعضاءً وأعضاءَ احتياط في اللجنة المركزية وأعضاءً في المكتب السياسي وسكرتارية اللجنة المركزية" كشفنا فيها أوضاعَ الحزب المتردّية عموماً، وقلنا في خاتمة المذكرة: "إنّ حفنة من الرفاق القياديين يتحمّلون مسؤولية أساسية في دفع الحزب بهذا الاتجاه الخطر والإصرار عليه، وفي مقدّمتهم الرفيق عزيز محمد، يعاونه في ذلك الرفيق فخري كريم وغيره". ونصُّ هذه المذكّرة مدوَّن في مذكراتي الصادرة عن دار الطليعة – بيروت عام 2002 ص 428 – 436. ورغم أنّ أربعة من قادة الحزب يقفون وراءها، إلا أنها تعبّر أيضاً عن موقف وسطٍ أوسع من كادر الحزب القيادي.
وقد سبق أن ذكرتُ أننا بقينا ممسكين ببرنامج الحزب وبنظامه الداخلي وبتقاليده النضالية والتصاقه بالشعب وكادحيه، بينما راح مَن استولوا على زمام الامور فيه، وفي مقدّمتهم عزيز محمد وفخري كريم، يمسكون بمفاتيح المال والإعلام والسلاح والصلات بمخابرات الدول المختلفة. وإذا قادتهم تلك المفاتيحُ إلى كسبٍ معيّن، فإنها أسهمت في إغلاق أبواب النجاة أمام الحزب الشيوعي وقضيته العادلة.
2- أما المرحوم زكي خيري، فلا يمكن ان ينوب أحدٌ عن شهادته. ولكني أذكر بأمانة أني كنتُ أصارحه دائماً بالحديث عن هذا الخراب الذي يسير نحوه حزبُنا الشيوعي بسبب فخري كريم والمتسترين عليه، وكذلك عن تسرّب المبعوثين والمبعوثات من قبل أجهزة القمع الحكومية إلى عقر دار قيادتنا، في دمشق وبيروت وغيرهما، وبعلم جميع شهود الزور وصمتهم. وكان جواب المرحوم زكي خيري: "حدِّثني، مَن مِن هؤلاء لم تَدخل يدُ فخري كريم طويلاً في مؤخّرتهم؟!" ولم أملك إلا أن أفسّر اعتراضَه الواضح ذاك بأنّه إنما يشير إلى تواطؤ ومسؤولية كبير القوم (عزيز محمد) ومَن يشاركه. وها هما اثنان من شركائه (أحمد والصافي) يدليان بشهادتهما المزوّرة معه.
3- المرحوم ثابت حبيب العاني: شغل عضويةَ المكتب السياسي في الحزب لفترة غير قليلة. ويَعرف أكثريةُ رفاق الحزب المعاملةَ القاسية التي عومل بها في كردستان، إثر الاتهامات التي وُجّهت إليه بموقف الضعف والعلاقة مع أجهزة النظام. وما أودّ إيضاحَه هو أنّ التحريض ضدّ ثابت حبيب لم يكن ينفصل عن النكاية به، بسبب اعتراضاته المعروفة والمعلنة على مواقف فخري كريم ومسلكياته، ومنها ما يتعلّق بالتصرّف بماليّة الحزب. وما يجدر ذكرُه أيضاً أنّ المئات من رفاق الحزب، وخصوصاً في كردستان، كانوا يحيطون ثابت حبيب بالمحبة والاحترام، رغم علمهم بإجراءات العزل المتخذة بحقه.
4- الرفيقان عمر علي الشيخ ويوسف سليمان (أبو عامل)، العضوان آنذاك أيضاَ في المكتب السياسي. وأنا أعرف موقفَهما المعترضَ، أو على الاقلّ غيرَ الموافق، على الخراب وعلى التلاعب بماليّة الحزب الذي تحدّثنا عنه أعلاه. وإذا كان هذان القائدان في الحزب ملومين على عدم إعلان النضال العادل المطلوب منهما، فإنّ السؤال المهمّ الذي أطرحه هو: لماذا لم يشتركا مع الثلاثة الآخرين (عزيز محمد وأحمد والصافي) في التوقيع على شهادة تبرئة فخري كريم، علماً أنهما موجودان في كردستان الآن، وعلى مقربة من الثلاثة؟
لقد انتهينا من استعراض أعضاء المكتب السياسي الثمانية السابقين، المعلنة أو المفترضة.
5- أما المرحوم د. رحيم عجينة فكان عضواً في اللجنة المركزية، وشغل لفترة من الزمن عضويةَ المكتب السياسي في الحزب. نُشرت مذكِّراتُه، المعنونة "الاختيار المتجدد"، عن دار الكنوزالأدبية في بيروت عام 1998، وقال عنها إنها "ذكريات شخصية وصفحات من مسيرة الحزب الشيوعي العراقي". ويهمني أن أدوّن هنا وصفََه للخراب الذي كان يسير نحوه الحزبُ الشيوعي العراقي في حينه، إذ قال ص 284 من كتابه: " فقد كنتُ أرى أنّ الحزب يتحوّل إلى خرابة وجثة هامدة، وأنّ هناك من يريد ان يقف على قمة هذه الخرابة. لم أخفِ هذا الراي عن سكرتير الحزب- عزيز محمد، وحتى إني صرّحتُ به في كونفرنس تنظيم الخارج في خريف 1989".
كما أفرد المرحوم عجينة أربعَ صفحات من كتابه للحديث عن "الغموض الذي أحاط بمجلة النهج"، وكذلك "كيف جرى التعاملُ مع هذا الاستثمار في اجتماع اللجنة المركزية". وممّا قاله ص 287: "عند تدقيق ماليّة الحزب في اجتماع اللجنة المركزية، ظهر أنّ مجلة النهج، التي أُعلن عند صدورها أنها مجلةُ الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية، وكما ينعكس أيضاً في طبيعة مجلس تحريرها، هي استثمار وملكية خاصة تعود لفخري كريم، وكذلك مركزُ الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي، الأمرُ الذي كان مفاجأةً للعديد من أعضاء اللجنة المركزية، وأنا منهم"...
رحم الله د. عجينة. ولكن يبدو أنّ عزيز محمد وكريم أحمد وعبد الرزّاق الصافي مازالوا يصرّون على فرض "المفاجأة" ذاتها ليس على أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء الحزب الشيوعي وحدهم، بل على العالم كله!
شيئ عن فخري كريم
مع اشتداد حملات القمع التي مارسها النظامُ السابقُ ضدّ الحزب الشيوعي، كان بين خطط التحفّظ في البداية أن نُرسل ثلثَ كادر القيادة إلى الخارج، ومن بينها ان يرسَل فخري كريم إلى بيروت ليتولّى تكوينَ مركزٍ إعلاميّ للحزب فيها.
أودّ أن أشيرإلى بعض الحقائق التي توضح تعاملَنا المبدئي والتسامحَ مع الآخرين، وكيف جوبهت بما يخالفها. فعلى إثر تحقيقٍ حزبيّ أجراه المرحوم حسين جواد الكمر عام 1964 وبعده، اتهُم فخري كريم بالعلاقة بأجهزة النظام آنذاك؛ ومع ذلك فقد أُعطي المجالَ من جانب قيادة الحزب لتبرئة نفسه من تلك التهمة عملياً، وفي المنهج والسلوك.
وفي أواسط تموز 1978 اعتُقل فخري كريم من قِبل أجهزة الأمن، هو وعضوُ اللجنة المركزية عادل حبه، إثر لقائهما كممثلين للحزب الشيوعي بوزير خارجية أفغانستان سلطان كشتمند الذي كان يزور العراقَ آنذاك. وقد دعوتُ إلى عقد اجتماع لأعضاء اللجنة المركزية ضمّ 24 عضواً منهم لغرض الاستماع إلى موقفهما عند الاعتقال. وأدوّن أدناه ما ورد على ص 165 من مذكّراتي:
"اتّضح من خلال المعلومات التي أعطاها الاثنان أنّ المعاملة معهما كانت مختلفة تماماً، إذ عومل فخري كريم بلطف ومحاباة وبتوفير سرير مخصَّص لمنامه أثناء فترة الاعتقال وحتى خروجه. فقد بيّن أنّ مناقشاته وأحاديثه كان لها تأثيرُ الرضى والارتياح على مستمعيه في مديرية الأمن العامة. وقال إنه وعدهم بالطلب إلى قيادة الحزب استكمالَ "الحوار" بعد خروجه من الاعتقال، وانه الآن يقترح ذلك!...ثم لخّص باقر إبراهيم الموقفَ في نهاية هذه الجلسة، وقال إنّ موقف الرفيق فخري كريم، وهو سجينٌ في مديرية الأمن العامة، واعتقادَه بأنه يفاوض طرفاً سياسياً، موقفٌ غير صحيح وينمّ عن الضعف، وكان مفترضاً فيه أن يجيب على الأسئلة التي وُجّهت له بقدر ما يتعلّق ذلك بأسباب الاستدعاء والاتهام. وطلب إلى جميع أعضاء قيادة الحزب في حالة الاعتقال أن يلجأوا إلى الموقف الذي ذُكر أعلاه. فالمفاوضات السياسية تجري بين أطراف أحرار، وفي الأجواء الطبيعية، وليس بين السجين والسجّان. وطلب رأيَ الآخرين بهذا التلخيص للموقف، فلم يتحفّظ أحد من الحاضرين عليه، بمن فيهم فخري كريم نفسُه".
2- لم يكن أحدٌ من أعضاء القيادة الذين هاجروا يحمل مبلغاً كبيراً من مال الحزب الشحيح، الذي تُرك لمناضلي الداخل. كما أنّ راتبَ عضو القيادة المتفرّغ للعمل الحزبي، سواء في الداخل أو الخارج، محدّد بما لا يتعدّى سدادَ الكفاف. لقد عرفنا الحاجة، بل والجوع أيضاً، ولم نعرف في كلّ حياتنا النضالية بذخاً أو ثراءً.
والحق أنّ جميع التبرّعات والهبات المليونية التي دُفعت للحزب الشيوعي، والتي أعلن عنها فخري كريم في حديثه مع قناة "العربية" مؤخّراً، تُعلَن رسمياً للمرة الاولى! وأنا، كعضو في المكتب السياسي، وبصفتي المسؤول الأول عن التنظيم في الحزب، أذكر أنه لم تُعرض على المكتب السياسي تلك الهباتُ المليونية، ولا أسماءُ مَن سُجِّلت الأرصدةُ بأسمائهم، ولا المنشآت التي يمتلكها الحزب!
إنّ كل ذلك كان موضعَ خلاف داخل القيادة. وكنتُ مع آخرين نرى "أنّ المال السائب يغري بالسرقة"، وأنّ السرقة قد تحقّقت و بتواطؤ شهود الزور الثلاثة.
كانت كلُّ التبرّعات والهبات التي دُفعت للحزب الشيوعي العراقي من أحزاب صديقة ورؤساء دول أو مؤسسات أو شخصيات، سواء بادر إلى جمعها فخري كريم أو سواه من أعضاء القيادة، هي ملكٌ الحزب ولا تجوز لفرد فيه.
والحال أنه لا يجوز لمن يتقدّم لجباية تلك التبرعات والهِبات باسم الحزب، وهو الحافي بالأمس، مثلي ومثل الآخرين، أن تكون له إمبراطوريةٌ إعلاميةٌ مليونية، يَعرف الناسُ لافتاتِها وعناوينَها ولا يعرفون خزائنَها!
من هنا الاعتراضُ على التلاعب غير المشروع بأموال الحزب الشيوعي العراقي، ومن هنا الاعتراضُ على شهادة الزور لصالح المتلاعِب فيها. فتلك الإمبراطورية تأسست على نقيع دماء الآلاف من شهداء الحزب، وعلى أنقاض مجد الحزب الشيوعي، وطنياً وشعبياً.
إنّ سرقة أموال الحزب الشيوعي اقترنت بخراب نهجه المبدئي، وانتهت بتخريب وطنيته وسرقتها حين صار جزءًا من عملية احتلال العراق كله وإذلاله وسرقته.
سيواصل الشيوعيون المخلصون، مع كل الوطنيين الاخرين، كفاحَهم ضد المحتلّ وعملائه، من أجل التحرير والتغير والديمقراطية.
لن يغفر شعبُ العراق لمَن غَدروا به، ولن ينسى أيضاً مَن وقف معه في مأساته!
04/04// 2008
تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم
جميع الحقوق محفوظة © 2009 صوت اليسار العراقي