كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

قراءة في أحداث أسطول الحرية

بقلم: بسام أبوغزالة

                                                               

بعد أن هدأت عاصفة الأحداث المتعلقة باقتحام جنود البحرية الإسرائيلية لأسطول الحرية المتوجِّه إلى غزة لكسر حصارها، نحاول في ما هو آت قراءةَ هذه الأحداث والنظرَ من خلالها إلى مستقبل حصار غزة خاصة والقضية الفلسطينية عامة.

أولا: على صعيد كسر الحصار

لعلّ أدقّ ما وُصفت به هذه الحملاتُ البحريةُ لكسر الحصار على غزة بأنها حرب استنزاف على دولة الاغتصاب الصهيونية وحلفائها الإمبرياليين والأنظمة العربية المستسلمة. إنها تشبه مظاهرات الجماهير الغاضبة في الشوارع: قد لا تؤتي نتائج فورية، ولكنها تلقي حجرا في مياه آسنة حتى يبلغ بها الأمرُ أنْ تعكرَ صفو تلك المياه، فتجبرَ من يوجَّه له الغضب على التحرك. ولا ننسى أن سيول الجماهير التي أغرقت شوارع إيران عام 1979 قد غيّرت نظام الحكم الملكي فيها، وأدارت السياسة الإيرانية 180 درجة. فلا يستهيننَّ بالجماهير أحد، لأن قطرة الماء المنصبة بلا توقفٍ على صخرة قادرةٌ على إحداث حفرة فيها. أما كتبة سلاطين الأنظمة العربية المستسلمة، فقد ملّ القارئ كتاباتهم التي تورث الغثيان. ولا ننسى ما كشفه الكيان الصهيوني حديثاً في عملية إفراج عن الوثائق القديمة عن أن الصحفيين العرب الذين كانوا يستهزئون بثورة فلسطين في ثلاثينات القرن المنصرم، ويدافعون عن المهاجرين اليهود الأوربيين على أنهم لاجئون مساكين لاذوا بنا من ظلم الاضطهاد الأوربي، كانوا يتقاضون من الحركة الصهيونية أجراً على مقالاتهم. فلنحذر كلما قرأنا قلماً مُحلِّقاً خارج السرب.

باستقراء ردة فعل العالم، يعتقد المرء أن كسر الحصار بات وشيكا إذا استمرّت هذه الأساطيل في حشد شعوب العالم وإحراج الدول الداعمة للحصار. على أن الحذر لا بد منه، لأن الدولة الصهيونية، والولايات المتحدة، والدول الإمبريالية الأخرى، وفي ذيلهم العرب المستسلمة، سيحاولون جميعاً إيجاد صيغة لرفع الحصار بالدرجة التي تخدم الدولة الصهيونية وبما لا يُعطي المقاومة والصمود مكسباً. وإذ نعلم ويعلم هؤلاء أن الفضل في استقطاب جماهير العالم وحفزها على محاولة كسر الحصار يعود للمقاومة ولصمود أهل غزة، نعلم أيضاً أن الحصار فُرض على غزة لسبب واحد أحد: كسر شوكة المقاومة فيها. أما الزعم بأن فتح معبر رفح وميناء غزة سيُكرِّس انقسام الوطن، فيكفي دلالة على تهافته أنه يصدر عن باعةٍ يعرضون بضاعة أوسلو الفاسدة على أرصفة الشوارع.

 

ثانيا: على صعيد القضية الفلسطينية:

قلنا إن السفن التي تتجه صوب غزة لكسر حصارها إنما تلقي حجرا في مياه آسنة، بعد أن أجهضت اتفاقاتُ الاستسلام بين بعض الدول العربية والدولة الصهيونية ما تحلّى به العرب من ممانعة ومقاومة، ونخصُّ منها ما سُمّي بتفاهمات أوسلو بين صاحب الدار واللصّ المغتصب. وقد أسهمت جميعاً في التعتيم على القضية وتشويه وجهها الحقيقي، حتى تقزّمت مطالبنا وبتنا نرضى بتحرير الأراضي المحتلة عام 1967، وربما بأقل منها. وكان أن عرض النظام العربي القُطري المستسلم ما أسماه "المبادرة العربية"، التي وهبت الدولة الصهيونية الأراضي التي اغتصبتها عام 1948، ووعدتها إن هي قبلتها بعلاقات عشق، إنْ هي إلا علاقات زنى محرَّم يُروِّجُ له المستسلمون. لم يسأل أحدٌ من هؤلاء السلاطين إن كان يحقُّ له منح الصهاينة هذا الجزءَ من الوطن العربي، بغضِّ النظر عن الأوهام التجميلية التي أنيطت بالمبادرة.

لكي يمضي المشروع الصهيونيُّ في سبيله، لا بدّ من إسكات أصوات المنادين باسترداد فلسطين، بل لا بد من تغييب القضية عن أذهان العرب، ثم عن أعين أحرار العالم الذين بدأوا يستوعبون حقيقة الوجود الصهيوني على أرض فلسطين، ملخَّصاً بكلمتين: أن مهاجرين يهودا أوربيين أغرابا عن المنطقة كلها جلبتهم الإمبريالية البريطانية إلى فلسطين بذرائع شتى، ومكّنتهم من الاستيطان فيها بحد السيف، حتى أقامت لهم دولتهم المسماة إسرائيل، بعد أن شردّت أهلها لاجئين في أصقاع الأرض. ولما كان هذا المشروع إمبرياليا بامتياز، هدفه الحفاظ على الوطن العربي مفتتاً مجزّأً حتى تسهل السيطرة عليه، وهو ما يتجلَّى اليوم في النظام القُطري العربيّ، استلمت الولايات المتحدة رايةَ الدفاع عن الدولة الصهيونية حين أفل نجم الإمبراطورية البريطانية. وبالرغم من الزعم بديمقراطية الأنظمة الغربية، فإن حدود تلك الديمقراطية تنتهي عند انتقاد اليهود ورفض زعمهم في الحق في فلسطين. وهو ما حدث قبل أيام مع عميدة الصحافة في البيت الأبيض، هِلِن طومَس، التي علّقت على مجزرة سفينة مرمرة بقولها: على اليهود أن يخرجوا من فلسطين ويعودوا إلى بلادهم في بولندا وألمانيا وغيرها. كانت الحملة على هِلِن طومَس من الشدة بحيث أجبرت على الاستقالة.[1] لكن هذه الاستقالة لا تعني أن كرة الثلج توقفت، بل تعني وعداً بازدياد حجمها. هذه واحدة من منافع السفن التي تحاول كسر الحصار. بل إن غباء الصهاينة في تصرفهم زاد حماس المتحمسين إلى إرسال المزيد من السفن. ذلك أن السفن الأولى التي كانت تأتي فرادى، شحذت فكر المتضامنين على جعل الحملة أسطولا من السفن. وإجهاض الحملة الأخيرة بالقوة حفز المتضامنين إلى الإعداد لحملة جديدة قد يكون قوامها مئة سفينة أو يزيد.

لا نعوِّلُ على تلك المظاهرة البحرية في استرداد فلسطين، طبعا، لكن الصرحَ العالي يُبتنى حجرا حجرا. كذلك الأمر فيما يتعلّق بحماسة العالم تجاه القضية. وللمعركة أن تتعدد وجوهها، ولا بد لنا نحن العرب من أن نكون طليعتها المقاتلة، فلا نلقي سلاح المقاومة مهما كلف الأمر.

 

ثالثاً: على الصعيد العربي

تكمن أزمة الوطن العربي في غياب الديمقراطية؛ وهذا يعني أن النظام القُطري العربي لا علاقة لمعظمه بشعبه. إنه نظام تقوده مجموعة من الحكام المستبدين الذين يفرضون أنفسهم على شعوبهم فرضاً، وإذا أراد بعضهم تجميل صورته أجرى انتخاباتٍ وتفنن في تزويرها، وترك لوسائل إعلامه مهمة الإمعان في تزوير الكلمة. والنتيجة أنّ الحاكم الذي لا ينتخبه شعبه في دولة صغيرة لا يجد حاميا لكرسيّه سوى الدول الإمبريالية، وهذه لا تقدّم صنيعا من غير أن تمكس ثمنه. والثمن معروف: أن يرعى الحاكم المحميُّ المصالح الإمبريالية لحاميه، وهي متناقضة بالضرورة مع مصالح شعبه. هذا ما يُفسِّرُ الهيجان الذي حدث على أثر مجزرة سفينة مرمرة، والذي يتكرَّر حدوثه كلما حدث حادث كهذا: شعب هائج في كل قطر عربي، ونظام حكم يبخل حتى بالتغطية الإعلامية للحدث، وكثيراً ما يُطلِق كتبتَه للتقليل من شأن الحدث، أو لملامة الحملة كلها.[2] ما كان للحصار أن يكون لو أن الدول العربية لم تكن شريكة فيه. نقول هذا ولا نجد حاجةً إلى الاستشهاد بما تسرّب من أنباء عن تصريح بعض المسؤولين العرب للرئيس الأمريكي بضرورة الحصار حتى تنهار سيطرة حركة حماس على غزة. وإلا، فما الداعي أصلا لمطالبة الدولة الصهيونية برفع الحصار، ومعبرُ رفح مُغلَق لأسباب مزعومة؟

صحيحٌ أنّ ما نراه من هيجان شعبيٍّ في أصقاع الوطن العربيّ لن يُغيِّر الأنظمة القُطرية العربية بضربة ساحر. لكنّ الصرح العالي، كما قلنا، يُبتنى حجرا حجرا، والسيل قد بلغ الزبى.

 

رابعا: على الصعيد التركي

لعل من الطريف إيرادَ اقتباس لمقولة وردت في كتاب العبر لابن خلدون تقول، "فكانَ من لُطفِ اللهِ سبحانه أنْ تَداركَ الإيمانَ بإحياءِ رَمَقِه، بأنْ بعث لهم من هذه الطائفةِ التركيةِ وقبائلِها العزيزةِ المتوافرة، يدخلون في الدينِ بعزائمَ إيمانيةٍ وأخلاقٍ بدويةٍ لم يدنِّسْها لؤمُ الطباع، ولا خالطتها أقذارُ اللذات، ولا كسر من سَوْرتها غزارةُ الترف." هذا وصفٌ لوضع تاريخيٍّ قديم، نورده للطرافة، لا لتوكيد حقيقته. لكننا نلاحظ أنّ الترف لدى الحكام العرب في ذلك الزمن هو الذي قوّض أركان دولتهم، بينما تكمن آفة أغلبِ الحكام العرب المعاصرين، وإنْ ألهاهم الترف عن خدمة شعوبهم، في أنهم عبيدٌ مخلصون لسيدهم الأمريكي، يأتمرون بأمره، ويفعلون ما يشير عليهم به، يستوي في ذلك المترفون من ثروة النفط، أو من ثروة الفساد، أو من كليهما معا.

حين استولى بنو عثمان الأتراك على حكم معظم الدول الإسلامية، تقبّلهم العرب – راضين أو غير راضين – كمسلمين يحكمون ديار الإسلام. وحين استولى الوهن على جسد الدولة العثمانية، وهو أمر طبيعي يصوِّر دورة الحياة الإنسانية من الولادة حتى الموت، سواء في ذلك الأفراد أو الدول، بدأ العرب المحكومون لهذه الدولة يتململون طالبين الاستقلال عنها، بسبب الفساد، وسوء الإدارة، والاستبداد، وتنامي الشعور القومي العربيّ، خاصّةً حين أخذت الدولة تطمس اللغة العربية لصالح التركية. وإذ أعلن الثوار العرب ثورتهم على الأتراك قبيل الحرب العالمية الأولى، ولجأوا إلى بريطانيا لتساعدهم على تركيا، أورث ذلك ضغينة لدى الأتراك، واتهموا العرب بالخيانة. ومنذ ذلك الحين حتى نجاح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، كان الصفاء بعيداً عن العلاقة العربية التركية. ومنذ قيام الدولة الصهيونية، وبسبب العلاقات التركية الغربية، وعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، كانت تركيا على علاقة متينة بالدولة الصهيونية، عسكريا وسياسيا واقتصاديا. ومن الطبيعي أن ينحو العامة في تركيا منحى النظام الحاكم فيها؛ أو لعلهم لم يكونوا واعين أو مهتمين بغير قوت يومهم. لكن الزمن تغيّر، والتقانة الإعلامية الحديثة باتت تعرض الأحداث بالصوت والصورة في بيوت الناس، فتغيّرت المفاهيم، وأخذ الشعب التركيُّ يدرك حجم الظلم الواقع على الفلسطينيين الذين يشتركون معهم في الدين والتاريخ. ولاشك في أن الحركات الإسلامية، ومنها حزب العدالة والتنمية الحاكم، أسهمت إسهاما فعالا في تعريف الشعب التركي بحقيقة القضية الفلسطينية.

بالرغم من ذلك، بقيت علاقة تركيا بالكيان الصهيوني قوية، حتى حدث ما أخذ يهزُّ تلك العلاقة، كان أولها المجزرة التي ارتكبتها الدولة الصهيونية في حربها على غزة في شهري كانون الأول والثاني عامي 2008 و2009. وإذ حرّكت هذه المجزرة شعوب العالم كلها، كان أثرُها شديدَ الوقع على الشعب التركي المسلم. ثم تبعها تصرف رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردُغان، حين رد بحدةٍ وشجاعةٍ على رئيس الدولة الصهيونية، شيمون بيرس، في مؤتمر دافوس الاقتصادي، ثم انسحب غاضبا لعدم منحه الوقت الكافي للكلام (28 كانون الثاني 2009). وإذ استُقبل في بلاده استقبال الأبطال يوم عاد من المؤتمر، دلّ ذلك على وعي الشعب التركي لحقيقة القضية الفلسطينية وإعجابه بموقف رئيس حكومته. ثم جاءت مجزرة السفينة مرمرة لتعزِّز عداء الشعب التركي للكيان الصهيوني، خاصّةً حين كان شهداء المجزرة كلهم أتراكا.

لكننا أيضا يجب أنْ نلاحظ ونُقدِّرَ التأني البالغ الذي يسلكه قادة حزب العدالة في توكيد توجههم المبدئي الذي يبدو متنافياً مع الإرث الكمالي المتغرّب، ولكنْ من غير جعجعة. ومن الواضح أنّ سبب هذا التأني عدم استثارة الجيش، الذي ينصِّبُ نفسه حامياً لذلك الإرث. فكان في التدرُّج حكمة لا تفتح الباب للريح. بهذا نستطيع تفسير تلك الحوادث بجرعات متوالية من دواء فعال، على مرارته، يُزجيه ذلك الحزب برفق في المجتمع التركي.

على أنه ليس من الحكمة القفز إلى الاستنتاجات حول حقيقة الموقف التركي الذي سيحكم سياسة تركيا المستقبلية تجاه القضية الفلسطينية، سواء أكان هذا القفز يحملنا إلى تتويج إردُغان زعيما للعرب والمسلمين، كما يحلو للباحثين عن الأبطال أن يفعلوا، أو إلى المبالغة في التعقل حدّ التنقيب عن أسبابٍ خبيثة للسياسة التركية. فلْنحاولْ قراءة المشهد بتعقل واعٍ لا يخضع لعاطفة أو ضغينة.

تركيا، على عكس النظام العربي القُطري، بلد ديمقراطي بعد أن أُجبر الجيش على رفع يده عن التدخل في شؤون الحكم، وقد كان، بدعوى حماية الإرث الكمالي، المتحكِّمَ الأعلى بالدولة وحكوماتها. والإرث الكماليُّ هو الدولة العلمانية التي فصمها مصطفى كمال أتاتورك عن بيئتها الإسلامية حين قضى على النظام السلطاني العثماني الذي أخذ، في أواخر العصر العثماني، يعُدُّ السلطانَ خليفةً للمسلمين، مضفيا على حكمه شرعية دينية.[3] أما الإرث الكماليُّ فيعُدُّ النظامَ الأوربيَّ الغربيَّ مثالا فرض على تركيا الاحتذاء به حتى في الشكل. فأجبر الأتراك على ارتداء اللباس الأوربي، ملغيا، مثلا، الطربوش التركي، مُحِلا محله القبّعة الأوربية. والأدهى، بالنسبة إلينا، أنه ألغى استخدام الحرف العربيّ في اللغة التركية، مُحلا محله الحرف اللاتيني. كلُّ ذلك تقليداً للأوربيين في مظهرهم. أما الجوهر، فالأمر مختلف لمن يعرف الطبيعة الإنسانية.

في الدول الديمقراطية، بطبيعة الحال، يحكم الحاكم بإرادة شعبه، ولا يجرؤ على ممارسة حكم لا ترضى به الأغلبية الشعبية، لأن ذلك يعنى فقدان الحكومة. وهذا هو الحال في الدولة التركية اليوم. وإذ صعد إلى الحكم حزب العدالة والتنمية ذو التوجّه الإسلامي، فإن ذلك يعني أن الشعب التركي، بالرغم من كل ما فعله أتاتورك وأتباعه، لا يزال شعبا شرقيا مسلما، ولن يتقمّص الشخصية الأوربية. أما علمانية الحكم فتعني فصل الدين عن الدولة، لا التنكر للدين، وهو أمر لا يتنافى مع الإسلام، بالرغم من خلافية هذا الطرح. وطبيعيٌّ لشعب مسلم أنْ يكون شعوره معاديا للدولة الصهيونية، بغض النظر عن منحى حكامه. فإذا أتيح لهذا الشعب أن ينتخب حكامه، فلن يستطيع الحاكم أن يكون صديقا لدولة تنكّلُ بشعب مسلم بعد أنْ قامت على ركام وطنه. لذلك لا نرى سبيلا للشعب التركي أن يحيد عن شعوره الذي عبّر عنه في هيجانه الأخير، أو في هيجانه يوم الحرب الوحشية على غزة، أو في استقباله استقبال الأبطال رئيسَ حكومته حين رد بحدة على رئيس الدولة الصهيونية. فإن كان هذا هو سبيلَ الشعب التركي، فإن تغيير اتجاه الحكم في تركيا لن يتأتى إلا بانقلاب الجيش على الديمقراطية، وهو أمر نستبعده في هذا الزمن.

تدرك الحكومة التركية الحالية أن حاضنتها الطبيعية كامنة في هذا المجتمع الإسلامي الشرقيّ، لا في أوربا. وما سعيُها لعضويةِ الاتحاد الأوربي، فيما نرى، إلا لأسباب اقتصادية لا اجتماعية، لأن "أوْرَبَةَ" شعبٍ شرقيٍّ مسلمٍ منافيةٌ للطبيعة. ذلك أنّ العاداتِ والتقاليدَ التي تتجذّرُ في مجتمعٍ ما عبر آلاف السنين لا تفصمها جرّةُ قلم عن جذورها. كذلك تدرك تركيا الحديثة الروابط التاريخية بينها وبين المشرق، ولا تنسى أن دولة بني عثمان هيمنت على المنطقة زهاء أربعة قرون من الزمن. وبالرغم من هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، فقد تماسكت تركيا ضمن حدودها، حتى استطاعت اليوم، بحجمها الجغرافي والبشري، أن تتبوأ المركز الاقتصاديّ السابع عشر في العالم والسادس على المستوى الأوربي، بالرغم من أن أرضها لا تنتج النفط. وطبيعي لمثل هذه الدولة أن تبحث عن مكان لها في المنطقة يليق بمؤهلاتها المذكورة. فأنْ يعيب عليها كتبة سلاطين النظام القُطري العربيِّ هذا التحركَ، فلأن هذا النظام العربي مفلسٌ متهافت، بات على شعبه عبئاً لم يعدْ يُحتمَل، وآن أوان تغييره.

فيما عدا العقائدَ التي تُحدِّدُ الخطوط العريضة التي يسلكها نظامٌ سياسيٌّ ما أحياناً، فإنّ المصالح الاقتصاديةَ هي العامل الأول الذي يحفز سياسات الدول. هنا لا بد من أنْ نُدرك أن من شأن المصلحة الاقتصادية أنْ تحوِّل وجهة السياسة التركية صوب المشرق الإسلامي والمغرب العربي. فالسوق العربية، ومعها الإيرانية، من الاتساع بحيث تفوز باهتمام الأتراك وتجعلهم يُشيحون النظر عن الدولة الصهيونية، إذا كان لها أن تختار بين متناقضين. وهذا أيضاً تصرُّفٌ طبيعيٌّ لا يستوجب الانتقاد الحادّ الذي خرج علينا به كتبة السلاطين.

 

خامساً: على الصعيد الإسرائيلي:

بحساب النتائج، كان في تصرف البحرية الإسرائيلية رعونةٌ جرَّت على الدولة الصهيونية وبالاً سياسياً يضاف إلى رصيد سمعتها العالمية السيئة، فبدت هذه الدولة يُحاصرها من تحاصره ووراءه أحرار العالم جميعا. لكنّ هذا التصرُّف منطلق من مبدأ قديم فيه كثير من غرور القوة اعتادت عليه السياسة الصهيونية يقول: ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيدٍ من القوة. ربما كان هذا المبدأ صحيحاً في بداية إنشاء الدولة، يوم لم يكن العرب مجتمعين قادرين على مواجهة تلك الغطرسة. (ولو كان العرب قادرين على المواجهة، ما قامت الدولة الصهيونية أصلا.) لكننا يجب أن لا ننسى أن آخر انتصار حققته الدولة الصهيونية كان انتصارها في حرب حزيران 1967، ولم تنتصر من بعد ذلك قط. بيد أنّ غرور القوة لم يزل يُعشش في عقول الساسة الصهاينة، معتمدين على دعم الولايات المتحدة لهم دعماً أعمى. وغرور القوة هذا ناشئ من عاملين: قوتها النسبية أمام العرب، وما تولد لديها بفعل هذه القوة من جنون العظمة (بارانويا)؛ وما هذه إلا تغطية على شعورها الدفين بأن وجودها مزوّر، فهي لا تعدو كونها دولة وظيفية وكتيبة متقدمة في المنطقة لخدمة الإمبريالية الغربية. وبطبيعة الحال، كانت الخطة لمواجهة أسطول الحرية ألا يُسمَحَ له في الوصول إلى هدفه مهما كان الثمن. ولعل تعبير "مهما كان الثمن" كان كلمة السرّ التي حملها معهم جنود البحرية الذين هاجموا الأسطول.

فيما يتعلق بمسألة انتهاك القانون الدولي بمهاجمة سفن في أعالي البحار، نشير إلى أن المختصين يعدّونه انتهاكا صارخا يفتح الباب على مصراعيه لرفع قضايا أمام محكمة الجنايات الدولية. على أنّ الحكومة الصهيونية لا تفتقد إلى خبراء في القانون الدولي، فلم يكن ليغيب عن بالها أن مهاجمة السفن في أعالي البحار انتهاك للقانون الدولي، لكنها اعتادت على تحدي العالم في كل ما يتعلق بما تراه مصلحة لها، خاصة ما يتصل بأمنها، حتى لو كان هذا الأمن قميص عثمان جديد. وهذا أيضا لا يخرج عن عقدة غرور القوة، استنادا إلى التزام الإدارات الأمريكية جميعا بالدفاع الأعمى عنها. فلا يستغربْ أحد أن يُصرِّح نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن أمنها.[4]

أما فيما يختصُّ بالظروف التي أدت إلى العراك مع الأتراك، فقد يستنتج المراقب منها سببين يتعلق أحدهما بالمتضامنين الأتراك والثاني بالجنود الصهاينة.

فأما بالنسبة إلى المتضامنين الأتراك، فقد كان واضحا من شهاداتهم على الحادث، أنهم حسبوا حساب أن يقتحم الجنود سفينتهم بالقوة، فاستعدوا للأمر. وحين حدث ما توقعوا، طلبوا من المتضامنين الآخرين النزول إلى الطبقة السفلى من السفينة، لتتسنى لهم المقاومة بدون إيذاء غيرهم. وهذا طبعا تخطيط حكيم لا يعيبهم، بل يدلُّ على أنهم لا يُطأطئون رؤوسهم لأحد. وما زعمُ الناطق الصهيوني بأن المتضامنين على سفينة مرمرة ليسوا دعاة سلام، بل ينتمون لحركات "إرهابية" لأنهم قاوموا الجنود، إلا إفلاسٌ مضحك. فهل كان منتظراً منهم استقبال هؤلاء القراصنة بالورد والياسمين؟

وأما بالنسبة إلى الجنود الصهاينة، فواضح أنّ الأوامر التي أُعطيت لهم كانت السيطرة على السفينة "مهما كان الثمن"، كما قلنا. لعل هؤلاء الجنود قتلوا من قتلوا حين فوجئوا بالمقاومة وإن كانت غير مسلحة. لكننا لا نستبعد أن أمر "مهما كان الثمن" كان يعني للقيادة الإسرائيلية تعمُّدَ تمريغ أنف تركيا، حتى لو كانت الحليفةَ الأهمَّ لها في المنطقة؛ إذ واضحٌ أن حدود هذا الحلف تنتهي عند حدود الرغبة الصهيونية في السيطرة على المنطقة. والتصرُّف الأرعنُ الذي قام به داني أيالون، نائبُ وزير الخارجية الإسرائيلية، مع السفير التركي[5] في أواخر العام المنصرم يكشف الغطاء عن العقلية الإسرائيلية الصلفة التي لم تجد لدى النظام القُطري العربيِّ من يردعها، فازدادت صلفا. على أن تصرُّف البحرية الإسرائيلية الذي وصفناه أعلاه بالخطأ الكبير، والذي جرَّ على الدولة الصهيونية وبالاً سياسيا،ً لن تستطيع رتقَ فتقِه حكوماتُ الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين، ولا سكوتُ الأنظمة القُطرية العربية المستسلمة. فتركيا دولة انتهت من إعادة بناء نفسها منذ انكسارها في الحرب العالمية الأولى، وهي دولة كبيرة ذات اقتصاد متين، وتاريخ لا يُتَغاضى عنه. ويوم أُهين سفيرها، سحبته واشترطت لإعادته اعتذارا مكتوبا؛ وهو ما رضخت له الحكومة الصهيونية. صحيح أن علاقات تركيا بالدولة الصهيونية متشعبة اقتصاديا وعسكريا، لكن فكَّ خيوطها تدريجيا يبدو أنه بدأ. كذلك لا تستطيع الولايات المتحدة التصرف مع تركيا كما تتصرف مع الأنظمة العربية المستضعفة نفسها.

يفرض قانون الطبيعة نفسه في حياة الدول وموتها، كما يفعل مع المخلوقات الحية من حيوان ونبات. فهل بدأت تصرفات الدولة الصهيونية تسلك سبيل موتها؟ نعلم أن هذه الدولة قامت بحد السيف، ولا تستطيع بعد مرور نيف وستين عاما من إقامتها أن تستغني عن السيف. وقد مات الرواد الأوائل الذين أقاموا هذه الدولة، وشاخ ورثتهم، وهاهو جيل جديد يحل محل الجيلين لا يحمل صفات الريادة ولا يرى سبباً في العيش في ثكنة عسكرية إلى الأبد. أما أهل فلسطين، فلا يزالون يقاتلون بكل الوسائل لاسترداد وطنهم، مسفهين فكرة بن غوريون أن الجيل الأول سيموت والأجيال التالية ستنسى. مات الجيل الأول من الفلسطينيين، لكن أطفال فلسطين الذين لم يروا وطنهم قطُّ لم ينسوا ولا يزالون يقاتلون. لعل هذا أكثرُ ما يُربك القادةَ الإسرائيليين فيدفعهم إلى التصرُّف برعونة تشي بإفلاسهم. والإفلاس السياسي أول الموت. والذي يستقرئُ تصرُّفَ هذه الدولة، قيادتِها وشعبِها غيرِ المتجانس، ولجوءهم جميعاً إلى تزوير التاريخ، وتكرارَ الكذب حتى يُصدِّقوا أنفسهم، ثم إسقاطَهم كذبهم على غيرهم، يُدركُ اقتناعهم الكامن، وعوه أم لم يعوه، بأنهم دولة طارئة، وجسم غريب مزروع في غير أرضه، وشعب ململم من كلِّ صِقع، يراد لدينه أن يكون قوميته، ويُقحَمُ عليه تاريخ ملفَّق، ثم يحفر في الأرض التي اغتصبها وزعم أنها أرض أجداده بحثاً عن أثر لهم، فيجد آثار كل الأمم الأخرى التي مرت بهذه الأرض إلا آثارهم. من المؤكد أنهم ليسوا من الغباء بحيث تغيب عنهم الحقيقة؛ فلا مناص لهم، إذاً، إلا اللجوء إلى الوهم ملاذا لا يلبثون أن يدركوا أنه محض وهم، فيرتبكون ارتباكهم الذي نراه.

 

سادساً: على الصعيد العالمي

كان المقصود من حملات كسر الحصار على غزة بحراً وبراً أن تكون حملاتٍ إعلاميةً تلفت نظر العالم إلى الإجرام الواقع على المحاصَرين من أهل غزة. وقد حققت كلُّ تلك الحملات هذا الهدف في تراكم وصل ذروته في الحملة الأخيرة، حيث ساعدت عليه حماقة الحكومة الإسرائيلية كما وصفنا. وقد رأينا المظاهرات الصاخبة في كل أرجاء العالم، بل إن نيكاراغوا ذهبت إلى حدِّ قطع علاقاتها بالدولة الصهيونية؛ وهو إيذانٌ بما يمور تحت أرض أمريكا اللاتينية، التي أخذت تتفلّتُ من عقال الولايات المتحدة.

لم تسلم الولايات المتحدة من احتجاجات شعبية داخلَها دالّةٍ على تزعزع مركز الدولة الصهيونية في قلوب الشعب الأمريكي. ولا ننسى أن السفينة الأيرلندية من سفن الحرية سُمِّيتْ باسم راشل كوري، تلك الفتاة الأمريكية التي سحقتها جرافة إسرائيلية عمدا، في 16 آذار 2003، حين وقفت تحاول صدَّها عن هدم أحد المنازل الفلسطينية في الضفة الغربية. لكن استجابة الإدارة الأمريكية للحادث لم ترْقَ إلى هذا المستوى الشعبي؛ وما صرّح به نائب الرئيس الأمريكي المنقول أعلاه دليل على ذلك. هنا نستبعد تأييد الرأي القائل إن إسرائيل أصبحت عبئاً على الغرب عامة، وعلى الولايات المتحدة خاصة. ولعل السادات، إن كان صادقاً في مسعاه، كان من السذاجة بحيث ظنّ سهلاً فصمَ العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة والدولة الصهيونية إذا أقنع الولاياتِ المتحدةَ بأن مصالحها مع العرب أقوى منها مع الدولة الصهيونية. وفي رأينا المتواضع إن مثل هذا التفكير تسطيح لحقيقة الوضع وجهل بالسبب الحقيقي الذي أدى إلى إقامة الدولة الصهيونية. ذلك أن بريطانيا، يوم كانت تمثل الإمبريالية العالمية في حقبة الحرب العالمية الأولى، وجدت ضالتها الكبرى في الحركة الصهيونية التي كانت تبحث عن وطن يلوذ إليه يهود أوربا هربا من اضطهاد المسيحيين لهم. فتبنت تلك الحركة وقدمت لليهود خاصرة الوطن العربي ليقيموا عليه دولتهم، حسب "وعد بلفور". وقد كان لبريطانيا ما أرادت، فجلبت أولئك اليهود ورعتهم بكل الوسائل على حساب عرب فلسطين حتى أقامت دولتهم عام 1948، عقب الحرب العالمية الثانية. يومئذٍ، وكانت الحربُ قد أنهكت بريطانيا وفرنسا، تبوّأت الولايات المتحدة قيادة الإمبريالية الغربية، فورثت مهمة الحفاظ على الدولة الصهيونية كدولة وظيفية تُكلَّف بما يخدم مصالح الإمبريالية. فلا غرو أن تُدافع الولايات المتحدة عنها دفاعا أعمى في كل المناسبات. لا تزال الدول الأوربية ذات التاريخ الإمبريالي تدافع عن الدولة الصهيونية، وكذلك تفعل أحزابُها اليمينية. وحديثاً أفصح عن هذا المبدأ رئيس الوزراء الإسباني السابق ذو التوجّه اليميني، جوزيه ماريا أثنار، في مقال يطالب فيه بدعم إسرائيل، لأنها "إذا انهارت، انهرنا كلنا،" واصفا إسرائيل بأنها "أفضل حليف للغرب،" وخط دفاعه الأول في منطقة حيوية لأمنه المتعلق بالطاقة.[6] لكننا يجب أن ننتبه إلى أنّ الكثرة من الأوربيين الذين اكتووا بنار الحرب بدأوا يدركون، حسب الاستبيانات المعلنة، أن الدولة الصهيونية ليست سوى دولة مارقة مُهددةٍ للسلام العالمي. كذلك نلاحظ أنّ الزخم الشعبي في أوربا نحو قضايا العالم أقوى منه في الولايات المتحدة، لأن الأمريكي إنسان بسيط همه معيشته اليومية، وغير معنيٍّ بسياسة بلاده الخارجية ما دامت لا تتعدى على رفاه عيشه. وهذا ما يجعل الساسة الأمريكيين بمنأى عن رأي شعبهم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وهو أيضاً ما يجعل قوة الضغط اليهودية ذات أثر كبير في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية. لكنّ الوضع الشعبيّ في الولايات المتحدة بعد تورطها في العراق وأفغانستان آخذٌ في التغيّر لما أحدثته الغزوات الأمريكية الفاشلة من آلام على الشعب الأمريكي.

قيل الكثير عن أثر قوة الضغط اليهودية (اللوبي الإسرائيلي) على السياسة الخارجية الأمريكية. وكالعادة، هناك مبالغة تصل حدّ الشطط، مُصوِّرةً القوة اليهودية وكأنها ضربٌ من أفعال الجنّ لا يقوى عليه البشر. وإذ أن الوضع أعقد من أن يكون إما أسود أو أبيض، تبقى المصالح الأمريكية الأساسية هي التي تحدد في النهاية سياسة الدولة الخارجية؛ وهي مصالح تأخذ في الاعتبار أهمية وجود إسرائيل كدولة وظيفية مرتبطة ارتباطاً عضويا بالمصالح الإمبريالية في المنطقة العربية. وحين يكون ثمة تضارب، تٌُغلَّبُ المصلحةُ الأمريكية، مع عدم إهمال ما للعامل البشري من أثر، وهو أمر ينطبق على جميع دول العالم. في حرب الخليج الثانية، حين ضرب العراق فلسطين المحتلة بالصواريخ، لم تسمح إدارة بوش الأب لإسرائيل بالرد، ولم تجد إسرائيل مناصا من الالتزام. وقبل ذلك بخمسة وثلاثين عاما فرض الرئيس أيزنهاور على إسرائيل الانسحاب من سيناء وقطاع غزة في أعقاب الحرب الثلاثية على مصر عام 1956، فانصاع دفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي يومئذ، ولم يُنصت لأصوات المحتجين في الكنيست.[7] على أنّ السؤال حول مدى استمرار ارتباط المصالح الأمريكية/الإمبريالية بالدولة الصهيونية يبقى مطروحا، على ألا يتوقّع المرء جوابا إيجابيا ما دام العرب على حالهم: حكاماً مطأطئين رؤوسهم كالنعاج، وشعبا يكتفي بالمظاهرات الموسمية، وأحزابا - حيث يُسمَح بها – لا تقدم للمواطن ما يشفي غليله.

***

فذلكة القول إن استمرار الحملات البحرية لكسر الحصار على غزة من شأنه أن يكشف للعالم حقيقة أوضاع الاحتلال في غزة والضفة الغربية، وحقيقة الصلف الصهيوني، وهو ما سيؤدي إلى معرفة الحقيقة التي طُمست عن عيون العالم منذ جيء بيهود أوربا ليغتصبوا فلسطين. تمثل هذه الحملات الجزء الإعلامي من المقاومة. وما كان لأحرار العالم أن يحملوا على عاتقهم هذا الجهاد لولا المقاومة والصمود في قطاع غزة. وهذه المقاومة وذلك الصمود أبلغُ ردٍّ على استسلام الأوسلويين في الضفة الغربية، وعلى استسلام النظام القطري العربي عموما.

أما الدولة الصهيونية فقد أثبتت أنها نمر من ورق، متهافتة ذاتيا، وعلى العرب جميعا أن يتبنوا نهج المقاومة للقضاء عليها، لا للتصالح معها، لأن محض وجودها زعزعة لوجودنا. ولو أن النظام القُطري العربي ذو أذن تسمع، وعقل يعي مصلحة شعبه، لبدأ في توحيدٍ تدريجيٍّ لأقطاره، ولتحالف مع تركيا وإيران في جبهة تقف أمام العالم على قدم ثابتة، ولأدرك أن الضعيف، خاصةً المستضعفَ نفسَه، لا يحترمه أحد.


 

 [1]هلن طومس، المولودة عام 1920، كانت عميدة الصحفيين في البيت الأبيض. وعلى أثر تصريحها المذكور (3 حزيران 2010) حمل عليها اليهود متهمينها باللاسامية، مما اضطرها إلى تقديم استقالتها.

[2] بينما كانت فضائيات العالم تنقل أحداث المجزرة، كان بعض الفضائيات العربية يتابع حركة الأسواق المالية أو يبث المسلسلات، وكأن الأحداث في بلاد واق الواق. كما أن كتبة بعض الأنظمة هاجموا الحملة وبعضهم هاجم النظام التركي الذي عيب عليه محاولة فرض نفسه على العرب.

[3] كان السلطان عبد الحميد الثاني هو من أعلن نفسه خليفة للمسلمين، زاعما أن الخليفة العباسي تنازل عن الخلافة للسلطان سليم الأول. لكننا يجب ألا ننسى أن الخلفاء الراشدين وحدهم من كانوا خلفاء حقيقيين، لأنهم منتخبون من عامة الناس. ومنذ معاوية، أصبح الخليفة ملكا أو سلطانا، يورث ابنه أو أخاه الملك، وتؤدى له البيعة بالقوة لا بالانتخاب الحر.

[4] في عددها الصادر في 2 حزيران 2010، أوردت جريدة هآرتس الإسرائيلية بأن نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، "دافع عن حصار إسرائيل لقطاع غزة وعن قرارها اعتراض الأسطول الداعم للفلسطينيين،" مقتبسة منه قوله، "إنه جائزٌ لإسرائيل شرعاً أن تقول إنها لا تعرف ما على تلك السفينة." وقد أوردت هذا النبأ وسائل إعلام أخرى كثيرة، ووزعت على الشبكة العالمية كلمته تلك بالصوت والصورة.

[5] في تشرين الثاني 2009 استدعى نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السفير التركي، وتعمد إهانته بجعله ينتظر طويلا قبل أن يأذن له بدخول مكتبه، حيث أجلسه على مقعد قصير بينما جلس هو على مقعد عالٍ، وأنبه بسبب مسلسل "وادي الذئاب" التركي الذي يصور عملاء الموساد بأنهم يخطفون الأطفال.

[6] راجع مقاله في جريدة (The Times) البريطانية، عدد 17 حزيران 2010، أو تحت الرابط التالي: http://www.thetimes.co.uk/tto/opinion/columnists/article2559280.ece

[7] يمكن الاطلاع على الرسالتين المتبادلتين بين الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور ورئيس الوزراء الإسرائيلي دفيد بن غوريون حول الانسحاب من الأراضي المصرية على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية تحت الرابط التالي: http://www.mfa.gov.il/MFA/Foreign+Relations/Israels+Foreign+Relations+since+1947/1947-1974/9+Exchange+of+Letters-+Eisenhower-+Ben-Gurion-+7-8.htm

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا