كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

صحافة وتعليقات

 

صيد الأوهام وصراع الأرقام


حميد الحريزي


يروى ان حكيما أراد أن يختبر ذكاء أبناء مدينته، فوقف فوق جسر المدينة الذي يربط بين شطري المدينة على ضفتي النهر، وشكل حلقة  صغيرة من لف سبابته ليلتقي بإبهامه رافعا إياه في الهواء وحينما مر به احدهم  سأله
عما يفعل فأجابه:-
إني اصطاد الطيور!! فسأله ولكن كيف تصطاد؟؟

 قال :-سيأتي الطير الطائر مارا عبر حلقة كفي هذه فأطبق على رقبته واصطاده !!

فانشرح صدر هذا المواطن لأنه يريد أن يشتري  طيرا  حرا، فأمره الصياد بالجلوس وينتظر لحين اصطياده للطائر  وإعطاءه إياه مجانا،  ثم أتى الثاني والثالث والرابع ...الخ فتشكل بالقرب من الصياد طابورا ينتظر صيد
 

هذا الصياد الماهر ليحصلوا على طيورهم؟
حتى جاء الدور لأحد أصحاب الفطنة مستغربا وغير مصدقا إمكانية الصيد بهذه الطريقة فأي طائر هذا الذي يضيق به فضاء المدينة على سعته ليمر من  خلال حلقة يدك الضيق، متهما  الصياد بالخبل والجنون !!
 
فرد عليه الصياد قائلا:-
إذا كنت ترى إني مخبولا فما قولك بهذا الحشد الجالس الذي ينتظر صيدي؟؟
إن حلقة صياد الوهم  إنما تمثل الآليات الانتخابية المقرة في قانون الانتخابات في  7-3- 2010 وصياد الوهم هذا يمثل أطراف  القوى السياسية اليسارية والعلمانية والديمقراطية الوطنية أفرادا وأحزابا المشتركة في الانتخابات  الحالية مؤملة جمهورها المصدق لأقوالها بأنه سيتمكن من اصطياد كراسي البرلمان بمثل هذه الإلية التي وضعت قانونا انتخابيا مفصل ضمن مقاسها العرقي والطائفي لا يمكن أن يكون وجود القوى اليسارية والعلمانية الوطنية الديمقراطية إلا  ديكورا  لذر الرماد في عيون المواطن العراقي المتعطش للحرية والعدالة والديمقراطية وليلبس هذه الممارسة لبوس الشرعية الديمقراطية !!
فما هي صدقية الممارسة الديمقراطية في بلد لم يزل يفتقر إلى صياغة دستور دائم فالمادة الأخيرة من الدستور أفقدته شرعيته ومتانته وأوجبت إعادة صياغة مواده.
وبالتالي جر هذا الأمر  إلى عدم إصدار قانونا للأحزاب السياسية واظهر التنافس كصراع بين كتل من الطوائف والأعراق المسيسة وليس قوى اجتماعية متنافسة لتحقيق مصالحها وأهدافها وفق مبدا الوطنية والمواطنة
عدم اعتماد على إحصاء سكاني دقيق وشامل لكل العراقيين في الداخل والخارج حيث اعتمدت البطاقة التموينية كقياس لعدد الناخبين اعتمادا على أفواههم ومعدهم وليس على ذواتهم وانتماءاتهم الوطنية  والطبقية ومن اخطر هذه الآليات اعتماد مبدأ الكوتا النسائية وللاثنيات الدينية والقومية في البلاد مما كرس وشرعن لتأبيد الشرذمة الطائفية والعرقية (أكراد، عرب، شبك، كلدو اشوريويون، صابئة، ازيديه مسيح، سنه، شيعه...الخ) وقد تم تكريس هذا المبدأ المشرذم بجعل العراق عدة مناطق انتخابية بدلا من إن يكون منطقة انتخابية واحدة كدلالة  على إن النائب يمثل كل العراقيين وليس منطقة أو فئة و طائفة  أو عرق أو دين بعينه هذا ناهيك عن  الكوتا النسائية التي فقدت ضرورتها نتيجة المشاركة الكثيفة للنساء في الترشيح والانتخاب ..
إننا في الوقت الذي نقف بقوة إلى جانب مبدأ الانتخاب والوصول  للسلطة عبر صناديق الانتخاب كأفضل الخيارات الديمقراطية نحو بناء الدولة المدنية الديمقراطية، نرى إن مثل هذه الآليات والقوانين الانتخابية  تحول الممارسة ((الديمقراطية)) إلى بيعة أثنية عرقية فينتج عنها مزيدا من العقبات المعيقة للديمقراطية الحقيقية والوحدة الوطنية وتعطيل دولة المؤسسات الحديثة .

نرى إن قوى الاحتلال والاستغلال وكل القوى  الدولية  الطامعة  في ثروات العراق تسعى إلى تأبيد هذه الحالة  رغم إن 

الطائفية  والعرقية العديد من القوى تزيت بزي الوطنية والديمقراطية بعد إن عجزت عن ترقيع  أرديتها 
 
لتخفي عيوبها عن أنظار العراقيين اللذين   ظهر نفورهم من المحاصصة الطائفية والعرقية جليا واضحا، فهذا الإعلام الأمريكي والغربي عموما وبعض من الإعلام العربي يحاول إن يوزع  ولاءات القوى الفائزة حسب  ما يتمنى
فقائمة العراقية بزعامة علاوي قائمة بعثية سنية وقائمة دولة القانون بزعامة نوري المالكي قائمة شيعية، بالإضافة للقائمة الكردية ، وجر الأعراق والطوائف التي  تنبذ التعصب والتقوقع والتمترس خلف الطائفة والعرق  عبر الكوتا الجديدة التي منت بها القوى والأحزاب الطائفية والعرقية على هذه الأقليات القومية والدينية، كل هذا لإخفاء وإقصاء كل وعي طبقي ووطني موحد للأبناء  الوطن ومحفزهم للتضامن  والتكاتف عبر مصالحهم وصفاتهم المهنية والطبقية وليس عبر التكتل والتعصب الطائفي والعرقي والعشائري.  بعد كل  هذا الوصف هل يمكن إن يطمح المواطن العراقي ذو  الإصبع البنفسجي.
إن تحقق له مثل هذه القوى الفائزة ضمن من يرتجي بيعات آماله وأمانيه في السيادة الوطنية والأمن والخدمات والحرية والعمل؟
الملوث بدخان الحرائق وهل يمكن إن تصطاد حلقة صياد الوهم غير الهواء ورائحة الفساد والكساد لتقدمه إلى طوابير من  يرتجي  طيره الموعود، وقد  فات  بعض هذه القوى العبرة من  القول الشعبي المشهور ((ما ارجه بالصفصاف يطلع ثمر  بيه)) أنها شجرة بطبيعتها غير مثمرة لاتعطي سوى هراوات القمع  ووقودا لنيران الحرائق وهذا هو  جوهر أل((قطوازية)) المهيمنة على سدة الحكم في العراق، وها هي النتائج المعلنة للانتخابات تدل دلالة واضحة إلى  هزيمة شبه تامة للقوى الوطنية الديمقراطية  واليسارية، وبقاء نفس الوجوه  للدورة السابقة تتصارع من اجل إطالة عمر استئثارها بالسلطة والمال واستمرار أزمة  إل((قطوازية)) بحكم استفحال أزمة مرضعتها وراعيتها الطبقة الرأسمالية المسلحة في عصر العولمة ، فسيعلو  صراخها وتنابذها وتراشقها بالخارق والحارق حسب تعبير أياد جمال
الدين خلال هذه الفترة لتلجا بعد ذلك إلى التوافقية والمحاصصة  مرسلة بذلك  رسالة إلى المواطن العراقي  أن لا حل أمام العراق إلا المحاصصة الطائفية والعرقية  و الديمقراطية التوافقية لتكون أمرا واقعا  مفروضا على أبناء الشعب العراقي لتقتسم من جديد  المناصب والمكاسب ضمن المحاصصة الطائفية والعرقية والعشائرية محرقة كل وعودها وشعاراتها في طبخ ولائم تقسيم الغنائم
!!!!.

 

 

 

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

صوت اليسار العراقي

 

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة