كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

          

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

دراسة في السلوك الاجتماعي

المغامر-الانتهازي-البطل

المناضل ارنستو تشي جيفارا نموذجا

 

بقلم : حميد لفته

 

ولد ار نست تشي غيفارا في الرابع عشر من أغسطس عام 1928 بمدينة بوينس ايرس عاصمة الأرجنتين في عائلة ميسورة الحال.استشهد بتاريخ 9/أكتوبر/ 1967 العاشرة مساءاً.

 

في تاريخ البشرية عموما ومنذ ان ركبت مركب الحضارة والتقدم يروي التاريخ القديم والحديث الكثير عن شخصيات لامعه ومضحية قدمت الكثير بما فيه التضحية بالنفس من اجل هدف محدد تؤمن به وترى ان من خلاله يمكن خلاص البشرية والشعب والأمة والقرية والعائلة من الشرور وتشيد حياة سعيدة آمنة .

وان لنا في تاريخ الرسل والأنبياء اكبر شاهد على ذلك حيث تعرض اغلبهم الى أقسى أنواع التعذيب والنفي والأقصاء والايذاء الى حد الصلب والحرق والقتل.

في العصر الحديث حيث انصرم عصر الأنبياء والرسل فقد أعلن الرسول محمد (ص) ان لانبي من بعده.

سلك طريق الدعوة والخلاص والإنقاذ عدد من الدعاة والمبشرين والزعماء السياسيين والثوار من مختلف الاتجاهات والتوجهات وبمختلف الوسائل والطرق.

وهنا يتبادر الى الذهن سؤال مهم . ما معنى وما هي مادة التغيير ودعوى الإصلاح لمثل هؤلاء الأشخاص ؟ ولماذا يريدون نقض واستبدال الوضع القائم؟ ولماذا تميز هذا النفر من الناس في مختلف العصور ليكونوا على رأس مثل هذه الدعوات دون غيرهم وماهي الآليات التي تتحكم في صنع الشخصية الثائرة وماهي ظروف صيرورتها وما يميزها عن غيرها؟

وهل ان جميع هذه الرموز والشوا خص تدعوا للنفع العام أم هي تسعى لمجد شخصي؟

وهناك الكثير والكثير من الأسئلة التي تدور حول هذا الأمر، من المعروف والمسلم به منذ ان انتظم الناس في مجتمع تحت عوامل وظروف موضوعية وحاجات حياتية وعلاقات عمل جماعية وخرجت من دور القطيع وخصوصا بعد  إن تطور مخ الإنسان  أصبح يستوعب المنظومة الاشارية الثانية –اللغة – حسب مفهوم بافلوف ونوري جعفر ومن اجل الحفاظ على تماسك وديمومة وترابط العلاقات الاجتماعية بين الإفراد سواء على نطاق الأسرة أو القبيلة أو القرية صعودا الى المدينة والوطن فلابد ان تكون هناك ضوابط وأعراف وقيم وتقاليد تحكم هذه العلاقات وتلزم الفرد الالتزام والتقيد بها طواعية حفاظا على قبول عضويته في هذه المجموعة  أوى لكتلة البشرية حيث يعتبر خرقها مدعاة للعقوبة والنبذ مما يجعل حياة الفرد مهددة بالفناء والضياع  وفقدان غطاء وخيمة التبني والحماية في ظل الجماعة.

ونتيجة لتراكم الزمن الذي أدى إلى اختفاء وضمور وشحوب الأسباب الحقيقية الكامنة وراء نشوء مثل هذه العادات والتقاليد والأعراف والمعروفة بالكونفورميا وهي بهذا التحديد وبهذا المفهوم (انعكاس لدرجة معينة من الوعي الجماعي في صيرورته التاريخية ومكانه المحدد حول كيفية التعايش الاجتماعي ومناهج السلوك ألتعايشي الممكنة والذي يفرض سيادته على أفراد المجتمع تحت ضغط التهديد بالعزل الاجتماعي للذين يخرجون بعيدا عن الإطار ألالتزامي المقبول)ص61

وقد عرف غرا مشي الكونفورميا(الكونفورميا لا تعنى ا ي شيء سوى الاجتماعية...وهي أي الكونفورميا أو الاجتماعية تنتج عن الصراع الثقافي(بين الأجيال) كما أنها مسائل عامة وموضوعية مثلها مثل الضرورة التي ترتع عليها هامة الحرية) 1

إما حين العودة الى اللغة اللاتينية حيث أصل التعبير نجد ان كلمة كونفورميا conformar تعني البناء المشترك’ القيام المشترك التشكيل المشترك، البناء الذاتي والتكيف. وربما هذا هو المصدر الحقيقي لاستخدام هذا التعبير في وقت لاحق)

 الكونفورميا يمكن ان تكون منفتحة ومتسعة لاستيعاب نماذج متعددة جدا من أنواع السلوك ومن المبادرات والاجتهادات.ويمكن ان تكون مغلقة. وهناك أنواع من الكونفورميا منها الخاص وهو ما يخص سلوك الفرد أو الأسرة وتنظيم حياتهم وتقاليدهم الداخلية وعام وهو ما يخص عموم المجتمع.

ومن كل ذلك نفهم ان الكونفورميا سلطة ديكتاتورية ملزمة خارج نطاق سلطة الدولة وقوانينها تتقارب معها او تبتعد عنها وتتعارض بقدر متمثل سلطة الدولة المشتركات الكونفورمية السائد فيا المجتمع في فترة زمنية محددة.

وما يهمنا هنا إيضاح المفهوم العام للكونفورميا وما يثبته من قيم ورتب وامتيازات في المجتمعات الطبقية التي هي لم تكن في بادئ أمرها سوى تكليف فرد ومجموعة أفراد الغرض منه تنظيم الدفاع عن الجماعة أو تنظيم وقيادة الغزوات وأدامة التماسك الاجتماعي وهو غالبا مايكون امتيازا مؤقتا ممنوحا وليس مخلوقا من قبل الفرد أو منزلا من قوى مجهولة. لكن الذي يحصل ان هذا التكليف أو التعريف تجري عملية تجيريه ومحاولة تابيده كأمر خارج الحراك الاجتماعي أو الجماعي لما ينتج عنه من ميزات مادية  ومعنوية للمكلف تستدعيه الى مقاومة أي تفسير يتضمن  سلب هذا الامتياز  اوحذفه من حياة الجماعة والمجتمع الذي تتطلبه مستجدات الحراك الاجتماعي وطبيعة تطور العمل والإنتاج وعلاقاته بين الناس.

 ان عملية كبح مساعي وأفعال وأقوال الفئة المقاومة للتغيير ستكون متناسبة طرديا مع قوة اوضعف وتفكك اوصلابة الكونفورميا الاجتماعية السائدة فكلما أصبح جدار الكونفورميا السائدة واطئا وركيكاً أمكن تجاوزه وهدمه من قبل قوى التغير وهذا يستدعي عمل متواصل ومثابر قد يصل الى حد التضحية بالمال والنفس والوقت حتى يتحقق وهنا بالذات ندخل الى جوهر موضوعنا حيث علمنا ان الناس هم صناع حياتهم وتاريخهم وهنا يبرز دور الشخصيات والإفراد للقيام بهذا الدور حيث ان علم الاجتماع يقسم الناس الى الفئات التالية ارتباطا الكونفورميا الاجتماعية :-

أ‌-    النمط ألقبولي الايجابي / يشمل هذا النمط على اكبر عدد من أبناء المجتمع في فترة زمنية محدده وهم يتسمون بالخضوع والاستجابة والالتزام بالنمط السائد (ونظام التفكير لديهم أو " العلبة السوداء للتفكير" على حد الاستفادة من علم السبيرناطيقا مغلقة في وجه الأفكار الجديدة )

  ( يمثل جموع الكونفورمين الايجابيين مايسمى جماهير mass بتعبير السوسولوجيا والجماهير تتصف بالركود والسكون وبالحياد إزاء مايواجه المجتمع وبالتالي مايواجه المصير المباشر من مشاكل ومن حلول )2

وغالبا ماتربط مثل هذه الكتلة مصيرها بمصير فرد منقذ ومخلص يقودها ويحركها حيث يشاء وحسب أهوائه وقدرته وإمكانياته ودرجة إيمانه بما يريد الوصل إليه وطبيعته.

ب‌-   النمط التاقلمي الابتزازي وهو عموما الفرد أو نمط التفكير والسلوك البراغماتي المجرد من القيم الإنسانية العامة والتشبع بالانوية الخانقة ويمكن ان يكون نموذجا جيدا وممثلا لقيم الرأسمالية المعولمة في العصر الراهن.

ويعرفه فرويد ( هذا الإنسان يرمي الى الحياة الاجتماعية من كونها وسيلة وهي لا تمثل له غاية أبدا وعليه لايهتم بها الامن الجانب السلبي ) 3

يتصف هذا الفرد بالخضوع الدائم والذليل والمنافق للقيم والمفاهيم والتقاليد السائدة الغير مبنية على ما يملكه من معارف ويقره من مبادئ وتقاليد وأعراف إذ تنزوي كل مثله الإنسانية الناقدة خلف منفعته الشخصية الصرفة ( ولان الخضوع لها هو الأكثر ضمانة ومنظورا لتحقيق الأهداف فانه  لايصنع لنفسه أية تحفظات في مثل خضوعه هذا)4

ويخضع تحت طائلة هؤلاء الجواسيس والخونة والمرتزقة في كل المجتمعات والأمم اللذين يجندون أنفسهم في خدمة إغراض السلطة للحصول على المغانم والمكارم والمكافئات حتى وان ذهب ضحية ذلك أبناء الوطن أو الرفاق أو حتى إفراد العائلة ومعلوم لدينا كيف أقدم بعض الآباء على قتل أبناءهم المتمردين على السلطة الدكتاتورية أو الفارين من الخدمة العسكرية وكيف سلمت بعض النساء رؤوس أزواجهن إلى مقصلة السلطة مقابل الحصول على المكارم والمغانم.

ج- النمط الانعزالي  (هو ذاك الشخص الذي من بين أشياء أخرى يريد أقلمة    العالم من حوله وفقا لمواقفه وتصوراته بدلا من ان يحاول هو التأقلم مع المعطيات الاجتماعية الموضوعية ومع المحيط) 5

وليست هؤلاء الإفراد على درجة واحدة من العزلة والتي بالتأكيد تتناسب شدتها طرديا بمقدار مايؤمن به الفرد من قيم ومثل ليس لها مكان آلافي مخيلته وقد يصل الأمر الى وصف حالته بالحالة المرضية حيث يضرب الشخص على نفسه طوقا حديدا من العزلة الاجتماعية يصعب اختراقه .

وغالبا ماتكون هذه الحالات في أوقات الانحدار والتفكك الاجتماعي وتأكل قيمه المفترضة بمقاييس مثالية وكردات فعل لخيبات أمل سياسية أو وجدانية وعاطفية مما تشكل صدمه عنيفة تؤدي إلى حالة مرضية من الكف حسب تعبير بافلوف.

فقد لايرى مثل هذا الشخص الافسحة محدودة تضيق باستمرار لتزيد من عزلته وانعزاله واغترابه.

 

 

النمط ألهدمي السلبي

 

( هذه المجموعة تمتلك مدخلا تحكيمياً للظواهر أو مدخلا ينطلق من البناء العقلاني ألتشكيكي بما أحيطت به الظاهرة من ظروف، وتقديرات أفاق الأفراد من هذا النمط يبذلون الجهد الكبير المتواصل في محاولة جادة لاستنباط واستقراء المضامين استنادا إلى ما ألموا به من المعارف وحقائق علمية حول معظم جوانب الظاهرة)

وان الفرد الذي يبني علاقة هدمية سلبية مع النظام الكونفورمي يصوغ لنفسه طريقة تفكير تستقطب معظم عناصر الظاهرة في قالب نقدي تحليلي بغية بلوغ الحقيقة العلمية وتعميمها )7

وبذلك يبدو واضحا وجليا ان هذا النموذج هو النموذج الفاعل في المجتمع على مختلف درجات تطوره وحراكه لما يملكه من القدرة على تلمس سلبيات ولا معقولية الواقع المعاش لأغلب أبناء عصره محللا الظواهر من فوارق طبقية وتراثية وقيم اجتماعية فيضيق بها ذعرا حيث ينكشف أمامه المستور وتتعرى أمامه الحقائق وهو يتحرى تاريخ وجودها وصيرورتها مما يسقط كل الادعاءات وتتمزق أردية الدجل والتزييف حول قدسية وثبات قيم الظلم والتعسف وبذلك فهو يسعى جاهدا من اجل تسفيه وتحطيم هذه المنظومة الكونفورمية ساعيا الى إبدالها أو جزاءا منها بقيم جديدة ترفع وقع المظالم والمحارم المفروضة .

وما يميز هذه النماذج إنها تدرك مدى عناد وشراسة وعمق رسوخ الكونفورميا الاجتماعية في أذهان الناس وان أول عمل يجب القيام به هو هد وهدم وتفكيك الأساس الذي شيد عليه ومعرفة الطبقة والفئة الاجتماعية التي تقف حارسا شرسا لدوام هذه الكونفورميا دفاعا عن امتيازاتها ومصالحها مصورة أي مساس بهذه القيم والعادات والتقاليد والقوانين إنما يمثل خرابا واعتداءا على حق مكتسب منحه إياها آله مجهول وكما يقول  الدروبي(يتحلى هذا النموذج ألهدمي السلبي بمكونات نفسية وباستعداد لتقديم التضحيات المادية والمعنوية في سبيل  إرضاء ميوله المعرفية والتي شقها الأخر يعني تعميم تلك المعارف والحقائق ونشرها والتي بذل الجهد الكبير من اجل التوصل إليها.والتي أيضا يرى فيها فائدة مااجتماعية وإنسانية عامة.

إذ انه شخص يميل الى العطاء ويحقق ذاته من خلال العطاء .انه يحقق كينونته من خلال عمله الطوعي والذاتي. مسؤولية البحث المتواصل عن أفضل الظروف وعن أحسن العلاقات التي تساهم في تحقيق سعادة الجميع وبهذا يحقق وجوده على حد تعبير فروم في معرض حديثه عن الشخص الكينوني)8

في مثل هذا الوصف نستطيع ان نرى بوضوح معالم وطبيعة وشخصية المناضل الكبير رمز الكفاح والتضحية والفداء من اجل غد الإنسانية المشرق حسب مايراه ويعتقد به.

حين طلق جيفارا حياة الترف والدعة والعيش الهانئ المستقر في كنف عائلته الميسورة الحال.بالإضافة الى إمكانية ان توفره له مهنته كطبيب طموح وناجح من مردودات مادية وتلبسه إكليل  رأسمالها الرمزي باعتبارها من المهن النبيلة في المجتمع الطبقي.

انه لأمر يجب ان نقف عنده طويلا عندما نستعرض مثل هذه الرموز النضالية الخالدة ودافعها الى حد التضحية بالنفس من اجل خير وسعادة الإنسانية  لاسيما إن اغلبهم ينتمون إلى الطبقات الراقية والمتوسطة في المجتمع مما يظهر ان وقع القيم وتقاليد وسوط الظلم والاستغلال الذي يسلط على ظهر الطبقات الكادحة في المجتمع يفجر بركانا من الغضب داخل أدمغة مثل هؤلاء المناضلين هذه الأدمغة ذات البناء السيكولوجي الخاص الحساس بإفراط لكل مايمس كرامة وسعادة ورفاه الإنسان واللذين استطاعوا لما يملكونه من قدرة على التحليل والتركيب  والاستنتاج  والغوص في عمق وتاريخ الظواهر والإحداث إلى فهم الصيرورة التاريخية لها مما يدفعهم إلى الكفاح المستميت  للدفاع عن إنسانيتهم المهدورة والمجروحة في ظل أنظمة ظالمة ومتعسفة وهي تديم  حالة البؤس والشقاء والمرض والجهل ضد الأغلبية الساحقة من أبناء جلدتهم  من المضطهدين من العمال والفلاحين وعموم الكادحين :وإلا مالذي يدفع طبيب لان يحمل السلاح ليدافع عن شعب مظلوم هو ليس شعبه وفي وطن هوليس وطنه...هو يلاحق الظلم والاستغلال ليقضي عليه وليس العكس كما في حالة العامل والفلاح والكادح حيث الظلم والتعسف والاستغلال يلاحقه للقضاء عليه فلا غرابة في أن يدافع عن حياته ومستقبله بل الغرابة أن يستكين ويرضخ للظلم المسلط عليه.ماالذي يدفع طبيب ووزير مكلل بكل أكاليل الفخار والاحترام بعد انتصار الثورة الكوبية ليجوب العالم كمصباح يبدد بؤر الظلم والظلام في كل زاوية من زوايا العالم إيمانا منه بأنه لاستطيع أن يمتلك ذاته ويكن لها الاحترام مادام هناك مظلوم واحد في عموم الكرة الأرضية وهكذا كان جيفارا حيث يقول (لاتهمني  أين ومتى سأموت بقدر مايهمني ان يملأ النور العالم ضجيجا كي لاينام العالم على أجساد الفقراء وقوله .. لن يكون هناك مانعيش من اجله ان لم تكن على استعداد ان تموت من اجله )

وهكذا مات جيفارا من اجل هدف سامي يجسد صدق إيمانه بانتصاره وتحقيقه حتى بعد موته .. بهذا الإيمان وهذه العقيدة..... فهد يعتلي المشنقة وهو يهتف الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق).. وهكذا ولهذا السبب ضحى المهندس المتألق الذي يعيش في بحبوبة العيش في ظل النظام الرأسمالي في لندن المناضل خالد احمد زكي مختارا طريق النضال بأسلوب الكفاح المسلح لإسقاط رموز الظلم والظلام والديكتاتورية لاعشقا للموت في اهوار الجنوب النائية التي تصعب العيشة في كنفها حتى على من ولدوا هم وإبائهم وأجدادهم فوق (جبا شاتها) حصل ذلك بعد إن سدت كافة طرق النضال السلمي لكسر الكونفورميا الاجتماعية المهيمنة والمحمية بقوة سلاح الطغاة وجهل الأغلبية العظمى ممن يسلط الظلم والعسف عليهم .

من ذلك نخلص ان ليس الواقع الطبقي للفرد هو الدافع الأول والوحيد لكي يكون ثوريا ولكن الإحساس بالظلم الطبقي ومصادرة كرامة الإنسان وحريته وابسط ضروريات حياته كالمأكل والملبس والعلاج والسكن والتعليم هو مايخلق شعلة التمرد والثورة ضد القيم والمفاهيم في الواقع السائد والسعي لتطهيره حتى ولو بقوة السلاح من قبل من يقع عليهم ومن قبل من يحسونه ويستشعرونه وإلا هل من عذر لمن لايسعى لتخليص إنسان من أنياب وحش كاسر يفترسه.

والتاريخ الإنساني اكبر شاهد على حقيقة ان قاتلي ومعذبي رجال الثورة والإصلاح والعدالة هم ممن يسعى هؤلاء الى إنقاذهم وتخليصهم من الظلم والعسف الذي يعيشون في كنفه. ولكن لكون الطبقة العاملة هي النقيض الرئيسي للرأسمالية وهي من يقع عليه القسط  الأكبر من الاستغلال الطبقي وان الطبقة العاملة بتحررها تلغي نفسها وتلغي كافة الطبقات الأخرى وهي الطبقة الوحيدة التي ليس لها أية مصلحة في دوام التمايز الطبقي للمجتمع ولذا يفترض أن تكون موضوعيا في طليعة القوى المناهضة للرأسمالية وعلى كافة المناضلين الحقيقيين من اجل الحرية والرفاه أن يتمثلوا أهدافها.

 

المغامر...البطل...المناضل:-

 

نظرا لما تمتلكه الحركات الثورية في مختلف العصور من الهيبة والجاذبية تمت صناعتها وبناءها وتراكمها نتيجة تضحيات الآلاف من أكثر الناس نبلا وبذلا وعطاء ونكران ذات في سبل قضية سامية وهدف نبيل يحقق السعادة للجميع ولا يبني أمجادا شخصية.لذلك غالبا ماتبتلى هذه الحركات وعلى طول تاريخها بالعوالق والطفيليات والهوام التي لاتريد أن تكون جزءا من زيتها الغير منظور الذي ينير طريق الإنسان بدون ضجيج نحو العدالة والمساواة والحرية ومن خلال مشكاة الحركة أو الحزب الثوري ككل، بعكس هذه العوالق مشاريع البطولة التي تروم الاحتراق في لهيبه مورثة دخانا اسودا ورائحة كريهة وضجيجا وسط طبول التهريج ليكون انتحارها انتحارا مشهودا يعبر عن خواء دواخلها المهزومة التي لاتمت بصلة لقيم ووصف المناضلين الذي يرون إن استمرار وجودهم مضمون بتحقيق أهدافا امنوا بانتصارها....ان من يحيى الخيبة والانكسار والخذلان في داخله يسعى من اجل إتلاف كل شيء على ان يعود عليه بمردود  ظاهر واضعا إياه في ذرى المجد والفخار فهو على استعداد ان يكون مشروع استشهاد وهو محمولا على الأكتاف وضجيج الهتاف وسط جموع الآلاف  فيظهر بمظهر الصنديد الشهيد الذي لايقهر في حين يتحول الى فأر خائف مهزوم عندما يكون وحيدا حيث سيظهر على حقيقته ويكون أمام مرآة ذاته المنكسرة الخاوية لأنه لايؤمن بقضية ترافقه في وحدته وتشد من عزيمته فهو يسعى للتعطر من شذى عرق وعذاب وتسامي دم المناضلين الحقيقيين  ليبدد عفونته وخساسته... وعندها يبدع في أساليب النذالة والاستجداء من اجل ان يضمن ديمومة حياته’ لذلك نرى خبث أجهزة التعذيب والقمع عندما تعمد على وضع السجين السياسي في سجن انفرادي ليكون أمام حقيقته حيث تنهار مشاريع البطولة عند المزيفين وتتفولذ قيم النضال عند المناضلين ويتحدث التاريخ بإعجاب شديد على مناضلين اجتر حوا المعجزات في السجون الانفرادية مثل الفاروكونهال ومانديلا وناظم حكمت والعشرات من المناضلين العراقيين وغيرهم  اللذين لايمكن ان تحجبهم الجدران والحواجز عن أهدافهم وعن ناسهم  وعن إيمانهم بقضية يرون أنها ستنتصر حتى بدونهم وان حياتهم ستمتد  وستزدهر في ظل عظمة انتصار قضيتهم  التي يؤمنون به إيمانا مطلقا وكما يقول سارتر مميزا المغامر عن المناضل( عمل المغامر يتأرجح من غير ان يتوقف أبدا بين أكثر أنواع الانتحار أنانية .انه يتطلب ايماناويدمر كل إيمان . ان المغامر يصبح مضللا إذا آمن بما يفعله ودجالا ان لم يؤمن به) 9

 إن المغامر طالب المجد والبطولة يركب مركب الثوار والمناضلين لامن اجل ان تنتصر قضينهم فانتصارها يعني موته وموت خياله المريض بحب  الظهور وتحقيق الهدف كارثة تحل به حيث يقول ساتر(ان التحقق إذا ماجاء سيكون خيبة كبيرة ووهما متبددا فالمطلوب ان لايجيء أبدا. المطلوب الاتجيء أبدا جنة عدن المستقبلية تلك  العديمة الشفقة بالنسبة للمغامرين وحدهم)10

 ويتساءل سارتر عن مايريده المغامر من الرفاق والإخوة(فماذا يريد منهم؟ الإخوة والرفقة الصداقة ؟ اجل لكن هذا يعني على الأخص يطالبهم بان يكونوا شهود موته. ان رفاق المغامر هم نائحات مستقبلات وامناء مستودع مصيره  يقول مالرو(لاوجود لبطل بلا نظارة))11 0

 وعلى من يقرأ النص التالي من المناضلين بمختلف عقائدهم وقضاياهم وخصوصا من اليساريين والشيوعيين  وكل من ذاق طعم العذاب والسجن والحرمان واكتوى بنار الخيانة  والاستسلام  وليقارن مثلا بين شهادة خالد احمد زكي  في الاهوار وهو يقاتل الدكتاتورية وبين استسلام وانهزام عزيز الحاج ومن سلك سلوكه ليدرك الفرق بين المناضل ومشروع البطل حيث يقول سارتر واصفا مستجدي البطولة( كان موظفا مطمئنا محدود المباد هات ومعتادا على اكتشاف وجهه الأليف في عين رفاقه  واثقا من ذاته واثقا من انه يجد في أعماق ذاته إرادة الحزب الحازمة كصخرة. وهاهو يجد نفسه مهجورا في عزلة الهزيمة التي لاكفارة عنها والحزب قد غلب على أمره  والأمل قد سحق ويكشف في عيون العدو المنتصر وجها وحشيا ومجهولا هو وجهه وتنهار أناه  التي كان يدعمها بالكثير من الأوامر والخطابات والرسائل وتظهر أنا أخرى.تفرد بائس يذكره على نحو غريب بالوحدات البرجوازية وموته الذي موهه طوال حياته بتظاهره انه سيموت من اجل القضية يرتد نحوه على حين غرة  لان القضية قد تمزقت  ولأنه يموت من اجل لاشيء. فهل خسر حياته وهل ربحها الأخر؟؟)

 وكم يبدو هنا الفرق واضحا بين فهد المناضل وبين مالك سيف الفرق بين المناضل وطالب البطولة والأمثلة والشواهد كثيرة.

ان المناضلين الحقيقيين ليسو إبطالا بالمرة وهم(لايفكرون إلا بواسطة العقل الكفاحي الذي منحهم إياه الحزب ,لكن لما كان فكرهم يرفض كل قيد فأنهم يدفعون بهذا العقل المكون(بتشديد وفتح الواو) الى أقصى مداه ويحلونه الى عقل مكون(بتشديد وكسر الواو) وعند ذلك سيكونون مناضلين منتجين ومجددين مبدعين وليس مجرد تابعين ومنفذين طيعين.

وبهذا الوصف فان جيفارا ومن ماثله ليسوا أبطالا بل هم مناضلون متميزون في اسلوب وطريقة خيارهم وثباتهم وتضحياتهم  فهم من نمط ألهدمي السلبيفي الوصف الكونفورمي الاجتماعي من اللذين امتازوا بالبذل والعطاء من اجل سعادة الآخرين عكس مايتميز به النمط ألقبولي الايجابي الراضخ ونقيض النمط التاقلمي الابتزازي الساعي لمنفعته الشخصية فقط ممثلا بمجموعة الانتهازيين والوصوليين والخونة والجواسيس في الحركات الثورية وبذا فان جيفارا وفهد وخالد احمد زكي وسلفادور الندي ورفاقهم وأمثالهم من ذوي المبادئ وروح التضحية والإيثار  قد ماتوا ميتة المناضلين المؤمنين بقضيتهم .

 

 

 

أما كيف مات جيفارا؟

 

فقد كانت الخيانة ومازالت الدرن الخطير في جسم الحركات والأحزاب المقاومة للظلم والاضطهاد فكما أسلفنا فان الإنسان من نمط التاقلمي الابتزازي وهو الإنسان النموذج الذي تسعى الى تكوينه وتعميمه الرأسمالية المعولمة كأقذر نمط من البراغماتية مثال  ومنهج الإنسان البرجوازي  الناجح. ان هذا النموذج هوخطر حقيقي من الصعوبة بمكان عزله ودفع شروره لإمكانياته العالية في النفاذ من أكثر فلاتر الوقاية والاحتراز  الذي تضعها الحركات الثورية لوقاية نفسها  وذلك بسبب تمتع هذا النمط من القدرة على تقمص الأدوار والسلوكيات واكتساب الألوان والصفات وتقليد حتى المظاهر والحركات للوصول الى غايته في الكسب وحيازة الجوائز والمكافآت ولنا في ذوي الأربطة ولقمصان الحمراء والقبعات اللينينة والشوارب الستالينية  والسفاري الزيتوني والعباءة والكوفية العربية واللحى والمحابس والعمائم السوداء والبيضاء.....و.. لكل زمان قروده.

 وفيما يخص جيفارا فقد كان أيضا ضحية الخيانة كما كان المناضل جيفارا الاهوار خالد احمد زكي (فقد قام احد رجال جيفارا يدعى(رودريجز) ممن كانوا يحاربون معه في جولته الأخيرة في بوليفيا 10-1967,بتسليم نفسه إلى جنود الحكومة وعرض عليهم مقابل سلامته أن يدلهم على مكان الزعيم. وقد حصل ذلك بالفعل

وبعد قتال عنيف لجيفارا ورفاقه تمكنت قوات الحكومة من جرحه وأسره وعند وصول الجنود إليه بعدما هدّه التعب من القتال وبعد نفاد ذخيرته كليا تمكن الجنود من أسره وهنا قال لهم  معلنا:  أنا التشي...أنا تشي غيفارا!!و في الثامن من أكتوبر عام 1967 وفي العاشرة مساءا تم تنفيذ الحكم الصوري بلاعدام على جيفارا المناضل.

وبعد ثلاثين عاما وتحديدا في العام 1997 تم العثور على هيكل عظمي مبتور اليدين اثبت عائد يته لجيفارا عن طريق تحليل الحمض النووي   ولأجل ان يطمأن  أجداد وإباء قوى السلطة والاستغلال والديكتاتورية ويامنوا من تهديد جيفارا بنزع ملكيتهم وسلطاتهم في الحياة الأخرى فقد بتروا يديه  ,و دفن جثمانه أخيرا في ارض الثورة كوبا في سانت كلارا.

 ورغم التعتيم والتضليل  الضخم لماكينة الرأسمال العالمي العملاقة  لم تستطع ان تحجب وهج  فعل وفكر جيفارا  الثائر عن شعوب الأرض المضطهدة .

سيظل المناضلين  شموعا لاتنطفا تستمد زيت  ديمومة اشتعالها  من صدق الإنسان  وكفاحه من اجل الحرية  والعدالة والسلام.

 وفي حضرة وحسرة وعظمة الذكرى نسال ماالسر الذي يكمن وراء اختفاء مثل هذه الرموز النضالية  اليسارية في العالم  ولم تعد تحمل ذلك البريق ولاذاك الاتساع  والجاذبية كما كان حاصلا في الأربعينات  والخمسينات وحتى نهاي القرن العشرين.

 

حلاقة لحية ماركس وتنمية لحية بن لادن!!!؟؟؟

 

كيف استطاعت الرأسمالية العالمية ان تحلق لحية ماركس وانجلس  لترعى وتنمي وتسوق لحية بن لادن والظواهري والزرقاوي وإضرابهم.

وأين ولماذا اختفت  قبعة لينين وجيفارا  لتظهر عمامة بن لادن والزرقاوي  والقرضاوي وأمثالهم كمرجعية للفكر  رموزا للمقاومة المرتدة على أسيادها وأولياء نعمتها بعد ان أدركوا إنهم مجرد مكنسة بيد الراسمال العالمي سرعان مار ميت في أزبال وأوحال الرأسمالية المسلحة.

 وهنا سؤال موجه الى قوى اليسار لعراقي خصوصا  عن من اسدل الستار على الملحمة البطولية لخالد احمد زكي  ورفاقه اللذين لايقلون بذلا وعطاءا وفداء وسمو هدف عن جيفارا ورفاقه.

 هل تم تجفيف وخنق أفكاره بتجفيف  الاهوار على يد الدكتاتورية ؟؟؟.

أم انه عقابا الرفاق لأنه كسر جمودهم وتقليديتهم وانتهازيتهم المجسدة في اليسار التقليدي العراقي؟؟؟؟.

 إنها دعوة صادقة لكل يسار العراق  من اجل استذكار  جيفارا الاهوار العراقي الذي استطاع ان يسترد إكسير الخلود  المسروق من كالكامش  وهو يسعى ولازال لبعث جنات عدن للمحرومين والفقراء في ارض سومر

 فما أحوجنا الى مثل هذه النماذج  والأقمار المنيرة وعراقنا يغط في ليل الرأسمال والاستغلال والاحتلال والإرهاب

 فألف تحية لجيفارا الأشجار وجيفارا الأهوار .

 

المصادر:-

وعي السلوك(الكونفورميا وأنظمة الوعي)...د.محمد ألدروبي

1-ص60_ 8ص61-2ص144-3و4ص200-5ص205-6ص197-7ص199

سارتر قضايا ماركسية

9ص14-10و11ص15-12ص16-13ص18

                   

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا