حسن
عوينة
الإنسان
والمناضل
والشهيد
إعداد
مسلم عوينة
خالد حسين سلطان
الشهيد الخالد حسن محسن عوينة
1931 ــ 1963
الإهداء
إلى الذين وهبوا حياتهم للوطن والشعب . .
.
إلى المناضلين في سبيل وطن حر وشعب سعيد
إلى كل الحريصين على بناء عراق حر
ديمقراطي موحد
المقدمة
كثيراً ما تساءل محبو الشهيد " حسن عوينة
" ومَنْ بقي منهم على قيد الحياة منْ
أصدقائه عن سبب عدم المبادرة إلى كتابة
ذكريات عن هذا الرجل الذي اقترن اسمهُ
بإسم الشهيد " سلام عادل " ... والحقيقة
ان ذكرياتي عنهُ لا تعدو ذكريات الطفولة،
وأياماً هي كالحلم بعد ثورة " 14 تموز
1958 " المجيدة، فلا أتذكر غير أنهُ معتقل
أو سجين، أو غائب عن الأنظار، يواصل نضاله
في صفوف حزبه متخفياً عن أعين جواسيس
حكومات العهد الملكي ... لذلك لم أكن
ألتقيه إلا لماما، حتى تناهى إلى سمعي نبأ
إستشهادهم يوم 7/3/1963 وكنت آنئذٍ وراء
القضبان مع الآلاف من أبناء الشعب، ومن ثم
توالت تفاصيل تعذيبهم البشع حتى الإستشهاد
...
خلال شهر حزيران 1963 حينما كنت مع
المعتقلين في سجن بغداد المركزي ـ باب
المعظم ـ الحقوا بنا المرحوم " صالح
اليوسفي " نائب رئيس الحزب الديمقراطي
الكردستاني، حيث اعتقلوه والوفد المفاوض
الذي كان يترأسه للتفاوض مع الإنقلابيين
حول القضية الكردية، وكانوا يعانون من
آثار التعذيب الذي تعرضوا له، وخصوصاً
المرحوم اليوسفي، وقد دارت بيني وبينه
الكثير من الأحاديث، ومنها ما تعرض له
الشهيد " سلام عادل " ورفاقه الأبرار، حتى
فارقوا الحياة تحت التعذيب !!! فأجابني
بالحرف : (( هؤلاء الرجال أساطير، ولسنا
أساطير )) هكذا وصفهم هذا الرجل المنصف
... لذلك ولندرة ما لدي في الذاكرة، لم
أكن أجرء على الكتابة بهذا الصدد ... ولكن
تلبية لطلب الحزب سنة 1973 دونت ما لدي في
الذاكرة عن الشــــــهيد، فقام الأستاذ "
باقر ابراهيم " باســتمزاج ما لديه مع ما
دونته ووضع مقالته التي
7
نشرتها مجلة الثقافة الجديدة في العدد 46
سنة 1973 تحت عنوان لمحات من حياة ثوري
مات في سبيل قضية الشعب ـ حسن محسن عوينة
ـ ثم أعاد نشرها مع إضافات أخرى في
مذكراته الصادرة سنة 2002 ... وخلال
زياراتي لفرع الحزب في دمشق أواخر سنة
2008، دارت أحاديث عن الذكريات مع مسؤول
الفرع الأخ والرفيق العزيز " فراس
الحمداني " فما كان منه إلا أن نهض ووضع
أمامي قلماً وأوراقاً طالباً مني تدوين ما
رويته له عن بعض المواقف، وقال لي مازحاً
: لا نسمح لك أن تغادرنا إلا بعد أن تكتب
ما حدثتنا به، فكانت المقالة المعنونة "
من الذاكرة " وقد أصدرها المكتب ضمن
منشوراته تحت عنوان " حسن عوينة، كما
يتذكره أخوه ويستذكره خصومه ... شاعراً،
مناضلاً، وشهيدا " ونشرتها بعدئذ جريدة
طريق الشعب الغراء ... ولدى لقائي بالأخ
العزيز " خالد حسين سلطان " وجدته متحمساً
لجمع ما أمكن جمعه مما دوَنتْهُ أقلام
الشرفاء، فحفزني ما أبداه من تعاون، وما
بذله من جهد للأشتراك معه في إعداد هذا
الكراس ... والآن قفزت إلى الذاكرة هذه
الأبيات من قصيدته بمناسبة أربعينية
المرحوم " الشيخ محمد الشبيبي " والد
الشهيد " حسين الشبيبي " :
هذا أبو المســـــــتبسلين
وشبلهُ
سَلْ عنه
ميدان الكفاح العـــــارما
سل عود مشنقة الطغاة وحبلها
كيف ارتقى
بالموت يسخر باسما
يشـــــــــدو بمقوله البليغ
مكلما
ركب الحياة
إلى الأمـــام تزاحما
8
يا موكب التاريخ للنصر
اندفع
فلنا
الخــــــــلود ولن نبقي ظالما
* * *
ختاماً أتوجه بالشكر والتقدير إلى كل
الإخوة الأعزاء الذين دونوا ما لديهم من
ذكريات عن الشهيد ... وأتوجه بالشكر
والثناء على الأخ الأستاذ " خالد حسين
سلطان " الذي تجشم عناء الجهد الأكبر في
إعداد وإخراج الكتاب بهذه الحلّة القشيبة
فله الفضل من قبل ومن بعد .
مسلم عوينة
9
حسن عوينة . .
ثوري . . وهب الشعب والوطن حياته *
باقر إبراهيم
للثوريين الذين يموتون في سبيل قضية الشعب
دين في أعناقنا، أن نخلد ذكراهم ونحفظ
تراثهم ونيسر للأجيال الجديدة الاهتداء
والاقتداء بسيرتهم. وحسن محسن عوينة واحد
من الثوريين الأوائل المرموقين الذين
نذروا أنفسهم لهذه القضية .
ولد حسن في مدينة النجف الأشرف، عام 1931
من أب متدين وأم تربت في كنف أسرة من
العشائر العربية من ريف الكوفة والعباسية،
وقد نشأ منذ صباه نشأة وطنية ثورية، فلما
بدأ مرحلة الدراسة المتوسطة اخذ يتحسس
المشاكل العامة ويستلهم الأفكار الثورية
وفي مقالة كتبها في جريدة ( صوت الفرات )
عام 1959 بعنوان ( المنشور المبارك ) يصف
بداية تأثره بالأفكار الثورية وبالماركسية
اللينينية عن طريق منشور سري عثر عليه
ليقرأه بشغف ويكرر قراءته ثم يعود ليعلقه
على أغصان شجرة ليقرأه الآخرون وهكذا
تواصلت حياة حسن الثورية لتتخذ منذ هذا
التاريخ منهجاً منظماً واعياً حينما انخرط
في صفوف رفاقه وأحب الناس إليه .
كان طالباً في المرحلة المتوسطة ولذلك فأن
نشاطه الثوري تركز في البداية بين صفوف
زملائه الطلبة وساهم في مظاهرات وثبة
كانون الثاني 1948 بنشاط بارز وألقى في
المظاهرات الشعبية والمواكب والاجتماعات
القصائد الحماسية الثورية .
وحينما نشبت أزمة الغلاء والخبز في العراق
أصبح من المعتاد أن نرى النسوة تتزاحم على
أبواب المخابز، نظم حسن قصيدة، نشرها
10
في الصحف ومطلعها :
قل لمن حرموا خروج العذارى
فليروهنَّّ بين سبٍّ وضربِ
وخلال الهجوم الغادر الذي شنته الرجعية
عام 1949، اعتقل حسن مع المئات من رفاقه
في النجف وفي سواها من المدن العراقية
الثائرة ضد الطغمة البائدة، ونقل إلى
الديوانية ليقدم إلى المحكمة العرفية.
وهناك أطلق سراحه بكفالة لحين موعد
المحاكمة شرط أن لا يغادر المدينة. وخلال
وجوده فيها حصل اجتماع جماهيري ألقى فيه
حسن قصيدة مطلعها :
أيحكم فينا من يبيع ضميره ويسجد
للدينار بالحمدِ والشكرِ ؟
الأمر الذي أثار غضب المحكمة العرفية
فاعتقلته، ولكن تحت ضغط الجماهير، أطلق
ســــــراحه مع المعتقلين الآخرين بكفالات
( للمحافظة على الأمن ) .
في هذه الفترة. وفي الصحف السرية التي
كانت تصدر بصعوبة بالغة آنذاك، ظهرت له
قصيدة حماسية ملهمة تشيع الثقة في النفوس
والعزيمة في النضال في تلك الأيام الحالكة
السوداء من عام 1949. وقد تعود لهذه
الفترة قصيدته التي يخاطب فيها الشعب
العراقي مذكّراً إياه بأمجاد وثبة كانون
وملحمة جسر الشهداء والتي يقول فيها :
ما هد يوما عزمــــــــــــك الإرهابُ
أبداً ولا أوهتْ خطـــــــــــــــــــاكَ
حرابُ
يا شعب فامتشق العزيمة صــــارماً
وانهضْ فأنتَ الثائرُ
الوثـــــــــــــــــــــابُ
النهر أذهلهُ الســـــــــكوت وجسرهُ
مصغٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ يكاد
لحســـــــــــــــــــــــرةٍ يرتابُ
11
أو ما كساه بأمســـــــــــهِ لما عرى
حلل الجلال خــــــــــــــــــضابُك
المنسابُ
يا شـــــــــعبُ جددها لظىً
وتوقداً
ولينجلِ
بســـــــــــــــــــــــنا الدماء
سحابُ
انتقل حسن إلى بغداد ليواصل نشاطه الثوري
المنظم. وتحت وطأة القمع الموجه ضد
المناضلين، وبسبب الحرمان، اضطر أن يهجر
الدراسة التي كانت عزيزة عليه، فاتخذ مهنة
( مكوي ) يعتاش منها بساعده وينخرط في
صفوف الكادحين، لم يكن يأنف من أية مهنة
أو وسيلة شريفة تقيه غائلة الجوع وتساعده
في مواصلة النضال . وهكذا كان طيلة حياته
.
اتخذ المركز القيادي في الحزب الشيوعي
العراقي في أواسط عام 1949، من محل حسن
للكوي، في علاوي الحلة ببغداد، عنواناً
لارتباط بعض منظماته في الألوية (
المحافظات )، كمحافظة السليمانية . [
كذلك بين منظمة السجن والحزب مسلم
عوينة
]
وقد أدى حسن هذه المهمة في ظروف الإرهاب
الشديد وحالة عدم الثقة السائدة آنذاك.
وبالفعل شملته الاعترافات، واعتقل
بوصـــــفه ( ضابط ارتباط ) للصلة بقيادة
الحزب. وعُذب بشدة تحت هذا العنوان، في
دائرة التحقيقات الجنائية، وهي الجهاز
القمعي الإرهابي لطغاة العهد الملكي .
وبعد أن نال قسطه من التعذيب الذي كان
يتحمله برجولة ورباطة جأش، قدم لمحكمة
النعساني العرفية وحُكم بالسجن سنتين
قضاها في سجن الكوت. وفي السجن مارس مختلف
الفعاليات ونمّى كفاءاته ومعارفه ومارس
قرض الشعر أيضاً. ومن ذلك قصيدته المشهورة
التي تحولت إلى نشيد يعرفه ويردده السجناء
السياسيون،
12
الشيوعيون والثوريون :
حصن حزب شاده فهدُ كيف تسطيع
هدمه قردُ
خرج حسن من السجن في عام 1951 وعاد إلى
النجف، ليقضي مدة المراقبة بعد السجن
وليواصل، رغم ذلك، نضاله الثوري . وعمل
كشغيل بأجر زهيد في محل لبيع الأدوات
الاحتياطية للسيارات. ورغم تفاهة أجره،
إلا أن رب العمل، الحاج نجم المختار، لم
يكن ليبخل عليه بعواطفه وتسهيل مهماته
النضالية وكان يحترمه أيضاً لسمو نفسه
وأمانته .
في هذه الفترة تطورت عند حسن واشتدت
الرغبة في قرض الشعر فكانت قصائده تنشر في
الصحف التقدمية آنذاك، كالثبات والعقيدة
وغيرها، فتؤثر تأثيراً قوياً في الجماهير
المتلهفة للكلمة الواعية، وخاصة الشبيبة،
جيل وثبة كانون المجيدة. وكان حسن يجسد
الشعارات والمطالب الثورية والمهام
الإنسانية في قصائد مؤثرة .
ومن تلك القصائد قصيدته ( أمي والسلام )
التي صورت إقبال الجماهير على حملة توقيع
أول نداء عالمي صدر عن مجلس السلم العالمي
للمطالبة بتحريم السلاح الذري. ويستهل حسن
قصيدته برسم صورة لبشاعة الحرب وما تسببه
من نكبات لإقناع أمه على توقيع النداء :
أمي والسلام
أماه رهط الظــــــــــــــالمين
تآمرا
ليشــــــــــــــــــــــن
حرباً غادراً وتآزرا
تطوي الشباب على الشــــــــــيوخ
وللدم
الزاكي الطهور ترين بحراً زاخرا
13
والأرض تزرع بالضحايا إن ذكت
ويبدل الروض
الخصــــــــــــــيب مقابرا
واللـــــــــحن والأنغام تبدل بالبكا
وبمـــــــــــــــــــــــــدفعٍ داوٍ
يعربد هادرا
هذا النداء فوقعيه لتســـــــــــلمي
ما خاب من للســـــــــــــــلم كان
مناصرا
وبعد أن يشير إلى الإحجام والتردد في
التوقيع على النداء، ثم القناعة والتصميم
على المساهمة في النضال ضد الحرب المبيدة
يواصل :
قالت وقد نهضــــــــــــت إلي بجرأة
والعزم كان على المــــــــــــــــحيا
ظاهرا
كيف اصطباري لو أراك مضـــرجا
بدم ولحمك في الفضــــــــــــــــــا
متناثرا
أو أشهد الرشاش وهو مزمــــــــجر
يردي بلا مهل أخــــــــــــــاك الطاهرا(1)
هاك إصبعي، بل هاك كل أصابعي
خذها أوقــــــــــــــــــــــع لا أريد
مجازرا
لحسن قصائد فيما أسماه ( الغزل الثوري )
وهو من الشعراء الذين ضمنوا شعرهم الثوري
مشاعرهم العاطفية. ومن هذا النوع من الشعر
قصيدة ( الغزل الثوري ) و ( ضحكة الفجر )
.
وفي القصيدة الأولى يقول :
هذي الشـــــعارات اعتلت حمراً
تحاكي لون خــــدك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
طاهر محسن هو أحد إخوان حسن .
14
توحــــــــــي إلي بثورتين
فثورة شــــــــــــبت بودك
والثورة الأخــــــرى التي ترنو
إلى ســعدي وسعدك
إن مثل هذا التشبيه للحبيب شائع في الفن
عموماً، كما في الأدب السياسي .
* * *
لم يمضي وقت طويل حتى صحّ ما تنبأ به حسن
من أن الشعب العراقي سيثور من جديد وبأعنف
مما فعل. فالإرهاب لم يهد من عزمه ولا
أوهت الحراب خطاه، ولم يبق دجلة مذهولاً
من سكوته، وليس ثمة مجال لأن تتسرب الريبة
إلى الجسر الخالد فجددها شعب العراق لظى
ضد الطغاة في انتفاضة تشرين الثاني 1952 .
ساهم حسن عوينة بنشاط في انتفاضة تشرين
وفي المظاهرات الجماهيرية التي اندلعت في
النجف. وكان يضطلع هذه المرة بأدوار
تنظيمية وتوجيهية للنشاط الثوري في
المدينة. وبعد الانتفاضة وشن الإرهاب
الرجعي وإعلان الأحكام العرفية مجدداً،
اضطر حسن للاختفاء ومزاولة النشاط الثوري
السري، مكرساً كل وقته لمهمات النضال،
وتنقل بين النجف والكوفة وأريافها .
فاجأه مرة أحد أفراد شرطة الكوفة في
مغارته السرية على نهر الفرات واعتقله.
وحينما حاول إغراءه ببعض النقود، رفض
الشرطي معللاً نفسه بنيشان وإكــــرامية (
كاش ) هي أكبر بكثير من المبلغ التافه
الذي يعد به حسن الهارب من وجه العدالة
الجائع والخاوي الجيوب. فأفلت حسن من قبضة
الشرطي وخاطبه من بـــــــــعيد ( لا زلت
على وعدي لك ) .
وانتقل من جديد إلى بغداد عام 1955 حيث
اعتقل هناك وعُذبّ وحُكم بالسجن لمدة
سنتين ونصف في ســـــجن بعقوبة، ونقل
بعدها
15
الى بدرة ليقضي مدة المراقبة المحكوم بها،
وقبل انقضائها أطلق سراحه عند قيام ثورة
14 تموز المجيدة عام 1958 وعاد الى النجف
ليواصل النضال في الظروف الجديدة بعد
انتصار الشعب على الحكم الملكي المباد.
وعمل فترة موظفاً في أحد مصارف النجف.
ولكن حسن الذي تطبع على تكريس كل جهوده
للنضال الثوري، انسجم تماماً مع قرار
عودته للاحتراف الثوري وانغمر في العمل
الجديد بطاقة وحماس لا يعرفان الكلل .
في عام 1959 صدرت جريدة ( صوت الفرات )
فكان حسن رئيس تحريرها. ورغم قصر عمر
الجريدة استطاع حسن أن يعكس في العديد من
المقالات والتعليقات روحه الثورية
وكفاءاته الأدبية .
وأغلقت الجريدة في نفس السنة وفُصل حسن من
نقابة الصحفيين ضمن أول قائمة في فترة
انتعاش الرجعية باعتباره صحفياً طارئاً.
وقد جعل من سبب الفصل هذا موضوعاً للنكتة
فقدم نفسه لمعارفه كصحفي طارئ ! وكان بذلك
يتوخى إدانة افتعال الأسباب التافهة التي
تلجأ إليها الرجعية لخنق حرية الصحافة
ومكافحة قوى التقدم .
* * *
تميز حسن بمجموعة من الخصال الحميدة التي
يندر أن تتجمع كلها في إنسان واحد :
التعلق الشديد بالقيم الثورية والإخلاص
العميق لقضية الشعب والكادحين والإيمان
بانتصار هذه القضية العادلة، حب الناس
والقدرة على الاختلاط بهم، دماثة الأخلاق
والترفع عن الصغائر، الحماس المتقد
للعقيدة والمرونة البالغة في القدرة على
التعامل مع مختلف أوساط الشعب ومن شتى
الميول والأذواق. كان يحب النقاش المثمر
ويصغي إلى محدثيه بانتباه ويرد
الخــــــــصوم
16
بالحجة المقنعة ويسيطر على نفسه حتى في
حالات الاستفزاز، فيرد المقابل بنكتة
لاذعة، وكان حسن مرحاً على الدوام، سريع
البديهية وحاضر النكتة .
جسّد في إحدى قصائده، بمناسبة يوم العمال
العالمي، الأول من أيار، حبه للعمال
وإيمانه بقضيتهم العادلة، وكان يستنهضهم
فيها للنضال الثوري ويذكرهم بما حققته
الطبقة العاملة في الاتحاد السوفياتي التي
أشادت النظام الاشتراكي على سدس الكرة
الأرضية وهدمت صروح الرجعية والاضطهاد
والاستغلال وحققت عدالة النظام الاجتماعي
الجديد، عدالة الاشتراكية حيث يسود مبدأ (
من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله ) كل ذلك
صبه في قالب شعري مفهوم ومبسط مطلعها :
دماء يومك يا أيار تســـتعرُ بها
الى كل طاغ جائر عبرُ
تزوج حسن وأنجب ولداً واحداً ( فلاح ).
وعاش حياة زوجية وأبوية هانئة، ولكنها لم
تدم طويلاً إذ سرعان ما افتقدته العائلة
الصغيرة الناشئة، كما افتقده الشعب ورفاقه
بألم ممض .
مع حسن عوينة . . لقاءات وذكريات
تكونت لي روابط وثيقة وحميمة، من خلال
النضال السياسي، بعدد كبير من المناضلين.
لكن الرابطة التي تكونت مع حسن عوينة، ذات
صفة متميزة من حيث قوة تأثيرها وتنوعها
ورسوخها .
منذ عام 1951، حتى انتفاضة تشرين الثاني
1952، كان حسن مسؤولي الحزبي. وبعد ثورة
14 تموز 1958 صرت مسؤوله في أكثر من
منظمة. إلا أن العلاقة بيننا، التي اتسمت
بالود والتفاهم والتأثير المتبادل، لم
تتغير بالمرة .
لم أستطع، حتى الآن، الكتابة بالصورة التي
ترضيني عن حسن :
17
مناضلاً وإنساناً وصديقاً، حتى بعد أن
كتبت عنه : عن حياته وشعره وصفاته. وها
أنا أضيف في عام 1995 ما تبقى من الذاكرة
عن حسن .
حينما صار مسؤولاً عن لجنتنا، لجنة مدينة
الكوفة، وجدت فيه نموذجاً متميزاً
للمسؤولين الذين سبقوه، وكانوا خمسة.
فالمسؤول الأول الذي نظم خليتنا في صيف
عام 1948، يتميز بالجدية والحرص والثقافة
المتوسطة. ولكنه سرعان ما ترك الحزب عند
بدء حملات القمع. وآخر تمنعت عن قبول
قيادته ( الشهيد حميد الدجيلي ) لأنه
ببساطة زميل طفولة ودراسة. وأعجبتني شخصية
الثالث الذي كان يكبرنا سناً. ويرتدي الزي
الشعبي ( الكوفية والعقال ). فهو من وسط
العاملين، وليس من وسطنا الطلابي الذي
اعتدنا عليه. لكنه لم يستمر طويلاً
كمسؤول، إذ جاءتني توصية حزبية فيما بعد
بأن أنظم أنا الارتباط الحزبي له .
ومسؤول رابع تميز بالحماس والإخلاص وبشيء
غير قليل من المبالغة والافتعال في
الانضباط الحزبي ( الديسبلين )، لدرجة
تلقيننا الآراء والتعليمات أحياناً .
ثم كان مسؤولنا الشهيد عواد الصفار
بشخصيته الهادئة المتواضعة وإخلاصه
وتجربته. فكنا ننظر للخارجين من السجون في
بداية الخمسينات، نظرة احترام خاصة. وكانت
العلاقة مع حسن عوينة آخرها، حتى سجني
أثناء انتفاضة 1952 .
صرنا نعقد الاجتماعات في بيت حسن في
الأغلب، وأحياناً أتردد على محل عمله حيث
كان يعمل كاتباً في محل الحاج نجم
المختار، لبيع الأدوات الاحتياطية
للسيارات. حاج نجم يعامل حسن عادةً
بالاحترام والتقدير ويســـــــعى للتخفيف
عن واجباته في المحل مما
18
يسهل له النضال .
القدرة على الإقناع وقوة الشخصية
والابتعاد عن التهويل، التواضع وتقبل نقاش
الآخرين، لطافة الخلق وروح النكتة
والشــعور الحساس . . كل ذلك من صفات حسن
عوينة الواضحة . . وكانت موضع تقديري،
والدوافع لأن تتكون العلاقة الحميمة بيننا
بعد تعرفنا الحزبي، والثقة المتبادلة.
وهذا ما ظل يطبع علاقتنا حتى استشهاده عام
1963 .
بعد خروجي من سجن نقرة السلمان، في تشرين
الأول 1955، التقيته في موقف السراي في
بغداد، بعد فراق طويل. وكنا آنذاك في
تنظيمين منفصلين متعاديين حيث انحاز هو
الى جانب منظمة راية الشغيلة. عرفت، حين
دخولي غرفة التوقيف بوجود حسن، وكان يغط
في نومه، فسحبته من الفراش وكان بيننا
لقاء ودي حار. ولم يخف علي سراً . . أنه
تناوم كي يتجنب الجفاء والاتهامات
بالانشقاق والتخريب، كما فعل معه مناضل
قديم سماه لي، وكانت تربطهما علاقة وثيقة
.
وحدثني عن أسرار الحزب وتبدل القيادة (
سكرتير اللجنة المركزية ) واستعداد
السكرتير السابق ( حميد عثمان ) للتسليم
بقيادة منظمة راية الشغيلة. وقال أن
أموركم ستنتهي قريباً. فقد كان حسن على
صلة وثيقة بما يجري من صراع ومفاوضات في
قمة التنظيمين .
قلت لحسن انه متعجل بالفرحة بما يجري رغم
أن ما سمعته جديد علي تماماً. وفي الواقع
أذهلتني تلك المعلومات. ولكنني قلت له
أنكم ستعودون إلى حزبكم كمناضلين مقدرين
فيه بعد أن تحلوا تنظيمكم قال : سنرى.
وصرنا نتذكر ذلك اللقاء أحياناً .
19
أتذكر اعتراضاته في رسالته التي كتبها إلى
المكتب السياسي عام 1961 على المبالغة في
نشرة داخلية صادرة عنه، تصف النهوض
الجماهيري والتحركات العمالية ضد حكم قاسم
آنذاك. وقد أعطى حسن كل تلك التحركات
مداها المحدود المؤقت، واعترض على بناء
التوقعات العريضة عن انعطاف جماهيري، ضد
الحكومة بتأثير سياسة الحزب .
لكن المكتب السياسي كتب رداً مطولاً على
الرسالة الاعتراضية للرفيق ( ش ) فقد كان
الاسم الحزبي للرفيق حسن ( شوقي ) ووقف
حماس الشهيد محمد حسين أبو العيس عضو
المكتب السياسي وراء الرد، لأنه كان واضع
نشرته. وطال الأخذ والرد بين لجنة التنظيم
المركزية التي كنا نعمل فيها، أنا وحسن،
وبين المكتب السياسي الذي كان يتولى
القيادة فيه زكي خيري آنذاك. وصرنا نشذب
بالنشرة الرد، محتوى وحجماً، حتى بقيت
صفحات قليلة من نشرة تكون كراساً . . إلا
أنها بعد توزيعها، ورغم كل ما جرى فيها من
اختزال وإضعاف، أثارت تحفظات بعض الكادر
المتعقل في الحزب مباشرة، حيث اعتبروا رد
المكتب السياسي على أفكار حسن بمثابة
القمع للرأي الصحيح .
حينذاك، حدثنا حسن عوينة عن الفلاح الذي
بكى أمام الحاكم،
عندما سمع المحامي يعدد بإسهاب حقوقه
المهضومة . . وقال الفلاح جواباً عن سؤال
الحاكم : بكيت لأني لم أكن أتصور أنني
أملك كل هذه الحقوق !
جمعت خصال حسن في وحدة منسجمة، صفتيْ
المثقف الفنان والمناضل السياسي .
فهو مارس النضـــال الذي انتهى به إلى
متفرغ حزبي، يحتل موقعاً
20
قيادياً، قريباً من أعلى هيئة قيادية في
الحزب .
وحين اتجهت النية إلى توسيع اللجنة
المركزية للحزب، بعدد من الكادر الكفء
الجديد، في أواخر عام 1962، اقترحت أن
يكون حسن بينهم. ولم يكن الاقتراح بعيداً
عن ذهن كثير من قادة الحزب آنذاك، ومنهم
السكرتير الأول للجنة المركزية سلام عادل
.
ورغم أن حسن كان ملتزماً، حريصاً على
التقيد بنظام الحزب، فلم يكن الصعود
بالمسؤوليات القيادية يستهويه، أو يثير في
نفسه الرغبة للتقدم فيها .
فقد فهم القيادة في الحزب بأنها ريادة
ومثل عليا وتضحية، وكان يمقت أشد المقت
تحويلها إلى سلطه، ومن باب أولى تحويلها
الى سلطة تسلب اللباب أو تشد على الرقاب .
ما أكثر ما كان يسخر، علناً في الغالب،
وباطناً أحياناً، من الجمود في المبادئ،
أو في تطبيق النظام الحزبي، ويثيره
الروتين والنمطية والشكلية والادعاء
الفارغ من المضمون .
وهو بذلك كان يعبّر في الحزب والنضال
السياسي عن الرأي والرأي الآخر هكذا كانت
نظريته إلى الحياة عموماً .
ومن الضروري التنويه بأن الحقبة الأخيرة
من حياة حسن النضالية، حيث كرس طاقته
كمتفرغ في العمل الحزبي، أي منذ أوساط
الخمسينات، حتى استشهاده عام 1963، شهدت
هذه الحقبة، عزوفه عن قرض الشعر وعن
الإنتاج الأدبي عموماً، إلا ما ندر .
استناداً إلى فهم عقلية حسن ونمط تفكيره،
يمكن القول بأنه كان من بين القلائل الذين
يتصدون للمعايير التي تنطلق من النصيّة في
النقل والى تحكيم العقل ويقفون إلى جانب
التغيير والتجديد .
وإذ تتناول هذه التقديرات ميدان نهجه
السياسي، فإنها تشـــمل أيضاً
21
فنه وشعره الذي لو قدر له المواصلة في
إبداعه، لكان يلبي، دون شك، الحاجة إلى
التعبير بذوق فني أسمى ورهافة الحس، والى
التصاق أقل بجمود الشعار السياسي ونمطه
الصارخ، هذا النمط الذي صار أكثر رواجاً
حتى أمسنا القريب .
في 7 آذار ( مارس ) 1963، أعلن الحاكم
العسكري العام عن إعدام سلطات الانقلاب،
حسن عوينة واثنين من أبرز قادة الحزب
الشيوعي العراقي : سلام عادل، السكرتير
الأول للجنة المركزية والشهيد محمد حسين
أبو العيس، عضو المكتب السياسي .
عرف أبناء الشعب، فيما بعد، أنه قتل
معهما، تحت التعذيب الوحشي ولم يقدم لأية
محاكمة .
لكن القلائل أدركوا لماذا اختيرت هذه
الرموز الثلاثة بالذات، للإعلان عن
إعدامات بنفس الطريقة شملت الكثيرين
آنذاك، وفيما بعد .
رحل حسن بصمت . . . وهب حياته للنضال من
أجل الوطنية الصادقة، ومن أجل مجتمع
السعادة للشعب .
لم يطنب في شعره، أو في أدبه السياسي، في
تمجيد التضحية، أو يلجأ إلى تقديسها
بافتعال، ولكن عندما حان وقتها، قدمها
هادئاً مطمئناً .
سيبقى حسن عوينة حياً في قلوب أبناء
الشعب، وفي قلوب وأفكار رفاقه ومواصلي
مسيرته حتى الذين لم يعرفوه .
مرثية ليست أخيرة / شاكر السماوي :
أهداني مشكوراً، الصديق الشاعر المبدع،
شاكر السماوي، قصيدته المؤثرة في رثاء حسن
عوينة .
ويسرني أن أضمها إلى حديثي عن مأثرة
الشهيد .
22
وفيما يلي ما كتبه شاكر السماوي :
إلى صديقي ورفيقي الشهيد حسن عوينة،
نموذجاً في البطولة الثورية العراقية التي
زخر بها تأريخنا الثوري. لقد استُشهد
شامخاً تحت سياط وآلات الإبادة في قصر
النهاية ـ 1963 .
في الساعةِ الواحدةِ ليلاً
قالتْ لكَ الخناجِرُ الذئبية:
ـ قامتنا في الهامةِ المحنية.
في الساعةِ الثانيةِ ليلاً
خاطبَكَ الثعبانُ في سوطِهِ:
ـ صمتُكَ يا هذا، هنا،
تُنطِقُهُ المروحةُ الشتوية
في الساعةِ الثالثةُ ليلاً
كُنّا نياماً في الأرق
وكنتَ بين الموتِ والقَلق
تَخطُرُ حُلماً في تباشير الغَسَق .
في الساعةِ الرابعةِ ليلاً
قد غرَزَتْ أصابعُ الطين
نيرانها في الحَدقِ ـ التنين
فانهدمتْ أواصرُ الإنسانِ في الطين .
في الساعةِ الخامسةِ فجراً
يحدِسُكَ الوجدان
بين شظايا قلبِكَ الإنسان
منارةً تشمخُ في تصاعد اليقين .
وفي دُعاءِ الأُم والحبيبة
23
يَحدُسُكَ الهاجِسُ والريبة
في غُرفِ الأنين
حُنجَرًة يرقصُ في شريانِها السكين .
* * *
في الساعةِ السادسةِ صُبحاً
تنفسَ الموتُ على أجفانِكَ المَرخيّة.
* * *
في الساعةِ المجهولةِ الترقيم
وفي ثنايا حُفرٍ منسيةِ الترقيم
تستيقظُ الجنائز المَنسيَة
تطوفُ في الشوارع الخلفية
توقِظُ فينا التوبةَ الكوفية.
بغداد
5 آذار 1971
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن مذكرات المناضل باقر إبراهيم / دار
الطليعة للطباعة والنشر / بيروت / الطبعة
الأولى 2002
24
بعض اللقطات من حياة الشهيد حسن عوينة
صاحب الحكيم ( أبو هادي )
حدثني الشهيد حسن مرة، بأنه التقى في سنة
1955 الرفيق الشهيد سلام عادل مصادفة في
بغداد عندما كان انشقاق ( راية الشغيلة )
في نشاطه الانشقاقي، والرفيق حسن كان احد
الكوادر الرئيسية في منظمة راية الشغيلة،
وان الرفيقين على معرفة جيدة ببعضهما حيث
عملا في مدينة الديوانية في منتصف
أربعينات القرن الماضي وكان الرفيق سلام
عادل ينظم خلية فيها الرفيق حسن عوينة
والرفيقة ثمينة ناجي يوسف والتي أصبحت
زوجة للرفيق سلام عادل .
وقد جرى الحديث بينهما عن الانشقاق
ومساوئه، وسياسة الحزب الشيوعي العراقي
وما علق فيها من أخطاء، واستمر الحديث على
الخطأ والصواب وحول الانشقاق والوحدة وحول
اليسار واليمين في السياسة والتنظيم ...
الخ وتحدث الرفيق حسن عن المساوئ الموجودة
في تنظيم الحزب الشيوعي، وجلب أدلة دامغة
لصحة كلامه، إلا إن الرفيق سلام عادل رد
عليه، علينا وضع الخط السياسي أولاً، ومن
ثم فالتنظيم انعكاس ووجه للسياسة الصحيحة،
وأكد بان ندع الانشقاق ومسؤوليته، فالحزب
الشيوعي يدعو منظمة راية الشغيلة لرسم
سياسة صائبة كخطوة أولى لوحدة الحزب،
وندعوهم للحوار لتحقيق وحدة الحزب. وبرغم
عدم الاتفاق على شيء بينهما، إلا إن
الرفيق حسن تأثر بكلام الرفيق سلام عادل
وغرس في نفسه الأفكار الصائبة. وعندما
أصبحت وحدة الحزب الهدف الأسمى للحزب
ولمنظمة راية الشغيلة وتحققت في حزيران
1956، كان الرفيق حسن عوينة في سجن بعقوبة
وكان من مؤيدي
25
وحدة الحزب، وبكل حماس ومبدئية عالية .
كان الرفيق حسن عوينة في الأيام الأولى
لثورة 14 تموز 1958 عضو اللجنة المحلية في
النجف وكربلاء، وعضو لجنة الفرات الأوسط
في آن واحد وكان الرفيق حسن شديد الملاحظة
لرصد الأخطاء التي تصدر من مناضلي المنظمة
وكوادرها. وكان يشجب التهور والاعتداء على
الآخرين والتدخل في شؤونهم السياسية،
وبرغم انه لم يكن المسؤول الأول في اللجنة
المحلية للنجف وكربلاء التي كانت مؤلفة من
الرفيق محمد حسن مبارك مسئولاً، ومن
الرفاق خليل جميل والمحامي حسين علوان
الربيعي والرفيق صاحب الحكيم ورفيقين من
كربلاء وهما جاسم الحلوائي وعلي النوري.
ان الرفيق حسن عوينة كان متميزاً بآرائه
وبسلوكه المعتدل في زحمة المد الجماهيري،
وكان وجوده في منظمة النجف بمثابة الفرامل
للاندفاعات غير المدروسة التي تستعجل
المنظمة القيام بها والحقيقة كان بمثابة
مقود القيادة للمنظمة برغم من انه لم يكن
المسؤول الأول في اللجنة المحلية، وكانت
آرائه الناضجة والصائبة قد جنبت المنظمة
الكثير من الوقوع بأخطاء فادحة، والواقع
ان المنظمة في النجف قد سلكت سلوكاً
هادئاً وبرغم من ان الخصوم السياسيين
كانوا يحاولون جر المنظمة الحزبية لمعارك
جانبية إلا إن دور الرفيق حسن عوينة كان
له الأثر الكبير في امتصاص الاعتداءات
التي كانت تقوم بها القوى السياسية
المعادية للحزب، وتجنب الخسائر التي أراد
الآخرون الإيقاع بها على المنظمة في النجف
.
حدثني الرفيق حسن مرة كان في سجن بعقوبة
في سنتي 56 ــ 57 انه كان مكلفاً بإعداد
البريد الحزبي إلى خارج الســـجن، وكان
يتبع
26
طرق متعددة وأذكر منها طريقة طريفة، حيث
أعد بريداً حزبياً من سجن بعقوبة إلى
مدينة بدرة التي يتواجد فيها الشيوعيون
المبعدون بعد انتهاء محكومياتهم، ويبقون
تحت المراقبة في مدينة بدرة .
. ومرة
أرسل البريد الحزبي مع أدوات الحلاقة
ووضعها في طرد عبر البريد الرسمي، حيث عمل
الرفيق حسن مخبئاً في صابونة الحلاقة بعد
إزاحة الورق الذي يغلف الصابونة ووضع
بصورة فنية بريداً حزبياً في داخلها. وان
محتويات البريد الحزبي مؤلف من ورق
السكائر الشفاف وكتب محتوى الرسالة بقلم
الرصاص وبالخط الناعم، وقد أعاد وضع
الصابونة كما هي، وكتب رسالة لأحد السجناء
المبعدين المنتهية محكوميته وابعد إلى
مدينة بدرة، وكان قد اتفق معه على صيغة
معينة للمراسلة، وكان محتوى الرسالة
العلنية للسجين المبعد ( بأنه نسى عدة
حلاقته ولذا فانه يرسل له أدوات الحلاقة
التي تعود له ) .
والرفيق حسن يتبع طرق متعددة أخرى
للمراسلة يجيدها ويبتكرها عند الضرورة،
وانه يجيد العمل السري ويتبع أساليب
مختلفة بالتنكر وإخفاء الوثائق بصورة
دقيقة ... الخ، لذلك كان مسؤولاً عن
البريد الحزبي بين المركز الحزبي في بغداد
وبين منظمات الحزب في كافة المناطق
الحزبية واللجان المحلية وقد القي القبض
عليه بعد انقلاب 8 شباط 1963 وهو يحمل
رسالة من منطقة الفرات الأوسط إلى سكرتير
اللجنة المركزية للحزب الرفيق سلام عادل
حول كيفية القيام بعمل عسكري ضد
الانقلابيين .
دمشق 18 / 1 / 2009
27
من الذاكرة
مسلم عوينة
بعد أيام تمر بنا الذكرى السادسة
والأربعون لانقلاب (8 شباط 1963) الرجعي
الموغل بالفاشية والعنصرية، والحقد على كل
معاني التقدم والإنسانية .... فعلى أيدي
حرسه الهمج ولجانه التحقيقية المجرمة، قتل
آلاف الشيوعيين، وعدد غفير من المناضلين
الوطنيين من غير الشيوعيين... ولابد لنا
بهذه المناسبة أن نستذكر أولئك الراحلين
الأبطال ... نستذكر بطولتهم ... ووفاءهم
لمبادئهم ... لحزبهم ... للطبقة العاملة
... للشعب... وهم بصمودهم الأسطوري حدّ
الجود بالنفس، الحقوا العار الأبدي
بالجلادين ووفوا بالعهد وصانوا الأمانة
... وفي مقدمتهم الشهيد الخالد (سلام
عادل) ورفيقاه الشهيدان الخالدان (حسن
عوينة ومحمد حسين أبو العيس ) اللذان
اقترن اسماهما باسمه في بيان واحد عن (
الحاكم العسكري العام ) يعلن إعدامهم،
والحقيقة أنهم قضوا في التعذيب البشع مثل
سمل الأعين وتقطيع الأطراف وأعضاء الجسد
ما اضطر الجلادين عدم تسليم جثثهم ...
وأستذكر بهذه المناسبة بعض تراث الشهيد (
حسن عوينة ) الذي بقدر ما كان صلب العقيدة
عميق الأيمان بمبادئه بلا حدود، فهو أديب
وشاعر، لطيف المعشر، سريع البديهة، حاضر
النكتة، قوي الحجة، محبوباً عند كل
معارفه، حتى عند البعض ممن كان يعادي
الشيوعية والشيوعيين ... تعلو وجهه
ابتسامة محببة حتى في اعقد الظروف
!
.
في سنة1953 غادر النجف إلى بغداد لمواصلة
نضاله ... وفي محاولة من المرحوم الوالد،
لإقناعه بإعادة النـظر في هذا الدرب
28
الوعر الذي اختاره بعث له رسالة عرض فيها
قلقه الدائم عليه، مما قد ينزل به من
مصائب، ومما ورد في تلك الرسالة : (( قال
الفلاسفة، ما عبر حكيم نهراً مرتين ))
هادفاً إلى إقناعه بإعادة النظر فيما عقد
العزم عليه ... فأجاب برسالة تحمل تفهمه
لعواطف الأبوة، وقلق الوالد ثم قال فيها
:
.
" ارجوا إن تعلموا أن الحياة عندنا هي
النضــال، والنضال وحده ... وقد قال
الفلاسفة أيضاً ( إذا أنا لا احترق، وأنت
لا تحترق، فمن الذي يحترق لينير لنا
السبيل ) .. فقال الوالد معلقاً على هذه
الرسالة : ( انتهى الأمر، فلندعه وشأنه،
وليحفظه الله ).
من قصيدة له يستنهض الشعب للوثوب بوجه
الظلم والطغيان بعد أن ران الصمت إثر
الهجمة الشرسة على الحركة الوطنية في
أعقاب وثبة كانون المجيدة 1948
:
.
ما هد يوما عزمــك الإرهابُ أبدا ولا
أوهتْ خطاكَ حرابُ يا شعب فامتشق العزيمة
صارماً وانهضْ فأنتَ الثائرُ الوثابُ
النهر أذهلهُ الســكوت وجسرهُ مصغٍِ
ٍ يكاد لحسـرةٍ يرتابُ
أوَ ما كساه بأمسـهِ لما عرى حللَ
الجلال خضابُك المنسابُ
يا شـعبُ جددها لظىً وتوقداً
ولينجلي بسنا الدماء سحابُ
* * *
في أوائل خمسينات القرن المنصرم انطلقت
حملة جماهيرية لنصرة حركة السلام العالمي
... عرض الشهيد على الوالدة التوقيع على
نداء السلام، مبيناً لها الكوارث والأهوال
التي تسببها وتخلفها الحروب، فأجابته
الوالدة هات النداء لأوقع عليه بكل أصابعي
... فكتب قطعته الشعرية بعنوان ( أمي
والسلام ) وقد نشرتها آنئذ أحدى الصــحف
المحلية ربما كانت جريدة ( صدى
29
الأهالي ) ومنها :
.
أماه رهط ُالظالمين تآمــــرا
ليشنَّ حرباً غادرا وتآزرا
تطوي الشباب على الشيوخ وللدم الزاكي
الطهور ترينَ بحرا زاخرا
والأرضُ تزرع ُبالضحايا أن ذكتْ
فيبدلّ الروضُ الخصيبُ مقابرا
واللحنُ والأنغـــام تُبْدلُ بالبكا
وبمدفع ٍداوٍ يــــعربدُ هادرا
وتوثقي منا فنحن معســكر نامٍ
وجيشٌ سوف يصبح ظافرا
هذا الندِّاء فِّوقعيه لتســــلمي
ما خابَ من للسلمِ كان مناصرا
فتجيبه والدته :
قالت وقد نهضت الي بجرأة والعزم كان
على المحيا
ظاهرا
كيف اصطباري لو أراك مضرجاً بدم ٍولحمُك
في الفضا متناثرا
أو اشهد الرشــاش وهو مزمجرٌ يردي بلا
مهل أخاك الطاهرا
هاك إصبعي بل هاك كلَ أصابعي خذها
أوقعُ لا أريد مجازرا
وفي مزاوجة رائعة بين عواطف الحب وبين
النضال الوطني راح شعره ينساب بعذوبة
تنطوي على الجمال والإبداع ..... حتى
أستطيع أن أقول انه افتتح باباً يمكن أن
نسميه ( الغزل الثوري ) فيقول بين سنتي
1951 - 1952 :
أن كنتِ عاشقتي فذودي يا مناي عن
الســلامِ
فإذا الوغى انفجرت لتـدمير وفتك
وانـــتقامِ
هيهات أن يبـقى الأحبةُ في التئــــام ٍأو
وئام ِ
يُسقون من مرِّ العذابِ وأكؤس المــوت
الزؤامِِ
فتقــــحمي سوحَ الكفاح نذودُ عن حقً
مضامِِ
تزهو لــنا الدنيا ونسعدُ بالتــــودِّدِ
والغرام
ونعـــبُّ من بحر السّعادة كلَ يوم ٍألـف
جام ِ
أن كنتِ عاشــقتي فذودي يا مناي عن
السـلامِ
30
ثم يدعو حبيبته إلى الالتحاق بالجماهير
الغاضبة التي انطلقت في تظاهرة احتجاج على
سلطة القمع الرجعية :
تلك الشعاراتُ اعتلتْ حمراً تحاكي لون
خَـــدِّكْ
توحي إلي بثورتين فثورةٌ شبّتْ
بـــــــودِّكْ
والثورة ُالأخرى التي ترنو إلى سعدي
وســـعدِكْ
ومضيت ارتشف العذابَ ولم أذقْ من عذبِ
شـهدِكْ
فتخالط الوجدان وجدُ الجائرين ووجد
صــــدكْ
فلتهتفي وتقرَّبي منِّي فلا أحيا
ببــــــــعدِكْ
تلك الشعاراتُ اعتلتْ حمراً تحاكي لون
خـــدِّكْ
وتألقت قصيدته ( ابنة الشعب في التحقيقات
) حينما شاهد أحدى المناضلات وهي تتحدى
الجلادين الوحوش ملحقة بهم الخزي والخذلان
:
ضحكةُ الفجرِ وابتسامُ الأماني
بمحياكِ يا ربــيعَ الزمانِِِ ِ
أنت ترنيمةُ البلابلِ في الدوح تناغى
بأعـــذبِ الألحان ِ
أنتِ يا رقة النسيم اسـتقرتْ بتهادي
ورقةِ الأغـــصانِِ ِ
انتِ زهرُ الربيع ِيعبقُ بالعطرِ
ندياً ونفحةُ الاقــــحوان ِ
وبجفنيك للملاحة إشـــراقٌ وينبوعُ
رقّةِ وحــــنانِِِِِ ِ
كلُ ما في الوجودِ من بهـجةِ الحسنِ
تناهى لهذه الاجفانِِ ِ
أنت يا ذروة المــكارم والنبل ولحن
الكــمال والوجدان ِ
لستِ في الحسن وحده والمزايا مثلا
ســـائرا بكل لسان ِ
أنت في روعة الجمال تحـلّت وتجلّتْ
بـروعةٍ في التفانِ ِ
لكِ في صفحة المفاخر ِسـطرٌ يتغنّاهُ
كلُُّ قـــاصٍ ودانِ
هو اسمارُ ندوةِ الخــــلاّنِ ِ
ونشيدٌ على شفاهِ الحـسان ِ
31
خلَّفَ الحقدُ في الخـدودِ لهيباً
وشراراً توري به العــينان ِ
يوم رامَ الأشـرار إذلال جيدٍ شامخ ٍ
للسّها بأسمى المعاني
لستُ أنساكِ تنفثين عليهــم جمراتِ
البيانِ باطـــمئنان ِ
عذِّبوني فأن ســودَ الرزايا واهياتٍ
بقبضةِ الشـــجعان ِ
أنا للشــعبِ للكفاح دعوني أنا لا
أرتدي لبوس الهــوان ِ
أنا لا أسـحقُ الكرامة َلا لا كل
غُنم سوى الكرامــةِ فان ِ
يا ابنة الشـعبِ والكـفاح مرير ليس
فيه رغم الرّزايا توان ِ
وإذا ما ادلهـمَّ خــطبُ الليالي
وتلاقى سيلٌ من الأشـجان ِ
فالصباحُ المـــنيرُ لابدَّ آتٍ
مشرقَ الوجهِ باسـماً للعيان ِ
يبعث الروحَ في المــروج ِ خصيباً
ويعيدُ الحياةََ للعنفوان ِ
سوف ينسـابُ بالنعيمِ ويجري بالهنا
والمســـرةِ الرافدان ِ
وعلى السهلِ والجبالِ ستصحو شمسُ سلم
ٍ ضـحوكةٍ وأمان ِ
ومن قصيدة له بمناسبة اندلاع ثورة ( 14
تموز 1958 ) :
رفرفت راية النضال العنيدِ فوق هام
المحررين الصـــيدِ
أيُّ نصرٍ بفجركَ المتسامي بالأماني
وأيُّ يوم مـــــجيدِ
ثرتَ فالًصبحُ بسمةٌ وحياةٌ ثرتَ
فالليلُ صادحٌ بالنشـــيدِ
ثرتَ فالأفق قد تهلَّلَ بشرا فيه
شعتْ دماءُ كلَّ شـــــهيدِ
وتلاقى عبيرُ حلمٍ حـبيبٍ عبقٍ
طيُبُه بطـــــيبِ الورودِ
ثرت فانهدَّ للمذلّين صرحٌ وهوى
العرشُ في زئير الاسـودِ
ايه شعب العراق كم قد تمادتْ فيك
بالجورِ زمــرةُ التنديدِ
حَسِبَ السّادرون انكَ ثاو ٍ ان
جفنيكَ اســـــلما للرقود ِ
فاستبدّوا بظلمهم وتمادوا وغلوا
بالاســــــار والتقييدِ
ونسوا انك الذي لاتبالي بالملمات
والليالي الســــــودِ
32
أين عبدُ الإله أينَ طغاةٌ أثقلونا
بكلِ قيدٍ شــــــــديد ِ
أين عهد المستعمرين توارى أين بل أين
وجه ُ نوري السعيدِ
حدثينا بغدادُ مهد الخلودِ عن جليلِ
ِ المنى وغــــارٍ عتيدِ
حدثينا عن دمعةِ الشيخ ِ رقَّتْ
لأبتهاج ٍ عن ابتســام الوليد ِ
حدثينا عن الحناجرِ تدوي من حشودٍ
تشدُّ ازرَ حشـــود ِ
كيف أهوتْ معاقلَ الشرِّ وانهارت
ذراها على رؤوس العبيد ِ
وحيث تزامن اندلاع الثورة مع ذكرى استشهاد
الأمام الحسين (ع) فانه خاطب الأمام :
يا ابن بنتِ الرسول إنّا اقتدينا بكَ
فيما نروُمه للــوجودِ
فلك المجد والخـــلود وإنّا لكَ فيما
رسمتَ خيرُ جنودِ
وفي موكب العزاء الخاص بشيوعي النجف الذي
نظمه واشرف عليه الشهيد ...... قام بتقسيم
الموكب إلى مـجموعتين تردد الأولى :
يا أبا الثوارِ يا خيرَ شهيدْ قد
سلكنا درْبَكَ الحرَ المجيدْ
وتردد بعدها المجموعة الثانية :
فأطحنا بطغاةِ الحكمِ لم يوهن
ِالعزمَ رصاصٌ أو حديدْ
وسار الموكب المهيب من مكان انطلاقه مقابل
(ثانوية النجف) باتجاه السوق الكبير ومن
ثم إلى الصحن الحيدري الشريف ........
وكان الموكب يتزايد بالتحاق أعدادٍ غفيرة
من جماهير النجف حتى ملأ السوق الكبير من
أقصاه إلى أقصاه، ثم امتلأ الصحن الشريف
بالموكب واعتلى الشهيد المنبر وألقى
قصيدته التي ذكرت أعلاه فلاقت الاستحسان
والاعتزاز .
33
وفي قصيدة أتذكر مضمونها وبضعة كلمات منها
.... تبدى الحبيبة قلقها واستغرابها لأن
حبيبها بقي غائباً وتصاعد قلقها لماذا
تأخر الحبيب؟!! ألم تتفجر الثورة؟!! ألم
تشرق الشمس؟!! ألم تتكسر القيود؟ !! أترى
يعود ؟؟!! متى يعود؟ !! أيعودُ من بعد
الغروب؟؟ يعود من بعد الشروقِ ِ؟
وبترديدها هذه الكلمات طرق الباب ودخل وهو
يردد
:
.
أنا جئتكم نشوانُ أبسمُ بسمةَ الحـــرِّ
الطليق ِ
لا فرق إنْ في الليلِ جئتُ أم الصباح
ِالمستفيق ِ
دنيا التحرر ِ كُلّهُا نورٌ على نــــورٍ
رقيقِ ِ
* * *
في ثمانينات القرن الماضي صادف أنني دخلت
محل أحد باعة الأدوات الاحتياطية للسيارات
لابتياع بعض المواد وصادف أن قيمة المواد
تجاوزت المبلغ الذي بحوزتي، طلبت من
البائع تأجيل بعض المواد ولكن الرجل الطيب
رفض طلبي قائلاً خذ كل المواد وسدد لي
الباقي غداً مع أنه لم تكن له سابق معرفة
بي، ولذلك وجدت اللياقة تقضي بتعريفه
باسمي وعنواني، وعندها بادرني بالسؤال ما
هي علاقتك بالشهيد ( حسن عوينة )؟ ولما
أجبته أنه أخي أمسك الرجل بيدي برفق
ورجاني أن اجلس قليلاً، ثم بدأ الحديث
مبينا أنه احد مـدرسي ثانوية النجف
المتقاعدين أنه ( أبو عامر العامري ) وأنه
من القوميين العرب ولذلك فأنه يتقاطع
فكرياً مع المبادئ الأممية وأنه كان يبغض
الشيوعيين واستمر في حديثه، قائلاً : في
سنة 1959 وفي قمة تأزم الشارع السياسي
والتهاب العلاقة بين الشيوعيين والتيار
القومي العربي شاهدت للشهيد موقفاً أدى
إلى امتصاص الضغينة التي كنت احملها
إزاءهم
34
كنت في منطقة الميدان في مدينة النجف وإذا
بعدد من الناس يتجمعون على المدعو ( مهدي
محسن بحر ) الملقب ( ابن الخبازة ) وكان
محسوباً على الجناح القومي، وأوشكوا أن
يضعوا الحبل في رقبته ليطرحوه أرضاً
ويسحبوه .. فأوصل أحد الوقوف الخبر إلى
الشهيد وكان موظفاً في مصرف الرافدين في
نفس المنطقة ... فخرج من المصرف وأسرع إلى
التجمع معلناً استنكاره واستنكار الحزب
لهذه الممارسات وابعد أولئك الممسكين
بالحبل وأنقذ ( ابن الخبازة ) من موت محقق
.. واصـل الرجل ( أبو عامر ) كلامه قائلاً
: أقنعني موقف الشهيد أن القيادات
الشيوعية غير راضية بتلك التجاوزات
واحتفظت للشهيد ( حسن عوينة ) بالحب
والتقدير والإعجاب وقد إنسابت دموعي بلا
أرادة يوم سمعت بيان إعدامه ... واعتبر
المواد غير مدفوعة الثمن هدية لكم
!
.
وفي أقبية تعذيب المجرمين المتوحشين بعد
انقلاب 8 شباط الأسود، بعث الرعب في قلوب
جلاديه بتحديه وصموده الأسطوري ..... فكان
يرميهم بحمم كلماته (( أنا لا يمكن أن
أخون مبادئي ورفاقي ))
...
.
المجد والخلود للرفاق الشهداء
الذين غدوا مشاعل تنير الدرب للذين يغدون
السير لبناء حرية الوطن وسعادة الشعب .
11/1/2009
35
رحلتي مع الشهيد حسن عوينة
*
ناصر حسين
وأنا طالب في المدرسة الابتدائية في
أربعينات القرن الماضي، علمت بان إحدى
عماتي متزوجة في مدينة النجف من رجل دين
يدعى الشيخ محسن عوينة وان ابنها البكر
طاهر متزوج من إحدى بنات أعمامي العديدين،
وان لها ابن آخر يدعى حسن، هذا عدا محمد
حسين ومسلم وابنة خرساء، وكانت تزورنا بين
الحين والحين، كما علمت بان الشيخ محسن
عوينة، قبل أن ينتقل إلى مدينة النجف
أواسط الثلاثينيات كان يسكن منطقة عكر في
ناحية المهناوية. لم التقي حسن إلا أوائل
عام 1948 وكانت وثبة كانون قد انتهت
أحداثها بإسقاط حكومة صالح جبر وإلغاء
معاهدة بورتسموث، جاء إلى بيت عمي الكبير
فتوجهت وأنا ابن العاشرة فقط لرؤيته، وكان
نحيف البنية، أسمر اللون، شعره أسود،
متوسط القامة، يرتدي السترة والبنطلون
ويجلس إلى كرسي جوار عمي، لم أكن أفقه من
الأمر شيئا، إلا إنني وكما أتذكر، سمعت
عمي يطلب منه أن يسمعه قصيدته التي يهجو
بها نظام نوري السعيد وصالح جبر فاسمعنا
إياها. وبعد أن بقى في بيت عمي اسبوعاً
كاملاً غادر.عندها علمت انه شيوعي وكانت
تلك المرة الأولى التي اسمع بها كلمة
شيوعي، وان الشرطة تبحث عنه فهو قد شارك
في تظاهرات الوثبة في مدينة النجف، وكان
آنذاك طالب إعدادية وألقى قصائد يهجو بها
النظام .
وبعد أكثر من سنة اعتقل في احدى الدور في
بغداد وعذب في التحقيقات الجنائية ثم قدم
للمحكمة التي حكمت عليه بالسجن سنتين وسنة
مراقبة شرطة الكوت وأودع ســـــــجن
الكوت. وكانت عمتي
36
والشيخ محسن عوينة يزورانه في السجن بين
وقت وآخر، وفي احدى زياراتهما له، انقلبت
السيارة التي تقلهما فكسر لعمتي عظم
الترقوة. وعندما انتهت محكوميته عام 1951
كنت قد أصبحت طالبا في ثانوية النجف،
توجهت بعد انتهاء الدروس إلى الدار في
اليوم الذي كان مقرراً وصوله، وأنا استعيد
في ذاكرتي تلك الأيام السبعة التي أمضاها
في بيت عمي وحركات يديه عندما كان يلقي
بشعره. وفي مدخل الفرع المؤدي إلى البيت
وكان في محلة البراق وجدت أهل الزقاق قد
ملأوه وهم يهزجون ( أهلاً وسهلاً بحسن ).
دخلت الدار فاحتضنني وقبلني قبل أن اقبله
.
أمضى فترة في مدينة النجف ثم غادر إلى
بغداد ليختفي فيها ويواصل نشاطه السياسي.
وفي محلة رأس القرية استأجر دكانا ليجعل
منه مكوى شعبياً، وهذا في الظاهر، أما
حقيقة الأمر فقد كان الدكان مكانا
للمراسلة الحزبية. واعتقل مرة أخرى حين
كان متوجهاً إلى دار فيها مطبعة لطباعة
الأدبيات الحزبية وفوجئ بوجود كمين في
البيت، وقد حكم عليه من جديد بالسجن مع
الإبعاد إلى بدرة وأمضى فترة السجن هذه
المرة في بعقوبة. ومن بدرة كان يراسل
شقيقه محمد حسين وكان آنذاك يعمل خياطاً
في مدينة النجف وكان محمد حسين بدوره
يطلعني على رسائله. وسقط نظام الملوك
بثورة الرابع عشر من تموز وأعلن النظام
الجمهوري الذي اصدر قراراً بإطلاق سراح
السجناء وإنهاء إبعاد المبعدين فعاد حسن
إلى مدينة النجف مرة أخرى. وساعة وصوله
إلى البيت وجدني في انتظاره. وكم كان
سعيداً عندما علم مني تلك الليلة إنني بعد
أن أكملت دراستي الإعدادية في إعدادية
النجف عام 1956 التحقت بكلية الضباط
الاحتياط وتســــــــــنى لي أن التحق
بعضوية
37
منظمة الضباط الأحرار وكان لي شرف
المســـاهمة بأحداث الثورة
صبيحة الرابع عشر من تموز 1958. وتكررت
لقاءاتنا، وكان في هذه المرة يمارس العمل
السياسي بشكله العلني. وفي الذكرى السنوية
لوفاة المرحوم سعد صالح جريو، وفي أول حفل
علني يقام بهذه المناسبة أقيم في حينها في
قاعة متوسطة الخورنق ألقى الشهيد حسن
عوينة قصيدته الشـهيرة ( عد رونتري ) التي
اذكر منها البيت :
قالوا المشانق في الشوارع تعتلي قلنا
وليس يخيفنا أن تشنقوا
أجل هكذا كان حسن شجاعاً، شامخاً،متحدياً،
في شعره كما هو في حياته، ومثلما هو أمام
الجلادين، كان وقتها قد عاد توا من
الإبعاد إلى بدرة ولم يتسنى له أن يدرس
جيداً حال قادة ثورة تموز، لذا سيجد من
يعيد قراءة القصيدة ان الشهيد يخاطب (
رونتري ) متباهياً انه لم يعد في المجتمع
العراقي من يخدم الاستعمار ويتآمر على
سلامة الشعب العراقي، كما ان الفرز الطبقي
وتضاد المصالح الطبقية لم يتبلور بعد ولم
يظهر إلى السطح كما يقال. ويومها لم يكن
هاني الفكيكي قد اصدر كتابه ( أوكار
الهزيمة ) الذي فضح فيه تآمر عبد السلام
عارف وحزب البعث وخصوصاً ميشيل عفلق على
ثورة تموز منذ اليوم الأول لانطلاقها.
وأشير هنا إلى هذا الكتاب لأنه شاهد من
أهل الدار .
وفي ربيع عام 1960 تزوج حسن العلوية زهراء
السيد جليل الحكيم وهي إحدى رفيقات الحزب
وشقيقتها الأكبر منها رفيقة كذلك وهي
شقيقة احد ابرز الكوادر الحزبية على نطاق
الفرات حينئذ وهو الرفيق صاحب السيد جليل
الحكيم. ويوم عقد قرآنهما أصرت والدتها
وهي ابنة عم المرجع الديني آية الله السيد
محســــن
38
الحكيم على أن يســــــــتدعى الشيخ
القاييني لعقد قرآنهما. وفي
تلك
الجلسة تحدث الشيخ القاييني حديثاً
تاريخياً هاماً كشف فيه جانباً مهماً من
أسرار السياسة العراقية وما كان يدور وراء
الكواليس وان البعض ممن سمعوا ذلك الحديث
ما زالوا أحياء يرزقون ولا بد أن تحل
اللحظة التي يعلن فيها الحزب الشيوعي
العراقي ذلك السر الخطير. لقد أثمر ذلك
الزواج ثمرة جميلة, وأنجبا ابنهما الوحيد
فلاح الذي يقيم الآن خارج العراق وهو يحمل
شهادة الدكتوراه في علم الجيولوجيا .
وفي عام 1960 كذلك وعلى ضوء صدور قانون
الأحزاب والجمعيات وتقديم طلب الحزب من
اجل ممارسة العمل العلني كان الشهيد حسن
عوينة أحد الموقعين على الطلب ضمن مجموعة
الرفاق الداعمين للطلب. وأواخر نفس العام
نقل محل سكناه إلى بغداد وعمل عضواً في
لجنة التنظيم المركزية حتى اعتقاله 1963
بعد الانقلاب الفاشي وتعرضه إلى أبشع
أنواع التعذيب في معتقل قصر النهاية سيئ
الصيت. وطيلة الفترة من تاريخ وقوع
الانقلاب حتى اعتقاله وكما أعلمني فيما
بعد رفاق عملوا معه في لجنة التنظيم
المركزية، كان دائب الحركة من اجل نقل
أجهزة الحزب الطباعية منها بشكل خاص
وإخفائها في أماكن جديدة حتى يوم اعتقاله
إذ توجه إلى احد الدور الحزبية بهدف نقل
جهاز طبع ففوجئ بان الجلادين سبقوه إلى
الدار وكمنوا فيها وهكذا خرج ولم يعد
وفقدناه شخصاً لكننا لم نفقده لا فكراً
ولا ذكرى. وفي أواسط الشهر الثالث عام
1963 وكنت معتقلا في مركز شرطة الشامية
جاءني الأخ العزيز عبد الواحد حبيب غلام
والمعتقل في نفس المركز ليقدم لي التعازي
فقد أصدر الانقلابيون بياناً يعلنون فيه
عن
39
إعدام الشهداء سلام عادل ومحمد حسين أبو
العيس وحســن عوينة
أولئك الشهداء البواسل الذين رثاهم الشاعر
الكبير محمد مهدي الجواهري في قصيدته
الشهيرة ( أمين لا تغضب ) وأشير هنا إلى
بعض أبياتها :
وخطت الله على صـــــدرها
وخوضـــــــت بالدم حتى الحزام
يا عبد حرب وعدو الســلام يا خزي
من زكى وصلى وصام
يا ابن الخنا ان دماء الكرام نار
تلضـــــــــى في عروق اللئام
مجداً لذكراك أبا فلاح
مجداً لكل الشهيدات والشهداء
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
عن مجلة الشرارة النجفية / عدد 3 آذار
2006
40
ذكريات مرة في ضيافة التحقيقات الجنائية
في العهد الملكي ( اليوم الخامس )*
د. كاظم حبيب
كانت حصتي في هذا اليوم جولة
مسائية. فبعد أن غادر أغلب موظفي دائرة
التحقيقات الجنائية, خلا الجو تماماً
لمجموعات التعذيب. تم استدعائي إلى غرفة
المفوضين وبدأوا بالتعذيب حتى دون أن
يطرحوا عليَّ أي سؤال. طلبوا خلع ملابسي,
رفضت ذلك خلعوها بالقوة وتركوني عارياً
تقريباً. بدأوا بالضرب مستخدمين الهراوات
المطاطية وعيدان الخيزران التي غالباً ما
تستخدم للجلد في البلدان التي تمارس الجلد
كعقوبة حتى الوقت الحاضر, كما في
السعودية وإيران أو نظام صدام حسين قبل
سقوطه أو في السودان, وكذلك في العهد
الملكي
المباد بالنسبة لمعاقبة السياسيين أو حتى
سجناء الحق العام. كانت ضربة عود الخيزران
حادة قاسية يشعر الإنسان وكأن سكيناً
حاداً أصاب موقع الضربة وتترك أثراً لها,
وإذا
ما تكرر الضرب على الموقع يتفجر الدم منه
وعذاب مثل هذه الضربات شرساً للغاية.
تكورت على الأرض, كما في المرات السابقة,
لستر وجهي وعيني من ضرباتهم الوحشية غير
المنظمة. بعد هذه الجولة, بدأوا بالفلقة.
لقد شعرت وكأن لحم باطن قدمي قد تمزق, إذ
من غير المعقول أن تتوالي الفلقة بهذه
الكثافة, ولكن هل تعذيب الإنسان معقول
أصلاً. سال الدم من مواقع في باطن القدم
الأيمن. أثناء هذا الضرب الهمجي جنح بيَ
الخيال
إلى فترة وجودي في سجن الحلة وتذكرت
المناضل الشيوعي الجريء القادم من المدينة
الدينية المقدسة لدى المسلمين وخاصة أتباع
المذهب الشيعي,
41
من النجف حيث مرقد الأمام
علي بن أبي طالب وأبن عم النبي محمد, حسن
عوينة, الذي قتله البعثيون تحت التعذيب في
عام 1963. كانت لي مع حسن عوينة علاقة
حزبية منذ عام 1953 عندما كان يقدم إلى
كربلاء من النجف ليشرف على عمل التنظيم
الجديد لراية الشغيلة, وهي منظمة انشقت عن
الحزب الشيوعي العراقي في نهاية 1952
وبداية عام 1953 بقيادة جمال الحيدري
وعادت
على الحزب من جديد في منتصف عام 1956.
وكان لسلام عادل, سكرتير الحزب حينذاك
دوره
البارز في إعادة وحدة الحزب وحل تنظيمين
بارزين هما وحدة النضال للمناضل الوطني
ونصير السلام ونصير القضية الكردية,
الأستاذ الراحل عزيز شريف, وتنظيم راية
الشغيلة. كان حسن عوينة رجلاً نحيفاً
جداًُ قصير القامة, له عينان واسعتان
عميقتا
السواد والغور في حدقتيهما البارزتين,
كانت إذناه كبيرتين جداً تنتصبان بعيداً
عن
الرأس وكأنهما لا تعودان لهذا الرأس, كما
لا تنسجمان مع رقة قسمات وجهه. كان شخصاً
دافئاً ومتحدثاً لبقاً ومستمعاً جيداً,
كانت له علاقات حميمة مع من يعمل معهم
ويحمل
مشاعر رقيقة وحساً سياسياً مرهفًاً. اعتقل
حسن في طريقه من النجف إلى بغداد عن طريق
الحلة. وكان في الطريق قد ابتلع " لقماً "
من الورق, ولم تكن سوى رسالة حزبية لم
يستطع التخلص منها إلا بالتهامها. شاهده
أحد الشرطة المسئولين عن نقله إلى سجن
الحلة بعد اعتقاله. حالما وصلوا إلى السجن
أبلغ الشرطي مدير السجن, عبد الجبار
أيوب, الذي حُكم في أعقاب ثورة تموز عام
1958 بالإعدام بســبب جرائمه البشعة بحق
المعتقلين والسجناء السياسيين على نحو خاص
ونفذ به الحكم شنقاً. أُدخل المحجر
المقابل لمـحجرنا في سجن الحلة.
42
طلب مدير السجن طستاً واسعاً وأجلسه فيه
بعد أن خلع
جميع ملابسه وطلب منه التغوط, لم يفعل.
سقاه مادة مسهلة, فلم يفلح, حقنه بالماء
والصابون فلم يتغوط الرجل. ظل جالساً في
الطست طوال النهار والشرطة تراقبه وتنتظر
دون طائل أن تنزل الرسالة مع الغائط في
الطست. كانت إرادته أقوى من المسهلات كلها
مما أغضب عبد الجبار أيوب. وضِع أخيراً في
المرحاض, فأنجز المهمة هذه المرة على خير
ما يرام. لكنهم لم يعثروا على الرسالة.
وكانت فرحته كبيرة, كما ابلغنا فيما بعد،
وبعد أن عجزوا عن العثور على الرسالة
الحزبية إذ كانت فيها من الأسرار ما لا
يجوز وقوعها بيد العدو المتربص بهم, انفجر
حسن عوينة ضاحكاً عندما رأى شرطيين يفتشان
بأيديهما في غائطه عن الرسالة. كان مدير
السجن قد أجبرهم على ذلك. تفجر عبد الجبار
أيوب غضباً عندما شاهد حسن عوينة وهو يضحك
. . .
كانت إرادة المناضل حسن عوينة نموذجاً
يحتذى به في
صلابته وتحديه وإرادته الحديدية. تذكرته
في تلك اللحظات الصعبة من عملية التعذيب
وكانت مساعدة كبيرة لي على الصمود
والتحدي. لقد تذكرت في تلك اللحظات الحرجة
الآلاف
من المناضلين الشجعان الذين صمدوا بوجه
القسوة والعنف الحكومي, وكانوا زاداً
طيباً
في تلك الساعات المرة لي ولكل المناضلات
والمناضلين الذين مروا بهذه الدائرة
اللعينة التي كان مديرها في أول تأسيس
عراقي لها نوري السعيد طاغية بغداد في
العهد
الملكي
.
30 / 6 / 2004
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتب د. كاظم حبيب تلك الذكريات في مواقع
الانترنيت وعلى شكل أيام، اخترنا منها
اليوم الخامس حول ذكرياته مع الشهيد
الخالد حسن عوينة .
43
قصص مأساوية من جرائم الثامن من شباط
الأسود!؟
خامسا : وشهد شاهد من أهلها ( في قصر
النهاية !!!! )؟*
د. جبار ياسر الحيدر
. . . مضت السنين وفي عام 1967 كنت اعمل
طبيباً ممارساً في العمارة ... وصلتني
إشارة من الشيوعيين ( لم يكن لي أي ارتباط
حزبي آنذاك ) بان حياة أحد أطباء العمارة
( أ. ت. ف. ) الذي كانت تربطني به صلة
معرفة وزمالة مهددة بالخطر وهنالك خطة
لتصفيته من قبل البعثيين لأنه بعثي متمرد
على حزب البعث في العراق وأصبح ما يسمى من
جماعة سوريا .. لذا طلبوا مني بان اخبره
بذلك ليأخذ الحيطة والحذر وابدوا
استعدادهم لمساعدته وحمايته ... لهذا
السبب التقيت بهذا الشخص وأبلغته بالرسالة
فكان ممتناً وبعدها توطدت علاقتي به وبدأ
يفصح عن همومه وأسراره وأسباب مواقفه
السياسية الجديدة ولو انه اجبر بعد سنوات
على التخلي عن مواقفه ورجع إلى صفوف حزب
البعث حتى مماته قبل سنوات قليلة
.؟
.
قال لي آنذاك لقد أوكلت لي مهمة طبيب قصر
النهاية بعد الثامن من شباط وقد أجبرت
عليها ولم تكن لي رغبة بها ..............
وقد ذهلت كثيرا من مشاهداتي لما حصل
للشيوعيين وتعذيبهم الوحشي في قصر النهاية
.. وقد أعجبت وانبهرت بشجاعتهم وإيمانهم
بالمبادئ والعقيدة ... فقلت له أخبرني من
رأيت منهم ؟؟
قال كنت الطبيب الخافر في قصر النهاية في
ليلة 1/2 من الشهر الثالث 1963 وقدر لي أن
اشهد مشهداً مروعاً ورهيباً
!!! فدخلت
44
احدى القاعات ووجدت شخصاً معلقاً على احد
الجدران غارقاً بدمائه وينزف من كل مكان
وقد اقتطعت ونهشت اللحوم من جسمه وهو لا
زال واعياً وحياً ولم يئن من آلامه ولكن
التعب الشديد واضح على معالمه وسألت من هو
هذا الشخص ؟ قالوا انه حسين الرضي ( سلام
عادل ـ سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي
)
؟
.
وفي هذه الأثناء وحينما كنت منبهراً
ومندهشاً ومتألماً بنفس الوقت انفتحت احدى
الأبواب وجيء بشخص آخر يدمى من كل مكان
فاقد الوعي تقريباً مصاباً بالهذيان
والهلوسة لا يستطيع الوقوف على قدميه
وأمسكوا به وهو يهذي بلا وعي أمام سلام
عادل .. ولم أعلم من هو إلا بعد أن سمعت
سلام عادل يقول له ... كن حسناً يا حسن !
فسقط حسن مفارقاً الحياة ! وعلمت بعدها
انه القائد الشيوعي حسن عوينة !!! واسترسل
يقول لي ..... وبذلك كنت قد وثقت في تلك
الليلة وفاة اثنين من كبار القادة
الشيوعيين ... أي ليلة 1 / 2 ـ3 ـ 1963 .
تورونتو / كندا
10 / 2 / 2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كتب د. جبار ياسر الحيدر هذا الموضوع في
الذكرى السادسة والأربعين لانقلاب 8 شباط
المشؤوم وعلى شكل فقرات ونشر في مواقع
الانترنيت، اخترنا الفقرة الخامسة منه
والخاصة بالشهداء الأبطال سلام عادل وحسن
عوينة .
45
جريدة صوت الفرات
محمد علي محيي الدين
اهتم الحزب الشيوعي العرقي منذ تأسيسه
بالاعلام، وأصدر الحزب
عبر تاريخه المديد الكثير من الصحف السرية
والعلنية، منها ما كان يصدر عن اللجنة
المركزية ومنها ما كانت تصدره المنظمات
المختلفة أو المختصات الحزبية، أو في
السجون
التي يتواجد فيها الشيوعيون، فكان للعمال
صحيفتهم وللفلاحين جريدتهم وللعسكريين
نشرتهم، لذلك تعددت الصحف الصادرة عن
الحزب وقد أورد عنها الأستاذ فائق بطي
كتاباً
تضمن جرداً حوا في طياته الكثير لمن يرغب
الاستزادة، ومن الصحف التي أصدرتها لجنة
الفرات الأوسط (صوت الفرات) التي
سنتناولها في هذا المقال لوجود اختلافات
كثيرة في
أسمها وتاريخ صدورها وإغلاقها، فقد ذكر
باقر إبراهيم " في عام 1959 صدرت جريدة
(صوت الفرات) فكان حسن عوينة رئيس
تحريرها، ورغم قصر عمر الجريدة استطاع حسن
أن يعكس في
العديد من المقالات والتعليقات روحه
الثورية وكفاءاته الأدبية. صدرت
الجريدة في نفس السنة وفصل حسن من نقابة
الصحفيين ضمن أول قائمة في فترة انتعاش
الرجعية باعتباره (صحفياً طارئاً). وقد
جعل من سبب الفصل هذا موضوعاً للنكتة فقدم
نفسه لمعارفه كـ ( صحفي طارئ )! وكان بذلك
يتوخى إدانة افتعال الأسباب التافهة التي
تلجأ إليها الرجعية لخنق حرية الصحافة
ومكافحة قوى التقدم. " وأراد بذلك صدورها
العلني فقد صدرت بصورة سرية عام 1954
،لأنه ذكر في مكان آخر من مذكراته أن
الدار
الحزبية الواقــــعة في المهدية قد دوهمت
46
بسبب انهيار أحد أبناء الساكن معنا في
الدار، ليلة 24/25 أيلول 1957، من قبل
الأمن وبأشراف من مدير الأمن أنور ثامر "
وقد أذهلتهم أساليبنا في التخفي والوضع
الطبيعي تماماً لدار مطبعة المنظمة، وبيت
المطبعة
هو بيت محمد الحياوي الذي يعمل حائكاً،
فقد كان جهاز المطبعة يشتغل لطبع جريدة (
صوت
الفرات ) والبيانات في وقت تشتغل فيه جومة
الحياكة، وتختلط على الجيران أصوات
المطبعة
والجومة دون أثارة أي انتباه، وبعد كبس
المطبعة مباشرة تم تنظيم معرض في أحدى
الغرف
العلوية في سراي الحلة، ضم ماكينة الطبع
والتسكاي والحروف والكتب الماركسية، ولم
أكن
من المترددين على المطبعة، لكني زرت
معرضها المذكور، وكانت الثغرة البسيطة في
دار
المطبعة أنها مرتبطة بخيط واضح بدارنا،
فالحياوي هو الذي ساعد في استئجار دارنا،
وطلب
رجال الأمن أرشادهم إلى دار محمد الحياوي
في سوق العبي، وتم ذلك بسهولة، لكن
العائلة
والأطفال ومعهم طباعنا الباسل محمد موسى
أفلتوا فوراً وسافروا إلى النجف حال
استدعاء محمد للتحقيق، ولم يدر بخلد رجال
الأمن أن بيت هذا الكادح الذي قارب الستين
من
العمر هو مقر المطبعة السرية للحزب والتي
أقلقتهم كثيرا.
.
وقد تناهى لعلمنا
ونحن في الاعتقال أن جريدة الحزب قد صدرت
مطبوعة بجهاز جديد، وقررت المحكمة مصادرة
كل المبرزات الجرمية"
.
.
فيما ذكر الأستاذ فائق بطي " صدرت أوائل
تشرين الثاني عام 1954 نشرة صوت الفرات
بأربع صفحات لسان حال منظمة الفرات الأوسط
للحزب الشيوعي
العراقي تحت شــــعار "
من أجل
47
السلم والتحرر الوطني والديمقراطية "
داعية إلى النضال من
أجل إحباط الانضمام إلى مشروع تركيا -
باكستان العدواني وضد كافة المشاريع
العدوانية
الأخرى ومن أجل أطلاق الحريات الديمقراطية
والحقوق الدستورية ،ومطالب الجماهير
الاقتصادية ومن أجل إسقاط طغمة نوري
السعيد الخائنة، ومجيء حكومة ائتلافية
وطنية" فائق بطي كتاب الصحافة اليسارية في
العراق ص108.
.
وذكرت ثمينة ناجي
يوسف في كتابها عن سيرة حياة الشهيد سلام
عادل " وقد صدرت بأشراف سلام عادل أول
جريدة
لمنظمة الفرات الأوسط، وهي جريدة صوت
الفرات التي واصلت الصدور لمدة عشر سنوات،
ثم
صارت علنية بعد ثورة الرابع عشر من تموز
1958، وكان رئيس تحريرها الشهيد حسن
عوينة، وكنت أتعاون معه في التحرير وكتابة
الكثير من المقالات ومعالجتها. " مما يعني
أنها
استمرت بالصدور حتى عام 1963 أو بعدها
وهذا ما سنشير إليه في محله من
المقال
.
.
.وقد
أسماها الرفيق جاسم الحلوائي ( الفرات
الأوسط ) عندما ذكر الشهيد
حسن عوينة " بعد ثورة 14 تموز جمعتنا لجنة
منطقة الفرات الأوسط، كنت أنا عضواً فيها
وهو عضواً في مكتبها ويرأس تحرير جريدة "
الفرات الأوسط " ومقرها في مدينة الحلة .
كان
حسن متفتح الذهن لا يتضايق من الاختلاف في
الرأي وعادة ما كان يصغي للآخرين أولاً
ومن ثم يبدي رأيه باختصار ووضوح وقد يملّح
رأيه بنكتة تسر الجميع ."
لقد كانت جريدة صوت الفرات الصادرة عام
1954 تطبع بصورة سرية في البيت الحزبي في
المهدية وكان القائم بأعمال المطبعة
الشـهيد محمد موسى التتنجي الذي كان حينها
عضو
مــــحلية
بابل،
48
وأستطاع بفضل علاقاته بأبناء مدينته النجف
توفير مـــــــــا تحتاجه المطبعة من
أحبار وحروف أو ما يحصل عليه بواسطة الحزب
من بغداد، وبعد إلقاء القبض عليه تم جلب
مطبعة جديدة، أخفيت في قرية ألبو شناوة
معقل الشهيد كاظم الجاسم التي كانت الملاذ
الآمن للشيوعيين والمخبأ الدائم لهم حتى
استشهاده، وأن وضع المطبعة هناك لا يجلب
الأنظار لوجود مخابئ عديدة في بساتين ألبو
شناوة الذين أصبحوا شيوعيين أو أصدقاء
للحزب بفضل وجود كاظم فيها وما يحضا به من
احترام في أوساطها، وبعد أن صدرت علنية تم
الاستعانة بها إضافة لما توفر من أجهزة
جديدة للحزب بعد تحسن ظروفه وارتفاع
إمكانياته، وقد استفادت المنطقة من هذه
المطبعة في فترات الاختفاء، وقام الشهيد
كاظم الجاسم بإيصالها إلى بغداد بعد كبس
الأوكار الحزبية والاستيلاء على مطابع
الحزب
بسبب خيانة هادي هاشم ألأعظمي، وقد حملها
بنفسه إلى بغداد مستخدماً الطرق الريفية
في
مسيرة على الأقدام، كان ينام خلالها في
بيوت معارفه من سكان القرى الواقعة على
طريق
حله بغداد
.
.
وعن صدورها بعد عام 1958 يحدثنا الرفيق
فلاح الرهيمي الذي كان
يعمل محاسبا للجريدة " أصدرت منطقة الفرات
الأوسط للحزب الشيوعي العراقي جريدة تنطق
باسم المنظمة للتوسع الكبير في أعضائها
ولأنها تغطي مساحة كبيرة تلك الأيام تمتد
تنظيما من المحمودية شمالاً وكربلاء غرباً
والنعمانية شرقاً والديوانية جنوباً
بحدودها
الإدارية التي تشمل محافظة المثني حالياً
ومن ضمنها النجف التي كانت يومها من أقضية
لواء كربلاء، وكان رئيس تحريرها المناضل
الشيوعي وشهيد الحزب والحركة الوطنية حسن
49
عوينة البطل الذي واجه طغيان البعث ببسالة
منقطعة النظير وأعطى مثلاً رائعاً للشيوعي
الحقيقي في مواجهة المحن والمصاعب، وقد
كلفت بان أكون محاسباً للمجلة وكان مكتبها
في الطابق الثاني لبناية مكونة من طابقين
تقع في محلة المنتجب في الجامعين تحيط بها
المقاهي والأسواق وأهالي الجامعين النجباء
الذين رفدوا الحزب بكل ما يستطيعون من
دعم مادي ومعنوي ومشاركة في بناء الحزب
وديمومته، والآن أصبحت جزء من شارع الإمام
علي وكنت أذهب إلى المكتب صباحاً حتى
الواحدة بعد الظهر لأعود إلى مكتب اتحاد
الشعب
القريب من مكتب الجريدة، وأقوم بما يتطلبه
المقر من أعمال بما فيها خدمة الرفاق
والزائرين باعتبار المقر بيت الحزب الذي
على الجميع العناية به والاهتمام بإدارته
وكان عملي في الجـريدة يتركز في الأعمال
التالية
:
.
1ـ الذهاب إلى دوائر الدولة
ومؤسساتها من اجل الإعلانات لنشرها في
الجريدة لما فيها من إيراد مادي يساعد على
بقاء الجريدة وإدامة صدورها .
2ـ جمع المقالات السياسية والأدبية
والثقافية
والذهاب بها إلى المطبعة في النجف
.
.
3ـ الصور التي تنشر في الجريدة اذهب بها
إلى مكتب اتحاد الشعب في بغداد لتطبع على
الزونكغراف الذي بواسطته تطبع الصورة على
صفحات الجريدة فأسلمهم الصور لأذهب بعد
يومين لاستلام الزونكغراف ودفع أجور
العمل
!!
.
4ـ
توزيع الصحيفة على المكتبات في الحلة
ودوائر الدولة من اجل الاطلاع على
إعلاناتهم المنشـــورة في الجريدة وتوطيد
العلاقة بين
50
الجريدة وتلك
الدوائر وكنت أقوم بجمع مبالغ الاشتراكات
والإعلانات.
.
كان الشهيد الراحل حسن
عوينة يأتي بصورة متفاوتة إلى مكتب
الجريدة ويجلس على مقعد وكأنه احد
الزائرين، وحينما انهض ليجلس هو مكاني
يرفض ذلك بشدة ويقول لي أنت مسئول الجريدة
وأنت صاحبها وأنا أزورك مثل الضيف الذي
يزور صديقه، وكان في منتهى التواضع والأدب
الجم، فهو كما يعلم الجميع اللولب المحرك
والداينمو التي لا تعرف الكلل أو الملل في
العمل الحزبي والإشراف على الجريدة ولكنه
لتواضعه يحاول التقليل من أهميته وإعطاء
الآخرين حجما ليجعلهم أهلاً للمسئولية
ويدفعهم للعمل المتفاني من اجل ديمومة
الجريدة
وتقدمها، وكانت أخلاقه العالية مثال
لأخلاق الشيوعي الأصيل المتسم بنكران
الذات وكنت
اسمع منه النصائح والكلمات التي لا زالت
محفورة في ذاكرتي ونفعتني في مستقبل
الأيام
لما فيها من عبر وعضات تنفع في حياة
الإنسان العملية ولا زلت أتذكر احد أقواله
المأثورة المنطلقة عن عقل مدرك وإيمان
مطلق بالعقيدة والمبادئ وإنماء العلاقة
الحميمة قال :
" على الشيوعي حينما يضع رأسه على
الوسادة وقبل أن يغمض عينيه لينام أن
يستعرض ما قدم في يومه وما سيقدم في غــده
" إنني الآن استذكر أولئك الرجال العظام
وأتخيلهم بإشكالهم ونبرات صوتهم أولئك
الخالدين في ذاكرة الناس وبطون الكتب
وإسفار التاريخ حينما تستعرض الأجيال
القادمة هذا السفر النضالي القيم لرجال
صدقوا على ما
عاهدوا وقدموا أرواحهم قرباناً للمبادئ
والمثل العليا التي امنوا بها وأنجزوا
مهمتهم
ومسئوليتهم من خلال القرار والاختبار
وإيمانهم الذي لا يتزعزع
.
51
وكان
لصدورها عن منطقة الفرات الأوسط أثره
الكبير في تكوين كادر صحفي متمرس استفاد
الحزب
منه في القادم من سنين النضال، وكانت تصدر
بلغة قريبة إلى مدارك ذوي الثقافة البسيطة
لذلك كان لها تأثيرها الكبير في نشر الوعي
وتعميم الثقافة لما حوت من مواضيع تلفت
الانتباه وما عالجت من قضايا المنطقة
واحتياجاتها فكانت لسان حال الجماهير
الشعبية
والمطالبة بحقوقهم في الأعمار والبناء
ورفع الظلم عنها، وكان للشهيد حسن عوينه
دوره
المؤثر في إصدار الصحيفة وتطورها لما
يتحلى به من أدب جم وأخلاق شيوعية رصينة
كان
لها تأثيرها في بناء الكادر الحزبي
المتمرس على العمل وسط الجماهير وكانت
مدرسة
لتخريج المناضلين المتسلحين بالروح
الثورية الشجاعة ولها أهميتها القصوى في
شحذ
الهمم ورفع المعنويات، ورغم التوسع الكبير
في إمكانات الحزب وجماهيريته بعد هذا
التاريخ إلا أن المنطقة لم تتمكن من إصدار
جريدة بهذا المستوى رغم التباين الكبير
في الإمكانيات للفترات اللاحقة مما يعني
أن القيادة الثورية الأصيلة قادرة على عمل
المعجزات .
52
حسن عوينة ضمن مؤيدي طلب تأسيس
الحزب الشيوعي العراقي عام 1960
خالد حسين
في الثاني من كانون الثاني 1960 أصدر
الزعيم عبد الكريم قاسم قانون الجمعيات
والخاص بتأسيس الجمعيات المهنية والأحزاب
السياسية، وفي السادس من نفس الشهر وضع
القانون قيد التنفيذ فبادرت الأحزاب
السياسية على تقديم طلباتها للحصول على
إجازة تأسيس حسب الضوابط والتعليمات التي
نص عليها القانون، ومن أولى تلك الطلبات
كان طلب الحزب الشيوعي العراقي والذي قدم
في التاسع من كانون الثاني، قدم الطلب
باسم المرحوم زكي خيري من ضمن (15) عضواً
مؤسساً بالإضافة إلى قائمة تحمل أسماء
(82) شخصا مؤيداً لطلب التأسيس. وقد نشرت
جريدة الزمان في 10/ 1 / 1960 قائمة
بأسماء المؤسسين والمؤيدين لطلب التأسيس
مع عمل كل منهم وعمره وهي المرة الأولى
التي يعلن فيها الحزب قائمة بـ (97) اسماً
من أعضاءه ( قادة وكوادر ورفاق ) عبر
تاريخه النضالي الطويل، ومع هذا لم يحصل
الحزب على إجازة التأسيس بسبب موقف الزعيم
عبد الكريم قاسم من الحزب الشيوعي العراقي
ومحاولة تحجيم دوره في الساحة السياسية
العراقية حيث تم إجازة حزب شيوعي مزيف
بزعامة داود الصائغ وبدعم من قاسم رغم كل
الجهود والمحاولات من قبل الحزب الشيوعي
العراقي الفعلي لإجهاض تلك المناورة، ولكن
دون جدوى لينتقل بعدها الحزب إلى العمل
السري أو شبه السري .
وكان الشــــــــــــــهيد الخالد حسن
عوينة من ضمن المؤيدين لطلب
53
التأسيس، وفيما يلي الأسماء التي وردت في
القائمة :
المؤسسين :
1ــ توفيق احمد محمد
2ــ زكي خيري
3ــ حسين احمد الرضي
4ــ عزيز احمد الشيخ
5ــ عبد الرحيم شريف
6ــ كاظم الجاسم
7ــ الدكتور خليل جميل الجواد
8ــ عامر عبد الله
9ــ عبد القادر اسماعيل
10ــ كريم احمد الداود
11ــ الياس حنا كوهاري
12ــ محمد حسين ابو العيس
13ــ الدكتور حسين علي الوردي
14ــ احمد الملا قادر الباجلاني
15ــ عبد الأمير عباس العبد
مؤيدوا طلب التأسيس :
1ــ حسين جواد القمر
2ــ نوزاد نوري صالح
3ــ
سليم حميد مرزة
4ــ الدكتور يوسف إسماعيل البستاني
5ــ كليبان صالح
54
6ــ هنري مرمرجي
7ــ هايبت اسكندريان
8ــ محمد الملا عبد الكريم
9ــ حسين علوان الرفيعي
10ــ حسن عوينة
11ــ جواد كاظم محمد جواد
12ــ سلمان حسن العقيدي
13ــ علي الوتار
14ــ محمد راضي شبر
15ــ عسكر العيبي
16ــ عبد الفتاح حمدون
17ــ هادي عبد الامير
18ــ عزيز عبد الهادي
19ــ جبار حمدي
20ــ علي شعبان
21ــ خضر سليمان
22ــ بديع عمر نظمي
23ــ علي محمد كوره
24ــ حسن محسن علي
25ــ حسين محمد جودت
26ــ حسين صبيح العلاق
27ــ سعيد الحاج تقي التكمجي
28ــ حسين علوان العامري
29ــ عبد الغني مهدي كاظم
55
30ــ إبراهيم العبيدي
31ــ منيرة عبد الرزاق
32ــ غائب طعمة فرمان
33ــ عبد الله حمزة
34ــ باقر محمد الموراني
35ــ حافظ تركي الهيتي
36ــ دلي مريوش
37ــ محي الدين عبد الرحمن
38ــ هادي صالح متروك
39ــ ناهدة عبد الحميد العبايجي
40ــ خانم زهدي
41ــ مهدي عبد الكريم
42ــ محمد صالح بحر العلوم
43ــ سعيد ملا احمد مام يونس
44ــ علي شيخ حسين برزنجي
45ــ نائب عبد الله محمد صالح
46ــ يوسف متي
47ــ شهيد إبراهيم شبع
48ــ محمد علي الدجيلي
49ــ علي حسين الرشيد
50ــ طه علوان
51ــ موسى إبراهيم سوادي
52ــ عبد الوهاب احمد
53ــ شهاب احمد
56
54ــ وجدي شوكت سري
55ــ عباس فاضل المرعب
56ــ عمر حسون
57ــ فاهم الفرهود
58ــ عبد الجبار وهبي
59ــ خالص محي الدين
60ــ رضا جليل ابراهيم
61ــ رؤوف قادر معروف فيتر
62ــ احمد معروف سعيد
63ــ صفية الشيخ محمد
64ــ عدنان عباس الكردي
65ــ حسين عبيد أبو خبط
66ــ حسن الشيخ محي الدين
67ــ محمد صالح الحاج قادر
68ــ هاشم امين جعفر
69ــ محمود فتاح
70ــ جاسم محمد حطاب
71ــ ابريم شماس
72ــ مظهر علي الدليمي
73ــ ماجد عبد الرزاق
74ــ عبد الوهاب الرحبي
75ــ عادل الحاج سليم
76ــ حاج فقي عولا
77ــ شيخ محمد محمد
57
78ــ فاتح رسول
79ــ احمد لزار مصطفى
80ــ علي مولود
81ــ سامي نادر
82ــ جاسم محمد المطير
___________________
58
بيان من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي
في الاتحاد السوفيتي *
أذاع راديو بغداد بلاغا ً رسميا ً أنه في
الأول من آذار عام 1963 قد تم إعدام
السكرتير الأول للحزب الشيوعي العراقي
الرفيق حسين الرضي ( سلام عادل )، وعضو
لجنة الحزب المركزية والرفيق محمد حسين
أبو العيس، والشخصية البارزة في الحزب
الشيوعي العراقي الرفيق حسن عوينة .
إن هذه الجريمة البشعة قد هزت الناس
التقدميين في العالم بأسره. وإنها لتشهد
على إن السلطات العراقية رغم تأكيدها على
تمسكها بميثاق هيئة الأمم المتحدة وبإعلان
حقوق الإنسان، ورغماً عن سياسة
>>
الحرية والوحدة والاشتراكية
<<
المعلنة رسميا ً من قبل الحكومة العراقية،
فإنها تسخر من أبسط المبادئ الإنسانية
والديمقراطية، وتتحدى جهاراً الشعب
العراقي وكل الرأي العام العالمي التقدمي.
إن الدوائر الحاكمة في العراق تسير أبعد
فأبعد بطريق الإرهاب والقمع ضد خيرة أبناء
الشعب العراقي .
لقد كرس الرفيق حسين الرضي ورفاقه حياتهم
كلها للنضال من أجل حرية وسعادة الشعب
العراقي. ففي سنوات عهد نوري السعيد
الأسود الموالي للاستعمار، تعرضوا أكثر من
مرة للاضطهاد بسبب نشاطهم الوطني. وقد
واصلوا النضال في ظروف العمل السري في عهد
ديكتاتورية قاسم الفردية. إن إعدام رجالات
الحزب الشيوعي العراقي البارزين هو جريمة
وحشية تمت في جو الهستيريا المعادية
للشيوعية في العراق .
إن الشيوعيين السوفيت والشعب السوفيتي
بأسره مع كل الرأي العام التقدمي في
العالم أجمع يعبرون عن غضبهم وســـخطهم
على
59
هذا البطش الدموي بقادة الحزب الشيوعي
العراقي البارزين، المناضلين الذين لا
تلين لهم قناة في سبيل حرية وسعادة الشعب
بأسره .
إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في
الاتحاد السوفيتي تحتج بشدة على هذا العمل
الجديد من القمع الوحشي وتعبر عن تضامنها
مع الشيوعيين والديمقراطيين وجميع
الوطنيين في العراق .
اللجنة
المركزية
للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي
نشر في جريد البرافدا في عددها الصادر
بتاريخ 12 آذار عام 1963
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من كتاب ( سلام عادل سيرة مناضل )
الجزء الثاني للسيدة ثمينة ناجي يوسف ص
198
60
قالوا في حسن عوينة
. . . انتهت ضيافتي عند المرحوم حسين
سلطان باستدعائي إلى بغداد، فغادرت النجف
أحمل معي ذكريات جميلة. كان الاتصال
ببغداد مع المرحوم " حسن عوينة " وهو
إنسان مرح بسيط متواضعاً وصارماً جاداً
بنفس الوقت ولا يتحدث إلا بحدود مهماته
ويعمل مكوياً لتغطية عمله الحزبي فترك لدي
انطباعاً طيباً رغم قصر لقاءنا. ذهبت
للقاء الصلة الحزبية بصحبته وإذا بحلقة
الصلة هو المرحوم جمال الحيدري والذي كان
ســــــجيناً معي في السلمان . . .
كاظم فرهود
من كتاب مذكرات المناضل كاظم فرهود
( سيرة . . وذكريات . . وود مقيم ) ص91
بغداد / مطبعة الخير / 2008
* * *
يقول ابو سعد : ( حديث مسجل للضابط أبو
سعد المعتقل في قصر النهاية والذي طلب عدم
ذكر اسمه لأسباب خاصة )
" عذب حسن عوينة من قبل الحرس القومي
بالكي والكهرباء وقلع الأظافر وسكب المياه
الساخنة عليه وحرمانه من الماء والأكل
ونقله إلى سطح القصر حيث ظل يعاني من
البرد القارس وهو من دون ملابس. رايته
عندما أنزل إلى سرداب القصر وسط المياه
القذرة وهو فاقد الوعي وسمعته يهذي قائلاً
: اسمعوا أيها الرفاق وصلتنا رسالة من
سكرتارية اللجنة المركزية أقرأها عليكم،
استولوا على السلاح، اذهبوا إلى المراكز
إلى المقرات الرئيسية في
61
كربلاء والنجف. لكنه كان يسكت حالما يسمع
وقع أقدام الحرس القومي. ولم يجب عن
الأسئلة التي كانوا يسألونها له مستغلين
حالته الصعبة حتى استشهاده . "
من كتاب ( سلام عادل سيرة مناضل ) ص188
الجزء الثاني
للسيدة ثمينة ناجي يوسف / دار الرواد
للطباعة والنشر
بغداد / الطبعة الثانية / 2004
* * *
. . . ومن بين ذكرياتي في الأشهر
القليلة التي أعقبت تحريرنا من السجن
ذهابي مع سلام عادل وأبو العيس وآخرين إلى
النجف الأشرف لتحية ذكرى الشهيد حسين محمد
الشبيبي، والتقينا هناك بالمسؤول الحزبي
وكان حسن عوينة، من العاملين سابقاً في (
راية الشغيلة )، ومن بين أحب وألطف من
تعرفت عليهم في السجون. كانت الابتسامة لا
تفارقه في أحرج الظروف، ودوداً، هادئاً،
نزيهاً، مخلصاً .
د. عزيز الحاج
من كتاب ( مع الأعوام ) ص122
د. عزيز الحاج
المؤسسة العربية للدراسات والنشر
بيروت / الطبعة الأولى / 1981
* * *
. . . ولم اعد أتذكر ما كنت قد سمعته في
أحد اجتماعات القيادة عن حديث دار بين
هاني ومحسن من جهة وقيادة الحزب الشيوعي
من جهة أخرى. وبالتأكيد إن حواراً ما قد
تم بيننا وبين المعتقلين، إذ لا يمكن أن
يكون كل شيء قد دار في فراغ. ولا أتذكر
الآن بعد أكثر من ثلاثين عاماً ما نقل
إلينا، واســـــــــمح لي أن أقول لك :
62
ما قيمة الحـــــوار الذي دار، إذا كان
الأمر قد انتهى بموت هؤلاء " خطأً وجهلاً
" . . فقد أبلغنا صباح أحد الأيام ان
قادة الحزب الشيوعي قد ماتوا !!! فغطينا
نحن، مع الأسف، ذلك بقرارات رسمية. إذ قال
تقرير الطبيب الشرعي وهو بعثي أسمه "
........ علوش " بأنهم ماتوا بالسكتة
القلبية، لأنهم ظلوا حتى الصباح معلقين
وأرجلهم مرتفعة قليلاً عن الأرض، وذلك
يؤدي بعد فترة من الزمن إلى السكتة
القلبية .
وكنت قبل السفر للقاهرة، أي بعد الثورة
بأيام، قد زرت " قصر النهاية " ( وهو اسم
أطلقه عبد الكريم قاسم على هذا القصر
الملكي الذي تحول إلى موقع عسكري ــ معتقل
ــ وقد تمسك الناس بعد ذلك بهذا الاسم )،
فرأيت حسن عوينة بحالة يرثى لها. وأمرت
بالكف عن التحقيق معه ومعالجته حتى عودتنا
من السفر كي تتاح فرصة محاورته حول ما قيل
عن ترؤسه لفرق الاغتيال التي زُعِمَ إنها
تستهدف قيادة حزب البعث .
جلست أمامه وكان بعض أعضاء قيادة الحرس
وفرع بغداد ما زالوا يحققون معه. قلت له :
لماذا لا تعترف ؟ أجاب : أنا عقائدي
ومقتنع بمبادئي، ولا أخون رفاقي ومبادئي.
قلت : ان هؤلاء سيلحقون بك الأذى وربما
تقتل. فقام من مجلسه وكان يرتدي ملابسه
الداخلية فقط، وسحب لباسه الداخلي وأراني
ظهره وقفاه الممزقين وقال : ماذا سيفعلون
أكثر من ذلك فأنا أصبحت لا أشعر بقسوة
التعذيب مهما كان نوعه .
طالب شبيب
وفي هذا الشأن قال د. تحسين معلة : " بعد
اعتقال قــــــيادة الحزب
الشيوعي بأربعة أيام طلب مني حمدي عبد
المجيد الحـــــضور
إلى
63
" قصر النهاية " لعيادة بعض المرضى. ذهبت
إلى هناك وبدأت من السرداب فرأيت سلام
عادل نائماً وسط القاعة طاوياً نفسه على
الأرض مشدود العينين ومدَّمي. وعبد الرحيم
شريف العاني بنفس الحالة وكذلك حسن عوينة
وعبد القادر إسماعيل البستاني وحمدي أيوب
وآخرين لم أتعرف عليهم وكانوا بحالة مزرية
ينامون مباشرةً على أرضية السرداب الرطبة.
حاولت تضميد جراحهم وانتقلت لردهات أخرى
وكتبت لهم الأدوية المطلوبة وكنت أعودهم
يومياً لمدة أسبوع. وتعاملت معهم كما
يتعامل طبيب مع ردهة اعتيادية للمرضى حتى
جيء في أحد الأيام بهاشم جواد ( وزير
خارجية قاسم ) وأعطوه وجبة عشاء " خبز
وتمر " فسألته : هل تشكو من شيء ؟ فأجاب
مذهولاً " شنو يعني " فقال له أحد الحراس
القوميين: هذا د. تحسين معلة. فوقف
مرتجفاً : نعم نعم !! قلت أنا طبيب
وأستطيع أن أخدمكم. سالت عبد القادر
البستاني : لماذا وصلت الأمور إلى هذا
الحد ؟ فأشار إلى سلام عادل قائلاً انه هو
السبب. وعندما وصلت إلى سلام عادل سألته
فأجاب : هذه مسائل يجب أن نتحاور حولها،
وليس هناك إجابات سريعة. ولم أكلم حسن
عوينة تألماً لأنه ابن صفي الدراسي في
ثانوية النجف. ولم أكلم عبد الرحيم شريف
لانه عديل أخي المرحوم عبود معلة، خجلت
منه وكان صلباً وتحدثت مع د. محمد الجلبي
وكان جسده مجرحاً فقال : ألا احتاج إلى
حليب ولحوم ؟ فقلت أنا طبيب سأصف لك ذلك
ولا أدري إذا كانوا سيلبون هذا. وفي نفس
اليوم حصلت حادثة مزعجة ضد المعتقلين
فصممت ان لا أعودهم إلى قصر النهاية.
وبعدها علمت ان د. أديب الفكيكي ود. سعدون
التكريتي وطبيب ثالث ربما
64
هو صادق علوش كُلفوا بزيارة المعتقلين " .
د. علي كريم سعيد
من كتاب ( عراق 8 شباط 1963 من حوار
المفاهيم الى حوار الدم ) ص199ــ200
مراجعات في ذاكرة طالب شبيب / د. علي كريم
سعيد
دار الكنوز الأدبية / الطبعة الأولى 1999
* * *
. . . غادرنا مقر اللواء التاسع عشر في
الســــاعة الثالثة صباحاً [ من يوم
العاشر من شباط 1963 ] إلى دار الإذاعة،
ومن ثم ذهبنا الى بيت أختي القريب منه كي
ننام ساعة أو اثنتين، وعند الصباح سمعنا
إذاعة بغداد تُعلن وباسم الشعب مجلس قيادة
الثورة، إعدام العقيد عبد المجيد جليل
والعقيد حسين خضر الدوري وفاضل البياتي
وحسن عوينة، الأمر الذي فاجأنا وأثار
امتعاضنا، وعندما اتصل حازم بآمر
الســـــــــــــــجن العسكري المقدم حازم
الصباغ ( الأحمر ) أعلمه إن عماش أبلغه
فجر ذلك اليوم بالقرار وطلب تنفيذه في
الحال .
هاني الفكيكي
من كتاب ( أوكار الهزيمة ) ص254
مؤسسة المنارة / الطبعة الثانية
ملاحظة
: أخطأ هاني الفكيكي في إدراج اسم الشهيد
حسن عوينة ضمن وجبة الضباط الذين اعدموا
في معسكر الرشيد فجر العاشر من شباط 1963
على يد انقلابي 8 شباط الأسود، في حين لم
يكن الشهيد قد اعتقل في ذلك التاريخ ولم
يكن ضابطاً في الجيش. وان بياناً مستقلاً
صدر بإعدام الشهداء سلام عادل وحسن عوينة
ومحمد حسين ابو العيس .
65
كان الشهيد الراحل حسن عوينة يأتي بصورة
متفاوتة الى مكتب الجريدة [ جريدة صوت
الفرات ] ويجلس على مقعد وكأنه أحد
الزائرين، وحينما أنهض ليجلس هو مكاني
يرفض ذلك بشدة ويقول أنت مسؤول الجريدة
وأنت صاحبها وأنا أزورك مثل الضيف الذي
يزور صديقه، وكان في منتهى التواضع والأدب
الجم، فهو كما يعلم الجميع اللولب المحرك
والداينمو الذي لا يعرف الكلل أو الملل في
العمل الحزبي والإشراف على الجريدة ولكنه
لتواضعه يحاول التقليل من أهميته وإعطاء
الآخرين حجماً ليجعلهم أهلاً للمسؤولية
ويدفعهم للعمل المتفاني من أجل ديمومة
الجريدة وتقدمها، وكانت أخلاقه العالية
مثالاً لأخلاق الشيوعي الأصيل المتسم
بنكران الذات وكنت أسمع منه النصائح
والكلمات التي لا زالت محفورة في ذاكرتي
ونفعتني في مستقبل الأيام لما فيها من عبر
وعظات تنفع في حياة الإنسان العملية، ولا
زلت أتذكر أحد أقواله المأثورة المنطلقة
عن عقل مدرك وإيمان مطلق بالعقيدة
والمبادئ وإنماء العلاقة الحميمة، حيث قال
: " على الشيوعي حينما يضع رأسه على
الوسادة وقبل أن يغمض عينيه لينام أن
يستعرض ما قدم في يومه وما سيقدم في غده
"، إنني الآن أستذكر أولئك الرجال العظام
وأتخيلهم بأشكالهم ونبرات صوتهم أولئك
الخالدين في ذاكرة الناس وبطون الكتب
وأسفار التاريخ حينما تستعرض الأجيال
القادمة هذا السفر النضالي القيم لرجال
صدقوا على ما عاهدوا وقدموا أرواحهم
قرباناً للمبادئ والمثل العليا التي آمنوا
بها وأنجزوا مهمتهم ومسؤوليتهم من خلال
القرار والاختيار وإيمانهم الذي لا يتزعزع
.
فلاح أمين الرهيمي
من كتاب ( حديث الروح ) / سيرة ذاتية ص85
منشورات الشرارة / النجف / الطبعة الأولى
2008
66
آل عوينة
*
أسرة نجفية، تنتمي إلى فرع آل كهف ــ
عشيرة الحجّام .
*
هاجرت الأسرة إلى النجف أواخر القرن
الثامن عشر الميلادي، على أثر هجمة شرسة
شنتها السلطة العثمانية على عشائر
المنطقة، وقد تلقبّتْ باسم منطقتها "
العوينة " التي هاجرتْ منها وهي ضمن لواء
" المنتفك " الذي سمي فيما بعد ــ محافظة
الناصرية .
*
انخرط أبناء العائلة في مدارس الحوزة
الدينية في النجف الأشرف .
*
برز منهم الشيخ موسى عوينة، ومن ثم ابنه
الشيخ علي موسى عوينة، الذي بادر إلى
تحويل داره الواقعة في محلة البراق وقفاً
ذرياً، أعقبه ابنه الشيخ حسن علي ومن بعده
ابناه الشيخ أحمد والشيخ حسون، بعد ذلك
برز الخطيب الشيخ محسن حسون عوينة، وله
أربعة أولاد، هم :
ــ الشيخ طاهر عوينة، عميد الأسرة .
ــ المرحوم محمد حسين عوينة .
ــ المرحوم الشهيد حسن عوينة .
ــ مسلم عوينة .
وقد عُرف هؤلاء الإخوة بتبنيهم القضايا
الوطنية، وفي مقدمتهم الشهيد حسن عوينة،
الذي استشهد تحت التعذيب الوحشي على أثر
الانقلاب الفاشي سنة 1963، وكان مسؤول
لجنة التنظيم المركزية في الحزب الشيوعي
العراقي، وقد أذيع نبأ إعدامه مع الشهيد
سلام عادل والشهيد محمد حسين أبو العيس،
في بيان واحد، والحقيقة أنهم استشهدوا تحت
التعذيب، وللشهيد ابن واحد هو فلاح حسن
عوينة، حائز على شهادة الدكتوراه في
الاســــــــــتكشافات النفطية،
67
ويعيش خارج العراق حالياً .
كان الشهيد حسن عوينة أديباً وشاعراً
ومناضلاً باسلاً في صفوف حزبه الشيوعي
العراقي، وإن مما يؤسف له أنه لم تتوفر له
فرصة جمع أشعاره في ديوان خاص. ومن أشعاره
نشيدٌ مطلعهُ :
حصنُ حزبٍ شادهُ فهدُ كيفَ
تسطيعُ هَدْمَهُ قِرَدُ
المجد والخلود لكل شهداء الوطن الأبطال .
مسلم عوينة
68
الفهرس
صورة الشهيد حسن عوينة
.....................................
3
الإهداء
...........................................................
5
المقدمة
...........................................................
7
حسن عوينة . . ثوري وهب الشعب والوطن
حياته
باقر إبراهيم
..................................................
10
بعض اللقطات من حياة الشهيد حسن عوينة
صاحب الحكيم
................................................
25
من الذاكرة مسلم عوينة
.....................................
28
رحلتي مع الشهيد حسن عوينة ناصر حسين
.............
36
ذكريات مرة في ضيافة التحقيقات الجنائية
في العهد الملكي
( اليوم الخامس ) د. كاظم حبيب
.........................
41
قصص مأساوية من جرائم الثامن من شباط
الأسود ! ؟
خامساً : وشهد شاهد من أهلها ( في قصر
النهاية !!!! )
د. جبار ياسر الحيدر
.........................................
44
جريدة صوت الفرات محمد علي محيي
الدين ............ 46
حسن عوينة ضمن مؤيدي طلب تأسيس الحزب
الشيوعي
العراقي عام 1960 خالد حسين
..........................
53
بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في
الاتحاد السوفيتي
..............................................
59
قالوا في حسن عوينة
.........................................
61
آل عوينة
......................................................
67
الفهرس
........................................................
69
دار الخالدي للطباعة والنشر
بغداد / العراق
الطبعة الأولى 2010
حسن عوينة
الإنسان والمناضل والشهيد
إعداد
مسلم عوينة
خالد حسين سلطان
حقوق الطبع محفوظة : دار الخالدي
للطباعة والنشر
بغداد / العراق
Email :
kh_sultan2007@yahoo.com
Mob : 07901264059
الطبعة الأولى 2010
1000 نسخة
69
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد
(512) لسنة 2010