مشروع سلام فياض: المقاومة الاقتصادية في مواجهة الاحتلال بقلم: محمد بهلول

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

مقالات مختارة

 مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين

للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org 

 

مشروع سلام فياض: المقاومة الاقتصادية في مواجهة الاحتلال


بقلم: محمد بهلول

هل باتت فصائل اليسار، الحريصة على الوحدة الوطنية والمشروع الوطني من أصحاب الأفعال السيئة لمجرد أنها تريد أن تناقش وتحاور أفكار المشروع الجديد؟


يكاد يكون سلام فياض الذي تسلل فجأة إلى المسرح السياسي الفلسطيني من أكثر الشخصيات الفلسطينية جدلاً في المدة الأخيرة. فمهنية الرجل ونجاحه الأكاديمي والانطباع العام السائد حول شفافيته ونزاهته لا تلغي بروز الشك والخشية في حقيقة الدور المنوط به، لاسيما بعد الانطباعات التي حولت هذا الدور من مؤتمن على المال الدولي الممنوح للسلطة من خلال فرضه على رأس وزارة المال منذ عام 2002 إلى مشروع سياسي واقتصادي لا يتردد من البوح به والكشف عن معالمه يوماً إثر آخر.

في البداية عبر الرجل وإن بملامح ضبابية عن مشروعه عبر خوضه غمار الانتخابات التشريعية (2006) على رأس كتلة "الخيار الثالث" والتي حازت على 2.41% من الأصوات، في حينها اتهمت مصادر حركة فتح أن حملة فياض الانتخابية ممولة من قبل وكالة المخابرات الأميركية. وأما في المرحلة الحالية، فإن ما يزيد من بذور الشك، هو اختيار محطتين إسرائيليتين لتوضيح معالم مشروعه، أولاً من خلال مشاركته اللافتة وإلقاء كلمة في مؤتمر هرتسيليا الأخير، في وقت كان الفلسطينيون يشددون على مقاطعة إسرائيل ويرهنون ذلك بوقف الاستيطان وقفاً تاماً في القدس والضفة، وكانت الأجواء ساخنة، فشكلت مشاركته ممارسه عملية لخرق الإجماع الوطني من جهة، ودعوة مباشرة للتطبيع مع الاحتلال. وهو ما عبر عنه بوضوح مؤخراً في مقابلة مع مجلة الدراسات الفلسطينية عندما أكد "أن عروبة المكان (القدس) تعزز عندما يأتي العرب إليه ولا تعزز بالمقاطعة بحجة أن هذا فيه تطبيع مع المحتل، واعتقد أن قيام العرب بزيارة القدس واجب مهم وأشجع على ذلك كثيراً، ففي هذا تدعيم وتعزيز البعد العربي في هوية القدس".

إذن، أولى ملامح فياض تبدأ بالتطبيع وإن اتخذت مفهوم الدعم وجلب الاستثمار لتعزيز الصمود الشعبي، وهي نفس النغمة وإن بشكل مختلف لدعوة نتنياهو في بارايلان للتطبيع الشامل مع الدول العربية تحت اليافطة الاقتصادية، لتعزيز أواصر السلام.

المحطة الثانية الأكثر إثارة وجدل، كانت في الحوار الشامل لجريدة هآرتس (2نيسان) والتوضيحات المتتالية على أثره، مما وضعنا أمام نصوص مختلفة (عبرية ـ إنكليزية ـ عربية) تتواءم وتتناقض في أكثر من محطة، وإن كانت لا تلغي الروحية الحقيقية للمشروع. من الواضح، أن النصوص المختلفة كانت عملاً مقصوداً، الأساس فيه، توجيه رسائل مختلفة لجهات مختلفة.

آراء فياض أثارت جدلاً واسعاً وردود فعل متوقعة في الساحة الفلسطينية، وهي ردود منطقية بجوهرها، كونها رأت بأفكار فياض مشروعاً جديداً أو تمهيداً لمشروع جديد، لابد من مناقشته. إلا أن المستغرب هو الحملة المضادة، المنظمة والمنهجية من قبل الأوساط الإعلامية المقربة من رئيس حكومة تسيير الأعمال، والتي وصلت بحدودها إلى حد القمع الفكري عندما أكد أحدهم المأمول أن لا تكون هذه الحملة الظالمة (نقاش آراء فياض) من ذوي القربى "اليسار تحديداً" أو من هم في عدادهم، وبأن لا تكون هذه الحملة من ذوي النوايا الخبيثة أو تلك الجاهلة (لاحظ التعبير) من ذوي النوايا الحسنة والأفعال السيئة (لاحظ التعبير مرة أخرى).

هل باتت فصائل اليسار، الحريصة على الوحدة الوطنية والمشروع الوطني (بمعزل عن مدى التأثير) من أصحاب الأفعال السيئة لمجرد أنها تريد أن تناقش وتحاور أفكار المشروع الجديد، مدى تقاربها أو تباعدها عن المشروع الوطني (منطقياً المسلم به)، علماً أن الذخيرة الوحيدة لأصحاب هذه الأقلام تأكيدها الملح أن مشروع فياض هو نفسه المشروع الوطني. يبدو أن النسخة الفلسطينية للنيولبيرالية السياسية والاقتصادية هي قمع الحريات وأساسها حرية الفكر والرأي. لقد كانت الساحة الفلسطينية حتى في ظل احتدام المواجهة مع العدو الإسرائيلي، أرضاً خصبة لنقاش فكري وسياسي دللت التجربة، أن حق الاختلاف والحوار كانا دوماً عاملاً رائداً لتطوير الفكر السياسي الفلسطيني. هكذا كانت الساحة وهكذا ستبقى، لأن هذا هو منطق التطور العقلاني، لا المفتعل كما يبدو لنا من أصحابنا، حملة أقلام النيولبيرالية الجديدة الذين يعتقدون، أن نمو اقتصادي لحظوي مفتعل قادر على قلب منطق الأشياء، وسيادة المفاهيم الأحادية.

على أصحابنا مراجعة التجارب في السنوات الماضية، سواء على الصعيد العالمي أو الجوار. لكن ما يبدو أن أصحاب النيولبيرالية لا يودون الاكتفاء باستحواذاتهم المالية الناتجة عن العمليات الاقتصادية، بل استحواذهم على مجمل النشاط الإنساني وتعميمه لخدمة مصالحهم. الحرية الاقتصادية هي حرب على النفوذ الشامل بين الحيتان، وكذلك الحرية السياسية والإعلامية توزع على الأسياد وفق حصصهم الاقتصادية، أما الشعب المنتج فلا تلزمه الحرية الاقتصادية، كذلك السياسية والإعلامية، على ما يبدو.

 

نتنياهو ـ فياض ـ نغمة واحدة

 

قال نتنياهو في خطاب بارايلان (حزيران 2009) "السلام الاقتصادي ـ وهو ليس بديلاً عن السلام السياسي، لكنه مقوم أساس من مقومات تحقيقه" وتابع "تطوير مناطق صناعية تستطيع أن تخلق آلاف فرص العمل". أليس هذا ما يقوله سلام فياض، إن بناء مؤسسات الدولة والمشاريع الاقتصادية تخلق الظروف لتحقيق حلم الدولة، أي أن النمو الاقتصادي والرخاء المعيشي هو المدخل لبناء السلام.

إن الأفكار الذي يطرحها سلام فياض، هي نفسها التي يدعو إليها نتنياهو، في قلب واضح للحقائق والأولويات،التجارب التاريخية الناجحة كلها وبدون استثناء تؤكد على أولوية مجابهة الاحتلال وأن البناء الاقتصادي يجب أن يستثمر لتفعيل قدرة الجماهير على الصمود والمقاومة، أما منطق سلام فياض، الذي يتماهى مع أفكار نتنياهو، فيقود إلى أن بناء المؤسسات والتطوير الاقتصادي هو لخلق ظروف معيشية مريحة و تطبيع اقتصادي تحت شعار الحاجة المتبادلة للطرفين. إن وهم التصدي للاحتلال من خلال أدوات الاحتلال نفسه، أي من خلال الارتكاز على قواعده الاقتصادية تحقيقاً لفكرة أولوية الرخاء الاقتصادي على ما عداها من جوانب أخرى، وإذ كان الاحتلال يؤمن هذه الأولية فلابد ساعتئذ إلى من التعايش معه وشرعنته. أليست هذه النغمة النيولبيرالية الإعلامية في أكثر من مكان: إن الرخاء والتطور الاقتصادي ملازمان للانخراط الكامل في منظومة الدول المتطورة، سواء كان هذا الانخراط ناتجاً عن احتلال (فلسطين، العراق، أفغانستان إلخ) أو تبعية كاملة سياسية وفكرية واقتصادية.

الفكرة القائلة إن بناء المؤسسات وإثبات الجدارة هو مقدمة لإنهاء الاحتلال، هي فكرة تفقد أي مسوغ منطقي، لإنها في حال نجاحها (أي البناء) ستؤدي إلى إراحة الاحتلال وإدامته، بل يبدو أن الفكرة تتجه إلى سلة أهداف مواربة، بداية هي دعوة صريحة لوقف كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال والاستيطان لخلق ظروف صحية لإنضاج عملية التطور الاقتصادي وبناء المؤسسات، أي أنها دعوة للتعايش مع الاحتلال لا مقاومته.

كما أنها تسعى إلى خلق وعي جمعي بأولوية الرخاء الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشة، مما يؤدي إلى تفكيك مفهوم المصالح الجامعة، إلى مجموعة مصالح منفردة.

كما أنها (أي الفكرة) تؤدي إلى ما يشبه تقديم ورقة ضمانات لخيارات سياسية واقتصادية ترضي المجتمع الدولي وتمهد للانضمام والانخراط في فلك مؤسساته السياسية والاقتصادية.

وفي هذا السياق نفهم تبرير الصراع في المنطقة، على أنه صراع بين المتطرفين والمعتدلين.

التسويق لفكرة حل الدولتين باعتبارها حجر الزاوية في المشروع الوطني الفلسطيني هو تشويه متعمد للمشروع، فهذا المشروع يعتمد على تحقيق مصالح كل مكونات الشعب الفلسطيني، سواء في المناطق المحتلة عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة، المساواة القومية والمواطنية الشاملة للسكان العرب في إسرائيل، وتحقيق العودة إلى الديار والممتلكات بالنسبة للاجئين. بلا شك ليس هناك أوهام، بأن تحقيق المشروع الوطني سيتم دفعة واحدة، بل عبر مراحل زمنية مختلفة، لكن أساس هذا المشروع هو عدم تقديم تنازلات أو مقايضة بين مصالح مكون على حساب مكون آخر. المراجعة لكلام سلام فياض في مقابلته مع هآرتس، تقدم حلولاً ما وأملاً ما لمصالح مكون واحد (على حساب الآخرين).

فالدعوة إلى وقف الاستيطان قابلها دعوه إلى تهويد المناطق الفارغة في أراضي 48 " التلال والسهول" لإسكان المستوطنين والمهاجرين، أي عملياً استكمال عملية التهويد وسرقة الأراضي، وهو ما يشتم منه اعتراف واضح وصريح بيهودية الدولة. الخطير في هذا الكلام، إذ ما تتابع سياقه طرح فكرة التبادل السكاني الشامل، مابين السكان العرب في إسرائيل والمستوطنين في الضفة.

أن فكرة حل الدولتين هي إضافة إلى التشويه السياسي لطبيعة الصراع، تحمل تشويهاً واقعياً، فدولة إسرائيل بواقعها الراهن دولة قائمة، المطلوب قيام دولة فلسطينية، أما الرابط بينهما في إطار حل الدولتين، فهو للاعتراف المسبق بيهودية الدولة (وهذا ما أقدم عليه فياض) وما يمكن أن يستتبعه ذلك من تهجير فلسطينيين 1948، إضافة إلى حسم قضية حق العودة.

ومع هذا، يصر أصحاب الأقلام على إقناعنا بأن مشروع سلام فياض هو نفسه المشروع الوطني. بل والأكثر من ذلك، أن يزايدوا في هذا عندما يؤكدون أن مشروعه هو عملية انعطاف كاملة باتجاه الفهم الفلسطيني من خلال خلق وقائع تكرس تحشيد وطني في مواجهة الاحتلال دون أن يكلفوا خاطرهم ويقولون لنا كيف، علماً أن المطروح في الكلام وفي الممارسة على الأرض يبين أن عملية التحشيد هي لصالح المواءمة مع الاحتلال والتعايش معه.

أما، ما قاله أحد المحامين للدفاع عن موكله بأنه "لم يجد الأمل والنهج نحو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة إلا في حكومة الدكتور فياض" متناسياً كل التضحيات والجهود المبذولة منذ انطلاقه الحركة الوطنية المعاصرة التي أدت إلى وجود حكومة، ليكون موكله عضواً أو رئيساً لها.

المحامي نفسه تطوع في سياق مقاله إلى "التزام فياض الكامل لبرنامج منظمة التحرير، كيف لا وبرنامج حكومته ذكر منظمة التحرير عدة مرات باعتبارها حاضنة وراعية للنضال الوطني"، هكذا إذن، المسألة تنبع من تكرار أجوف للمنظمة وممارسة تهميشية متواصلة لإضعاف المنظمة، وتنزع جوهرها المتمثل بكونها معبراً عن كل مكونات الشعب. ألم يتساءل السيد المحامي، أين هي منظمة التحرير اليوم، من يهمشها من خلال طرح الأفكار والبرامج البديلة، ومن خلال الممارسات المتواصلة.

لا ليس مشروع سلام فياض هو المشروع الوطني، فالأخير مشروع واحد وموحد، أما الآخر فهو مشروع انقسامي محصور في جزء من الشعب والأرض، لا يشمل مكونات البرنامج الوطني المرحلي لكل الشعب: تقرير المصير، الدولة بحدود 4 حزيران/يونيو عاصمتها القدس العربية المحتلة، حق العودة إلى الديار عملاً بالقرار الأممي 194، يجعل من وحدة الشعب أملاً، كأمله في قيام الدولة.

 

محمد بهلول

عضو اسرة تحرير الحرية والاعلام المركزي للجبهة الديمقراطية

ميدل ايست اونلاين

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا