كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

عندما تخلو مصر من الأطباء..! 

د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة

 

لماذا يصر العرب والمسلمون على أن يكونوا أكثر شعوب الأرض تخلفا, وانهم يستطيعون وباستحقاق لا مثيل له أن يمتلكوا شهادة ينظر العالم بأسره اليهم من خلالها نظرة دونية, وفي نفس الوقت لا يزالوا يتوهمون بأنهم خير أمة أخرجت للناس؟..لماذا يرى الحكام العرب أنفسهم بأنهم"أمر من الله" لا يجوز النقاش والخوض فيه, وانهم زعماء من المهد الى اللحد, بل يمضون الى ما هو أبعد من ذلك بكثير, فكراسيهم محفوظة الى أولادهم وأحفاد أحفادهم؟.

وفي المقابل نقول, ألم يحن الوقت للشعوب العربية والاسلامية بأن تقول كفى, وتقوم بالانقضاض على هؤلاء الحكام الجائرين, وأن تقول لهم, وداعا يا زمن"الرويبضة"؟, أم ان هذه الشعوب شربت الجرعة الكاملة من التخدير الكلي, وان الأمل من صحوتها قد ولى وبدون رجعة.

في كتابه"اعتلال مع البقاء في السلطة", يقول وزير خارجية بريطانيا الأسبق اللورد ديفيد أوين, إن"طول البقاء فى السلطة يؤدى للنرجسية، وتساعد الإجراءات الأمنية حول الرؤساء على عزلهم عن العالم، مما يولد لديهم شعوراً بأنهم يعلمون كل شىء، ولذلك يجب ألا يبقى رئيس فى السلطة أكثر من ٨ سنوات"، ويتحدث فيه أيضا عن خطورة وجود السلطة المطلقة والأسلحة فى يد شخص مريض، فيقول:"السلطة المطلقة تؤدى إلى الفساد المطلق".

اذا قمنا بقراءة هذه السطور بواقعية وعمق, ألا نجدها تجسد الواقع الذي تعيشه معظم بل كل بقاع العالم العربي من محيطه الى خليجه؟..سلطات مطلقة ينخر عظامها الفساد والانحلال والاختلاس, وكالعادة دافع الثمن هو المواطن المغلوب على أمره, ولكنه هو وحده الملام أولا وأخيرا.

وفي كتابه يتطرق أيضا الى أمراض زعماء العالم, فيقول"ان رؤساء الدول يكذبون فيما يتعلق بأمراضهم ويعتبرونها سراً من أسرار الدولة، وأطباؤهم أيضاً يكذبون نيابة عنهم، بحكم مهنتهم، وهذا المزيج من السرية وكذب الرؤساء أحياناً يجعلهم يموتون نتيجة عدم تلقيهم العلاج السليم".

من المؤكد بأن أوين لم يقم في كتابه بالتطرق الى أمرض الزعماء العرب, فهؤلاء لا يمرضون، ولا يخطئون، وهم في الغالب ديمقراطيون منتخبون بنسبة اصوات عالية جدا، ولذلك مطلوب من الشعب الطاعة المطلقة، والولاء الكامل، والا فتهمة الارهاب جاهزة، والمقاصل منصوبة، والسجون مفتوحة على ذراعيها.

ونقول, بأن حكامنا العرب يمرضون ويمرضون ويمرضون..الا أن أمراضهم تختلف عن أمراض الاخرين, فهي أمراض ضرورية للبقاء على الكرسي..بل هي أمراض أشبه بالصحة والعافية والخلود والقوة منها الى العلة والضعف والشيخوخة..هي أمراض الحياة وكأنهم يقولون جميعا" ولكم في المرض حياة يا أهل السلطة ان كنتم تعلمون"..تلك الأمراض ضرورية كي يحيوا ويستمروا في الحكم والتوريث..يمرض حكام إسرائيل والغرب لأنهم يفكرون كثيرا و لا يمرض حكامنا لأن " درهم وقاية خير من قنطار علاج".

متى سيفهم الزعماء العرب بأنهم كغيرهم من البشر, وأنهم يمرضون كما يمرض الاخرون, ولنقل بأنهم فهموا هذا الأمر واستوعبوه, متى سيصبحون قدوة لمن أبتليوا بحكمهم لهم وأن يعالجوا في بلادهم؟.                                                                                  التاريخ المرضي المعلن للرئيس المصري حسني مبارك يشير الى تعرضه الى وعكات صحية تتراوح ما بين البسيطة والمتوسطة وكان اخرها عملية استئصال الحويصلة المرارية بمركز هايدلبرج الجامعي الألماني قبل أيام قلائل, ومما يلاحظ هنا أن العلاج بالخارج بات هو الخيار المفضل للرئيس ومعاونيه بمن فيهم وزير الصحة نفسه والذي لجأ لإجراء فحوصات طبية عادية ودورية بالخارج علي الرغم من امتلاكه لإمبراطورية صحية ضخمة في مصر وعدد من الدول العربية، وبعيدا عن الدعاوي التي قد يطرحها البعض من قبيل حق الرئيس في نيل أفضل رعاية صحية ممكنة باعتباره رمز الدولة فإن لجوء الرئيس ونصحه لبعض الشخصيات العامة بالتوجه للعلاج بالخارج كما شاهدنا في حالة الفنان الراحل أحمد زكي والذي نصحه الرئيس بالعلاج من السرطان في فرنسا بمثابة الدعوة لعلاج الصفوة بالخارج يطرح العديد من التساؤلات حول كفاءة النظام الصحي في مصر ومدي ثقة المسئولين به والتي تنعكس بدورها علي الشعب خاصة إن كان المواطنون المحرومون من أبسط حقوقهم الدستورية في الحصول علي العلاج في ظل إلغاء العلاج المجاني بالمستشفيات وفساد نظام العلاج علي نفقة الدولة يرصدون عزوف رئيسهم ووزرائهم وعن علاج أبسط الأعراض المرضية محليا..ومن هنا نقول بأنه من واجب وزير الصحة التنحي عن منصبه, فهو المسؤول الأول والأخير عن الوضع الصحي في بلاده.  

قبل أشهر قلائل أصيب حفيد الرئيس المصري بوعكة صحية, نقل على اثرها وبطائرة خاصة الى أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس حيث توفي فيها, والسؤال الذي يطرح نفسه:ما مع ملايين أطفال مصر الذين تعصف بهم الأمراض ويموتون نظرا لعدم الاكتراث بهم ولا يملك أهلهم حتى"الحمير" لنقلهم الى العيادات الطبية والمشافي, انه وضع تقشعر له الأبدان, بل منظر يبكي الحجر والشجر.

وعلي الرغم من اختلاف الآراء الطبية علي بساطة التدخل الجراحي الذي خضع له الرئيس، فإن جميعها تكاد تجزم بإمكانية إجرائه في مصر لولا انهيار الثقة بالمنظومة الصحية في مصر للعديد من الأسباب التي تتغاضي الحكومة عنها مفضلة إعلان وفاة النظام الصحي بدلاً من أن تقوم بإصلاحه..وهل خلت مصر من الأطباء؟.

وهنا أستذكر واقعة:في أحد الحوارات التي اجراها محمد كريشان"قناة الجزيرة" مع محمد حسنين هيكل والتي تحدث فيها ألأخير عن الوضع في العالم العربي والاسلامي وبالتحديد إيران والعراق وفلسطين اذكر ان كريشان قال لهيكل:لا يمكن أن ننهي اللقاء دون كلمة عن مصر؟وبحكمة أجاب هيكل: آه.. كنت راغب الا أتحدث في موضوع مصر، لكنك وأنت تتحدث عن مصر افتكر بيت شعر يقول:"لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها...ولكن أحلام الرجال تضيق..!.                                                                                 في الوقت الذي أعلمه فيه الأطباء الإسرائيليون بأنه مُصاب بورم صغير جداً في البروستات قابل للشفاء من خلال عملية جراحية بسيطة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت على الفور من المستشفى ليعقد مؤتمراً صحفياً عاجلاً يخبر فيه الإسرائيليين بأنه مريض, وبفعلته هذه لم يترك الأمر للقيل والقال كما يفعل كل الزعماء العرب تقريباً، بل انبرى بنفسه يطلع الداخل والخارج على أدق تفاصيل مرضه..نعم لقد فوّت على الصحافة الإسرائيلية والدولية فرصة ثمينة للصيد في الماء العكر، وفبركة الروايات والتكهنات، ونسج حكايات خيالية عن مرض الرئيس، كما هو الوضع في عالمنا السياسي العربي الغارق في الغموض والدجل والتعتيم.
لاشك أن الشعب العربي من المحيط إلى الخليج شاب شعر رأسه فور سماعه خبر مرض أولمرت، وبدأت تساؤلاته: لماذا يعرف الإسرائيليون بمرض زعيمهم بعد لحظات، أما نحن فيصاب زعماؤنا بمائة مرض ومرض خطير، ليس أقلها الخرف، ولا أحد يعلن عنها؟. متى علم العرب بأمراض حكامهم وعاهاتهم المزمنة إلا بعد أن أصبح متعذراً جداً إخفاؤها، أو التستر عليها، أو تزيينها، أو في أحسن الأحوال بعد سنوات وسنوات من حدوثها؟.                                                                      عندما اصيب رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق"شارون" بنزيف دماغي, تم نشر النبأ فورا وتابع الاسرائيليون من خلال وسائل اعلامهم المختلفة وكذلك العالم باسره وضع "شارون" الصحي والذي ما يزال في حالة موت سريري حتى الان.

والتساؤلات المطروحة:لماذا يصرح الزعماء الغرب ومنهم الصهاينة عن أمراضهم ولا يقوموا باخفائها؟..ولماذا يقومون بتلقي العلاج في كيانهم, مع العلم بأن بمقدورهم تلقي هذا العلاج في أشهر وأكبر المراكز الطبية في العالم..انهم على أعلى درجات المعرفة بأن كيانهم يمتلك جهازا صحيا متطورا وقابل للتطوير وعلى الدوام, بل انهم حريصين كل الحرص على أن يكون مستواه مضاهيا لأكثر الأنظمة الصحية تطورا في العالم كله, ومن هنا تزداد ثقة الشعب بهم ومستوى الخدمات الصحية التي تقدم لهم..كان بودي أن أسمع بأن أولمرت يطير الى أحد مستشفيات القاهرة لتلقي العلاج, ولكن هذا الأمر سيبقى في عداد المستحيلات الى يوم يبعثون.                                                                     "ينبغي أن تكفوا عن الحديث عن صحتي، فأنا إنسان مثل كل الناس، وبديهي أن أعود إلى بيتي لو تعرضت لمشاكل صحية"..بعكس ما هو معتاد، خرجت الكلمات السابقة مؤخرا على لسان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في إشارة صريحة منه للتخلي عن السلطة لو ثبت بأنه عاجز عن إدارة البلاد.
فالحديث عن أمرض الزعماء والرؤساء في الدول النامية خاصة الحاليين يدخل في إطار الأمن القومي والأسرار الخطيرة التي لا يجوز الخوض فيها، برغم أن الدساتير الغربية تنص على ضرورة خضوع المسئولين والحكام لفحوصات طبية دورية، والمتابع لسيرة أمراض الحكام يجد أن معظمهم يصاب بالعديد من المشكلات الصحية في فترة حكمه.

قلنا بأن من يعلم بأمراض الزعماء العرب هم أطباؤهم الخاصون والذين بدورهم يخفونها ولا يصرحون بها, ونعلم أيضا بأن بعض الاعلاميين المقربين من هؤلاء الزعماء والمخلصين لهم يعلمون بها كذلك, ولكنهم يصبحون أسودا ليعلنوا عنها بعد وفاة هؤلاء الزعماء وفي مذكراتهم بعد أن كانوا كالأرانب وزعماؤهم على قيد الحياة.

وما بين الطبيب الشخصي المرافق والاعلامي المؤرخ نقول: هل سيأتى اليوم الذى يستعين فيه المؤرخ بكتب التشريح والفسيولوجى لكى يعرض الحقيقة التاريخية بمنتهى الصدق؟، وهل سنرى التاريخ من خلال منظار الطبيب ونسمعه من خلال سماعته ونحلله فى معمل تحاليله ؟، إنها التقارير الطبية المسكوت عنها ولكنها فى الحقيقة هي التي بمقدورها أن تقوم بصناعة التاريخ.

وأختتم متسائلا:هل سيأتي اليوم الذي سيردد فيه الزعماء العرب ما قاله الزعيم بوتفليقة:"ينبغي أن تكفوا عن الحديث عن صحتي، فأنا إنسان مثل كل الناس، وبديهي أن أعود إلى بيتي لو تعرضت لمشاكل صحية"..أجزم بأن الجواب هو النفي, وان غدا لناظره قريب.

 

د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة