كتابات حرّة

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

  

 

ذكرى غزو العراق بين خيبة امل مريديه وصلف بعضهم !

جمال محمد تقي

 

في 19 اذار من عام 2003 كانت قد بدأت العمليات العسكرية المباشرة لغزو العراق بقصف نوعي وبكافة موديلات الاسلحة الصاروخية والقنابل الذكية والغبية المجربة وغير المجربة وبغزارة مكثفة وشاملة من قبل القوات الجوية  والبحرية الامريكية والبريطانية لاحداث اكبر قدر ممكن من الخسائر وفي كل القطاعات الحيوية العاملة في العراق عسكرية كانت ام مدنية تحت شعار الصدمة والترويع مصحوبا بتقدم تدريجي لجحافلها البرية ، وكان القصف يومها جحيميا ويشبه في بعض جوانبه عمليات الفولاذ المسكوب التي جرت على قطاع غزة ، كانت الدبابات العراقية المقصوفة تنصهر حتى قبل ان ترمي بقذيفتها الاولى ، كل روائح المعارك التي جرت وعن بعد يشم منها بخور الانصهار الذي لا تفسير له وقتها سوى بان القنابل  القاصفة تذيب الاجسام التي تقع عليها حتى لو كانت فولاذا، تبين لاحقا بانها القذائف المشبعة  وبتركيز  محدث بمادة اليورانيوم المنضب الخارقة والحارقة والمذيبة والغير قابلة للاندثار ، كانت تلك النتائج المباشرة للمعارك التي حدث الاشتباك فيها عن بعد اما الاشتباكات المباشرة  اي تلك التي تعتمد على فاعلية العامل البشري الى جانب الالة العسكرية فكان يشم منها روائح المقاومة العنيدة والرغبة بالحاق اكبر قدر ممكن من الخسائر بالغزاة بل ومنعهم من التوغل في العمق العراقي وشهدت على ذلك معارك أم قصر ومن ثم  معارك الناصرية واخيرا معركة مطار بغداد  !

 

اليوم وبعد انقضاء سبع سنوات على احتلال العراق وبعد ان وقع المحضور الذي عاش فيه العراقيون احلك واقبح واعسر ايامهم التي تلونت اعلامها بلون السخام والدم ، لا يجد اصحاب قرار الحرب ومناصريهم والداعين لهم من امريكان وبريطانيين وعراقيين مفرا من المراجعة لان التداعيات مازالت تتفاعل ولان العراق مازال في قلب العاصفة ـ كما كتب جورج تينيت في مذكراته ـ  !

اوباما حقق فوزه  الساحق على غريمه الجمهوري وهو يردد مقولة ان حرب العراق كانت حربا لا مبرر لها ، في بريطانيا  وصلت شعبية بلير للحضيض واخذت تطارده لعنة العراق حتى قدم استقالته والان تجري تحقيقات معه ومع خليفته براون وغيرهم من عناصر الحكومة البريطانية السابقة من المروجين لقرار مشاركة بريطانيا في الحرب على العراق ، كانت خسارة ازنار الاسباني عقابا شعبيا على انسياقه الاعمى وراء المغامرة الرعناء لبوش ، لقد كذبوا على شعوبهم واستخفوا بعقول سياسيي العالم عندما انكشفت حقيقة لا وجود لاسلحة الدمار الشامل في العراق وان الحرب على العراق ذاتها كانت بسلاح تدمير شامل ، وان لا علاقة للعراق لا من بعيد او قريب باحداث 11 سبتمبر ، وان الفوضى التي اتى بها احتلال العراق كلفت شعبه ملايين الارواح واقتصاده ترليونات من الدولارات وان ما اعلنوه عن نشر الديمقراطية في العراق اكذوبة لا تستحق كل هذه التكلفة الباهضة  ـ الديمقراطية منتج محلي غير قابل للتصدير فهو بالكاد يغطي الحاجات الموضوعية الخاصة بمجتمعه ، وحتى لو اتيحت له امكانية الانتشار الاستهلاكي فلا يجوز تصديره بالطائرات القاصفة ولا باستخدام اسلحة الدمار الشامل ولا بالاكاذيب ولا بتدمير البنى التحتية للمجتمع المستورد حيث انها تعتبر العمود الفقري لاي تحولات حداثية ومن ضمنها عمليات التحول الديمقراطي ـ !

 

كونداليزا رايس كانت وقتها مستشارة للامن القومي وهي ما تزال تحاول ان تبقى امينة لمواقفها السابقة الداعمة بالمطلق لسياسات بوش الابن وتحديدا قرار حربه على العراق وعندما تقلدت منصب وزارة الخارجية في فترة ولاية بوش الثانية لم تتوانى عن المدافعة وبصرامة لصالح قرار الحرب حتى انها عملت  على امتصاص الانتقادات المثارة بسبب تعثر الاوضاع في العراق وبشكل صارخ ، هي عكس كولن باول الذي كان وزيرا للخارجية اثناء الغزو الامريكي البريطاني للعراق حيث اعترف لاحقا بان ما روج له داخل اروقة مجلس الامن كان نزقا لا يجب ان يصدر عن وزير خارجية دولة عظمى وانه ولو اعيدت عقارب الساعة الى الوراء فانه سيقف وبقوة بوجه قرار الحرب وانه لو لم يستطع فعل ذلك فعليه الاستقالة ، اعربت رايس مؤخرا اثناء محاضرة لها في احدى جامعات هونغ كونغ الصينية عن تمسكها بالاعتقاد بصواب قرار بوش بالحرب على العراق وانها ستدفع بنفس الاتجاه لو اعيدت الخيارات مجددا ، وقالت بان التاريخ في النهاية سينصف العديد من قرارات بوش ومنها قرار الحرب على العراق ، ويبدو ان مقدار التشدد عند رايس حول صوابية موقف بوش وبالتالي حزبه الجمهوري من قضية الحرب على العراق مرتبط بشدة طموحاتها السياسية القادمة كمرشحة عن الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة الامريكية والتي لا تريد ان تجهضها بالاعتراف بهزيمة يمكن مداورتها من دون اعترافات لا مبرر لها ، ثم قالت ايضا ان الخطأ ليس في قرار الحرب نفسه وانما في الاخفاق الامريكي بالتعامل مع العراقيين لبناء بلدهم ، على اعتبار ان الاعتراف بجزئية الخطأ لا يلغي  صوابية القرار الكلي ، ، ان شأن رايس هنا لا يختلف عن شأن توني بلير عندما يتهرب من مناقشة السياق التبريري لتلك الحرب والتي اثبتت الايام عدم صدقيته ليركز على نواحي منافقة تتعلق بطبيعة النظام العراقي السابق وقساوته !

اما من الجانب العراقي فان الاغلبية المطلقة من الذين جائوا للسلطة في العراق بفضل الامريكان وحربهم عليه ليسوا بنادمين عما اتخذوه من مواقف داعمة للحرب لانهم يتمتعون بفوائد عائدات تلك الحرب  وهم بالاساس ليسوا من ذوي الاخلاقيات الداعية الى اعتبار الاعتراف بالخطأ فضيلة وانما العكس تماما فانهم يجدون بهذا الاعتراف وبهكذا اخطاء خطيئة لا تغتفر !

في حوار صحفي نشر مؤخرا مع السيد كنعان مكية "بروفيسور معماري عراقي الاصل متجنس بالجنسية الامريكية ويعمل مدرسا في جامعاتها " صاحب كتاب العراق جمهورية الخوف وكتاب عراق القسوة والصمت ومؤسس مركز الذاكرة العراقية التوثيقي ـ تخصص بتوثيق خروقات وتجاوزات النظام السابق ـ والذي تمكن بعيد الاحتلال وبمساعدته المباشرة من الحيازة على اغلب مكونات الارشيف الخاص بالدولة العراقية ، وهو واحد من اهم منظري مشروع تحرير العراق وكان ناشطا ضمن اللوبي العراقي الامريكي الضاغط باتجاه الحرب على العراق ، كان يردد على اسماع بوش بان العراقيين سيستقبلون الامريكان بالورود ، قال هذا الكنعان انه ندم على مواقفه تلك معللا اياها بسطحية الحكم على المزاج العراقي وبان النوايا الطيبة لا يمكن ان تتحقق باسلحة التدمير وبالفوضى غير الخلاقة التي خلقها الامريكان اثناء غزوهم ، يقول كان العراق قبل الغزو له دولة وله هوية ، وبعد احتلاله اصبح العراق فاقدا للاثنين معا ، وما يعزز هذه الحالة هو نمط الطبقة السياسية التي تقاسمت السلطة فيه وحتى الان !

العيون الوقحة يمكنها ان تبكي ايضا وهكذا هي عيون ساسة العراق الجدد ، انها دموع التماسيح ، يذرفونها عندما تنفضح فضائحهم وفضائح اسيادهم الامريكان في قتل وتشريد وتعذيب العراقيين ، يبكون ويتباكون بان ما حدث لم يكن مقصودا ، ابو غريب لم يكن مقصودا ، جريمة ساحة النسور لم تكن مقصودة ، جرائم وزارة الداخلية والمعتقلات السرية لم تكن مقصودة ، مقاتل الميليشيات لم تكن مقصودة ، بقاء العراق تحت الوصاية الامريكية لم يكن مقصودا ، تدمير اقتصاديات العراق لم يكن مقصودا ، حل الجيش العراقي وتشريد رجالاته لم يكن مقصودا ، تقاسم السلطة على اسس طائفية وعرقية لم يكن مقصودا ، وضع دستور تقسيمي مهلهل لم يكن مقصودا ، الاتفاقية الامنية واطارها الاستراتيجي طويل الامد لم يكن مقصودا ، تشريد الملايين الى خارج العراق لم يكن مقصودا ، ترميل وتيتيم الملايين لم يكن مقصودا ، اشاعة الفساد باعلى درجاته وبكل انواعه لم يكن مقصودا ، اذن ما هو المقصود من كل الذي جرى ويجري في العراق ؟ غير احتلاله وتدميره وجعله لقمة سائغة للوصاية الامريكية بحكم مباشر او غير مباشر !

ان الندم سيكون مصحوبا بعض الاصابع وسيكون اجباريا ايضا كلما تصاعدت اشكال الرفض الشعبي المقاوم لكل تداعيات هذا الغزو المجرم ، وكلما نجح احرار العراق بعرقلة الاجندات الامريكية التي اسست لنفسها قاعدة سياسية فيه قبل قواعدها العسكرية الثابتة ، متمثلة بالعملية السياسية المتحكمة بمصيره حاليا !

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 الصفحة الرئيسية | مقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | أرشيف الأخبار | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

تصدرها مجموعة من الصحفيين والكتاب العراقيين

webmaster@saotaliassar.org    للمراسلة