<%@ Language=JavaScript %>  كمال مجيد مشاكل الدولة العراقية

   

لا

للأحتلال

لا

للخصخصة

لا

للفيدرالية

لا

للعولمة والتبعية

حضارة بلاد الرافدين   

    

                                              

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة من الكتاب والصحفيين العراقيين                                    

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org                                                                            

 

مشاكل الدولة العراقية

 

 كمال مجيد 

 

بعد مرور عشر سنوات على احتلال العراق تعمقت مشاكله  لتشمل اركان الدولة. ان دراسة هذه المشاكل تساعد الوصول الى القرار حول فشل دولة العراق ام نجاحها.

ان التعريف الليبرالى للدولة هو: ((مجموعة من الناس منظمة سياسياً تحت حكومة واحدة ذات سيادة.)) ( راجع انسايكلوبيديا امريكانا) فالاركان الثلاثة للدولة هي الشعب (الناس) والحكومة والسيادة.

ان الدولة تكون مستقرة عندما يكون لها شعب يقبلها. والمشكلة الاولى للعراق هي عدم وجود شعب متماسك يقبل بحكومة بغداد. هناك قوميتان رئيسيتان هما العرب والاكراد اجبرهما المستعمرون ان يعيشا داخل الحدود العراقية. فهم قسموا الاكراد، مثلما قسموا العرب، واخضعوا اكثريتهم للحكم التركي شرط ان يشترك اتاتورك في محاربة الشيوعية.

تعايش العرب والاكراد في العراق بصورة سلمية، نسبياً، وذلك بالرغم من بعض الاصطدامات. كانت الاولى حركة الشيخ محمود الحفيد تبعتها حركات البارزانيين منذ 1936 وحتى نهاية الحكم الملكي. الا ان الخلافات المختلقة انتشرت تدريجياً. فبعد الحرب العالمية الثانية اجازت الحكومة عدداً من الاحزاب، بينها حزب الاستقلال الذي ركز على الافكار القومية العربية. وبالمقابل تم تشكيل الحزب الديمقراطي الكردي سنة 1946  لكن الحكومة رفضت اجازته. الا ان نشوء ونمو الحزب الشيوعي وانتشاره بين العرب، بل الاكراد بصورة خاصة، وثّق علاقات الاخوة والمواطنة بين القوميتين تحت شعار ((على صخرة الاتحاد الكردي العربي يتحطم الاستعمار واذنابه.))

في 1952 تم تشكيل حزب البعث سراً وامتاز بتطرفه القومي الى درجة انه رفض، في 1957، اشراك الحزب الكردي في جبهة الاتحاد الوطني الذي تشكل للكفاح ضد حلف بغداد. لقد حدث هذا الرفض بالرغم من قبول الحزب الكردي بمنهاج الجبهة بل تأييده الحماسي لجمال عبد الناصر.

بعد اشهر من ثورة 1958 انشقت الوحدة العراقية. اذ استقال الوزراء القوميون العرب من حكومة عبدالكريم قاسم  وركز حزب البعث، وميشيل عفلق بصورة خاصة، على مسألة الوحدة العربية ومحاربة النفوذ الشيوعي كما يشرحها خالد علي الصالح في كتابه (على طريق النوايا الطيبة، تجربتي مع حزب البعث، دار رياض الريس، 2000م.) في نفس الوقت تمكن شاه ايران ، مع مساندة بقايا حلف بغداد، من زج الحزب الكردي في الحرب ضد الحكومة العراقية. يشرح جلال الطالباني، في مجلة الوسط اللندنية، العدد 357 في 20/11/1998، تفاصيل الاحداث حين عين الشاه الجنرال ورهام قائداً للعمليات وجهزه بالاسلحة الضرورية. تمكن القوميون والبعثيون في شباط 1963 الاستفادة من الحركة الكردية التي اضعفت حكومة قاسم فاسقطوها. الا ان نجاح العملية شجع الامريكان واسرائيل على مساندة الحزب الكردي لمحاربة كافة الحكومات العراقية التي تلت. ان الحاح حزب البعث على كون ((العراق جزء من الامة العربية) ورفع الشعارات الطنانة مثل ((امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة))  في المناطق الكردية ساعد الحزب الكردي على نشر الافكار الشوفينية والانفصالية. ثم استفاد الحزبان الكرديان لجلال ومسعود من حرب الكويت للتخلص من نفوذ حكومة بغداد. هكذا تكونت حكومة اربيل وعملياً انفصلت المنطقة الكردية عن العراق. بل وقف بيشمرغتا الحزبين مع المستعمرين في الحرب لاحتلال العراق. وبالمقابل اكد الامريكان على كتابة الدستور الجديد باسلوب يعطي الحق لحكومة اربيل وحدها في تمثيل الاكراد. بل اكثر من ذلك اصبحت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ونيابة رئيس الوزراء ورئاسة اركان الجيش والوزارت العديدة في بغداد حكراً للحزبين الكرديين. وفي نفس الوقت فقدت بغداد حق تعيين موظف بسيط في كردستان. وهكذا انشق الشعب الى قسمين وفقدت الدولة العراقية ركناً من اركانها.

لقد زاد الطين بلة حين سافر ابراهيم الجعفري، قبل الاحتلال، الى واشنطن واقنع الامريكان على ان يتكون النظام الجديد في بغداد من اكثرية شيعية.

منذ بداية الاحتلال شنت القوات الامريكية حرباً ضروس ضد المقاومة واتهمتها بانها تمثل الاقلية السنية المحصورة في ((المثلث السني)). الا ان مقاومة الشعب اجبرت الامريكان على الانكماش وبث الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة وانتشر القتال بين المسلمين العرب. فهناك الآن حكومة يؤكد رئيسها نوري المالكي على انه شيعي قبل ان يكون عراقياً. وهناك الذين ينالون الامرين من قانون ((المساءلة والعدالة)) لاحمد الجلبي وقانون الارهاب 4، سنتهما الحكومة بالاعتماد على دستور الاحتلال.

فالشعارات التي يحملها المتظاهرون في الانبار وغيرها محقة حتى وان كانت مخالفة للدستور. هناك اذن الضرورة لتبديل الدستور بآخر يمنع الطائفية وبتشكيل حكومة مدنية تفصل الدين عن السياسة. بينما يلح رجال الطريقة النقشبندية وحزب البعث في بياناتهم المنشورة على شبكة ذي قار، بأن ما يجري هو ثورة شعبية تعمل على اسقاط النظام.

والسؤال المطروح هو: ماذا سيحدث اذا توسعت الاحتجاجات؟ بل اذا انفلتت الامور وتطورت بتأييد ومساعدة اياد علاوي ومسعود البارزاني واخوان المسلمين والحكومات التركية والخليجية ومن ورائهم الامريكان واسرائيل؟ اي ماذا سيحدث اذا أسقطت الاصطدامات الحكومة الشيعية وتكونت حكومة سنية او نقشبندية بدلاً عنها؟ وهذا احتمال يخاف منه الطائفيون بين الشيعة بمن فيهم الاغلبية في البرلمان. ان النظرة المجردة من الطائفية والعنصرية تشير الى ان هذا الاحتمال وارد جداً لسببين: اولاً: لأن طرفي الصراع،المتظاهرين والحكومة، ضعيفان لايملكان قابلية السيطرة على الامور ولأن القوى الكبرى في الميدان تحث الطرفين على الاصطدام.

وثانياً: لأن الامريكان نجحوا في توسيع الخلاف السني الشيعي ليشمل كل منطقة الشرق الاوسط. وما يجري في سوريا دليل على هذه الحقيقة. يوضح جوليان اسانج، محرر ويكيليكس، بأن القوات الخاصة الامريكية دخلت سوريا لتدريب اعوانها على القتل قبل قيام المظاهرات السلمية. والواضح ايضاً ان الامريكان قرروا ان يساندوا حكومات المنطقة ضد ايران.

ثم ان تركيا تتدخل علناً في شؤون العراق بعد ان عززت نفوذها في المنطفة الكردية. انها تقوم الآن بحماية طارق الهاشمي وغيره من الهاربين اليها. انها تضغط على التركمان لقبول سيطرة مسعود البارزاني على كركوك. واكثر من هذا انها تساعد الكتل المعارضة العراقية مالياً واعلامياً. انني شاهد على ثلاث مؤتمرات مختلفة اقيمت في اسطنبول. اثنتان منها جرت، في نيسان 2012، من قبل حزب اسلامي جديد في الانبار، ومن قبل ما يسمى بحزب الاتحاد الوطني العراقي من العرب والاكراد و ينال تأييد صالح المطلك، نائب المالكي المتردد. لقد قابلت ممثلي المنظمتين في اسطنبول واكدوا لي على عدائهم لحكومة بغداد ودمشق. اما المؤتمر الثالث، والذي تم دعوتي اليه دون ان احضر، فلقد جرى في 7/7/2012 من قبل مركز الرافدين للدراسات الاستراتيجية في تركيا. ونشرت جريدة الزمان، لسعد البزاز في 11/7/2012، اسماء الحاضرين. كان بينهم عدد من البعثيين من وزراء وسفراء في الحكومة العراقية السابقة وممثل عن هيئة علماء المسلمين وعدد من المستقلين. لقد اتصلت تلفونياً بالسيد منير بياتلي في المركز التركي واكد لي على ان المركز دفع كافة المصروفات.

هذه الحقائق توضح بعض المشاكل المستعصية للدولة العراقية بغض النظرعن الطائفة التي تسيطر بانفراد على حكومتها. ثم ان الدولة مصابة الآن بالجمود لفشل العملية السياسية وفقدان سيطرة الحكومة. نظرة بسيطة الى الحكومة الحالية، وهي الركن الثاني للدولة، تبين انها فقدت فاعليتها. فالمالكي لا يسيطر على الوزراء. لأن الحكومة مكونة من احزاب وكتل متطاحنة، تدعي كل كتلة بأنها تمثل شريحة من الشعب دون غيرها، بل انها معادية للكتل الاخرى. فمثلاً يعادي وزراء القائمة العرافية والوزراء الاكراد حكومة المالكي ولكنهم يرفضون الاستقالة منها لأن الاستقالة تنهي تاثيرهم وتقطع رزقهم. يدرك رئيس الوزراء حقيقة هؤلاء ولكن لا يملك صلاحية اقالتهم لأنه لم يختارهم بل فرضوا عليه بعد ان اختارهم قادة الكتل المتخاصمة. فالعملية السياسية مصابة فيزاوياً بـ ((الموازنة القلقة)). ودفع بسيط يكفي لقلب الامور وهناك شعب ينتظرالفرج وقوى اخرى تنتظر الفرصة.

بقيت الاشارة الى السيادة الوطنية كالركن الثالث الدولة. وهذه تشمل :-

اولاً: امتلاك الحكومة للقوة الكافية لصيانتها.

ثانياً: الاستقلال من كافة الضوابط الخارجية.

ثالثاً: السيطرة على ارض ذات حدود معترف بها دولياً، ومعروفة باسم ((الوطن)).

 

مما ورد اعلاه يمكن الاستنتاج بأن الحكومة لا تملك القوة الكافية لصيانة الدولة، ناهيك عن قابلية الهجوم على المنطقة الكردية لاعادة نفوذها. ثم انها لا تملك الطائرات المقاتلة ولا الطيارين وتم سرقة دباباتها ومصفحاتها، بعد الاحتلال، من قبل بيشمرغة الحزبين. كما تمكنت المقاومة من السيطرة على قسم من هذه الاسلحة. فلما تم تسريح الجيش، من قبل بريمر، اخذ الضباط المسرحون معظم الصواريخ والرشاشات والهاونات معهم. وفي كثير من الحالات حدث ذلك حتى قبل اصدار القرار بحل الجيش العراقي. وعلى كل حال لا تملك الحكومة جيشاً مهنياً مخلصاً بل هناك جيوش متحزبة مثل فيلق البدر وجيش المهدي وعصائب الحق والصحوات السنية وبيشمرغة الحزبين الكرديين. وكل هذا دون ذكر قوات المقاومة او القاعدة.

والمعروف ايضاً ان الدولة العراقية، على علاتها، خاضعة كلياً للضوايط الخارجية. انها محكومة بالبند السابع لميثاق الامم المتحدة  وبالاتفاقية الامنية وبروتوكالاتها السرية مع امريكا وهناك القواعد الامريكية وجيوشها كما هناك الالوف من مرتزقة شركة بلاك ووتر وعدد غير معروف من اعضاء المخابرات المركزية الامريكية ومخابرات الدول التي شاركت في احتلال البلاد. وعلاوة على كل هذا هناك تأثير واضح لايران وتركيا. لا يمر اسبوع دون ان يهدد اوروغان او داود اغولو حكومة المالكي بشدة. ولا يمكن نسيان دخول وزير الخارجية التركية، اوغلو،  الى العراق والسفر الى اربيل وكركوك دون موافقة حكومة المالكي. فاين هي السيادة الوطنية؟

واخيراً وليس آخراً اخذت حدود العراق تتحرك ومساحته تتقلص منذ 1975 حين تنازلت حكومة البعث لشاه ايران، في اتفاقية الجزائر، عن نصف شط العرب وعدد كبير من القرى على طول الحدود المشتركة. تبع ذلك تسليم حكومة البعث مساحة شاسعة من الاراضي الغنية بالنفط الى الكويت نتيجة لرسم الحدود بين البلدين بعد الحرب.

والآن لا تسيطر حكومة المالكي على حدود العراق . انها لا تستطبع ارسال جندي واحد الى المنطقة الكردية الخاضعة لحكومة اربيل. لقد حاولت الحكومة، قبل اشهر، ان تصل الحدود السورية في الشمال فمنعتها البيشمرغة. ثم ان الطائرات التركية تقصف قوات حزب العمال الكرستاني، التركي، داخل العراق دون معارضة بغداد او اربيل. كما تقصف ايران مواقع حزب بيزاك الكردي في المناطق الشرقية بتكرار دون موافقة من احد.

بعد كل هذا هل الدولة فاشلة حقاً في العراق؟ بالطبع!

هناك ادلة كافية تثبت وجود المشاكل العميقة للدولة العراقية، مشاكل لا يمكن حلها في المستقبل القريب. تلك التي اتت مع الاحتلال وتعمقت في السنوات العشرة الماضية. لا يمكن انكار شرور تقسيم البلاد على اساس عرقي او شرور الطائفية وتدخل مرجعياتها، الشيعية منها او السنية، ولا شرور العملية السياسية والتي فرضها المستعمرون الامريكان على شعبنا المنكوب وكلها فشلت في تثبيت الدولة.

لقد برهنت الاحداث ان الديمقراطية الامريكية المسلحة باليورانيوم والانتخابات الشريرة التي جرت بحماية مصفحات (الهمفي) القاتلة  لم تحل مشاكلنا بل عمقت جذورها بشكل لا يمكن قلعها من قبل القوى المتوفرة في ساحة العمليات. ذلك لأن العراق بحاجة الى حكومة مدنية لا تستعمل الديانة او العنصرية، عربية كانت ام كردية، كسلاح لمكافحة المعارضين لها. ان امكانية تشكيل مثل هذه الحكومة ضئيلة في الوقت الحاضر لانها بحاجة الى وجود الاحزاب التي تقود المنظمات المدنية العصرية للجماهير الواسعة والتي تسطر منهاجها لصالح كل العراقين، دون تمييز، ولها القدرة على انقاذ شعبنا.

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

 

   الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا