<%@ Language=JavaScript %> حمزة الحسن الرقص في مأتم عام

 

 

الرقص في مأتم عام

 

 

حمزة الحسن

 

 

هل من مستلزمات الحداثة والتطور والمعرفة شتم العرب كقومية والاسلام كدين،
لكي يحجز المثقف مقعداً بين الجمهور؟

من حق أي مثقف واي انسان أن يكون معترضاً وساخطاً على عادات وتقاليد وتصرفات الناس،
من هذا الدين أو تلك القومية، لأن الحداثة تأسست على النقد،
لكن الفارق كبير بين الحقد القومي والديني بلغة التعميم، وبين نقد التقاليد والافكار والعادات.

لم يصدر هذا السلوك الوسخ من المثقفين الاسبان رغم وحشية الحرب الاهلية،
ولا من الروس تحت كل الظروف القاسية،
ولا من الامريكيين واللبنانيين والكوريين والكوبيين ومن مثقفي امريكا اللاتينية،
لكن هذا الموقف يصدر من صغار العقول ومن نفوس عفنة،
في ركض خلف المفاهيم الكولونيالية بلا فحص او قراءة أو تأمل،
والمطلوب ليس الغاء هويات فحسب بل خلق هويات زائفة للسيطرة على انسان لم يعد يعرف من هو بعد فقدان سلسلة التوازن التي تبقيه واقفاً في العاصفة ويقظأً في المحن.

أيام الاحتلال النازي لباريس كان الروائي فرانسوا مورياك الكاثوليكي الصارم في معتقداته الدينية وحامل نوبل والشخصية الادبية الرصينة،
كان يتولى منظمة الدفاع عن كتاب فرنسا وحمايتهم من بطش النازية،
في حين كان البير كامو الوجودي يترأس جريدة" الكامبا" وهي الصحيفة المركزية للمقاومة السرية،
وكان أراغون الشاعر الشيوعي يحمل السلاح مع سارتر الخارج من أي التزام سياسي،
ولم نسمع أو نقرأ عن مثل هذا السخف والاختزال والتصنيف والعزل بين الناس.

كانت نخب المقاومة خليطاً من يساريين وعدميين وشيوعيين ومستقلين ورهبان ومن عقائد مختلفة يخوضون نضالاً دامياً مع النازية،
وهي تجربة عامة بين الشعوب،
إلا نحن، فنحتاج الى لافتات وعناوين وشعارات خاصة بكل واحد في معركة الحرية التي لا تتحمل كل هذا الغائط من الشعارات واللغو،
لأن " ثقافة الحائط" ترسخت في النفوس.

شتم العرب بالمطلق كما هي العادة المتبعة الجارية في الفترة الاخيرة،
ووضع بعض الصور المجتزأة المبتسرة المنتقاة واختصار العرب والمسلمين بها،
هو سلوك عنصري مغطى بشعارات كثيفة مزورة من النقد والاحتجاج،
وهو يشبه رمي سلة تفاح لوجود تفاحة فاسدة.

لكي يتوضح السلوك العنصري أكثر، نرى ان هذا الحقد على العرب بالمطلق،
وعلى المسلمين بالمطلق،
يتوقف عند القوميات الأخرى والاديان الأخرى كما لو ان تاريخها تاريخ ملائكة،
مع ان تاريخ البشرية، من كل الاديان والأقوام، عاش تجربة الحروب الاهلية والمذابح وأعمال القتل المنافية لحقوق الانسان،
كما لو ان القتل اختراع عربي وملكية اسلامية.

اوروبا خاضت حروبا دينية استمرت مئات السنوات،
تم فيها قلع العيون وحرق المختلفين وصلبهم على أبواب الكنائس.

تصدر هذه الترهات غالبا من أبناء " الأقليات" ونفاجأ بنزعة الحقد العنصري المعتق متأصلة فيهم منذ الصغر رغم تجربة بعضهم الكبيرة في الادب والشعر والسياسة والفن وحتى في البطيخ والدجل الثقافي والسريالية.

الحقد والادب امران متناقضان:
الحقد حجاب وعمى عاطفي وعقلي ونمط كريه مسبق،
في حين الادب انفتاح وحب وشغف وعناق انساني حار.

وبعضها تصدر ممن تم زرع عقدة الشعور بالدونية فيه،
حتى صار يتمنى لو يحمل وجه كلب،
أو خنزير،
مما يعني ان المسخ الذي عملت على صناعته قوى كثيرة،
ليس على وشك الولادة فحسب بل ولد بالفعل.

ان من يعتقد أننا نحترم التعميم المطلق والشتم المطلق لقوميتنا وديننا،
وشتم أي دين وقومية أخرى،
يعيش وهماً ثانياً ضخماً كوهم الحقد العنصري الابله المغلف بشعارات ملفقة.

لا يمكن، تحت أي مبرر وذريعة،
قبول أن يرقص أحد ما،
بلباس داخلي ممزق من الخلف،
في هذا المأتم الكبير.

 

حمزة الحسن

عن موقع الكاتب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/hmst.alhasn?fref=nf

 

تاريخ النشر

15.09.2015

 

 

 

  عودة الى الصفحة الرئيسية◄◄

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تنويه / صوت اليسار العراقي لا يتحمل بالضرورة مسؤوليّة جميع المواد المنشورة .. ويتحمل الكُتّاب كامل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن كتاباتهم

 

 

الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير  | المرأة | الأطفال | حضارة بلاد الرافدين | إتصل بنا

 

 

جميع الحقوق محفوظة   © 2009 صوت اليسار العراقي

   الصفحة الرئيسية [2][3][4] | أرشيف المقالات | دراسات | عمال ونقابات | فنون وآداب | كاريكاتير | المرأة | الأطفال | إتصل بنا

15.09.2015

  الصفحة الرئيسية | [2]  [3] [4]  | أرشيف المقالات  |  دراسات  |  عمال ونقابات |  فنون وآداب |  كاريكاتير  |  المرأة |  الأطفال | إتصل بنا       

      

لا للتقسيم لا للأقاليم

 

لا

للأحتلال

لا

لأقتصاد السوق

لا

لتقسيم العراق

صحيفة مستقلة تصدرها مجموعة

من الكتاب والصحفيين العرب و العراقيين   

 

                                                                  

                                                                          

  

 للمراسلة  webmaster@saotaliassar.org