<%@ Language=JavaScript %> باقر أبراهيم من دفتر الذكريات

 

 

من دفتر الذكريات

 

 

 

باقر أبراهيم

 

     تقديم

هذه الصفحات من ( دفتر الذكريات ) تتحدث عن أحداث ووقائع، رايت التوقف عندها، أو عن شخصيات، توفرت المناسبة التي أستطعت تخصيصها لأستذكارها وتدوين مآثرتها.

قد يبدو أن لاصلة تربط بين أجزاء هذا الملف لكني أرى، أن مايجمع بينها هو إنها تتحدث عن مآثر أو مواقف رموز معروفة في سجل النضال الشعبي العراقي، أو النضال القومي، وان في جمعها، فائدة إطلاع القارئ عليها، وكذلك فائدة توفرها للباحث في تاريخ اليسار العراقي والعربي. كل ذلك، حفزني لضمها في هذا الملف من ( دفتر الذكريات ).

 

باقر إبراهيم - حزيران / 2016 .

 

الفهرســــت

 

1-      الذكر الطيب لفقيدنا د. عبد الكريم الغبان

2-      شاكر السماوي... وداعاً

3-      وداعاً فقيدنا الغالي...وليد جمعة

4-      وصفي طاهر...رجل من العراق

5-      شمران الياسري...الغائب الحاضر

6-      درس من قبرص...الثوار ورجاحة العقل السياسي

7-      بعض من ذكرياتي...مع الجواهري

8-      يوم عاد سلام عادل إلى العراق عام 1962

9-      شهاب التميمي من رموز العراق

10-  دور التعصب والعقلانية في خلافات الشيوعيين العراقيين

11-  محمد صالح العبلي في ذكراه الخالدة

12-  اللقاء الأول مع الحكيم جورج حبش

13-  الشهيد الدكتور محمد بشيشي ( ابو ظفر )

14-  تحية لروح الشهيد د. سعد مهدي شلاش

15-  حسين سلطان... وآخر الذكريات

 

 

 

الذكر الطيب لفقيدنا الدكتور عبد الكريم الغبان

 

باقر إبراهيم – 13 / 11 / 2013

في الخامس من تشرين الثاني / 2013 فقدنا في مدينة هلسنبوري في السويد، شخصية وطنية عزيزة علينا، هو: د.عبد الكريم الغبان،عن عمر ناهز الخامسة والسبعين عاماً.

والفقيد من مواليد الكرادة الشرقية في بغداد، وهو خريج كلية الأقتصاد فيها، ثم أكمل دراسته ونال شهادة الدكتوراه في إقتصاد النفط، في بولونيا، وتزوج هناك.

ألتقيته في السويد قيل سبعة عشر عاماً، وتوطدت بيننا، روابط الصداقة والمودة، خصوصاً بعد أن جمعنا الهم الوطني المشترك، وكذلك المواقف المشتركة للتعبير، قدر الأمكان، عن ذلك الهم الوطني والذي شاركت فيه أيضاً، نخبة طيبة من المناضلين العراقيين والأصدقاء العرب في مدينتنا، وفي المدن القريبة

ما يجدر ذكره عن صفات الفقيد، إنه كان جدياً، محباً للحياة، صادقاً في مشاعره، بشوشاً وأنيقاً، ورغم السنين الطوال، التي عاشها الفقيد بعيداً عن العراق، إلا إنه ظل ملتصقاً بوطنه، يتألم لما يصيبه.

كان قارئاً جيداً ومتابعاً لما يحدث في العراق، يوّثق أبرز الأحداث... وماكان يميّز نقاشاتنا معه، إنها كانت تنطلق دائماً من الحرص على الوطن، حاضراً ومستقبلاً.

سبق وأن زودني د. عبد الكريم الغبان ( أبو ياسر ) بسيرته الذاتية مدوّنة بخط يده، لكني للأسف، لم أعثر عليها، مكتفياً بالأشارة إليها.

ان نخبة من أصدقاء الفقيد، عبروا لي عن رغبتهم أن أكتب ما يخلّد ذكراه، وتعبر هذه السطور القليلة، عن مشاعرهم أيضاً

كان الفقيد، محباً لأبنائه وفخوراً بهم...تعازينا القلبية لأبنه ياسر وأبنته شهرزاد ولوالدتهما ولأخوان الفقيد وجميع أفراد إسرته الكريمة.

 وستظل ذكراه خالدة دائماً.

 

 

 

شاكر السماوي...وداعاً

 

باقر إبراهيم

في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ 2014، فارق الحياة في مدينة ( غوتنبرغ) السويدية، المناضل اليساري، الشاعر، الناقد، شاكر السماوي ( أبو طلعت ) .كانت بداية تعرفي على شاكر السماوي، في الديوانية، عقب ثورة 14 / تموز 1958، حينما كلفتني قيادة الحزب، بتولي مسؤولية منظمة الحزب في لواء الديوانية.

وقد دوّنت في مذكراتي، الصادرة عام 2002، أسماء من أحتفظ بالذكرى الطيبة للعلاقة معهم، من مناضلي الديوانية، ومنهم فقيدنا الغالي شاكر السماوي، والمرحوم أخاه عزيز السماوي.

 تواصلت علاقاتي بشاكر، في بلاد المهاجر، في سورية أولا، ثم في السويد. وأهداني أغلب كتبه التي أصدرها وكان يوّشي أهداءاته بعبارات جميلة صادقة المشاعر، أدرجت مع مقالتي هذه ، نموذجاً عنها.

في مذكراتي، ذكرت مايلي:...أهداني مشكوراً صديقي الشاعر المبدع، شاكر السماوي، قصيدته المؤثرة في رثاء حسن عوينة بعنوان ( مرثية ليست أخيرة ) أدون فيما يلي مطلعها وخاتمتها:

في الساعــــــــــــــــــة الواحد ليلا

قالت لك الخناجر الذئبيــــــــــــة

قامتنا في الهامة المحنيــــــــــــة

            ***

في الساعة السادسة صبــــــــــحاً

تنفس الموتُ على اجفانك المرخية

في الساعة المجهولـــــــة الترقيم

في ثنايا حفر منســـــــية الترقيم   

تستيقظ الجنائز المنســــــــــــية

تطوف في الشوارع الخلفـــــية

توقظ فينا التوبـــــــة الكوفيــة

            ***

يوم وفاته، أخبرني صديقه المقرب إليه، حارث النقيب. إن الفقيد أودع لديه ولدى ابنائه وصية، رجا عدم فتحها إلا بعد وفاته، وفيها يذكر إنه يرغب أن يدفن في مدينته ( غوتنبرغ ) في السويد، وأن لاتقام مراسم العزاء المعتادة عليه، بل الأقتضار على مجلس فاتحة.

عاش شاكر السماوي، معاناة الوطن، معاناة شعبه، وكرس أبداعه للتعبير عنهما وعن آمالهما، عرفناك يا شاكر عصياً دائم العطاء والأبداع، مكافحاً ثابتاً من أجل عراق أفضل، والشعب يسعى للأفضل.

أحر العزاء لأبنائك وأهلك وكل محبيك.

 

 

 

وداعاً فقيدنا الغالي...وليد جمعة  

 

باقر إبراهيم  

 

كنت أبحث عمن يوصلني إلى كوبنهاكن في الدنمارك، لزيارة الصديق العزيز الراقد في المستشفى هناك، وليد جمعة. لهذا الغرض كنت على صلة بالأخ محمد حمزة البدري، الذي وعدني بأن نزور وليد في مستشفاه، وكذلك إتصلت بالأخ قيس الصراف لنفس الغرض، حتى قرأت الخبر المؤسف عن وفاته يوم 18 / أيلول الجاري.

أحببت في وليد وطنيته العراقية الراسخة وجرأته في مقارعة الظالمين والطغاة بلا هوادة، وحتى داخل أحزاب النضال...وأتذكر بعض الأبيات من قصيدة له يصف فيها الصراع الداخلي المؤذي في قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وفي هذه القصيدة باللغة الشعبية، يتحدث وليد عن مصرع باقروجندل ( زكي خيري )...وللأسف لم أستطع العثور على تلك القصيدة.

أحتفظت بقصيدته المهداة إلى سعدي يوسف، في أواخر عام 2002 أذكر مطلعها وخاتمتها:

قسماً بمهد للحضارة

صار مقبرة وطوفانا من الدم

إني لأجزم لو مضى" صدام " سوف يجيىء أصدم

قبل نحو خمسة عشر عاماً، زارني وليد في بيتي في مدينة هلسنبوري، صحبه عبد الأمير الركابي وتولى سعد رحيم، ايصالهما الى داري، وكانت لنا أحاديث متنوعة وممتعة. ومما اتذكره عن تلك الزيارة، أن وليد أعجب بحفيدتي (ديانا حارث ) التي كانت آنذاك في نحو العاشرة من عمرها، طلب إليّ وليد ورقة وقلماً وكتب البيتين التالين في وصفها:

فقدت العقل آنــــه              لأن الحب ديانة

نسيت الناس كلهم              والباقي! ديانا!

كنت أود تذكير وليد بهذه اللقطة الجميلة، حين ألتقيه...لكنها تبقى للذكرى الطيبة.

في اليوم التالي لوفاة وليد رثته الروائية عالية ممدوح، وقالت: " ..صورته هي العراق. لاأحد يشبه العراق، كما هو وليد جمعة، ربما لا أحد يموت ويقوم ثانية وتتساوى لديه الدنيا والآخرة، كما هو هذا الشاعر ".

نم قرير العين يا وليد ، فالعراق الذي أحببت وناس العراق وكل الناس الطيبين الذين نذرت حياتك لهم يظلون يتذكرونك بأعتزاز

تعقيب: شكرا للعزيز عبد الأمير الركابي لتحياته ولملاحظاته المفيدة، وقد صححت بعض معلوماتي في مقالتي اعلاه.

 

 25 / 9 / 2015

 

 

 

 

وصفي طاهر...رجل من العراق

باقر إبراهيم

الكتاب هو ( كتابة وتوثيق رواء الجصاني ونضال وصفي طاهر )، ويقع في (160 ) صفحة. والكتاب غني بالصور التاريخية الواضحة التي أعطت الأحداث التاريخية، ميزة معبّرة.

يجري الحديث كثيراً في الكتاب، عن مذكرات / ذكريات بلقيس عبد الرحمن زوجة وصفي طاهر، وهي غنية ودقيقة في تدوين الأحداث. وقد تكوّن عندي تساؤل عن هذه المذكرات / الذكريات، هل نشرت، أو سينصرف الفكر لنشرها!؟

تصف السيدة بلقيس عبد الرحمن، زوجة الشهيد وصفي، حالة الكفاف التي كانت تعيشها العائلة حين تقول  ص – 115 : " لم يكن لدى وصفي طاهر، أي رصيد في البنك. وقد كان راتبه يكفي بالكاد لتغطية أحتياجات العائلة".

إن حالة الكفاف هذه ، التي عاشها وصفي وعائلته، هي مأثرة إضافية تغني سجل العائلة الحافل بالعطاء والتضحية من أجل الشعب.

يستعرض الكتاب، تشكيلات الضباط الأحرار، الذين مهدوا، ثم قادوا التحول الثوري في 14 / تموز/ 1958 وتظهر هذه التشكيلات، إنها جمعت ووحدت، منذ بداياتها الأولى، الأتجاهات الوطنية، في المشارب القومية والأسلامية واليسارية وغيرها، لتحقيق الهدف السامي، للتحول في الوضع العراقي.

وكانت المأثرة، وستكون، اليوم وغداً، وهي القدرة على الحفاظ على التجمع الموحد، رغم الخلافات، التي تبقى ثانوية، أمام تحقيق ما يمكن أن يجمع الكل.

فالأبتعاد عن هذا التجميع الضروري، كان قاسياً وغالياً على الجميع وعلى العراق وشعبه، لكنه سيبقى عبرة ثمينة للمستقبل.

حين يطلع القارىء على موقف الشهيد وصفي طاهر في يومه الأخير، يرى أنه تجاوز قناعاته الخاصة، وتحلى بالصبر الجميل والتصميم على مقاومة الأنقلاب الغادر، حتى ساعة أستشهاده.

شكراً لمؤلفي الكتاب، والشكر الجزيل للعزيزة، نضال وصفي طاهر،  لأهدائها الجميل لهذا الكتاب. وشكرا للأخ قيس الصراف لجهده في إيصال الكتاب إلي.

 قرأت هذا الكتاب بشغف،، وآمل أن يحتل مكانته في المكتبة العراقية. 20 / 10 / 2015

 

 

 

     شمران الياسري( أبو كاطع ) الغائب الحاضر

 

باقر إبراهيم

أول معرفتي بشمران الياسري، بدأت قبل أن ألتقيه، وذلك عبر الجريدة التي كان محررها، وتصدرها منظمة الحزب الشيوعي في محافظة الكوت ( واسط اليوم) بإسم (الحقيقة).

 

وكانت في واقعها، نشرة شهرية تكتب بخط اليد في البداية، ثم على الآلة الكاتبة لاحقاً.

بفضل أبداعات ( أبو كاطع ) ودعم رفاقه في قيادة منظمة الكوت وعلى راسهم المرحوم محسن عليوي، سكرتير لجنتها المحلية، تطورت تلك النشرة في معالجة الشأن المحلي، ثم توقفت مع عودة صحافة الحزب المركزية العلنية، بدءً بمجلة ( الثقافة الجديدة ) الشهرية، ثم ( الفكر الجديد ) الأسبوعية، وأخيراً ( طريق الشعب ) اليومية، وكان ( أبو كاطع) أحد كتاب تلك الصحف وأشتهر بركنه الثابت في الجريدة بعنوان ( بصراحة أبو كاطع ).

كنت أزوره في بيته في حي المهندسين- بغداد، وأتذكر أن غرفة الأستقبال، ضمت في رفوفها، نماذج من مختلف المصنوعات اليدوية، خاصة ما يستعمله الفلاح العراقي، وكأني به يريد أن تظل صورة ذلك الريف، وصورة فلاحه، غير غائبة عنه وعن زواره، بعد أن أنتقل ليعيش في بغداد، قريباً من قمة الحضارة العراقية، وليس بعيدا أيضاً عن البؤس الواضح في أحيائها الشعبية!

كتب شمران، رباعيته التي تعبّر عن المسيرة التاريخية التي عاصرها، وأعطاني مخطوطاتها، طالباً إليّ أعطاء ملاحظاتي عنها، وما أقترحه من تعديلات فيها.

سررت لذلك الطلب، فقد كانت طلباته عزيزة عندي وكرست لها الوقت والجهد المطلوبين، وكان ضمن مقترحاتي له، أن يحذف فقرة تتناول بوصف مباشر أمور الجنس، عند حديثه عن واحدة من شخصيات روايته.

كتبت في ملاحظاتي، إذا كان ذلك الوصف المكشوف لأمور الجنس، مستحباً في المجتمع الغربي، فهو غير مستساغ في مجتمعنا الشرقي، كما أقترحت عليه، أن يتجنب نشر الجزء الأخير، من الرباعية، الذي تناول أنقلاب شباط 1963 / الدامي وما أعقبه، لأرتباط الحدث عن تلك الفترة بحزب البعث الحاكم آنذاك، وقلت له أحتفظ بهذا الجزء لظرف آخر.

قبل شمران أقتراحاتي وملاحظاتي وصار الكتاب بين أيدي القراء. ومن المفيد الأشارة إلى أن ( ابو كاطع ) قد ذكر بملاحق الرباعية التي طبعت بالخارج، فيما بعد، إلى أن الخبير الذي قدمت إليه مخطوطة الرباعية رفضها، وكان من أسباب الرفض، هو شيوع اللغة العامية والذي كان يتعارض وتوجهات الوزارة لأعتمادها اللغة الفصحى كأداة رئيسية للكتابة.

لكن من المعروف إن الحكاية الشعبية، تفقد الكثير من معناها وجماليتها، وبالتالي تأثيرها، إن هي تحولت إلى الفصحى.

كنت من بين الأصدقاء الذين بادروا بدفع ثمن الكتاب مقدماً قبل طبعه، وكان الثمن ديناراً عراقياً واحداً.

أرسل إليّ كتابه وعليه أهداء يقول فيه: إلى العزيز باقر إبراهيم مع الشكر والمودة ولاتنسى الدينار!! وفي أول مقابلة معه قلت له: " شنو...فرهود؟ الم تستلم الدينار مقدماً؟ " فإعتذر!

بعد أن هجرت داري ببغداد، فقدت مكتبتي وصوري وكل أشيائي العزيزات، ومنها أهداء أبو كاطع ذاك!

كان ابو كاطع، يسألني حين التقيه، ماذا تقترح لموضوع الغد، وفي ركن ( بصراحة أبو كاطع )؟ وغالبا ماكان يوافق على أقتراحاتي لكنه حين سالني ذات يوم نفس السؤال، قلت له إكتب عن الوضع الذي يشغل بال الناس الآن، فقال وماهو هذا الوضع؟ قلت أبو طبر، والمعروف أن الظاهرة التي سميت بهذا الأسم، ذاع صيتها في بداية حكم البعث عام 1968 – 1969 وتمثل بسرقة بعض البيوت يومياً، من قبل عصابة محددة، يرافق السرقة، إثارة الرعب بالمغدورين تصل حد القتل والتمثيل والأغتصاب، ما أوقع سكان بغداد برعب شامل.

سألني أبو كاطع، ماذا أكتب عن ظاهرة أبو طبر؟ قلت حاول أن تعالج الرعب عند الناس، قال: وإذا كنت أنا مرعوب أيضاً!؟ وكان يتحدث بنبرة تشير إلى حالة الرعب. قلت في هذه الحالة، ليس أمامك إلا أن تلجأ إلى خلف الدواح يعالج رعبك! والمعروف أن خلف الدواح هو الشخصية الرمزية التي يأنس شمران لمحاورتها، في كتاباته خاصة عند الأزمات، والبحث عن مخرج.

لم يكتب شمران عن ( ابو طبر ) وأدركت بأن له شكوك في كل الحكاية!

أعرف أن شمران بكتاباته الناقدة بصراحة، وبشدة لمساوىء الأوضاع، مغضوب عليه بسبب ذلك، من سلطة زمانه، وخاصة أجهزتها القمعية. وأستشعارا منه بالخطر المرتقب، سافر إلى الخارج عام 1978، ليبقى هناك. لكن القرارات الحزبية بالموافقة على الهجرة لم تشمله، فإضطر، غير راغب، الأستجابة للامر الحزبي بالعودة إلى الوطن.

راجعني في مقر اللجنة المركزية، في آخر الأيام التي بقيت فيها، قبل إنتقالي إلى الوضع السري، وعرض علي الأمر الحزبي بعودته من الخارج، سائلا موقفي، أي موقف قيادة الحزب، فأعطيته الجواب عن سؤاله، بإشارة فقط من أصبعي، وفهم معناها، بأن يعود من حيث أتى، كما فهم أيضاً لماذا كان جوابي له بالأشارة!

لم اكن أقل شعوراً بالرضى، منه ومن الآخرين، حين يكون ذخرنا من الرجال الموثوقين بعيدين، ولو مؤقتاً،عن خطر التصفية.

ثم حدث شمران بعض الأصدقاء عن ذلك الجواب الفوري الموجز الذي سمعه مني!.

 آخر لقاء لي مع شمران، كان في براغ، في تموز 1981 / حين كنا في وفد حزبي تكوّن من عزيز محمد ومني، وحين أنتهت مهمة وفدنا، كان لنا لقاء مع مجموعة من كوادر الحزب المشاركين في الدورة الحزبية هناك، بينهم شمران.

بعد نهاية عزيز محمد من القاء كلمته في تلك الدورة، كان لي آخر لقاء حار ومؤثر مع شمران، سمعت بعده بأسابيع قليلة، النبأ المفجع بوفاته بحادث سيارة.

نعته صحافة الحزب وصحافة المقاومة الفلسطينية، التي كان يكتب فيها، فالخسارة بفقدان شمران، تمثل فقدان واحد من ألمع الثوار الناقدين للمساوىء والمبشرين بالمستقبل الأفضل لشعب العراق، وخاصة لأكثر العراقيين فقراً، فلاحيه الذين عاش في كنفهم وتخلّق بأخلاقهم. 

 

 

 

  

 

 الثوار ورجاحة العقل السياسي...درس من قبرص

 

باقر إبراهيم

 

كنت قد زرت قبرص عام 1970 كمندوب للحزب الشيوعي العراقي لمؤتمر الحزب التقدمي القبرصي ( أكيل ) ورافقني طيلة الزيارة، وحتى إنتهاء أعمال المؤتمر أحد قادة الحزب هو الرفيق ديمتريوس خريستو فياس الذي كان حريصاً على تعريفي بالوضع في قبرص خارج قاعات مؤتمر الحزب، ومعه زرت في سيارته بعض مدنها والمشاريع الأقتصادية التابعة للحزب آنذاك. وأتذكر إننا تعرضنا لحادث سير بسيط في تلك الرحلة ومر بسلام مع شرطة المرور.

لقد تطورت تلك الفعاليات الأقتصادية والأجتماعية أخيراً، لتكون شبكة أقتصادية تضم المجمعات التجارية والفنادق والمشاركة في شركات صناعية وسياحية وعقارية ونواد رياضية وغيرها.

لابد من التوقف هنا، عند حالة ممارسة حزب سياسي معين، في المعارضة أم في السلطة لهذا النوع من التملك والأسهام في الأنتاج الصناعي والزراعي وغيرها، فإن ذلك يحتاج إلى ثقة عالية بالنفس وإلى الحصانة المناسبة لدى كادره يقيه من التلاعب والفساد، كما جرى لاحزاب شيوعية وثورية أخرى، مارست تلك الفعاليات.

من مآثر حزب أكيل، إنه كان ولايزال في طليعة القوى المناضلة من أجل انجاز الأستقلال الوطني ووحدة قبرص والتغلب على حالة الأنقسام التي تهددها، وكان هذا الحزب وما يزال، ركناً مهماً للحفاظ على وحدة الحركة الشيوعية والعمالية العالمية وحركة التحرر الوطني لشعوب المنطقة، ووقف إلى جانب قضايانا العربية وفي مقدمتها التضامن مع الشعب الفلسطيني، من أجل إقامة دولته المستقلة، وإلى جانب شعبنا العراقي ضد الحصار والحروب ومن أجل تحرره من ربقة الأحتلال الأمريكي.

أتذكر أن قادة حزب أكيل حدثوني آنذاك عام 1970، بأن الحزب يستطيع، أستناداً إلى شعبيته الواسعة، أن يستلم زمام السلطة، لكنه لايجد في ذلك مصلحة له أو لشعب قبرص، بسبب حساسية الوضع الدولي، وبسبب موقع قبرص وعلاقتها.

ورغم أن هذه الفكرة سمعتها عام 1970، حين كان الأتحاد السوفيتي والمعسكر الأشتراكي، في أوج عظمته، فإن النظرة البعيدة والموقف السياسي العقلاني، لقيادة حزب أكيل، لم يكن ليفهم من قبل بعض الرفاق والأصدقاء الذين حدثتهم عنها، حين قالوا: إننا نستغرب أن يستطيع حزب سياسي أخذ السلطة ولايفعل!

في 24 / شباط ( فبراير ) / 2008 أعلن فوز الشيوعيين القبارصة برئاسة الدولة في هذه الجزيرة الصغيرة الوادعة التي تجاور عالمنا العربي في البحر الأبيض المتوسط.

لم يكن هذا الفوز غريباً عن المكانة التاريخية للشيوعيين القبارصة، التي حققوها بفضل نضالهم البطولي الطويل لتحرير قبرص من الهيمنة البريطانية وإنجاز أستقلالها.

فهم لعبوا دوراً مشهوداً في ذلك النضال بتعاونهم مع الجبهة الوطنية للتحريرالتي يقودها الوطني الراحل الاسقف مكاريوس، الذي صار أول رئيس لقبرص بعد أستقلالها.

وقد أشغل من تحدثت عنه أي الرفيق ديمتريوس خرستوفياس السكرتير العام للحزب، منصب وزير خارجية قبرص، ثم رئاسة البرلمان عام 2001 ثم تجدد انتخابه عام 2006، كما اشغل شيوعيون آخرون وزارة الداخلية ووزارة العمل، وإن أكثر من 60% من إدارات البرلمان والمجالس المحلية هي برئاسة الشيوعيين وتحالفاتهم الديمقراطية.

إن تلك النظرة البعيدة، ورجاحة العقل السياسي، لدى الثوريين هي التي جعلت حزب، أكيل يحافظ على مكانته الشعبية، بل يوسعها، بعد الردة على النطاق العالمي، وهي التي أهلت رئيس الحزب لأن يصبح رئيس الدولة اليوم، بنسبة 53،36%، رغم بقاء قبرص بذات الصفة الأجتماعية والسياسية السابقة، أي دون أن تصبح دولة أشتراكية!

   رسالتي بتاريخ: 26 / 8 / 2001 إلى الرفيق العزيز ديمتريوس خريستوفياس

 آمل إنك تتذكر علاقات الصداقة التي تربطنا، حينما شاركت في مؤتمر حزب أكيل عام 1970، ممثلا للحزب الشيوعي العراقي.

لقد كنت في نيقوسيا في 21 / آب ( أغسطس ) 2001، ولفترة وجيزة حاولت خلالها مقابلتكم، ولم يسعدني الحظ بذلك، حيث كنتم خارج البلاد آتذاك.

أني بحاجة إلى بعض المعلومات الموجزة عن ذلك المؤتمر، بخاصة وعن حزبكم عموماً، بما يغني مذكراتي عن تلك الفترة.

تحياتي للرفيق اندرياس كبريانو، عضو قيادة حزب أكيل الذي التقيته، في ندوة فكرية للحزب الشيوعي السوري، في 27 / تشرين الأول ( إكتوبر ) / 1994.

ولكي أحيطكم علماً، بموقفي السياسي الراهن، أرجو الأطلاع على الموجز المرفق عن سيرتي الذاتية

           يهمني ويسرني أن أظل على صلة بكم / مع تحياتي.

 18 / 11 / 2015

 

 

 بعض من ذكرياتي مع الجواهري 

 

باقر إبراهيم

محمد مهدي الجواهري، يعتز به الذين يتعرفون عليه شخصياً، فمأثرته التي تبعث على الاعتزاز، بلغت أبناء الشعب، دون أن يلتقيه أكثرهم.

من جانبي، فقد زادتني المعرفة الشخصية بالجواهري، فهماَ أكثر له وأعتزازاً أكبر به. فقد كان أول تعرفي المباشر عليه، بمكالمة تلفونية ودّية في براغ، في كانون الأول / 1971 من دار عادل حبه الذي كان آنذاك المسؤول عن تنظيم الحزب في الخارج، وممثله في مجلة ( قضايا السلم والأشتراكية ).

أما اللقاء الثاني، فكان في دار فخري كريم، حين دعى الجواهيري إلى جانب نخبة من قادة الحزب الشيوعي، بينهم زكي خيري، وعبد الرزاق الصافي ومهدي الحافظ وماجد عبد الرضا وكاظم حبيب، وأغلب كادر الحزب الأعلامي والثقافي.

لم تكن قد مضت حقبة طويلة آنذاك، على أعلان ( الجبهة الوطنيةوالقومية التقدمية ) بين حزبي البعث والشيوعي، في تموز / 1973، وقد أستلطف الحاضرون تعليقات الجواهري، عن تلك الجبهة، حين عبّر عن شكوكه بجديتها وجدواها، والتي لم تستطع أن تبددها، الرعاية المبالغ فيها، التي أحاطته بها السلطة الجديدة.

قال الجواهري، أن جبهتكم هذه شبيهة بجبهة الحلّي، فألح عليه الحاضرون أن يحدثنا عن جبهة الحلّي، فذكر أن أحد الشعراء، أرّخ، كالعادة، لميلاد أبنة صاحبه، الشاعر الحلًي والتي سماها" جبهة " فقال:

وما جبهة الحلّي وهي رفيعة...بأرفع- أرّخ – من محك خناثها!

بذلك النموذج، من الأدب المكشوف – وعذراً للقارئ – عبر الجواهري عن ( الجبهة الوطنية ) التي أعتبرها ( أضيق من جبهة الحلّي )!

أرتاح الجواهري للأجواء الودية في ذلك الحفل وطالبه البعض أن ينهي هجرته ليطيل أقامته في الوطن، فقال وهو يحيط بيديه شابتين من المدعوين، ولماذا أعود وأنا محاط بمثل هذه الرعاية الحلوة!

ثم راح يستذكر بعض قصائده القديمة، وفقاً لرغبة الحاضرين، وربما جرى تسجيلها، وحين كان يتوقف أو ينسى بيتاً من شعره يذكّره بعض الحاضرين بما نسيه. لكن واحداً من شغيلة مقر الحزب علّق على نسيانه قائلا: " كبر " وكررها ثانية، فأجابه الجواهري بأمتعاظ : " كبر بعقلك " ! وقد عاتبني مهدي الحافظ، على أشراك من لايحسنون التصرف ، بمثل هذه المناسبات.

من لايعرف الجواهري، فأياه أن يمسه. فذكرتني تلك الحادثة، بما كنت قد سمعته عن رد الجواهري الجريىء على عبد الكريم قاسم حينما دخل معه بمشادة في واحدة من لقاءاته الأخيرة معه.

آخر لقاءاتي مع الجواهري، كانت في داره في دمشق أعوام 1986- 1987، وفي أحدى زياراتي له، كان الحاضرون، أنا وزوجتي أم خولة والمرحوم عامر عبد الله وماجد عبد الرضا، وصادق الجواهري ( أبو إبراهيم ) إضافة إلى عائلة الجواهري.

من ذكرياته التي حدثنا عنها، وصفه لحالة الفقر المدقع التي كان يمّر بها في شبابه في النجف، وقال أن بعض الأقرباء، كانوا يساعدوننا ومنهم والد هذا الطيب وأشار إلى صادق الجواهري.

قال صدقوني، أني أنتهزت ذات مرّة غفلة بائع الرقي، فدحرجت رقية بعيداً عن أنظاره وسرقتها!

طالبه المرحوم عامر عبد الله، أن يحدثنا عن واحدة من مغامراته العاطفية، فلم يتردد، وقال حين عمل في الملحقية الثقافية في السفارة العراقية في باريس أقام في دار لوحده. ذات يوم مطير طرقت باب الدار ففتحتها، وإذا بشابة غاية في الجمال وسبحان الخالق! قالت: داهمني المطر وأنا أنتظر موعداً هنا، فهل تسمح لي بالدخول؟ تملكته فرحة بالغة وأجاب: بكل سرور. قال جلست، فسألتها عن فنجان قهوة، فأجابت بذات السرور، تشجعت وسالتها بعد حين وهل لك في كأس شراب قالت بكل سرور!

ومرّ وقت لطيف لتنظر في ساعتها اليدوية وترجوني الخروج للشارع للتأكد من قدوم صاحبها إلى الموعد وأعطتني أوصافه. خرجت وقد تملكتني أمنية جامحة في أن لايحضر! لكنني وجدته في الموعد، فعدت لأخبرها، أنا الغبي، بقدومه! أما كان بمقدوري أن أخبرها العكس!

كنا نسمع الجواهري، وهو يتحدث بمصداقية عن مشاعره الطبيعية، ومعنا كانت المرحومة زوجته أم نجاح، تشاركنا السماع والأستماع بحديثه!

تلك لقطات فقط، من أحاديث كثيرة، ممتعة ومعبرة! وكان يشاركنا الموقف الناقد لأخطاء الحزب الشيوعي آنذاك، ولم يبخل على بعض أفراد عائلته من المناضلين الحزبيين، بتوجيه الأسئلة الأستنكارية عما يراه من خطأ.

الجواهري، كان ينتبه إلى سلوك ضيوفه، ويكوّن فكرة عنهم، وعرفت فيما بعد، من المقربين إليه أن أنطباعه عني كان أيجابياً. وبعد وفاة أم نجاح بعثت له برسالة تعزية، كما نعيته برسالة لأفراد إسرته حين وفاته يوم 27 / 7 / 1997، فقدناه لكنه ظل معطاءً وسيظل!

واليوم، بعد عقود مرّت على العراق وشعبه، من الخراب والهزائم والأنتكاسات، من التقدم والنهوض والثورات، اليوم بعد سنوات من أنظمة الأستبداد الداخلي، وكوارث الأحتلال الأجنبي، نتذكر أن الجواهري، ظل متفائلا ويبعث الأمل بمستقبل النضال الشعبي، حتى في الأيام حالكة السواد، ومنها أيام تموز / 1949 حين قال في خاتمة قصيدته إلى عميد كلية الطب في العراق ( هاشم الوتري ) :

لابد عائدة إلى عشاقها ... تلك العهود وإن حسبن ذواهبا.

 

 

  

يومَ عاد سلام عادل إلى العراق عام 1962

 

     باقر إبراهيم

كنت قد كتبت في مذكراتي مايلي"...كنا في إنتظار عودة السكرتير الأول للجنة المركزية سلام عادل من الخارج...كلفت إلى جانب محمد صالح العبلي عضو المكتب السياسي ومسؤول المنطقة الجنوبية آنذاك، سلطان ملا علي، لتهيئة مستلزمات ما يلزم لتأمين وصوله في حزيران / 1962 عن طريق البصرة. وبعد شهر من البحث في المتطلبات الفنية والتوقعات العديدة، تم وصول سلام عادل الوطن، بطريقة مضمونة ويسيرة".

عند صدور مذكراتي، في آب/ 2002، تجنبت أن أذكر التفاصيل والأيضاحات عن تلك المتطلبات الفنية والتوقعات المختلفة لكيفية وصول سلام عادل بطريقة مضمونة ويسيرة، كما أشرت. وحول هذه الجوانب أكتب بعض ما تخزنه ذاكرتي.

كنت كمسؤول عن لجنة التنظيم المركزي في الحزب، وأشرف على تسفيرات كادر الحزب القيادي سراً، إلى الأتحاد السوفياتي وبلدان أخرى، عن طريق البصرة – إيران. وكان من بين من سافروا عن هذا الطريق سلام عادل وعائلته صيف عام 1961 وقد ودعتهم في ساحة الفتح ببغداد فيما كانت سيارتهم تمرق بسرعة نحو الجنوب.

لم يطل بقاء سلام عادل في الأتحاد السوفيتي كثيراً حيث عاد إلينا صيف عام 1962، وكان علينا أن نستقبله من البصرة، دون أن أفهم أو أتصور في البداية الطريقة التي سيعود فيها. كل مافهمته، إنه سيعود عن طريق البحر وشط العرب، لذلك أعددنا زورقاً بخارياً صغيراً، يقوده ربان ماهر أختير بمعرفة الرفيق سلطان ملا علي.

خلال شهر تقريباً، كان علينا أن نتعرف على واقع رسو البواخر القادمة من الخارج وكيفية الوصول إليها، ولم تكن جولات الأستطلاع والتقصي، التي أمضيناها نحن الثلاث مع رباننا وبعض مرافقينا، تقتصر على البحث والتعرف على مواقع شط العرب لمسافات طويلة. فقد كانت السباحة ملاذا لطيفا لمواجهة القيض البصري الذي لايطاق صيفا.

في أحدى الأمسيات أرتدنا، أنا والعبلي كازينو على كورنيش البصرة. فطلب العبلي كأساً من العرق بينما طلبت أنا البيرة، وكان قبالتي بصري دخل معنا في حديث منفتح ولطيف. ورغم إنه إقترب من حالة الثمالة، لكنه إستطاع أن يعبّر عن شكواه المرة من غدر الأصدقاء وطمعهم فيه! وأنتهت الشكوى بأن أخرجَ حافظة نقوده، ليرميها أمامي قائلا: خذ كل ما أملكه أقدمه لصديق طيب مثلك! شكرت ذلك البصري الطيب وأعدت إليه حافظة نقوده وودعناه بذات المودة وتمنيت لو ألتقيه ثانية!

كان محمد صالح العبلي هو مصدر معلوماتنا السرية. وعصر اليوم الأخير من مهمتنا توجهت وأياه، في ا